عبدالرحمن اليوسفي.. مناضل يساري أنقذ المغرب من "سكتة قلبية"

12

طباعة

مشاركة

"عبدالرحمن اليوسفي قاد تجربة سياسية فريدة، الأولى من نوعها في تاريخ المغرب المعاصر، ساهمت كثيرا في إنقاذ البلاد من سكتة قلبية حقيقية"، هذا رأي رجل السياسة الدكتور إدريس الكراوي عن السياسي المغربي والمناضل اليساري.

في كتابه "عبدالرحمن اليوسفي: دروس للتاريخ"، الذي يستعد لتوقيعه يوم الثامن من فبراير/ شباط، يقول الكراوي عن الرجل: "كان لا بد، أخلاقيا واعتباريا، واهتداء بفضيلة الاعتراف، التأريخ لعطاء هذا الرجل الاستثنائي، من خلال عرض الجوانب البارزة من سيرته ومسيرته، والتعريف بمضمون الإصلاحات الهامة التي أسست لها حكومة التناوب.

"الزعيم السياسي" كما تصفه الصحف المغربية قاد حكومة التناوب في الفترة الممتدة ما بين مارس/آذار 1998 وأكتوبر/تشرين الأول 2002.

فارق الحياة الجمعة 29 أيار/ مايو 2020 بعد المكوث في المستشفى لأقل من أسبوع بسبب آلام على مستوى الصدر، سببها الحجر الصحي مع انتشار فيروس كورونا، واقتصار تنفسه على رئة واحدة فقط.

بترت رئة اليوسفي منذ خمسينيات القرن الماضي، وعانى من مرض السرطان، بالإضافة إلى جلطة دماغية أصابته في فترة حكومة التناوب.

 فمن هو منقذ المغرب من "السكتة القلبية"، على حد تعبير الملك الراحل الحسن الثاني؟

رجل التناوب

يتجنب رجل السياسة المغربي الحديث لوسائل الإعلام والظهور منذ اعتزاله العمل السياسي سنة 2003، حيث عين الملك محمد السادس وزيرا أول من التكنوقراط بديلا عن اليوسفي الذي كان يشغل حينها منصب زعيم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (يساري) الذي تصدر الانتخابات التشريعية لعام 2002، وهو ما اعتبره انحرافا عن الديمقراطية.

سبق ذلك 4 سنوات تولى فيها اليسار منذ عقود، قيادة الحكومة برئاسة اليوسفي. لم يكن اليساري سياسيا عاديا، بل كان أحد المعارضين للحسن الثاني، سافر إلى فرنسا في نوفمبر/تشرين الثاني 1965 للإدلاء بشهادته كطرف مدني في محاكمة مختطفي المهدي بن بركة -أشد معارضي النظام آنذاك الذي لا تزال ملابسات اختفائه مجهولة إلى الآن- وبقي هناك لمدة 15 سنة في منفى اختياري.

حكم على اليوسفي غيابيا في المغرب وطالب المدعي العام بإصدار حكما عليه بالإعدام في 1975، ثم صدر حكم العفو عنه في 20 أغسطس/آب 1980، فعاد إلى المغرب في أكتوبر/تشرين الأول من نفس السنة.

انتخب كاتبا عاما (أمينا عاما) لحزب الاتحاد الاشتراكي في 8 يناير/كانون الثاني 1992، ثم استقال منه بعد إعلان نتائج الانتخابات التشريعية عام 1993 احتجاجا على ما وقع فيها من تلاعب، وعاد إلى فرنسا.

عاد من باريس بعد ضغوط من قبل زملائه وفي سياق الأجواء السياسية الجديدة في البلد والرغبة التي أبداها الملك الحسن الثاني لإشراك المعارضة في الحكم وفتح باب المصالحة.

وهو ما تحقق بعد مفاوضات متعثرة ومتقطعة بعد أن قبل عبدالرحمن اليوسفي عرض الملك الحسن الثاني بقيادة "حكومة التناوب"، وعين وزيرا أولا في 4 فبراير/شباط 1998 لغاية أكتوبر/تشرين الأول 2002.

بعد ذلك بسنوات، قال اليوسفي: إن حكومته واجهت "إرثا ثقيلا وصعوبات عدة وإكراهات متنوعة، ورغم ذلك حرصت على وضع إصلاحات اجتماعية كبرى همت فئات عريضة من مجتمعنا".

أحاديث اليوسفي

بعد 15 سنة أخرى من العزلة قرر اليوسفي في 2018 بعدما بلغ عقده التاسع أن يقدم شهادته ويكتب مذكراته عن مرحلة مهمة وفاصلة من تاريخ المغرب.

تحدث اليوسفي عن مفهوم "التناوب" في مذكراته "أحاديث فيما جرى"، عندما قال: "كنت أجتمع مع جلالته على الأقل مرة في الأسبوع، وفي بعض الحالات كنا نجتمع عدة مرات، ونلتقي كل أسبوع لتحضير جدول أعمال الاجتماع الحكومي الأسبوعي".

