مسرحيات وأفلام
أتذكر مسرحية كوميدية شهيرة وقديمة كنت قد شاهدتها عدة مرات في مرحلة الطفولة، إنها مسرحية "أصل وصورة" من بطولة الفنانين العمالقة محمد عوض وعبدالمنعم مدبولي وحسن مصطفى وأمين هنيدي، مسرحية رائعة فيها كوميديا حقيقية وضحك حقيقي وأيضا فكرة عظيمة لم ألتفت لها حينها.
المسرحية كانت تحكي عن جريدة صغيرة يديرها رئيس تحرير متسلط وهو الفنان حسن مصطفى، كان مثل الكثيرين من رؤساء تحرير الصحف في عصرنا، لا تهمه مصداقية الخبر بقدر ما يهمه وجود السبق الصحفي، لا وجود للمهنية ولكن الأهم هو نسبة التوزيع حتى لو كان الخبر مفبرك ولا أساس له من الصحة.
في أحد الأيام قام رئيس التحرير بتكليف الصحفيين "محمد عوض وعبدالمنعم مدبولي" بتغطية خبر وصول مهراجا (حاكم) ثريا وشهيرا من الهند يزور مصر بغرض السياحة، ولسبب ما لا يستطيعان الذهاب للمطار لمقابلة المهراجا عند وصوله لمصر، فيقرران تحت ضغط رئيس التحرير وتهديده لهما بالفصل، إن لم يكن هناك سبق صحفي، أن يخترعا السبق ويختلقا مقابلة لم تحدث مع المهراجا من الأساس.
كان المشهد رائعا وشهيرا عند "فبركة" المقابلة مع المهراجا، وأسئلة وهمية وإجابات مضحكة اخترعها الصحفيان في مشهد هزلي مضحك، بأن سألا المهراجا عن أكثر ما أعجبه في مصر، وتخيلا أيضا أن المهراجا الهندي ظل يفكر ويفكر، وأضحى يفكر ويفكر، ونام وهو يفكر ويفكر، إلى أن أجاب بالمفاجأة بأن أكثر ما يعجبه في مصر هو الملوخية، وبذلك كان المانشيت الرئيسي للجريدة في الصباح بأن المهراجا يحب الملوخية.
ولكن حدث ما لا يحمد عقباه عندما تم إعلان أن الطائرة ستتأخر عدة ساعات، وأصبح الصحفيان في ورطة كبرى أمام رئيس التحرير، فعالجا الخطأ بخطأ أكبر بأن استأجرا عاملا فقيرا ليؤدي دور المهراجا في مؤتمر صحفي، فكما اخترعا الخبر قررا اختراع المهراجا، وقاما بتلقينة عدة كلمات تشبه اللكنة الهندية اعتمادا على أن ليس هناك من الحضور من يجيد اللغة الهندية، وقاما بدور المترجم أمام باقي الصحفيين والمراسلين الذين حضروا لرؤية المهراجا.
في مشهد هزلي مع العديد من القفشات الكوميدية المضحكة من القلب التي قام بها العمالقة أمين الهنيدي وعبدالمنعم مدبولي ومحمد عوض، يدخل أحد الأشخاص ليعلن أن وكالات الأنباء تعلن أن رحلة المهراجا تم إلغاؤها وأن المهراجا أجل زيارته لمصر لأجل غير مسمى، فتكون فضيحة كبيرة للصحفيين وللجريدة فيقرروا مراجعة أنفسهم.
هذه المسرحية الكوميدية ذكرتنى كثيرا بالحالة المصرية بشكل عام وبالحالة الكارثية للإعلام المصري بوجه خاص، يتم اختلاق أكاذيب وحديث عن المؤامرات ويستمرون في الترويج بكثافة حتى يصدقوا ما اختلقوه. فحديث المؤامرة هو الوسيلة للتغطية على أي فشل إداري أو أي إخفاقات.
لا أحد يرغب في تصحيح الوضع بشكل جدي، فالتصحيح أو الإصلاح يتطلب الاعتراف أولا بوجود مشكلة ثم تحليل أسباب الإخفاق ثم بحث سبل معالجة المشكلة ثم بدء إجراءات الإصلاح مهما كانت مؤلمة، وبذلك قد يتطلب الأمر مكاشفة ومحاسبة وإجراءات الشفافية وهو أبعد ما يكون عن أسلوب الإدارة الحالية، وبذلك تكون نظرية المؤامرة وترويج الأكاذيب والخرافات في الإعلام أقل تكلفة من اﻹصلاح الحقيقي.
فيلم قديم آخر شاهدته مصادفة من فترة اسمه "امرأة من زجاج"، يتحدث عن زوجه مسؤول مهم في الدولة تقوم بملاحقة وإغواء وكيل نيابة كان زميلا لها في الدراسة، إلى أن تقتل أحد الأشخاص بسيارتها في أحد الأيام بسبب القيادة المستهترة، ولكن يتم توجيه الاتهام ظلما لأحد المعارضين للنظام الحاكم في ذلك الوقت بهدف الانتقام منه.
للمصادفة الدرامية يتم تكليف وكيل النيابة بالتحقيق في القضية رغم أنه يعلم أن صديقته هي القاتلة وليس الشخص المعارض المتهم الذي يقوم النظام بتشويهه بكل الصور الممكنة، تمهيدا لإدانته وحبسه ظلما بجريمة لم يفعلها.
يتعجب أحد أنصار المسؤول الكبير والمكلف بتزوير الأدلة وتجميع شهود الزور لتضييق الخناق على ذلك المعارض، كيف لا يزال هناك متعاطفون مع المعارض مستعدون للدفاع عنه رغم كل حملات التشويه القاسية المنظمة من قبل السلطة والصحافة الموالية.
للأسف، في كل العصور تلجأ السلطة دائما إلى التشوية والمعارك غير الأخلاقية كسلاح للتشويه وتقليل التعاطف الشعبي مع المعارضين أو من لديهم رأي مختلف، نرى هذا كذلك عندما يتم التشويه الممنهج لصورة من لديهم رأي معارض من خلال وسائل الإعلام، إذ يتم اتهامهم دوما بالعمالة لقوى خارجية وتنفيذ مخططات وأجندات لتدمير الوطن وبث الفرقة وإثارة الجماهير.
وبعد فترة من ترسيخ تلك الصورة لدى العوام يتساءل البعض بسذاجة مصطنعة: لماذا لا توجد معارضة في مصر ولماذا أصبح هناك عزوف عن المشاركة السياسية؟ ولكن باستمرار تلك الإجراءات الإقصائية وتجريف السياسة يكون السؤال بعد ذلك: لماذا لا يوجد هناك من يستطيع إيقاف ذلك الانفجار الشعبي أو منع الفوضى؟