تعهد حفتر بقرب دخول طرابلس.. وعود بالدعم أم حرب نفسية؟
.jpg)
يبدو أن الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر، لم يتخل حتى الآن عن حلمه بالسيطرة على العاصمة طرابلس، رغم ما يلحق بقواته من خسائر غرب وجنوب البلاد، مقابل المكاسب التي تحققها قوات حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، على مختلف المحاور إلى حد تحرير مدن مهمة مثل غريان.
هذا الواقع لم ينعكس على أحدث تصريحات حفتر، والتي كرر فيها إعلانه قرب دخول طرابلس عاجلا غير آجل، فهل وعده داعموه بالمزيد؟، أم أنه يدير حربا نفسية لرفع معنويات مقاتليه، وإحباط الطرف الآخر؟.
اعتراف صريح
الحوار الذي أجرته النسخة العربية من "الإندبندنت" مع حفتر، قليل الظهور الإعلامي في الآونة الأخيرة، حفل بمفاجآت لعل أبرزها الاعتراف الصريح من حفتر بالدعم الذي تتلقاه قواته من دول إقليمية، طالما التزمت الصمت حيال تقارير دولية بشأن مشاركتها في الحرب التي يشنها للسيطرة على طرابلس منذ أبريل/نيسان الماضي.
حفتر قال: "من حق الدول التي يهدد الإرهاب أمنها القومي واستقرارها ومصالحها الإستراتيجية أن تساند الجيش الوطني (قواته) في محاربته له. هل يتصور الرئاسي (حكومة الوفاق) أن تغض مصر مثلا النظر عن تنظيمات أو خلايا إرهابية نشطة في ليبيا ونحن دولتان متجاورتان..".
وتابع: "وإذا انتقل الإرهاب إلى مصر، ألا يؤثر هذا في أمن السعودية أو الإمارات أو الأردن مثلا؟ الحرب ضد الإرهاب تتطلب تضافر الجهود الدولية والتعاون الأمني والاستخباراتي المشترك حتى يتم القضاء عليه نهائيا".
حفتر الذي وجه اتهاما مرسلا لكل من قطر وتركيا بدعم قوت الوفاق عبر تقديم مختلف أنواع الأسلحة بتعبيرات مثل دعم التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة المسيطرة على طرابلس، دون أدلة، كانت الأدلة الموثقة على دعم دول مثل فرنسا والإمارات له بشكل مباشر لا لبس فيها.
قبل يومين، اتهم تقرير فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات الدولية المفروضة على ليبيا، الإمارات بخرق حظر الأسلحة بتزويد قوات حفتر بمنظومة دفاع جوي في قاعدة الجفرة وقرب غريان، فضلا عن طائرات من دون طيار تحمل قنابل ذكية وصواريخ موجهة، وسفينة حربية تم إدخال تعديلات عليها وزودت بمدافع وتجهيزات هجومية.
كما اتهم التقرير السودان عبر الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائب رئيس المجلس السيادي وقائد قوات الدعم السريع بإرسال 1000 جندي سوداني من تلك القوات إلى الشرق الليبي في يوليو/تموز الماضي لحماية بنغازي وتمكين قوات حفتر من الهجوم على طرابلس، ثم تحدثت مصادر عن تمركز القوات لاحقا في منطقة الجفرة جنوبي ليبيا.
المرتزقة الروس
بالتزامن مع الكشف عن التقرير الأممي، نقلت وكالة بلومبرج الأمريكية عن وزير داخلية حكومة الوفاق الوطني في ليبيا فتحي باشاغا قوله: "روسيا تؤجج الحرب في البلاد، وذلك عبر نشر مجموعة مرتـزِقة مرتبطين بشركة فاجنر الأمنية الروسية، بهدف السيطرة على النفط".
تصريحات باشاغا جاءت بعد أيام من عثور حكومة الوفاق على ما يمكن اعتباره أدلة أولية على تورط مرتزقة من شركات أمنية روسية في القتال إلى جانب قوات شرق ليبيا، بقيادة حفتر.
وفي تحقيق مطول نشرته "الواشنطن بوست" الأمريكية في 5 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري: فإن المئات من المرتزقة الروس، المدربون والمسلحون بشكل جيد ويقاتلون إلى جانب حفتر "يقدمون قوة نيران فتاكة وأساليب جديدة في ساحة المعركة"، كما أنهم يهددون بإطالة أمد الصراع في البلاد.
ونقل التحقيق عن "ريبيكا فارمر" الناطقة باسم القيادة الإفريقية للجيش الأمريكي قولها: "المرتزقة الروس يعملون لصالح مجموعة فاجنر، وهي جيش خاص ظهر سابقا في معارك في سوريا وإفريقيا الوسطى وأوكرانيا ودول أخرى تعتبر إستراتيجية للمصالح الجيوسياسية والاقتصادية لروسيا".
