مخطط تقسيم تعز.. هكذا تسعى أبوظبي للسيطرة على باب المندب

آدم يحيى | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

منذ تدخلها في اليمن، سعت الإمارات إلى الهيمنة على تعز من خلال دعم تشكيلات مسلحة في المحافظة، وشراء ولاءات حزبية، للتحكم بالمشهد السياسي فيها، وجعلها نسخة مشابهة لـ "عدن"، التي أحكمت قبضتها عليها، من خلال دعم الميلشيات المسلحة بالمال والسلاح. 

تأتي أهمية تعز الإستراتيجية في كونها تحتوي على مضيق باب المندب، الممر الدولي الأهم في المنطقة والعالم، وميناء المخا، الذي تسعى أبوظبي إلى الهيمنة عليه من خلال تشكيلاتها المسلحة التي تعمل خارج إطار الشرعية.

غير أن الإمارات اصطدمت بمقاومة شعبية وحزبية من داخل تعز رافضة لمخططها في السيطرة على المحافظة، وبالتالي التحكم بإدارة المضيق والميناء.

وشهدت المدينة اليمنية تظاهرات حاشدة مؤخرا، رفضا للمخطط الإماراتي الجديد، والذي تسعى من خلاله أبوظبي لفصل مديريات الساحل الغربي إداريا وأمنيا وعسكريا عن تعز.

وأصدر المتظاهرون بيانا رافضا لما أسموه "المخطط الإماراتي الهادف إلى عزل مديريات الساحل الغربي" عن مدينة تعز، وتسليم زمامها للقوات التي يقودها طارق صالح نجل شقيق الرئيس السابق علي عبدالله صالح، المدعوم من قبل أبوظبي.

ودعا المتظاهرون، في البيان، رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزيري الدفاع والداخلية ومحافظ تعز إلى العمل على إفشال مخطط الإمارات، وإصدار قرارات تعزز وجود مؤسسات الدولة بالساحل.

كما طالبوا برفض مختلف التشكيلات العسكرية والأمنية التي تعمل خارج إطار الشرعية، في إشارة لقوات طارق التي ترفض العمل تحت مظلة الشرعية، وتتلقى دعمها من الإمارات.

خطة بديلة

عندما فشلت محاولات أبوظبي في تحويل تعز إلى عدن أخرى، خاضعة لسيطرتها، لجأت إلى مخطط تقسيم تعز، وعزل مديريات الساحل التي يقع فيها مضيق باب المندب، عن المدينة، إداريا وأمنيا وعسكريا.

من الناحية العسكرية، تسيطر قوات طارق صالح على مديريات الساحل، وخاصة مديريات (باب المندب، ذو باب، الوازعية، موزع، والمخا)، وهي المديريات المحيطة بالممر الدولي.

في حديث للاستقلال، يقول الكاتب والصحفي اليمن محمد اللطيفي: "المحاولة الحثيثة من قبل الإمارات لعزل مديريات الساحل الغربي عن الحديدة وتعز، تأتي ضمن سياق مخططها العام، والهادف للتحكم بالجغرافيا المائية لليمن، وصولا لتعطيل مواردها الاقتصادية، في موانئ عدن والمخا".

يضيف اللطيفي: "بعد تعطيل ميناء عدن، نتيجة سياسة الفوضى المنظمة التي تعيشها العاصمة المفترضة لليمن، تجري الآن خطة إبقاء مديريات الساحل الغربي تحت الاحتلال الإماراتي، سواء منها التابعة لتعز، المخا والخوخة ومضيق باب المندب، أو التابعة للحديدة، حيس وبيت الفقيه والدريهمي.

وتهدف الخطة، حسب اللطيفي، إلى "عزل هذه المديريات عن مدينة تعز، وقطع المدينة عن مجالها المائي، وامتدادها الجغرافي، وكذلك عن مدينة الحديدة التي تقع سيطرة مليشيا الحوثي".

متابعا: "لذلك عرقلت الإمارات من البداية، إطلاق عمليات تحرير الساحل الغربي بإشراف الحكومة الشرعية، وعملت ، بدعم من الرياض، على تشكيل مليشيات تابعة لها، قوات طارق، وميلشيات تشترك في ولائها للرياض وأبوظبي، كألوية العمالقة، تحت اسم القوات المشتركة، ثم سلمت المديريات في جغرافيا الحديدة لألوية العمالقة، الخاضعة لسيطرة قوات طارق في تعز".

مضيفا: "سلمت أبوظبي المخا وباب المندب، لقوات طارق، ذلك لأن الإمارات تثق بولاء طارق لها، كون ألوية العمالقة تميل أكثر لصالح المملكة، وفي جزء آخر لأن الإمارات تركز بشكل كبير على موقعي المخا وباب المندب، وترغب بالتحكم بهما عن طريق مليشياتها، ولذلك تحاول فرض صيغة من الجغرافيا السياسية بتعز، تفصل المدينة عن أريافها، عبر خلق صراعات محلية، وعسكرية في الحجرية، لإلهاء الشرعية عن التفكير باستعادة الساحل الغربي لنطاق الحكومة".

