الأمازيغية.. ما احتمالات تراجع المغرب عن الاعتراف بها كلغة رسمية؟

الرباط - الاستقلال | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 11 فبراير/ شباط الجاري، صادق مجلس النواب المغربي على مشروع قانون تنظيمي يتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، أثار جدلا في البلاد، بعد أن رأى كثيرون أنه يستهدف اللغة الأمازيغية.

ومن المرتقب أن يعرض مشروع القانون على المحكمة الدستورية للتأكد من مدى مطابقته للدستور، قبل نشره في الجريدة الرسمية. ويعتبر المجلس مؤسسة وطنية دستورية مستقلة ومرجعية في مجال السياسة اللغوية والثقافية، كما يتمتع بالاستقلال المالي والإداري.

وتفاعل نشطاء مع القرار بعد إلحاق المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ومعهد الدراسات والأبحاث للتعريب بالمجلس في ديسمبر/كانون الأول الماضي، معتبرين أنها "انتكاسة" في حق اللغة الأمازيغية التي اعترف بها المغرب رسميا في عام 2011. 

ووصف الباحث في الثقافة الأمازيغية والحقوقي البارز، أحمد عصيد، الخطوة بـ"المرتبكة"، مشددا على أنها "دليل على غياب إستراتيجية واضحة لدى الدولة، وأن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كان ثورة ثقافية". وقال المتحدث: إنه جرى "تذويب المؤسستين داخل المجلس".

وأشاد عصيد في تصريح صحفي بعمل المعهد، قائلا: إن "أمازيغ ليبيا نسخوا حرف إيركام، كما أن المعهد هو من صحح كتبهم الدراسية"، مؤكدا أنه "بعد كل هذا النجاح يأتي التقزيم"، وهذه "خطوة لا تنفع البلد".

وطالب عصيد بـ"الإبقاء على المعهد مستقلا بحكم عمله الجيد على امتداد سنوات، خصوصا في علاقته بالمجتمع المدني". وتحدى المنتقدين أن "يأتوا بمؤسسة على امتداد تاريخ المغرب اشتغلت كما إيركام (المعهد)، بحيث أسس الكتاب المدرسي ووضع قواعد الصرف والتحويل".

قضية سياسية

عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالمغرب والباحث المخضرم في مجال اللغة والثقافة الأمازيغية، أحمد بوكوس، أرجع السبب إلى عدم وجود تكافؤ بين القوى المساندة للعربية والأخرى الداعمة للأمازيغية.

وقال في حوار صحفي: "يجب إعادة التفكير في طريقة اشتغال النخب السياسية". ويطرح هنا سؤالا آخر: ما هو الوزن السياسي للقضية الأمازيغية على اعتبار أنها قضية سياسية؟

ويتابع: "هكذا تم التعامل معها سنة 2001، ثم وجدت لها الدولة حلا ثقافيا، والآن يتبين أن هذه المقاربة تتجه نحو النفق، وبالتالي لا بد من إعادة النظر وتمتيع المعهد من سند سياسي قوي".

ولم يخف المتحدث أنه يتمنى تدخل عاهل البلاد، قائلا: "نحن مؤسسة أحدثها الملك، وقدم لنا على الدوام السند والدعم، مثلا المقر لم يكن ممكنا أن يشيد لولا دعم الملك محمد السادس، وبالتالي القضية الأمازيغية لا بد من أن تكون محتضنة من قبل الدولة".

ظروف الاعتراف

في عام 2011 وبعد الحراك الذي عرفه المغرب استجابة لثورات الربيع العربي، جرى الاعتراف دستوريا باللغة الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية، بعد التعديل الذي طال الدستور.

أُنشئ المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بمرسوم أصدره الملك محمد السادس في أكتوبر/تشرين الأول 2001، من أجل تقديم المشورة بشأن سبل تطوير وصيانة اللغة والثقافة الأمازيغية، والإسهام في هذا الجهد عبر برامج للبحث العلمي تتناول الثقافة واللغة الأمازيغية وتسعى لإعادة تثمينها ودمجها في المنظومة التربوية والثقافية والإعلامية للبلد.

حُددت أهداف المعهد في تثمين وترقية وإدماج اللغة والثقافة الأمازيغية في النظام التربوي وفي الفضاء الإعلامي والثقافي المحلي. ولتحقيق هذه الأهداف، جرى تأسيس مراكز للبحث داخل المعهد أُنيطت بها مهمة الإحاطة بالثقافة واللغة الأمازيغية في مختلف أبعادها.

