بعد نشرها بسوريا.. لماذا لم تتصدّ "أس-300" للضربات الإسرائيلية؟

يوسف العلي | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

على الرغم من تصريحات شديدة اللهجة، أطلقتها روسيا سابقا، حذرت فيها إسرائيل من تكرار القصف على سوريا، وعززتها بنشر منظومة الدفاع الجوي الصاروخية "أس-300" إلا أن الهجمة الأخيرة التي شنتها تل أبيب على دمشق وحمص، أثارت تساؤلات مهمة حول أسباب عدم تصدي صواريخ موسكو لها.

واستهدفت صواريخ إسرائيلية في الأول من يوليو/ تموز الجاري، مواقع عسكرية قرب دمشق وفي محافظة حمص، وأعلن نظام الأسد في تصريحات صحيفية إسقاط دفاعاته الجوية لعدد من تلك الصواريخ، من دون أن تحدد ما هي المواقع المستهدفة.

إلا أن المرصد السوري، أوضح أن الصواريخ طالت مواقع عسكرية عدة ينتشر فيها مقاتلون إيرانيون ومن "حزب الله" اللبناني، بينها مركز للبحوث العلمية ومطار عسكري.

كيف ردت موسكو؟

الضربات الجوية الإسرائيلية الأخيرة على سوريا، هي الأكبر من نوعها منذ أيار/ مايو 2018، بحسب توصيف وزارة الخارجية الروسية، إلا أن موسكو لم تحرك ساكنا واكتفت بإعلان شعورها بـ"القلق" حيال هذا التصعيد.

وقالت المتحدثة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا، في بيان: إنه "بالفعل وجهت مقاتلات تابعة للقوات الجوية الإسرائيلية ليلة 1 يوليو/تموز الجاري، بعد قدومها من المجال الجوي للبنان، سلسلة من الضربات الصاروخية إلى الأرضي السورية طالت ريف حمص ومحيط دمشق".

وأشارت إلى أنه "تم اعتراض جزء من الصواريخ من قبل قوات الدفاع الجوي السورية، ونفذت بعض الضربات في قرب مباشر من الأحياء السكنية"، مضيفة أن "موسكو تشعر بقلق بالغ من هذا التطور، وتعتبره تصعيدا للوضع".

وحذرت المتحدثة الروسية من أن الضربات الإسرائيلية المستمرة على سوريا، تهدد بزعزعة الاستقرار الإقليمي، وتمثل تصعيدا يثير قلق موسكو، معتبرة أن "عمليات استخدام القوة التي تنتهك بشكل سافر سيادة سوريا، لا تسهم في تطبيع الوضع في هذا البلد، بل تحمل تهديدا بزعزعة الاستقرار الإقليمي، التي لا يمكن في ظروفها ضمان مصالح الأمن القومي لأي من دول الشرق الأوسط بشكل آمن".

وكان وزير الخارجية الروسي قد قال عقب الضربات مباشرة: إن "روسيا تدرس الضربة الإسرائيلية، وتدعو إلى احترام القوانين الدولية"، مشددا على أهمية احترام وتنفيذ قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، باعتبارها منطلقا لتقييم أي أفعال تقوم بها أي جهة في المنطقة.

إدانة متأخرة للنظام

بعد يومين من القصف الإسرائيلي على دمشق وحمص، أدان النظام السوري الهجمة الإسرائيلية الأخيرة التي أفضت إلى مقتل مدنيين وعسكريين، بحسب بيان لخارجية الأسد.

واتهم النظام السوري إسرائيل، بممارسة "إرهاب الدولة" إثر غارات استهدفت مواقع عسكرية عدة وأسفرت، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، عن مقتل 15 شخصا بينهم ستة مدنيين.

وصرّحت وزارة الخارجية السورية في بيان نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، بأن "إمعان سلطات الاحتلال الإسرائيلي في ممارسة إرهاب الدولة قد ازدادت وتيرته".

وأضافت: إن "العدوان الإسرائيلي الغادر على الأراضي السورية يأتي في إطار المحاولات الإسرائيلية المستمرة لإطالة أمد الأزمة في سورية والحرب الإرهابية التي تتعرض لها".

وطالب النظام السوري مجلس الأمن الدولي "بتحمل مسؤولياته واتخاذ إجراءات حازمة وفورية لمنع تكرار هذه الاعتداءات"، مشددة على أن "استمرار إسرائيل في نهجها العدواني الخطير ما كان ليتم لولا الدعم اللامحدود والمستمر الذي تقدمه لها بشكل خاص الإدارة الأمريكية والحصانة من المساءلة التي توفرها لها هي ودول معروفة في مجلس الأمن".

