موقع تشيكي: مصر والسعودية تلهمان المنطقة تكتيكات جديدة للقمع

12

طباعة

مشاركة

نشر موقع "بروجيكت سينديكيت" التشيكي، مقالا للكاتبة ليديا خليل الزميلة ببرنامج غرب آسيا في "لوي إنستتيوت" في مقالها، تحدثت فيه عن موجة جديدة من القمع شهدتها منطقة الشرق الأوسط خلال الشهور، استلهمتها حكومات دول عربية من مصر والسعودية.

وقالت الكاتبة: إن "الطبقة السياسية الحاكمة في العراق ولبنان استخدمت تكتيكات للقمع تحاكي التي استخدمها النظام المصري منذ صعود عبدالفتاح السيسي للسلطة، والسعودية منذ تسلم محمد بن سلمان منصب ولي العهد بالمملكة".

ومضت ليديا خليل تقول: "أظهرت مصر والسعودية أنه عندما تفتقر الحكومة إلى الشرعية، فإن أفضل فرصة لها للإمساك بالسلطة تتمثل في قمع المعلومات غير المواتية".

وتابعت: "لكن تجارب العراق ولبنان تشير إلى أن هذا النهج له حدود في النظم السياسية التي تعتمد على ترتيبات تقاسم السلطة". وأردفت: "منذ عام 2018، انتعشت الاحتجاجات الضخمة المناهضة للحكومة - التي أطلق عليها اسم (الربيع العربي2)- في جميع أنحاء الشرق الأوسط. المتظاهرون ينتقدون الفساد والطائفية والركود الاقتصادي".

وأشارت الكاتبة إلى أنه "مثل الانتفاضات العربية قبل عقد من الزمن، نجحت هذه الاحتجاجات في إقالة القادة الرئيسيين، فقد استقال رؤساء الوزراء في لبنان والعراق والأردن، وتم الإطاحة بالمستبدين القدامى في السودان والجزائر".

وأكدت أنه "في عام 2011، تراجعت الاحتجاجات بعد إجبار القادة على الخروج. ولكن هذه المرة، استمرت في إبراز أزمة الحكم والمواطنة في المنطقة، والتي لا يمكن معالجتها بشكل مناسب عن طريق تدوير الرأس الموجود على بنية سياسية مختلة".

استنساخ التجربة

وبحسب الكاتبة، فقد حاولت القوات الحكومية والمليشيات المرتبطة بها في العراق ولبنان قمع الاحتجاجات من خلال العنف والترهيب، لكن المتظاهرين ظلوا دون ردع.

وأردفت: "نتيجة لذلك، تحولت السلطات في هذه البلدان إلى مثال الحكومات الأكثر استبدادية في المنطقة، مثل مصر والسعودية. لقد نجح كلاهما في قمع المعارضة النشطة بنجاح أكبر - على الأقل في الوقت الحالي - من خلال القمع العنيف للإعلام والتلاعب بالمعلومات، بالإضافة إلى القمع العنيف والاعتقالات".

ونوهت الكاتبة إلى أنه "بالنسبة لقادة هذه البلدان، كانت البيئة المتساهلة لوسائل الإعلام و المعلومات مسؤولة عن الاحتجاجات التي هزت العالم العربي في عام 2011".

ومضت تقول: "في مصر، على سبيل المثال: يشن رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، الحرب على أية حقيقة أو تحليل يتعارض عن بعد مع مصالح نظامه، وهو يسيطر بنجاح على وسائل الإعلام من خلال تغييرات دستورية وتشريعية شاملة".

ورأت الكاتبة، أن "الحكومة المصرية سهّلت عمليات الاعتقال بقوانين إعلامية شاملة تجرم نشر أخبار كاذبة، والتي يقصد بها التغطية التي تتعارض مع تصريحات الحكومة الرسمية، وهناك أيضا مشروع قانون قيد المناقشة يجرّم انتشار الشائعات، مع وجود هيئة خاضعة للإشراف من مجلس الوزراء مسؤولة عن تحليل ما يهمس به الناس فيما بينهم".

ولفتت إلى أن "غارة نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على مكاتب موقع مدى مصر، آخر منفذ إعلامي مستقل رئيسي في مصر، ليست سوى مثال على الهجوم الشامل الذي شنته البلاد على وسائل الإعلام".

وتابعت الكاتبة: "اعتقل مسؤولو الأمن 3 صحفيين، بدعوى أن مدى مصر قد نشر معلومات كاذبة، وأن لهم صلات بجماعة الإخوان المسلمين (التي تعتبرها الحكومة منظمة إرهابية). في الحقيقة، نفذت الحكومة الغارة لتشويه (مدى مصر) بعدما نشر الموقع مقالا غير مبهج عن محمود السيسي".

وأضافت: "في هذه الحالة، تم إطلاق سراح الصحفيين المحتجزين، لكن الكثير منهم لم يحالفهم الحظ"، لافتة إلى أن "مصر والسعودية من أكثر الدول حبسا للصحفيين في العالم، حيث ارتفع عدد الصحفيين والمعارضين المسجونين بشكل مطرد منذ عام 2011".

وبخصوص السعودية، ذكرت الكاتبة أن "ولي العهد السعودي محمد بن سلمان منذ توليه السلطة عام 2017، أشرف على حملة بلا رحمة ضد المعارضين، والتي وصلت إلى حد اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في إسطنبول".

