محاكم السعودية تفسخ عقود النكاح بهذه الحجة.. لماذا تدعمها الدولة؟

آدم يحيى | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا تزال فكرة "تكافؤ النسب" تقليدا راسخا في ذهن المجتمع السعودي كشرط للزواج، ويعد انعدامه، مبررا كافيا لفسخ الزواج عبر المحاكم السعودية أو على الأقل سببا لرفض المتقدم للزواج.

يجري تصدير هذه القضية، في بعض الأحيان، على أنها مسألة وعي مجتمعي، وتُخلق مبررات عديدة لتمريرها من قبل البعض، منها درء الفتن، وضمان عدم حصول أي خلاف مستقبلي بالإضافة إلى تنظيم أمور الناس وفق أصولهم وتصنيفاتهم الاجتماعية (الطبيعية).

ويتمترس سعوديون خلف عدد من الأمثال الشعبية والمقولات الشائعة، ويستدلون أحيانا بآراء قديمة رويت عن بعض الأئمة أمثال أبي حنيفة وبعض الحنابلة، في اشتراط "الكفاءة في النسب" للزواج. 

خلال الفترات الماضية، قضت المحاكم السعودية بفسخ النكاح لعدد من الأزواج، بحجة عدم تكافؤ النسب، وشهدت تلك القضايا ضجة في المجتمع السعودي.

"منصور وفاطمة"، "علي ومها"، "عبدالله وسميرة"، وغيرها العشرات من الحالات التي شكلت "قضايا رأي عام"، بعد أن قضت المحاكم السعودية بفسخ الزواج في دعوى تقدم بها مواطنون بحجة عدم تكافؤ النسب. 

وبين مؤيد ومعارض، قال القضاء كلمته وأصدر حكمه في عشرات الحالات، ليتسبب بهدم بيوت، وضياع أطفال، واهتزاز بنيان مجتمع بأسره. 

وتجدر الإشارة إلى أن مجمل الأحكام التي قضت بفسخ الزواج، تتخذ من "الغرر" ذريعة شرعية كافية لإصدار الحكم. والغرر هنا يعني أن الزوج لم يوضح توضيحا كافيا لأهل زوجته بأنه ينحدر من قبيلة معينة أو من نسب معين. 

قوة العرف

مع أن الشرع واضح في أن الكفاءة في الدين والأخلاق شرطان أساسيان للنكاح، ومع أن قانون الأحوال المدنية في السعودية لا ينص على وجوب تكافؤ النسب لتمام الزواج، إلا أن العرف الاجتماعي والعادات القبلية، هي التي فرضت نفسها كقوة قاهرة فوق القانون.

وتتمثل تعقيدات هذه القضية في كونها مليئة بالقيود الأسرية والقبلية والمجتمعية أيضا، فبعض الأفراد يكون قد تحرر من هذه الذهنية العنصرية، إلا أنه يصطدم بعدم تقبل أبناء أسرته أو قبيلته بذلك، بحجة أنها قضية تعني الأسرة والقبيلة، وتشكل إساءة كلية لهم.

ومن الملاحظ أن دور القبيلة في الضغط لإنهاء الزواج وفسخه عادة ما يكون متأخرا، وكثيرا ما يأتي بعد أن يكون الزوجان قد خلفا أطفالا وبنيا حياة مستقرة ومتماسكة مع أولادهما.

لم تنجح كل الخطابات المطروحة حاليا، والتي تجاوزت فكرة تكافؤ النسب، حتى الآن، في تطوير وعي المجتمع في هذا الشأن، ولم تساعده على تجاوز هذه الفروقات.

ففئات "القبيلي والخضيري" و"النجدي والحجازي" أو المنحدر لقبيلة معروفة، والمنتسب لنسب غير مشهور، مسائل حاضرة في الذاكرة السعودية، ومعمول بها من قبل معظم فئات المجتمع السعودي.

علي القرني ومها التميمي ضحايا محكمة قضت بفسخ النكاح لعدم تكافؤ النسب

رسخت تلك العادات والتقاليد ظاهرة الفرز الطبقي والتمييز العنصري، وانعكس ذلك سلبا على الأسرة والمجتمع، فتسبب بحدوث تجاوزات أخلاقية من قبل فتيات حُرمن من الزواج بحجة عدم تكافؤ النسب.

وكانت تصريحات سعودية رسمية قد أفادت بأن حرمان الفتيات من الزواج لأسباب تتعلق بتكافؤ النسب قد سجل وقوع مئات الحالات من التجاوزات الأخلاقية التي كان لها ارتداداتها السلبية العميقة على أهالي الفتيات.

وقد أعلن الرئيس التنفيذي للجنة إصلاح ذات البين التابعة لإمارة منطقة مكة المكرمة، ناصر الزهراني، عن زواج 40 فتاة من نزيلات دار الرعاية للفتيات بمنطقة مكة المكرمة، كُنّ قد حكمْن بقضايا أخلاقية، وأشار الزهراني، إلى أن تلك الفتيات حكمن بقضايا أخلاقية، بعد أن حرمن من الزواج بسبب الأعراف والعادات القبلية التي تمنع زواج البنات من غير أبناء القبيلة.

