عبدالله الحامد.. مفكر سعودي طالب بملكية دستورية فمات بسجون ابن سلمان
لم يكن المفكر والناشط الحقوقي السعودي عبدالله الحامد يعلم أنه سيكون شهيد أفكاره الإصلاحية على يد زبانية ولي العهد محمد بن سلمان، وأنه سيلفظ أنفاسه الأخيرة بسبب إهمال السلطات المتعمد وتركه بلا رعاية صحية في السجن حتى الممات.
دفع الأكاديمي السعودي عبدالله الحامد روحه ثمنا لمواقفه وأفكاره، بعد نحو 27 عاما من مطالبته مملكة آل سعود بإجراء عملية إصلاح في منظومة الحكم، يتمكن خلالها الشعب من المشاركة في صناعة القرار السياسي، عبر خطوات تدريجية.
قتل متعمد
في صباح الجمعة أول يوم من رمضان 1441، 24 أبريل/نيسان 2020، صعدت روح الحامد لبارئها، تشكو إلى الله ظلم ابن سلمان، وعبر تغريدة بموقع تويتر، أعلن حساب "معتقلي الرأي" بالسعودية، وفاة الأكاديمي والمفكر السعودي المعتقل عبدالله الحامد.
وحسب "معتقلي الرأي"، فإن الحامد توفي في السجن، نتيجة إهمال طبي متعمد، تسبب بجلطة دماغية للفقيد، فقد على إثرها حياته.
�� عاجل
— معتقلي الرأي (@m3takl) April 24, 2020
إنا لله وإنا إليه راجعون، توفى صباح اليوم الجمعة الدكتور أبوبلال عبدالله الحامد في السجن وذلك نتيجة الإهمال الصحي المتعمد الذي أوصله إلى جلطة دماغية أودت بحياته.#وفاة_عبدالله_الحامد pic.twitter.com/XdOUpJ9Eeb
الحساب الحقوقي حمل السلطات السعودية "المسؤولية التامة عن وفاة الحامد، بعد أن ماطلت في إجراء عملية القسطرة القلبية له لعدة شهور، ثم أهملته عدة ساعات بعد أن أصيب بجلطة دماغية ودخل في غيبوبة"، محذرا من "السكوت على هذه الجريمة، التي قد تتسبب في وفاة آخرين من المعتقلين الأحرار".
من جانبه، اعتبر الناشط والأكاديمي السعودي الدكتور عبدالله العودة وفاة "رمز الإصلاح الدكتور عبدالله الحامد فاجعة"، وأضاف عبر تغريدة على تويتر: أن "الوفاة أتت بعد إهمال طبي متعمّد داخل السجن وتأخير لعملية القلب وتركه لساعات في زنزانته بعد أن أغمي عليه بسبب الجلطة الدماغية التي أصابته".
وأكدت منظمة القسط (غير حكومية) في بيان سابق، أن "الحامد أحد أبرز المعتقلين السياسيين في السعودية يعاني من وضع صحي متدهور، منذ أكثر من 3 أشهر، ولم تقبل السلطات الإفراج عنه رغم سنه الذي شارف على الـ70 عاما".
"شهيد الإصلاح"
لم يكن للحامد من تهمة إلا قلمه الذي نادى من خلاله بالإصلاح، وصوته الذي دعا من خلاله إلى إتاحة المجال للشعب السعودي بالمشاركة السياسية، عبر نظام ملكي دستوري، وتهمة أخرى تتعلق بانتقاد لقب "سمو الأمير".
وفي عام 2013، حكم عليه بالسجن لمدة 11 عاما، بسبب تأسيسه لجمعية "حسم" التي طالب من خلالها النظام بملكية دستورية تسمح بإشراك الشعب في العملية السياسية بالمملكة.
الحامد شارك مع عدد من الإصلاحيين في تشكيل تيار الدعوة إلى الإصلاح السياسي الدستوري، عبر إصدار 3 بيانات: الأول بعنوان "خطاب رؤية لحاضر الوطن ومستقبله عام 2002، والثاني "خطاب نداء إلى القيادة والشعب معا: الإصلاح الدستوري أولا" عام 2003، والثالث "خطاب رؤية لاستقلال القضاء" 2003.
اعتقال متكرر
بدأت رحلة الحامد مع السجون عام 1993، واعتقل بعدها 6 مرات، أول مرة كانت في يونيو/حزيران 1993 مع الدكتور محمد المسعري، و20 من أعضاء اللجنة الشرعية، كما اعتقل أيضا بعدها في عام 1994.