والأسبوع الماضي، استهدفت طائرات إماراتية مسيرة داعمة لقوات حفتر مطار معيتيقة الدولي بطرابلس، للمرة الثانية خلال ساعات بعد إعلان عودة الحركة الجوية فيه، ويعتبر مطار معيتيقة المطار المدني الوحيد الذي يعمل في العاصمة الليبية حاليا، وعند توقفه يتم إحالة كل الرحلات إلى مطار مصراتة.
وفي يوليو/تموز الماضي، اعترفت فرنسا بأن صواريخ من طراز جافلين التي عُثر عليها في قاعدة تابعة لحفتر بمدينة غريان غرب ليبيا تعود لها. الأكثر من ذلك اعترافها بأنها سبق أن اشترت هذه الصواريخ من الولايات المتحدة ونقلتها إلى ليبيا لحماية قوات تتبع لها هناك.
وبعيدا عن الاتهامات المرسلة التي وجهها حفتر لقوات الوفاق في حين أنه تورط فيها بشكل موثق، فإن الحوار في حد ذاته وما تضمنه من مفردات وتعبيرات بدا يهدف إلى تلميع الرجل، وربما تحسين صورته التي شوهتها جرائمه المتتالية من جهة، وفشله الذريع في الوصول إلى الهدف الذي أعلنه قبل 7 أشهر، حين بدأ حملته العسكرية للسيطرة على العاصمة طرابلس.
ثقة زائفة
من هذا المنطلق، كانت الجزئية الأبرز في حوار حفتر، والتي تحدث فيها بكل ثقة عن قرب دخول قواته طرابلس، قائلا: "السؤال الأهم هو: هل سيحسم الجيش الوطني المعركة؟ والإجابة هي نعم، لا شك في ذلك. وسندخل العاصمة فاتحين بإذن الله، عاجلا وليس آجلا"، على حد تعبيره.
هذه الثقة المفرطة لعسكري مهزوم، ويخسر كل يوم منطقة من المناطق التي سيطر عليها مسبقا، رغم كل ما يتلقاه من دعم إقليمي ودولي، لا تشير إلا لأحد سيناريوهين لا ثالث لهما، أولهما: أنه يحاول رفع الروح المعنوية لقواته من جانب وممارسة الحرب النفسية ضد قوات الوفاق من جانب آخر.
وما يعزز من تلك الفرضية أن حديث حفتر عن قرب السيطرة على طرابلس بشكل عاجل، يأتي بينما واقعه على الأرض لا يشير إلى تفوق عسكري أو تقدم ميداني أو انتصارات يحققها، بل على العكس تشير تطورات الموقف إلى أنه بات محاصرا في مدينة ترهونة آخر معاقله بالغرب الليبي، كما فشل في دخول العاصمة من الشرق أو الغرب أو الجنوب.
السيناريو الأصعب
أما السيناريو الثاني: فيشير إلى موجة كبيرة من الدعم ربما تتدفق على حفتر خلال الفترة القصيرة المقبلة، وقد حصل على وعود بشأنها من قبل داعميه الدوليين وعلى رأسهم فرنسا، والإقليميين متمثلين في مصر والإمارات والسعودية وإسرائيل.
لكن الحرج البالغ الذي وجدت تلك الدول نفسها أمامه، بعد توالي التقارير الدولية الموثقة التي تتهمها بخرق حظر توريد الأسلحة إلى أطراف النزاع في ليبيا، يشي بأن هذا التوجه غير مطروح على الساحة، على الأقل في المستقبل القريب.
فضلا عن ذلك، فإن الأوضاع الداخلية لبعض تلك الدول ليست على ما يرام، إلى الحد الذي يدفعها نحو تقديم المزيد من تدفقات المال والسلاح إلى حفتر، فالسعودية منغمسة في المستنقع اليمني وتجاهد للخروج منه مكتفية بما جنته من خسائر فادحة.
والإمارات يبدو أنها تحاول ترميم صورتها المشوهة، عبر تقليل حجم التدخل في شؤون الدول الأخرى ودعم الثورات المضادة بالدول العربية، خاصة بعد الخطاب الأخير الذي وجهه محمد بن راشد نائب رئيس الدولة حاكم دبي، والذي تحدث عن سمعة سيئة باتت تلاحق بلاده نتيجة انشغالها بما هو خارج حدودها.
أما مصر فتعاني أزمة اقتصادية متفاقمة، وظرف سياسي دقيق منذ انطلاق الاحتجاجات المناهضة لحكم عبدالفتاح السيسي في 20 سبتمبر/أيلول الماضي، بعد التسريبات والمعلومات التي نشرها رجل الأعمال والفنان محمد علي، وما تبع ذلك من تطورات.
قاتل المدنيين
استكمالا لما ذكره حفتر حول طرابلس، فإن التلميع في الحوار انسحب على الإسهام في تبرئة ساحته من اتهامات باستهداف المدنيين كانت محل تقارير أممية، وتوثيق أكدته منظمات حقوقية عالمية.
