بين الربيع الفاسد وذكرى "النصر".. كيف أصبحت شعبية بوتين؟
في الذكرى اليوبيلية الـ75 للنصر في الحرب الوطنية العظمى الذي تحتفل به روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة، ألغيت المسيرة الكبرى التي كان مقررا إقامتها في 9 مايو/ أيار 2020 بموسكو، وتم تأجيل الاستفتاء على الدستور، إضافة إلى انهيار الاقتصاد.
بهذه الكلمات استهلت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية تقريرا عما وصفته بـ"الربيع الفاسد لفلاديمير بوتين"، حيث يعاني النظام في ظل اقتصاد متدهور وتدني مستويات المعيشة وشلل النظام السياسي.
لوفيجارو قالت: إن "ذكرى انتهاء الحرب العالمية الثانية، كان الحدث العظيم لعام 2020، والذي يصادف عقدين من حكم فلاديمير بوتين، حيث نصب كرئيس لروسيا في 7 مايو/ أيار 2000".
ذكرى الانتصار
وأوضحت أنه في التاسع من الشهر الجاري، كان من المقرر أن تحيي روسيا الانتصار على النازية، بحضور عشرات الملايين الذين كانوا سيتجمعون في موسكو حول الرئيس الروسي في الميدان الأحمر.
ونوهت بأن المناسبة كانت ستقام كذلك بوجود العديد من رؤساء الدول بما في ذلك الصيني شي جين بينغ، الحليف الإستراتيجي الرئيسي، وأيضا الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهي علامة على أنه حتى بعد نبذها من قبل المجتمع الدولي بسبب غزوها لشبه جزيرة القرم في عام 2014، تظل روسيا لا غنى عنها.
وأضافت: "لكن بسبب الوباء التاجي، تم تأجيل الاحتفالات، واضطر فلاديمير بوتين يوم السبت (9 مايو/أيار) إلى وضع إكليل من الزهور وإلقاء خطاب متلفز فقط، مع الإبقاء على عرض جوي مؤلف من 75 طائرة، بما في ذلك أكبر طائرة نقل إستراتيجية في العالم أن-124 روسلان (An-124 Ruslan)، والتي أصبحت مطلوبة لنقل السلع الصحية.
وأشارت إلى أنه على الرغم من ذلك، خرج عمدة العاصمة سيرجي سوبيانين، على شاشة التلفزيون ليطلب من سكان موسكو ألا يخرجوا إلى الشارع للاستمتاع بالعرض الجوي والألعاب النارية التقليدية.
وبينت "لوفيجارو" أن فيروس كورونا المستجد، الذي أدى، وفقا لأحدث إحصاء رسمي بتاريخ 11 مايو/ أيار، إلى 221344 إصابة ووفاة 2009 أشخاص، لم يفسد احتفال "يوم النصر" الفخم فقط.
وأكدت على أن الفيروس غيّر كل شيء، مما أجبر رئيس الكرملين على تأجيل الاستفتاء حول الإصلاح الدستوري، الذي كان مقررا إجراؤه في 22 أبريل/ نيسان، وكان يمهد الطريق لاستمراره المحتمل في منصبه حتى عام 2036.
ونوهت إلى أنه في يناير/ كانون ثاني 2020، عين الرئيس الروسي، ميخائيل ميتشوستين رئيسا للوزراء، وهو الذي تولى رئاسة إدارة الضرائب الاتحادية منذ عام 2010، ويعتبر صاحب اختصاص – تم إدخاله إلى المستشفى مؤخرا بعد إصابته بفيروس كورونا- من أجل إحياء اقتصاد عاني من ركود طويل.
وتابعت: "تم التخطيط لبرامج رئيسية تمثل مئات المليارات روبل في الاستثمار"، فوفقا لأندريه كولسنيكوف، الخبير في مركز كارنيجي في موسكو "على رقعة شطرنج فلاديمير بوتين، غيّر الفيروس اللعبة تماما".
وكان بوتين اقترح تغييرات مطلع العام تنص على نقل مزيد من السلطات إلى البرلمان بما في ذلك السلطة لاختيار رئيس الوزراء وأعضاء بارزين آخرين في الحكومة، بدلا من أن يقوم الرئيس بذلك كما هو الحال في النظام الحالي، وتعزيز دور مجلس الدولة الاستشاري، وتشديد شروط الإقامة للمرشحين للرئاسة.
