التايمز: هكذا دمر الغرب الشرق الأوسط عبر التدخل والانسحاب 

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفة التايمز البريطانية: إن إصلاح الشرق الأوسط بعد الكوارث التي ألمت به سيكون صعبا وقاسيا ولن يكون سريعا، مبينة أن على الغرب أن يتعلم من دروس الماضي في تعامله مع الأزمات المتصاعدة في المنطقة.

وأضافت الصحيفة في مقال لمراسلها في الشرق الأوسط ريتشارد سبنسر الذي زار العراق مؤخرا أن على الدول الغربية اعتماد سياسة المساعدات الإنسانية منخفضة المستوى لتلك الدول التي تعرضت لكوارث من جراء الإرهاب.

وأضاف الكاتب أنه "في غالب الأحيان، وتحت تأثير الصراعات والكوارث المستمرة في منطقة الشرق الأوسط، والتي كان لبلادنا (بريطانيا) نصيب الأسد فيها، نجد من السهل أن نستسلم لحالة اليأس التي تصيبنا من حين الى آخر".

ويتابع: "على مدار العقد الأخير، دوما ما كنت أسمع من محللين وصحفيين في بلادي أن الشرق الأوسط دائما هكذا، يتورط في صراعات لا تؤثر فقط في محيطه الإقليمي، ولكن يمتد أثرها ليظلل العالم بأسره".

لكنه قال: إن الشرق أوسطيين ليسوا فقط المسؤولين عما يجري في الإقليم الملتهب من أزمات على كافة المستويات، "فقد كنا دائما حاضرين في كوارثهم، وفي أغلب الأحوال كنا أحد العوامل المتسببة فيها".

ويؤكد الكاتب أن "مشاركتنا في سوريا والعراق واليمن وجيرانهم قد ساهمت، بل كانت مسؤولة عن الموت والدمار الذي وقع جراء تدخلاتنا غير الحكيمة في هذه البلدان".

ويرى أنه "من السهل تتبع هذه الصراعات إلى الغزو الأمريكي - البريطاني للعراق في عام 2003، أو ما وراء ذلك إلى الهجوم على الإمبراطورية العثمانية قبل قرن من الزمان".

إستراتيجية الانسحاب

ويشير الكاتب أنه "يجب علينا وعلى جميع الدول والقوى الغربية الخروج من الشرق الأوسط بطريقة أو بأخرى والتوقف عن إقحام أنفسنا في سياساتها التي لا نفهمها ولن نفهمها".

وربما يجب على الدول الأوربية اتباع كلمة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب حين قال: "انسحب" التي تدل على نهجه الإستراتيجي للتعامل مع الشرق الأوسط، وفق الكاتب.

وبالرغم من ذلك، فإن نهج ترامب بالانسحاب التدريجي من مستنقع الشرق الأوسط وYستراتجيته تحوي العديد من المشاكل أيضا.

ويدلل الكاتب على نظرته بالقول: إن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أراد أيضا الانسحاب، وسحب القوات من العراق في عام 2011، ولكن، خلال ثلاث سنوات، استطاع تنظيم الدولة فرض نفوذه على أغلب مناطق العراق.

وعادت الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفاؤهما إلى جانب الدول المحلية بما في ذلك المليشيات التي تدعمها إيران لمحاربة تنظيم الدولة جنبا إلى جنب لطرده من الأراضي العراقية.

وهذا الأمر بحسب الكاتب، يعني أن الانسحاب من الشرق الأوسط خلال تلك الفترة كان يعني ببساطة ترك الإيزيديين العاجزين والمسيحيين والأكراد والأقليات الأخرى في مواجهة الذبح.

ويضيف الكاتب أن السبب الرئيس لانخراط الدول الأوربية في الشرق الأوسط هو نتيجة غير متعمدة للنظام السياسي العالمي ورغبة الدول العربية في استيراد نظم الحكم الغربية لتسود في بلادهم، بما تمثله من ديمقراطية وتشاركية تمثيلية في الحكم.

وقد أدى ذلك بما لا يدع مجالا للشك إلى اضطراب الإدراك لدى الدول الغربية تجاه النتائج الكارثية التي نتجت عن التدخل الغربي السافر في الشرق الأوسط.

ويشير الكاتب إلى أن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ديفيد كاميرون، كان يعتقد أن هناك إرادة شعبية لمساعدة المتمردين على الإطاحة بالعقيد القذافي في ليبيا، لكن لم تكن هناك مسيرات في الشارع لصالح بناء دولة ما بعد القذافي.

خطر العودة

وينطبق الأمر أيضا على ترامب الذي جاء إلى منصبه ساخرا من سياسات سلفه أوباما تجاه الشرق الأوسط. ويقول الكاتب: "لكن ترامب هو الآن الجاني والمسؤول عن كافة الكوارث التي تحدث في المنطقة الملتهبة".

ويرى أنه كما هو الحال على أرض الواقع، وبعد قضاء بعض الوقت في العراق في الأسابيع القليلة الماضية، "أعتقد أن خطر عودة تنظيم الدولة بالمستقبل القريب، في ذلك البلد على الأقل، كان مبالغا فيه إلى حد ما".

إلا أنه لا تزال السياسة والمدن العراقية تعاني من الفوضى، لكن هناك أمل أكبر على مستوى الأرض في ظهور مجتمع عصري تعددي التفكير حر نسبيا في أعقاب هزيمة التنظيم وتشويه سمعته "أكثر من أي وقت كنت فيه بالعراق".

لن يزدهر هذا الاتجاه المتمثل في بناء دولة تعددية تقبل بالآخر إلا إذا سمحت الحكومة العراقية بذلك، "حيث يحتج الشباب عبر الجنوب من أجل إنهاء فساد الدولة ووحشيتها".

ومع ذلك، يقول الكاتب: إن "صيحات الاحتجاج التي سمعتها هناك، من بغداد إلى الموصل، جرى قياسها بشكل ملحوظ"، مشيرا إلى وجود دعوات للمساءلة من قبل عائلات الثكلى الذين قضوا على يد فرق الموت المؤيدة للحكومة والتي تفتقر بشكل خاص إلى تهديدات بالانتقام.

ويتابع: "الشيء الوحيد الذي أدهشني هو مدى كون الأحداث التي تبدو لنا في الغرب وكأنها تجارب مروعة لمرة واحدة - القنابل والصراع والهجمات الطائفية - كانت سمة دائمة لحياة العديد من الأطفال العراقيين".

ومع ذلك، يظل الكثيرون مرنين والبرامج التعليمية المدروسة والدعم النفسي الذي تقدمه لهم منظمة حرب الطفل، بالاقتران مع الجهود التي تبذلها البلاد لإعادة تأهيل نظامها التعليمي، توفر أملا حقيقيا للمستقبل، وفق الكاتب.

ويختم مقاله: "إذا ثبت أنه من الصعب سحب القوة العسكرية الغربية من الشرق الأوسط، فمن الأهمية بمكان الاستجابة الإنسانية للأزمات التي تغذت على قصر نظرنا السياسي، لإظهار على الأقل أننا قد تعلمنا دروس الماضي من المنطقة التي كنا أحد المتسببين فيها".