قضية منظورة 

حتى عام 2016، كانت وزارة العدل تدرج خيار "دعوى فسخ نكاح لاختلاف النسب" كأحد الأيقونات التي يتم اختيارها من قبل الراغب بتقديم قضية للمحكمة، عبر وثيقة يحصل عليها من الإنترنت، قبل أن تزيلها بعد الضغوط الشعبية التي تزايدت إثر حكم قاضي محكمة العيينة بفسخ الزواج بين المواطن علي القرني وزوجته مها التميمي لعدم تكافؤ النسب. 

وفي حالات كثيرة، يجري فسخ الزواج بدون اللجوء للمحكمة، وحالات أخرى يفسخ فيها الزواج من قبل المحكمة، من دون تصعيد من قبل الزوجين، لاعتبارات تتعلق بشعور الزوج بالإهانة تجاه تلك العنصرية، وعدم رغبته بإثارة وتصعيد قضية نسبه وأصله.

في العقد الأخير شهد الرأي العام السعودي نحو خمسين قضية فسخ عقد نكاح لعدم تكافؤ النسب، توزعت على المدن السعودية، كان أكثرها في 2013 حيث شهدت 16 قضية، وأدناها في 2016 التي شهدت 4 قضايا.

وكانت مها التميمي قد نشرت، أثناء المرافعات، مقطع فيديو أشارت إلى أنها حامل في الشهر الثامن وطالبت فيها باستمرار زواجها، حيث يعمل زوجها جنديا في الحد الجنوبي للمملكة.

وقالت: لا أريد إلا سلامة ابني والعيش مع زوجي كأسرة طبيعية بعد المتاعب والضغوط التي تعرضت لها قبل الزواج، وطلبت العون والمساندة من المجتمع السعودي ومن الملك سلمان، وعلى الرغم من تلك المناشدات إلا أن القاضي أصدر حكما بفسخ النكاح، بحجة الغرر.  

تلك الأحكام بفسخ الزواج بحجة عدم تكافؤ النسب، تجاوزت الرأي العام السعودي ووسائل إعلامه، ووصلت إلى وسائل إعلام غربية، وبالطبع لم يستوعب الغرب فكرة "عدم تكافؤ النسب" كأمر يعد سببا لفسخ النكاح بين زوجين متمسكين ببعضهما، وسببا يؤدي إلى ضياع الأطفال.

وإثر انتشار تلك القضية في الصحف الغربية، من بينها صحيفة الديلي ميل البريطانية، كتب الصحفي السعودي الذي قتل في 2017 بسفارة بلاده في إسطنبول جمال خاشقجي: "الضرر على سمعة المملكة من خبر كهذا هائل جدا، ألم يحن الوقت لوقف مثل هذه الأحكام التي لا تتفق مع روح العصر، وفي ديننا سعة وتسامح؟" 

وفي الوقت الذي يفترض أن تمثل السعودية الإسلام في أبهى صوره، وتصدر لغير المسلمين صورة مشرقة عن العدل وتماسك الأسرة والمجتمع، تبقى قضية اشتراط الكفاءة في النسب كشرط لإتمام الزواج، تسيء إلى الإسلام، وإلى القيم الإسلامية.

تشجيع رسمي

تندرج كفاءة النسب كشرط للزواج ضمن تعقيدات العرف السعودي، وتقع في عدة مستويات، فبعض القبائل لا تقبل الزواج إلا من متقدم من ذات القبيلة، وبعضها لا تقبل التزويج إلا من قبائل نظيرة لها في السمعة والشهرة، على سبيل المثال لا تزوج قبائل نجد إلا من أبناء نفس القبيلة، أما عامة المجتمع السعودي، فلا يزوج غير السعودي.

على المستوى الرسمي تضع القوانين السعودية قيودا لا تشجع على الزواج من غير الجنسية السعودية، ففي آخر قوانينها وضعت وزارة الداخلية السعودية شرطين جديدين لزواج السعوديات من أجانب، أحدهما ألا يتجاوز عمر المرأة السعودية خمسين عاما، والشرط الثاني ألا يزيد الفارق العمري مع الخاطب عن 15 عاما. 

كما نص قرار مجلس الوزراء أنه لا يجوز للمبتعث -سواء كان موظفا أو طالبا على حساب الحكومة أو على حسابه الخاص- أن يتزوج بزوجة غير سعودية، كما لا يجوز للمبتعثة الزواج بغير سعودي، وإذا تم هذا فيترتب عليه ما يلي:

  • فصل الموظف من وظيفته وفصل الطالب المبتعث من بعثته.
  • عدم توثيق زواجه من قبل الجهات المختصة بالمملكة.
  • عدم السماح بدخول الزوجة غير السعودية إلى المملكة وإنهاء إقامتها إذا كانت مقيمة في داخل المملكة.   

شجعت تلك القيود المجتمع السعودي على الانكفاء وعدم تزويج غير السعودي، ورسخت التمييز الذي يمارس ضد المتقدمين للزواج من سعوديات، وضاعفت من قضايا رفض الفتيات من الزواج بشباب تقدموا لهن.

ووصل الرفض، في بعض الأحيان، لحد الاعتداء والقتل، كما في حالة سارة الشريف التي قتلت على يد شقيقها بخمس رصاصات أطلقها عليها في مقر عملها بجدة، بسبب إصرارها على الزواج من شاب تقدم لها، وجرى رفضه لعدم تكافؤ النسب.