قوات الساحل 

تعهد الإمارات بمديريات الساحل للفصائل العسكرية التابعة لها، وحسب الأناضول، "تتواجد في الساحل الغربي 8 ألوية عسكرية، تندرج تحت مسمى (القوات المشتركة)، و يصل عدد قواتها إلى 55 ألف مقاتل، منضوية تحت المجلس العسكري بالساحل الغربي الذي يقوده الضابط الإماراتي أبو عمر الإماراتي".

وتعد القوات التابعة لطارق صالح، المسماة "المقاومة الوطنية" من أهم التشكيلات العسكرية في الساحل الغربي، حيث يبلغ قوامها 12 ألف مقاتل، معظمهم كان من قوات الحرس الجمهوري الموالي للرئيس السابق صالح.

وبالإضافة إلى ما يسمى "القوات الوطنية" التابعة لطارق صالح، تتواجد قوات العمالقة، وتمثّل القوة الضاربة في الساحل الغربي، ورأس الحربة في الهجوم على الحديدة، المدينة الخاضعة لسيطرة الحوثيين، ويصل عدد قوات العمالقة إلى نحو 25 ألف مقاتل، بالإضافة إلى قوات الألوية التهامية وقوات اللواء الثالث.

ويمتد نفوذ تلك القوات من مضيق باب المندب في جنوب الساحل الغربي، حتى مشارف مدينة الحديدة في شمال الساحل، بما في ذلك ميناءا المخا والخوخة على ساحل البحر الأحمر.

شركاء المخطط

في حديث للاستقلال، يقول الأمين العام لـ"الهيئة الوطنية لحماية السيادة ودحر الانقلاب" المحلل السياسي ياسين التميمي: "ما نراه اليوم هو مخطط يمضي بكل صلافة، ويتجسد في هذه المحاولات البائسة هذه المرة لفصل المديريات الغربية لمحافظة تعز، وإنشاء محافظة جديدة، وإعادة تأسيس سلطة تقوم على نفوذ أمراء الحروب في المنطقة الممتدة من باب المندب وحتى المخا".

مضيفا: "هذا المخطط يحاول إحياء النهج المقبور الذي تحولت معه هذه المنطقة إلى ساحة خطرة لبانورات التهريب الذين ارتبطوا طيلة العقود الماضية بكبار قادة الجيش من ذوي القرابة الأسرية للرئيس المخلوع صالح أو المنتمين إلى بيت الأحمر في سنحان".

تتصرف الإمارات بكل ما أوتيت من إمكانات في الساحل الغربي للبلاد دون أي رادع، وتمضي في تطبيق مخططها للنيل من محافظة تعز ورجالها والنيل من المشروع الوطني الذي يحمله هؤلاء الرجال بكل إصرار وقوة ويبذلون في سبيله الأغلى من التضحيات.

يضيف التميمي: "هناك 3 أطراف سيئة تشارك في تنفيذ المخطط الإماراتي في هذه المنطقة هي: التحالف الانتهازي الطارئ، وبقايا المؤتمر الشعبي العام، والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري الذي لم يبق منه سوى بعض المواقع الإلكترونية وبعض القيادات المسكونة بذل الاعتقال الذي مارسه بحقها زعيم المؤتمر الشعبي العام أثناء فترة حكمه إلى جانب ما تبقى من قيادات اشتراكية عتيقة".

يتابع التميمي: "الجامع المشترك بين كل هؤلاء هو الرغبة في إنهاء نفوذ التجمع اليمني للإصلاح في تعز بأي ثمن كان، حتى لو كان على حساب كرامة هذه المحافظة، وهو توجه يتسم بالصلافة ويتجاهل جملة من الحقائق الموضوعية المتصلة بأداء ودور وتضحيات هذا الحزب في المحافظة".

صراع مستقبلي

كانت أبوظبي تود لو أن مضيق باب المندب يقع في جغرافيا الجنوب، حتى يسهل السيطرة عليه ضمن المحافظات الجنوبية التي أحكمت قبضتها عليها منذ تدخلها في صيف 2017، لكن وقوع باب المندب في جغرافيا الشمال صعّب من مهمتها، ودفعها لخلط الأوراق ومحاولة خلق وضع سياسي وإداري وعسكري خاص بالمضيق والمديريات المحيطة به.

وحسب مراقبين، فإن صراعا ضاريا يتوقع حدوثه مستقبلا بين القوات العسكرية الشمالية في تعز، والقوات الجنوبية في محافظة لحج، على مضيق باب المندب وميناء المخا، وستعمل الإمارات على تغذية ذلك الصراع، كما هو دأبها، وذلك لاستمرار تعطيل ميناء المخا، لصالح موانئها في الإمارات، وللقدرة على التحرك في المساحات التي سيخلفها ذلك الصراع.