ونجح في تحقيق إنجازات شاهدة، منها مثلا وضع مناهج وكتب مدرسية باللغة الأمازيغية كان لها إسهام بالغ في إدخال الأمازيغية إلى المدرسة، كما وضع المعهد تصورات حول الإعلام العمومي ومكانة الأمازيغية فيه.

وكان له الفضل في تحسين مضامين البرامج التلفزية الأمازيغية من خلال اتفاقيات التعاون التي تربطه بمؤسسات الإعلام الرسمية وشبه الرسمية والتي يُقدم من خلالها النصح والتوجيه لهذه المؤسسات في ما يتصل باللغة والثقافة الأمازيغية عموما.

وعلى الرغم من ترسيمها ظل النقاش قائما حول الصيغة، حيث رأى البعض بأن حديث الدستور حول أن "تظل العربية اللغة الرسمية للدولة.. وتعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة"، بفيد بأنهما غير متساويتين.

ولبلوغ ذلك، سعى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية إلى استكمال المشروع الذي وُجد من أجله، وقد انخرط في برامج تعاون مع قطاعات عدة منها الإعلام والثقافة والتربية والتعليم، بهدف تيسير وتشجيع دمج الأمازيغية في هذه المجالات الحيوية.

اختصاصات أوسع

منح مشروع القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية عددا من الصلاحيات أبرزها: إبداء الرأي في كل قضية من القضايا التي يحيلها عليه الملك في مجال اختصاصه، واقتراح التوجهات الإستراتيجية للسياسة اللغوية والثقافية التي سيتم اعتمادها في مجال الحياة العامة، قصد دراستها وعرضها للمصادقة.

يتخصص المجلس في دراسة البرامج الكبرى اللازمة لتنفيذ التوجهات المذكورة التي تعدها الحكومة، وتتبع تنفيذها. وأيضا إبداء الرأي بمبادرة منه، أو بطلب من الحكومة أو أحد مجلسي البرلمان في مشاريع ومقترحات القوانين ومشاريع النصوص التنظيمية ذات الصلة بمجال اختصاصه.

وتقترح المؤسسة التدابير الواجب اتخاذها لحماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية، إضافة إلى إنجاز الأبحاث والدراسات ذات الصلة بمجال اختصاصه، واقتراح التدابير الواجب اتخاذها من أجل تيسير تعلم وإتقان اللغات الأجنبية.

يتألف المجلس علاوة على رئيسه الذي يعين بظهير لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة من 29 عضوا مع العمل على احترام مبدأ المناصفة، يتوزعون على ما يلي:

6 خبراء في مجال التنمية اللغوية ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية يعينهم الملك و9 أعضاء يمثلون المؤسسات والهيئات الوطنية أعضاء بالصفة، و4 ممثلين عن الإدارات العمومية يعينون بمرسوم وعضوان يمثلان الجامعات ومؤسسات التكوين و8 أعضاء يمثلون الجمعيات والمنظمات غير الحكومية

إقبار المعهد

الناشط الأمازيغي مصطفى أوموش، قال: إن هذا القرار يعد "إقبارا للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، على اعتبار أنه لم يعد مستقلا كما في السابق، إذ سيصبح تابعا للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وسيُمسي مديرية على غرار مديريات أخرى تعمل تحت إمرة المجلس".

وأردف أوموش، في تصريح للصحافة: بأن "هذا القرار ليس في صالح الأمازيغية، لأنه سيضرب عرض الحائط الاستقلالية المالية للمعهد".

وزاد: "هذا الوضع الجديد نعتبره تراجعا عن المكتسبات التي حققتها الحركة الأمازيغية منذ عقود، لأن الميزانية التي كانت مخصصة للمعهد ستتقلص بطبيعة الحال، ولن تتأتى له مواصلة الأبحاث والدراسات بالزخم نفسه".

وأورد الناشط نفسه: "تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية اعتبرناه مكسبا بفضل نضال الحركة الأمازيغية لسنين، ولن نخفي أن هذا الضم أغضبنا لأنه أقبر مكسبا أساسيا.. وهذه التراجعات تحدث في ظل هذه الحكومة المحافظة منذ ترسيم الأمازيغية في دستور 2011".

تراجع عن المكتسب

هذا الضم ليس في صالح المعهد ولا الملف الأمازيغي بشكل عام، بحسب الناشط والحقوقي الأمازيغي، عبد الله حتوس، والسبب الأول في اعتقاده هو أن المعهد كان يتمتع بصلاحيات كبرى.