توقعات سيئة
وتقول الصحيفة الفرنسية: إن آفاق النمو كارثية الآن، إذ من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد الروسي بنسبة تصل إلى 6٪ هذا العام، كما أن هناك مخاوف من إفلاس هائل، خاصة بين الشركات الصغيرة والمتوسطة، وسط توقعات بأن تتضاعف البطالة (إلى أكثر من 10٪).
ونوهت أيضا إلى انخفاض عائدات النفط، التي تشكل نصف عائدات الميزانية الروسية، إلى النصف، كما من المتوقع أن ينخفض دخل الروس، الراكد منذ عدة سنوات، بنسبة 5 ٪ عام 2020، ويعود إلى مستوى أقل بكثير (-7.5 ٪) مما كان عليه في عام 2013، قبل غزو شبه جزيرة القرم ، وفقا لأرقام من ألفا بنك.
ويذكر إيجور نيكولايف، مدير معهد التحليل الإستراتيجي لبنك FBK Grant Thornton، أن البلاد لا تزال لديها احتياطيات كافية لمواجهة أزمة عام ونصف بفضل صندوقها السيادي القوي البالغ 150 مليار دولار، لكن في الحقيقة إجراءات دعم الاقتصاد حتى الآن اعتبرت غير كافية إلى حد كبير ومن المرجح أن تستمر الأزمة.
فخلال مؤتمرات الفيديو المتكررة مع المسؤولين الإقليميين، حثهم فلاديمير بوتين على تحمل المسؤولية، لكنه، في نظر الرأي العام، في الخط الأمامي. فوفقا لمقياس معهد ليفادا المستقل، فقد الرئيس الروسي 10 نقاط من شعبيته منذ يناير/ كانون الثاني 2020، بما في ذلك 4 نقاط بين مارس/آذار وأبريل/ نيسان، حيث وصلت إلى 59 ٪.
وتقول "لوفيجارو": في ظل هذه الظروف، فإن تحديد موعد جديد للاستفتاء الدستوري مثل اللغز. فوفقا لأحدث استطلاعات الرأي، ما يقرب من نصف الروس يؤيدون الإصلاح الذي يسمح لفلاديمير بوتين بالبقاء في السلطة بعد عام 2024 إذا رغب في ذلك. ولكن ماذا سيكون موقف الرأي العام إذا تفاقمت الأزمة الاقتصادية؟
بحسب ما ورد، فكرت الحكومة في تأجيل عرض انتهاء ذكرى الحرب العالمية الثانية في عام 1945، إلى 24 يونيو/حزيران 2020، حيث تبنى مجلس الدوما (النواب) الروسي قانونا، لتقديم يوم الاحتفال بعيد "المجد العسكري"، الذي يرمز إلى انتهاء الحرب، من الـ2 إلى الـ3 من سبتمبر/ أيلول من كل عام.
يشار إلى أن العواصم الغربية تحيي ذكرى انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 في مايو/ أيار من كل عام حسب التقليد الغربي.
ففي هذا اليوم تحدث فلاديمير بوتين هاتفيا مع نظيره الأميركي دونالد ترامب والفرنسي إيمانويل ماكرون، ودعاهم إلى إحياء روح التعاون التي سادت بين الحلفاء عام 1945 في سياق أزمة فيروس كورونا التي تجتاح العالم.
لكن الرئيس الروسي أعلن أن محاولات بعضهم إعادة كتابة التاريخ وتحميل الاتحاد السوفييتي وألمانيا مسؤولية اندلاع الحرب العالمية الثانية، هي محاولة يائسة لإجبار روسيا على تبرير ذلك وتحميلها المسؤولية.
وقال بوتين في مقابلة بثت يوم 8 مايو/أيار على قناة الدولة "روسيا 1": هل كنا نحن الذين هاجمنا ألمانيا في 22 يونيو/حزيران 1941 أم أنها هي التي هاجمتنا؟".
غير أن "التلاعب بالأحداث التاريخية التي أدت إلى الحرب العالمية الثانية وتقسيم أوروبا في أعقاب الحرب يعد محاولة مؤسفة لتزييف التاريخ"، كما جاء في بيان مشترك لوزراء خارجية الولايات المتحدة وبلغاريا وجمهورية التشيك وإستونيا والمجر ولاتفيا وليتوانيا وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا.