مشاركة إسرائيلية في تحالف "الحارس" الأمريكي بين تردد وانفراد
وسط تصاعد التوترات في المنطقة في أعقاب الهجمات على ست ناقلات نفط، وإسقاط طائرة استطلاع أمريكية خلال فترة ما بعد تجديد الولايات المتحدة حزم العقوبات على إيران في أيار/مايو الماضي، كشفت الولايات المتحدة في 9 يوليو/تموز الماضي عن مساعٍ لتشكيل تحالف أمني عسكري دولي من عشرات الدول لحماية وتأمين الملاحة الدولية في الممرات البحرية بالمنطقة.
طيلة أسابيع ومع تكرار الهجمات على ناقلات نفط وسفن في منطقة الخليج العربي، اتهمت الولايات المتحدة ودول خليجية إيران، بشكل مباشر أو عبر قوات حليفة لها، باستهداف سفن تجارية وناقلات ومنشآت نفطية؛ وهي الاتهامات التي تواصل إيران رفضها بشكل قاطع مع تأكيدات متكررة على استعدادها لتوقيع اتفاقيات عدم اعتداء مع الدول الخليجية والمساهمة معا في تأمين حركة الملاحة البحرية دون مشاركة الدول الأخرى، أيْ الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي وغيرها من الدول.
وتُصرّ إيران على أنها ودول المنطقة الأخرى وحدهم هم المسؤولون عن الأمن في الخليج العربي ومضيق هرمز بعيدا عن دول العالم الأخرى التي عليها الابتعاد عن المنطقة بصفتها وجودا أجنبيا غير مرحب به.
في إطار الجهود الأمريكية الحثيثة لتشكيل التحالف الأمني العسكري "الحارس"، أجرت الولايات المتحدة اتصالات مع أكثر من 60 دولة معنية حول العالم، واستضافت واشنطن ثلاثة اجتماعات حول خطتها في وزارة الخارجية وفي القيادة المركزية في ولاية فلوريدا.
كان متوقعا أن تقتصر جهود الولايات المتحدة على الدول الحليفة لها في المنطقة لتشكيل تحالف أمني عسكري يضمن تأمين الممرات البحرية في الخليج العربي حيث مضيق هرمز والتهديدات الإيرانية المباشرة، وفي البحر الأحمر حيث مضيق باب المندب والتهديدات التي تُمثلها جماعة الحوثي الحليفة لإيران في اليمن.
كما إن قدرة الولايات المتحدة على إيجاد شركاء في التحالف لتقديم الدعم المالي وتوفير الموارد اللازمة لا تزال مثار شك في إمكانية تجاوز الكثير من الصعوبات للمضي باتجاه ولادة التحالف وممارسة مهامه، ما يجعل الولايات المتحدة مضطرة لحثّ الدول الأوربية على المشاركة في التحالف، وكذلك أستراليا والدول الآسيوية الكبرى، وإسرائيل أيضا.
أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الثلاثاء 6 أغسطس/آب، مشاركة بلاده في التحالف الأمريكي لتأمين الحماية للمرات البحرية في منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر.
وتجد إسرائيل في مشاركتها بقوّة كهذه، مصلحة واضحة في إطار إستراتيجية كبح التهديدات الإيرانية، إلى جانب تعزيز العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج العربية بدعم مباشر من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
يمكن للمشاركة الإسرائيلية حتى إذا اقتصرت على الجانب الاستخباراتي، وفق مصادر، أو المشاركة الفاعلة لعدد من سفنها الحربية، وفق مصادر أخرى، أن تخلق حالة من الإرباك والتردد في مشاركة أوسع للدول الخليجية؛ بالإضافة إلى تعميق حدة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران التي ستجد في المشاركة الإسرائيلية تهديدا مباشرا لأمنها القومي وذريعة لإسرائيل لمهاجمة أهداف في العمق الإيراني في حال تكرار الهجمات الإيرانية على ناقلات نفط، أو احتجاز ناقلات أخرى مستقبلا.
الخطة الأمريكية، أو تحالف "الحارس"، ليست الخطة الوحيدة، بل هناك خطة أوربية تعمل عليها عدد من دول الاتحاد الأوروبي بشكل مستقل عن الخطة الأمريكية لتشكيل قوّة أوربية لا تخضع للقيادة الأمريكية في المنطقة.
ولا تحمل القوّة المنتظر تشكيلها سواء تحت القيادة الأمريكية أو القيادة الأوربية طابعا عسكريا يتعدى حدود تأمين الملاحة الدولية والدفاع عن السفن والناقلات في حال تعرضت لهجمات أو محاولات قرصنة. لذلك يبدو أن التحالف التي تعمل على تشكيله الولايات المتحدة، هو تحالف أمني يعتمد تأمين حركة السفن والناقلات وتبادل المعلومات والتعاون الأمني أكثر منه تحالف عسكري لمهام قتالية هجومية، وهو قريب إلى حد ما من طبيعة الخطة الأوربية ومهامها وأهدافها.
ترغب الدول الأوربية بتشكيل قوّة خاصة بها تحت قيادة أوروبية بدلا من أن تكون تحت القيادة الأمريكية نظرا لرؤية أوربية تفيد بأن حملة الضغط الأقصى التي تطبقها الولايات المتحدة قد تدفع إيران إلى الانسحاب من الاتفاق النووي أو على الأقل عدم الالتزام ببنوده. وتقود ألمانيا بشكل ما موقف الاتحاد الأوربي الرافض، أو المتحفظ على المشاركة في الخطة الأمريكية.
لا تفكر المستشارة أنجيلا ميركل أو الحكومة الألمانية في المشاركة بالتحالف الأمني العسكري الذي تسعى الولايات المتحدة لتشكيله، ووفقا لتصريحات المتحدثة باسم الحكومة الألمانية في 5 أغسطس/آب، فإن "الجميع في الحكومة الألمانية متفق على عدم المشاركة"، في حين أن مسؤولين ألمان آخرين لم يستبعدوا إمكانية المشاركة في القوات الأوروبية لتحقيق نفس الهدف.
وخلال زيارته إلى وارسو نهاية يوليو/تموز الماضي، أعلن وزير الخارجية الألماني أن بلاده لن تشارك في الخطة الأمريكية إذ تعتبر العقوبات الأمريكية على إيران مسارا خاطئا.
وترى ألمانيا ومعها معظم الدول الأوربية ضرورة استمرارها في الالتزام بالاتفاق النووي مع إيران خشية الانجرار إلى مواجهة محتملة بين الولايات المتحدة وإيران واحتمالات دخول المنطقة في حرب طويلة مفتوحة ستكون لها تداعيات على الدول الأوربية سواء على القطاعات الاقتصادية جراء حتمية ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية، أو ما يتعلق بأمن هذه الدول، وموجات الهجرة من المنطقة إلى تلك الدول.
ووفقا لوزارة الدفاع الفرنسية، فإن باريس كانت تخطط بالتنسيق مع برلين ولندن لتعزيز الأمن البحري في منطقة الخليج العربي بعد تصاعد حدة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران لتبادل المعلومات دون نشر قوات بحرية جديدة.
انفردت بريطانيا بعد وصول بوريس جونسون إلى رئاسة الحكومة البريطانية عن دول الاتحاد الأوربي الأخرى بالموافقة على المشاركة في القوّة البحرية التي تعتزم الولايات المتحدة تشكيلها في المنطقة. وأعلنت وزارة الدفاع البريطانية مشاركتها في المهمة الأمنية المقرر أن تقودها الولايات المتحدة مستفيدة من الأصول البحرية العسكرية الموجودة أصلا في المنطقة للعمل إلى جانب السفن الحربية الأمريكية لمرافقة السفن التجارية وناقلات النفط المارة عبر مضيق هرمز.
تشكل الموافقة البريطانية على المشاركة في التحالف الجديد خرقا في جدار الممانعة والتردد لدول العالم الأخرى ما يجعلها تنفتح بشكل أكبر على العمل مع الولايات المتحدة وتحت قيادتها لتأمين الملاحة الدولية في المنطقة.
قد يفهم من مشاركة بريطانيا في التحالف الجديد بعد تسلم بوريس جونسون رئاسة الحكومة، اعتراف بريطانيا بفشل الحكومة السابقة في تشكيل قوّة أوربية منفصلة عن الولايات المتحدة وصعوبة تشكيل مثل هذه القوّة في منطقة نفوذ تقليدية للولايات المتحدة التي تحتفظ بالوجود العسكري البري والجوي والبحري الأكبر في المنطقة من بين دول العالم الأخرى.
تهدف كلتا الخطتين، الأمريكية والأوربية، إلى حماية حركة التجارة الدولية وتأمين مرور النفط عبر مضيق هرمز في الخليج العربي من التهديدات الإيرانية؛ لكن دول الاتحاد الأوروبي لا تريد المزيد من التصعيد العسكري مع إيران وزيادة حدة التوترات من خلال المشاركة في التحالف الأمني العسكري الذي مقرر له أن تقوده الولايات المتحدة لاعتقاد دول الاتحاد أن ذلك قد تفهمه إيران بأنه جزء من حملة الضغط القصوى ما يدفعها للتخلي عن كامل التزاماتها في الاتفاق النووي الذي تحرص دول الاتحاد الأوروبي على الحفاظ عليه.
من المرجح أن الدول الأوربية لن تنجح في تشكيل قوّة بحرية منفصلة عن الخطة الأمريكية، إذ لا يمكن للدول الأوروبية تشكيل مثل هذه القوّة بعيدا عن مشاركة ومساعدة الولايات المتحدة التي تتمتع بالوجود العسكري الأكبر والأضخم في المنطقة، التي تقود في ذات الوقت الجهود الدولية على كافة المستويات، بالتنسيق مع الدول الحليفة في المنطقة، لكبح جماح التهديدات الإيرانية سواء لدول المنطقة أو لحركة الملاحة الدولية.