يني شفق: هذا ما تخطط له تركيا وروسيا في مجال الطاقة
تلعب الجغرافيا دورًا مهما لصالح الدول، فتعمل على تقوية دولة وتضعف من أخرى، حتى أصبحت الموارد الطبيعية المكتنزة في أراضي هذه الدول تساهم بشكل مضاعف في مكانتها، وفقًا لما تتمتع به من خيرات وثروات، وهي أي هذه الثروات، قد تكون فرصة كبيرة لدولة ما في الانطلاق والتقدم، ووبالاً على دولة أخرى تتسبب لها في العقوبات.
يمكن أن نعتبر ما تقدم هو خلاصة مقال الكاتب "إردال طاناس كاراجول" على صحيفة "يني شفق"، وتحدث فيه مطولًا عن مشاريع الطاقة وأنابيبها الممتدة التي تقدم خدمات ومصالح مشتركة لثلاث دول هي: روسيا، تركيا، أذربيجان، معبّرا عن فرص ومخاطر "العمل المشترك" بينهم.
وذكر الكاتب، أن روسيا وتركيا لديهما حصة مهمة في مجال أمن إمدادات الطاقة في أذربيجان وهاتان الدولتان اللتان تتمتعان بحصة تبلغ 60٪ تقريبًا في مجال أمن إمدادات الطاقة، لهما أيضًا أهمية إستراتيجية في معادلة الطاقة الجديدة التي ستنشأ في المنطقة.
الفوز للجميع
بينما تعمل تركيا على حماية خطوط الطاقة الخاصة بها إضافة لخطوط أخرى كالسيل الأزرق (خط أنابيب رئيسي للغاز عبر البحر الأسود ينقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى تركيا)، والمجرى الغربي، فهي من ناحية أخرى، تعمل من خلال مشاريعها الدولية مثل السيل التركي "ترك أكيم"، التي هي قيد الإنشاء والمخطط تنفيذها قريباً، ومن خلال مشاريع دولية أخرى؛ فإنها تبذل جهدًا كبيرًا لتصبح مركزًا تجاريًا في مجال الطاقة بالإضافة إلى أمن إمدادات الطاقة الخاص بها.
ويذكر أن "السيل الأزرق" هو خط أنابيب بحري مخصص لتوريد الغاز الطبيعي الروسي إلى تركيا عبر قاع البحر الأسود، مع تجنب المرور عبر أراضي دولة ثالثة، ويعد مصدرا إضافيا للغاز الروسي المورّد إلى تركيا عبر خط الغاز البري الذي يمر عبر أراضي أوكرانيا ومولدافيا ورومانيا وبلغاريا وصولا إلى تركيا.
ومن المخطط أن يبدأ العمل في الجزء المار عبر البحر من مشروع خط السيل التركي خلال الأشهر المقبلة، وأن يتم افتتاح خط الأنابيب الأول في المشروع نهاية 2019.
ويتكون مشروع "السيل التركي" من خطين لأنابيب نقل الغاز بسعة 31.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، وسيُخصص أحد الخطين لنقل الغاز الطبيعي إلى تركيا لتلبية احتياجاتها، والخط الثاني لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر الأراضي التركية.
وشدد الكاتب على أن في ذلك مصلحة روسية أيضًا. فموسكو تعد مركزا رئيسيا لأسواق الطاقة العالمية، وهي تسعى للتعاون مع تركيا في هذا الصدد، وتعمل كذلك من خلال تركيا لإيصال خطوط أنابيب الطاقة الروسية للأسواق العالمية. وفي هذا الصدد تعمل روسيا على تعزيز علاقاتها مع تركيا، لضمان سلامة خطوط الطاقة الخاصة بها وضمان وصول أسواقها، كما أن الأمر مهم لتركيا في أن تكون بلد مرور أساسي لأسواق الطاقة. وهو ما يمكن أن يطلق عليه "الفوز للجميع" حيث أسواق الطاقة المشتركة بين روسيا وتركيا تخدم الطرفين معًا.
خارطة الطريق
وتابع الكاتب، هذا الأمر ينطبق أيضا على طرف ثالث وهو أذربيجان، عبر خطوط الغاز (باكو – تبيليسي – أرضروم) وخطوط (تاناب)، فمن خلال تقديم أذربيجان الأمن والحماية لها، فهي أيضا تعمل على حماية خطوط الغاز الخاص بها ولتصبح هي الأخرى مصدرا لخطوط الغاز الطبيعي وكذلك مصدرا لنقل الطاقة عبر أراضيها، وتغدو رويدًا رويدًا مصدرًا عالميًا في ممرات الطاقة ولاعبًا دوليًا كبيرًا.