هذه الصلاحيات لم تكن فقط على مستوى الدور المنوط به، وإنما الإمكانيات التي يتوفر عليها، على مستوى الحرية النسبية في اتخاذ بعض القرارات التي تهم الأمازيغية، خصوصا فيما يتعلق بإعداد اللغة واشتغال المديريات داخل المعهد.

وأيضا على مستوى الإمكانيات التي يتيحها الظهير المحدث للمعهد مقارنة مع وضعه الآن داخل بنية المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.

المعهد ورغم أنه لا زال محتفظا بنفس المهام لكنه يشتغل في إطار أوسع وليست لموظفيه وإدارته الحرية في اتخاذ الكثير من القرارات المتعلقة بالمهام الموكولة له، يضيف المتحدث لـ"الاستقلال".

لا يرى حتوس أن الأمر يصل إلى حد التراجع عن مكتسب ترسيم اللغة الأمازيغية، وأن المكتسبات لا تزال موجودة، وما تغير هي وضعية المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. والمجهود الذي كان سيبذل للاشتغال على اللغة الأمازيغية داخل المعهد في صيغته القديمة ليس نفسه.

ولفت الناشط إلى وجود قانون تنظيمي بشأن تفعيل الطابع الرسمي، والذي صادق عليه البرلمان، مبينا أنه "ليس هناك أي نوع من التراجع، كل ما في الأمر أن هناك تغييرا في بنية وإمكانيات الاشتغال".

ويضيف: "الحركة الأمازيغية في المغرب تتمنى أن يحتفظ المعهد بنفس المهام التي كانت لديه في صيغته القديمة، وفي حال لم يحصل، ندعو مكونات الحركة لبذل مجهود أكبر حتى تُنصف الأمازيغية داخل بنية المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، من خلال ما سيتخذه من قرارات وما سينكب عليه من أعمال".

فوضى لغوية

رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، فؤاد بوعلي، قال: إن معهد التعريب مؤسسة جامعية ويتبع لوزارة التربية الوطنية، وأن النقاش الدائر حول المقارنة بين المعهد الأمازيغي ومعهد التعريب "مغلوط ومؤدلج".

وأشار بوعلي إلى أن هناك مستفيدين من هذه الفوضى اللغوية، مقرا بأن "غاية المُشرع من وضع هذا المجلس هي ضبط الفوضى اللسانية، وهذا الأخير هو المؤهل باعتباره مؤسسة دستورية لينظم ويقدم اقتراحات لضبط الفوضى، وإعطاء المكانة الحقيقية للغتين الرسميتين للبلد".

كما أورد المتحدث ذاته أن "الحديث عن أن هذا المجلس سيُفرغ الأكاديمية والمعهد فيه نقاش"، معتبرا أن "هذا الموضوع فيه مزايدات"، وأن "هناك مستفيدين من هذا الوضع اللغوي بالمغرب ماديا قبل أن يستفيدوا منه معنويا"، وزاد: "سواء كانت هاتان المؤسستان داخل المجلس أو خارجه فالأهم أن تعطى لهما مكانتها الحقيقية".

رد الحكومة

الناطق الرسمي باسم الحكومة ووزير الثقافة والشباب والرياضة، الحسن عبيابة، حسم الجدل قائلا: إن الحكومة تعتبر حذف المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية إجراء قانونيا ودستوريا.

وأوضح عبيابة أن "ما وقع هو أن القانون المنظم لمؤسسة أكاديمية محمد السادس للغات ينص على دمج معهد التعريب في هذه المؤسسة بعد ثلاث سنوات من إحداثها"، مضيفا أن "هذه الأكاديمية تأخرت في الخروج، وبالتالي لم يحدث إدماج معهد التعريب في هذه المؤسسة".

وكشف الوزير أن النقاش القانوني في البرلمان أفضى إلى أن "معهد التعريب مؤسسة جامعية تابعة لجامعة محمد الخامس، تخضع لقانون التعليم 01.00، وبالتالي لا يمكن ضمه إلى المجلس الوطني للغات".

وأبرز الناطق الرسمي باسم الحكومة أن "النقاش كله كان لتجويد النص، وأنه مكسب للجميع وليس هناك تراجع بل تجويد النص" في إشارة إلى النقاش الحاصل حول القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات".

وكانت لجنة التعليم والثقافة بمجلس النواب، قد قررت في أكتوبر/ تشرين الثاني، تأجيل التصويت على مشروع القانون التنظيمي رقم 04.16، المتعلق بالمجلس الوطني للغات كما وافق عليه مجلس المستشارين، بسبب”إقبار” المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في مؤسسة المجلس الوطني للغات، مقابل الحفاظ على معهد التعريب كمؤسسة مستقلة.