وأشارت إلى أن "ابن سلمان لم يتوقف عند الصحفيين، وأن أي شخص ينظر إليه على أنه معارض سياسي يستحق المطاردة"، لافتة إلى أنه "في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ألقت الشرطة القبض على 8 كتاب ورجال أعمال، معظمهم لم يكونوا معارضين نشطين. اثنان منهم، الكاتبان عبد المجيد البلوي وبدر الراشد، قد أيدوا بشكل علني أجندة الإصلاح الاقتصادي لابن سلمان في محاولة للتكفير عن النقد السابق".

وأضافت: "كما في مصر، زعمت السلطات السعودية أن المعتقلين كانوا يعملون لزعزعة استقرار الحكومة نيابة عن قوة أجنبية. كان هذا هو جوهر حملات وسائل التواصل الاجتماعي التي يديرها المستشار الإعلامي لابن سلمان، سعود القحطاني، لتشويه سمعة الصحفيين والمعارضين".

وأشارت الكاتبة إلى أن "عدم مواجهة السعودية ومصر لعواقب وخيمة وصمودهما أمام ردود الفعل الدولية على القمع والتلاعب بوسائل الإعلام، لم يشجع فقط نظاميهما القمعيين، وإنما أقنع الحكومات الأخرى التي تواجه الاحتجاجات حاليا باستخدام أساليب مماثلة".

مظاهرات العراق

وأوضحت أن "الحكومة في العراق، ألقت باللوم على وسائل الإعلام في الترويج للإحباط الشعبي الذي حرك مظاهرات واسعة النطاق ضد الفساد على نطاق واسع، وارتفاع معدل البطالة، وضعف الخدمات العامة، والتدخل الإيراني".

وبينت الكاتبة، أنه "في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، منعت هيئة الإعلام والاتصالات، بث محطة دجلة العراقية، ومقرها الأردن، وأغلقت مكاتبها في بغداد مؤقتا، إلى جانب مكاتب 11 منفذا إعلاميا آخر، بسبب انتهاكات مزعومة لقواعد الترخيص. كما أصدرت تحذيرات إلى 5 مؤسسات أخرى من أجل تكييف خطابها حول الاحتجاجات، وفق قواعد البث".

ومضت تقول: "احتجزت أجهزة الأمن، الصحفيين، وجرى استهدافهم من المليشيات المرتبطة بها. في العام الماضي، هاجم مسلحون مكاتب 4 من القنوات التلفزيونية في بغداد، ونهبوا الاستوديوهات وسرقوا المعدات، والاعتداء على الموظفين بالمكاتب. وقامت الحكومة بقطع خدمة الإنترنت مرات عدة خلال الاحتجاجات، ما كلف الاقتصاد العراقي خسائر كبيرة".

احتجاجات لبنان

أما في لبنان، الذي يُنظر إليه غالبا على أنه واحة للانفتاح الإعلامي في المنطقة، تؤكد الكاتبة أن "الحكومة تعمل بشكل متزايد على تخويف واعتقال منتقديها في محاولة لإخضاع المظاهرات التي بدأت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019. شكاوى المتظاهرين بشأن إخفاقات الحكومة، بما في ذلك الاستيلاء عليها من قبل نخب الطبقات السياسية، يمكن بسهولة تحريفها إلى تهم إثارة الطائفية، وهو أمر غير قانوني بموجب الدستور. كما أن التشهير هو تهمة أخرى تستخدم لتشويه سمعة المحتجين والصحفيين".

وبحسب الكاتبة، فقد حشد مؤيدو الأحزاب الحاكمة في البلاد قوتهم لتخويف المتظاهرين والضغط على مقدمي الخدمات لإغلاق حسابات وسائل التواصل الاجتماعي لقادة الاحتجاج والصحفيين البارزين.

ومضت تقول: "هذه الروايات مهمة لأن الإعلام اللبناني السائد، الذي تسيطر عليه الأحزاب السياسية، بالكاد غطى الاحتجاجات. كما نشرت وسائل الإعلام الخاضعة للسيطرة السياسية معلومات مضللة وادعت أن القوى الأجنبية دعمت الاحتجاجات في محاولة لإضعاف لبنان".

وتابعت الكاتبة: "مع ذلك، كانت كل من الحكومتين اللبنانية والعراقية أقل نجاحا بشكل ملحوظ من جيرانهم الاستبداديين في استخدام أساليب قمع المعلومات لإبقاء المواطنين في صفيهما. يبدو أن المتظاهرين كانوا عازمين على مواصلة النضال حتى تستجيب حكوماتهم بصدق لمطالبهم، وقد عمل قمع وسائل الإعلام فقط على تسليط الضوء على وسائل الإعلام البديلة وقنوات الاتصال".

وبحسب قولها: فقد "أدركت الأنظمة الاستبدادية منذ فترة طويلة أن تشويه سمعة الصحافة أو قمعها أسهل وأكثر فاعلية من استخدام العنف للحفاظ على السلطة، حتى لو كانت هذه السيطرة على حساب الانفتاح والديناميكية الاقتصادية التي تحتاج إليها هذه البلدان بشدة".

وأردفت: "لكن تجارب العراق ولبنان تشير إلى أن هذا النهج له حدوده. على الرغم من أن كلا البلدين يواجهان تحديات هيكلية عميقة، ولا يزال الصحفيون والكتاب والمفكرون معرضين للخطر، فإن اعتماد أنظمتهما السياسية على ترتيبات تقاسم السلطة حال دون إسكات الأصوات المعارضة تماما".