يذكر أنه في القطاع الأذربيجاني من بحر قزوين، يتم نقل الغاز من حقل شاه دنيز عبر جورجيا إلى تركيا. وهو يمر عبر خط أنابيب (باكو - تبيليسي - جيهان) ويرتبط بنظام توزيع الغاز التركي. يمر 443 كيلومترا من خط الأنابيب عبر أذربيجان و250 كيلومترا عبر جورجيا.
وخط أنابيب الغاز العابر للأناضول (تاناب) وبالتركية: Trans-Anadolu Doğalgaz Boru) Hattı) هو خط أنابيب غاز طبيعي يمتد من أذربيجان عبر جورجيا وتركيا حتى أوروبا.
وسيكون الجزء المركزي من ممر الغاز الجنوبي، الذي سيصل بين حقل غاز شاه دنيز العملاق في أذربيجان وأوروبا عبر خط أنابيب جنوب القوقاز، خط أنابيب الغاز العابر للأناضول وخط الأنابيب عبر الأدرياتي.
ويعتبر هذا المشروع ذا أهمية إستراتيجية لأذربيجان وتركيا، إذ سيتيح لأول مرة بتصدير الغاز الآذري إلى أوروبا، ما وراء تركيا، وسيعزز أيضاً دور تركيا كمركز إقليمي للطاقة.
وتم وضع أول أنبوب على الأراضي التركية من خط الأنابيب عبر الأناضول (تاناب) المصمم لحمل الغاز الطبيعي من حقل شاه دينيز في أذربيجان إلى تركيا وخارجها، وبدأ التدفق الأول للغاز عبر مشروع خط أنابيب بتكلفة 12 مليار دولار عام 2018، ليصل بحسب التوقعات إلى 31 مليار متر مكعب في 2026.
واستدرك الكاتب أن هذه المشاريع التي تحدث عنها في مقاله سواءً خط الأنابيب التركي الخاص أو الأذربيجاني أو المشترك بينهما يساهم كذلك في عملية تحول تركيا إلى مركز تجارة عالمي في مجال الطاقة.
وليس هذا فحسب بل إن خطوط الطاقة هذه، تسهم أيضًا في مشروع طريق الحرير وتلعب دورًا هامًا في تحوله لطريق إستراتيجي عالمي وهذا يعني دورا كبيرا لأذربيجان لم يكن معروفًا عنها من قبل.
وتابع الكاتب، وبالتالي، فإن أمن إمدادات الطاقة بالنسبة لتركيا بقدر ما هي مهمة، يعد الطلب على الطاقة أيضًا أمرًا مهمًا للغاية بالنسبة لروسيا وأذربيجان، اللتان ترغبان في تحويل مواردهما من الطاقة إلى الأسواق الدولية، التي يعتمد اقتصادها اعتمادًا كبيرًا على الإيرادات الناتجة عن الطاقة.
الفرص والمخاطر
في موضوع الطاقة، هناك إمكانيات كبيرة للتعاون والعمل المشترك بين أذربيجان وصاحبة المصادر الهائلة في مجال الطاقة، روسيا، إذ تعد قضية الطاقة فرصة مهمة لتعاون جديد مع روسيا وأذربيجان اللتان تتمتعان بموارد طاقة مهمة في المنطقة. كما ستلعب الطاقة دوراً رئيسياً في التعاون الاقتصادي والنقل الاقتصادي والعسكري بين هذه الدول الثلاث.
بسبب اكتشاف موارد الطاقة في شرق البحر المتوسط، وبينما تتعامل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع تركيا بالكثير من البرود تجاه الحفريات والأنشطة المتصاعدة في المتوسط، فإن تركيا وروسيا، ستغدو على مسافة قريبة من بعضهما البعض أكثر من أي وقتٍ مضى، وتوثيق التعاون بينهما سيغدو أكثر وطأة.
ولفت الكاتب إلى أنه وبينما تحاول تركيا المضي في سياساتها بخصوص المتوسط بشكل مناسب وبهدوء، فإن الدعم الذي ستتلقاه من شركائها الدوليين مهم للغاية.
وختم الكاتب مقاله بالقول؛ عندما تكون القضية الرئيسية هي الطاقة، فمن الواضح أن التعاون الإقليمي يتراوح بين "التعاون والاستمرار" أو "التوقف والقطيعة" ومن المحتمل أن تواجه هذه المسائل العديد من التغييرات المستمرة بسبب التوازنات المتطورة باستمرار جراء كميات الطاقة وتحديات الجغرافيا وعوامل أخرى إضافية.