وتابع: "كما كنا نعقد اجتماعا خاصا لتدبير جدول اجتماعات المجالس الوزارية. هذا بالإضافة إلى الاجتماعات الطارئة كلما اقتضت الضرورة ذلك، سواء في ما يخص القضايا الوطنية أو الدولية، التي نتبادل خلالها الآراء قبل اتخاذ القرارات الضرورية".

وعن الإرث الثقيل الذي واجهه تحدث اليوسفي في نفس المذكرات عن "جيوب المقاومة" وتحديدا الرجل القوي في عهد الحسن الثاني، وزير داخليته إدريس البصري.

وقال اليوسفي: "منذ أن اختار الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نهج النضال الديمقراطي، والمشاركة في جميع الاستحقاقات المحلية والتشريعية، كان إدريس البصري يهيمن على ما أطلق عليه "أم الوزارات"، أي وزارة الداخلية، التي كانت لها اليد الطولى في تزوير الانتخابات وفي صنع الأحزاب الإدارية قبل أي استحقاق لتحتل المراتب الأولى فيه".

وأضاف: "عندما اقترح علي المرحوم الملك الحسن الثاني، الاحتفاظ بإدريس البصري وزيرا للداخلية في حكومة التناوب التوافقي لأن مجلس الأمن كان ينوي إجراء الاستفتاء في أقاليمنا الجنوبية، سنة 1998، ولكونه كان ممسكا بهذا الملف لأزيد من 15 سنة، فضلت أن يكون ضمن الطاقم الحكومي، بدل التحاقه بالديوان الملكي، ويصبح في موقع لن يتردد في استغلاله من أجل وضع عراقيل من شأنها تعقيد طرق الاتصال بجلالة الملك، وبالتالي عرقلة النشاط الحكومي".

صعب المراس

قاد اليوسفي الحكومة المغربية، في مرحلة صعبة كانت تمر بها البلاد، بعد وفاة الملك الراحل الحسن الثاني (23 يوليو/تموز 1999)، وتولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم.

ولد اليوسفي في 8 مارس/آذار 1924 في مدينة طنجة (شمالا)، وفارق الحياة الجمعة 29 مايو/ أيار 2020 بعد معاناة طويلة مع المرض، عن عمر يناهز 96 سنة.

حاز على إجازة في القانون فضلا عن دبلوم الدراسات العليا في العلوم السياسية، ودبلوم المعهد الدولي لحقوق الإنسان. انخرط في سن مبكرة في العمل السياسي، وهو لا يزال في ريعان شبابه عندما كان عمره 19 عاما.

في عام 2002 احتل الحزب المرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية، ولكن العاهل المغربي عين وزير داخليته السابق، إدريس جطو، غير المنتمي لأي حزب على رأس الحكومة، إلا أن اليوسفي اعتبر أن المغرب حاد "عن المنهجية الديمقراطية"، واعتزل العمل السياسي بعد أن خرج من قصر مراكش غاضبا.

كان اليوسفي صعب المراس وسريع الغضب، لكنه كما حفظ الود مع الحسن الثاني حتى تحول من أحد معارضيه إلى رئيس حكومته، فعل ذلك أيضا مع الملك الحالي للبلاد.

وفي حوار له صرح اليوسفي أن الملك طلب مشورته عام 2011، بعد ظهور نتائج الانتخابات، وقبل تعيين الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، رئيسا للحكومة.

وهذه الاستشارة تلتها أخرى من بنكيران نفسه، حيث حل في الأول من ديسمبر/كانون الأول 2011، أي بعد يومين من تعيينه، ببيت اليوسفي المتواضع في الدار البيضاء.

وفسّر مستشار اليوسفي في الوزارة الأولى والمحامي عبد العزيز النويضي، ذلك بالقول: إن المشاعر التي يحملها الملك لرجل التناوب تعود إلى "تقدير كبير للسيد اليوسفي الزعيم الوطني الذي له تاريخ مجيد، وهو التقدير الذي كان يكنه له الملك الحسن الثاني في أواخر حياته، بصفته زعيما سياسيا لعب دورا كبيرا في انتقال سلس للملك".

وظهر ذلك في إعلان ملكي عن إطلاق اسم اليوسفي على فوج للضباط الجدد، وعلى أحد الشوارع، ومن صورة لملك البلاد وهو يقبّل رأس الزعيم السياسي وهو على سرير المستشفى، في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2016.

وشح الملك اليوسفي بوسام ملكي رفيع في فبراير/شباط 2003، لكنه اعتذر بعده لطلبات وطنية ودولية كثيرة لتكريمه والاحتفاء به بقوله: "ما قمنا به واجب وطني ونضالي، وفعل الواجب يسقط التكريم".