حفتر قال في نص الحوار: "وكان بمقدورنا وبكل بساطة، أن تدخل قواتنا إلى قلب العاصمة بعملية اقتحام كاسح بالأسلحة الثقيلة والقوة المفرطة وتنتهي العمليات العسكرية خلال فترة قصيرة، لكن ذلك لا يحقق الهدف النبيل الذي نعمل من أجله، وسيكون ثمنه أرواح ودماء الأبرياء..".
وادعى اللواء المتقاعد: أنه "يحارب وفق خطة عسكرية دقيقة تضع في أولوياتها سلامة المواطنين من سكان العاصمة ومنشآت المدينة ومرافقها"، غير أن الحقيقة تكشف عكس ذلك تماما وصورة مغايرة لما يحاول حفتر رسمها عن نفسه.
ففي الأيام الأخيرة من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قتل العديد من المدنيين في قصف لقوات حفتر على منشآت مدنية بالعاصمة وما جاورها، مثل المستشفى الميداني بمحور وادي الربيع، وسيارة إسعاف بمنطقة صلاح الدين، وحي الفرناج.
تلك الاتهامات ليست مرسلة من قبل قوات حكومة الوفاق، بل تدعمها تقارير حقوقية وأخرى أممية، ففي أغسطس/آب الماضي قالت الأمم المتحدة: إن تحقيقاتها خلصت إلى أن قوات حفتر، قصفت مطار "زوارة" المدني الواقع غرب البلاد، ولم تجد أي أصول أو منشآت عسكرية، كما ادعت قوات حفتر.
وفي مايو/آيار الماضي، قالت منظمة العفو الدولية: إن هجوم حفتر المستمر للسيطرة على طرابلس أدى لهجمات غير قانونية يمكن أن ترقى لجرائم حرب يجب أن يحقق فيها مدّعون عامّون دوليون، كاشفة أدلة على وقوع هجمات عشوائية على المناطق المدنية في العاصمة الليبية.
وجمعت المنظمة، وفق تقريرها، شهادات شهود عيان، وحللت الصور الملتقطة بالأقمار الإصطناعية، وهو ما يشير إلى تعرض المناطق السكنية المكتظة بالسكان في منطقة "أبو سليم" بمدينة طرابلس لهجوم عشوائي بالصواريخ.
وندد التقرير بالهجوم الجوي الذي شنته قوات حفتر في مايو/آيار الماضي، على مركز احتجاز المهاجرين في تاجوراء، شرقي طرابلس، حيث كان يُحتجز نحو 500 مهاجر ولاجئ في مخازن غير مستعملة للطائرات.
حلم أم كابوس؟
الحلم الذي ينشده حفتر منذ ظهوره على سطح الأحداث في ليبيا عام 2014، ثم شن عملية عسكرية واسعة في أبريل/نيسان الماضي من أجل السيطرة على طرابلس حتى يتسنى له إحكام قبضته على البلاد، قد يتحقق قريبا كما وعد، أو قد يستيقظ منه على كابوس.
ورغم تعهداته بالسيطرة على طرابلس أمام ما يتعرض له من خسائر على يد قوات الوفاق، يبقى التساؤل الأبرز: متى يتخلى الجنرال عن حلمه، حتى لا يصبح كابوسا؟.
اللافت أن وعد حفتر في حواره مع الإندبندنت بقرب دخول طرابلس ليس الأول من نوعه، فقد سبق ذلك عدة مرات، لعل أبرزها ما صرح به عقب سيطرة قوات حكومة الوفاق على مدينة غريان الإستراتيجية غرب ليبيا في يوليو/تموز الماضي، حين قال: إن قواته "سترفع راية النصر في قلب طرابلس قريبا".
توالي الوعود التي تذهب أدراج الرياح مع تفاقم الخسائر، إلى جانب دعم دولي وإقليمي آخذ في الانحسار، تشير جميعها إلى أن الاحتمال الأقرب للتحقق هو أن يستيقظ الجنرال الحالم على كابوس قد يعود به لمنفاه الاختياري بالولايات المتحدة الأمريكية التي يحمل جنسيتها، إن لم تشهد أرض ليبيا نهايته شخصيا وليس فقط نهاية حلمه.
المصادر
- المشير حفتر لـ "اندبندنت عربية": سندخل طرابلس عاجلا وليس آجلا
- تقرير أممي: الإمارات خرقت حظر الأسلحة على ليبيا وحميدتي أرسل جنودا لحفتر
- Arrival of Russian mercenaries adds deadlier firepower, modern tactics to Libya’s civil war
- حكومة الوفاق تتهم روسيا بتأجيج الصراع في ليبيا
- انتهاكات خليفة حفتر بحق المدنيين بطرابلس تتواصل.. وصمت دولي مريب
- تحقيق أممي يكشف تورط قوات حفتر بقصف مطار مدني غربي ليبيا
- ليبيا: أدلة على جرائم حرب محتملة تبرز الحاجة لتحقيق دولي