وفي عام 1995 اعتقل على خلفية انتقاده مخاطبة الأمراء بلقب "صاحب السمو"، وهو الانتقاد الذي ورد في كتابه (حقوق الإنسان) قائلا: "لا صاحب سمو ولا صاحب دنو في الإسلام".
وفي مارس/آذار 2003 اعتقل المرة الرابعة مع مجموعة من دعاة الإصلاح السياسي، وفي 8 مارس/آذار 2008 جاء الاعتقال على خلفية موقفه المؤيد لعدد من نساء بريدة للاعتصام السلمي، وحكم عليه بالحبس مدة 6 أشهر وتم الإفراج عنه في 27 أغسطس/آب من السنة نفسها مع شقيقه عيسى المحكوم بـ 4 أشهر على خلفية ذات القضية.
الاعتقال الأخير، تم في 9 مارس/آذار 2013 بعد أن أصدرت المحكمة الجزائية حكمها في محاكمة قضية جمعية "حسم" بسجنه 5 سنوات، وإكمال ما بقي من الحكم السابق في قضية الإصلاحيين الآخرين ليكون المجموع 11 عاما، ومنعه من السفر 5 سنوات أخرى.
سيرة ومسيرة
في 12 يوليو/تموز 1950، ولد عبدالله بن حامد علي الحامد، ببلدة القصيعة في مدينة بريدة، بمنطقة القصيم وسط المملكة، وهو أكبر إخوانه الأحد عشر، 9 منهم ذكور (تعتقل السلطات اثنين منهم، عيسى وعبدالرحمن)، واثنتان من الإناث، وله 8 أولاد، 5 إناث و3 ذكور.
درس عبدالله، الابتدائي في بريدة، والمتوسط والثانوية في المعهد العلمي ببريدة، وتخرج منه عام 1967، وفي 1971 تخرج من كلية اللغة العربية بالرياض، وفي 1974 حصل على الماجستير من جامعة الأزهر في مصر، وفي عام 1978 حصل على الدكتوراة من جامعة الأزهر أيضا.
بدأ الحامد حياته معلما في المدارس الابتدائية، ثم عمل معلما بعد التخرج في المدارس الثانوية في بريدة، وتم تعيينه محاضرا في قسم اللغة العربية عام 1975، ثم أستاذا مساعدا في نفس القسم، ثم أستاذا مشاركا، وفي الأخير أستاذا في عام 1989.
درَّس بصفة أساسية، الأدب والنقد والنصوص والأدب العربي ولا سيما الحديث والأدب المقارن، في الدراسات العليا، كما درَّس أيضا في قسم الشريعة من كلية الشريعة واللغة العربية بالقصيم، مادة (الثقافة الإسلامية)، وكانت حصيلة ذلك الاهتمام المبكر بعلم الاجتماع السياسي، لا سيما المجتمع المدني الأهلي في الإسلام.
عمل عميدا لمعهد تعليم اللغة العربية بالرياض منذ 1980 وحتى 1986، وأثناء ذلك كان عضوا في مجلس الجامعة ومجلسها الأعلى ومجلسها العلمي أيضا، وقام بمهمات علمية وتربوية، في مجال تعليم اللغة العربية لغير العرب في بلدان عديدة عربية وإسلامية وغربية.
في عام 1993، شارك في إنشاء لجنة حقوق الإنسان، وفصل على إثر ذلك من الجامعة، ثم سجن بعد ذلك، عدة مرات، كان آخرها في عام 2013.
بالإضافة إلى تلك الأدوار، مارس الفقيد عددا من الأنشطة والأعمال المستقلة، في نوادي أدبية، ومشاركات في ندوات ومؤتمرات سعودية ودولية، وأنشطة أدبية، ومقالات وأبحاث، معظمها في مجال الأدب والعلوم الشرعية، كما كتب في عدد من الصحف من بينها الرياض والجزيرة ومجلة العرب، والمنهل والفيصل، كما تم استضافته في عدد من برامج الإذاعة السعودية.
مارس الحامد أنشطة علمية وتنويرية خلال مسيرته المعرفية التي استمرت عدة عقود، وكان حاضرا في المشهد الثقافي السعودية، بأدوار تنويرية حينا، ونقدية حينا آخر.
الحامد هو أبرز المفكرين السعوديين والناشطين الحقوقيين، وأحد مؤسسي لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية وجمعية الحقوق السياسية المدنية "حسم"، وأحد أبرز وجوه تيار الإصلاح السياسي في المملكة.
استمرت أنشطة الحامد حتى بعد فصله من الجامعة، لكن نظام ابن سلمان لم يكتف بذلك بل قام بمحاكمته واعتقاله، ثم تسببت بموته في نهاية المطاف.