من جهته، علق نائب وزير الخارجية بالنظام السوري فيصل المقداد، على الضربة الإسرائيلية الأخيرة على سوريا، قائلا: إننا "نحارب إسرائيل في كل مكان، عبر محاربة أدواتها من التنظيمات الإرهابية"، بحسب وصفه.

وأضاف المقداد في تصريحات صحفية، أن "هدف العدوان الإسرائيلي هو حماية هذه الأدوات، خاصة أنه جاء بعد الإنجازات التي حققها جيشنا وحلفاؤه"، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن "سوريا مستعدة دائما لرد الصاع صاعين".

وفي الوقت الذي دعا فيه إلى التهدئة، أشار المقداد إلى أن النظام لن يسكت على الهجمات، بالقول: "المنطقة بحاجة إلى تهدئة وليس إلى تصعيد، سواء كان بدعم من الولايات المتحدة أم أطراف أخرى من المجتمع الدولي"، مطالبا العالم ومجلس الأمن والأمم المتحدة، بالتنبه لخطورة مثل هذه التطورات، "لأن سوريا لن تسكت عن حقها".

أين "أس-300"؟

لم تتطرق موسكو ولا دمشق إلى منظومة "أس-300" التي زودتها روسيا لنظام الأسد على خلفية سقوط طائرة عسكرية روسية بنيران قوات النظام بالخطأ، إثر محاولة الأخيرة صدّ غارات إسرائيلية في سبتمبر/أيلول 2018.

وفي تقرير لصحيفة "سفابودنايا براسا" الروسية تحدثت فيه عن هجوم إسرائيل الأخير على سوريا، أشارت إلى أن منظومة "أس-300" الروسية لم ترد على الهجمات الإسرائيلية، على الرغم من أنها قادرة على ذلك.

وهذا الأمر، بحسب الصحيفة، يثير تساؤلات حول سبب عدم إظهار الأنظمة الروسية "أس-300" التي تتمتع بجهاز رادار، من الرد على هذه الهجمات.

وذكرت، أن هناك أسبابا عديدة تفسر ذلك من بينها المفاوضات الناجحة بين سكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، ورئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شبات، ومستشار الرئيس الأمريكي جون بولتون.

وبطبيعة الحال، فإن المستفيد من هذه المفاوضات هي تل أبيب، بحسب الصحيفة، التي أكدت أن الهجوم وقع بعد أيام قليلة من الاجتماع، وحسب إسرائيل، من غير الممكن القيام بمثل هذه العملية دون التنسيق مع روسيا.

وأفادت الصحيفة بأن وصول إسرائيل إلى المجال الجوي للبحر الأبيض المتوسط من قبرص نحو سوريا ولبنان يتطلب التنسيق مع الجيش الروسي، الذي توجد قواته البحرية والجوية في المنطقة.

شحنات صواريخ رمزية

ما يعزز  تحليل "سفابودنايا براسا" هو ما نقلته نقلت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية من تصريحات نشرتها في أكتوبر/ تشرين الأول 20018، لخبير روسي تحدث فيها عن النتائج المتوقعة من اللقاء بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وقال مدير مركز الدراسات الإسلامية بمعهد التنمية الابتكارية، كيريل سيمونوف، إن مسألة تزويد سوريا بصواريخ "أس-300" ستُطرح أثناء لقاء بوتين ونتنياهو.

وأضاف، بحسب ما نقلت "روسيا اليوم" عن الصحيفة: "مع ذلك؛ من المستبعد أن ينعكس ذلك على مستوى العلاقات بين روسيا وإسرائيل. ففي الحقيقة، شحنات أس-300 رمزية تماما، وليس من المعروف إلى أي مدى سيكون السوريون أنفسهم أحرارا في التصرف بها".

ولا يرى سيمونوف "أي شيء يثير الدهشة في التقارير حول فتح قناة اتصال معينة بين إسرائيل وإيران. ويقول: "كانت هناك معلومات عن وجود مثل هذه القناة، وأنها عملت بجهود بعثتي إسرائيل وإيران في عمّان خلال مناقشة الوضع في جنوب سوريا".

بدورها، قالت الصحيفة الروسية إن "المراقبين يستبعدون أن يمنع تزويد سوريا بـ(أس-300) إسرائيل من شن هجمات جديدة، إذا شعرت مرة أخرى بأي تهديد بالقرب من حدودها".

حماية الروس

وعلى وقع سقوط "إيل-20"، أوعز بوتين، باتخاذ ثلاث خطوات أولها تسليم منظومة "أس 300" إلى سوريا، والثانية تتمثل في تجهيز المراكز القيادية لقوات الدفاع الجوي السورية بنظام آلي للتحكم موجود حصريا لدى الجيش الروسي، مما سيضمن الإدارة المركزية على جميع الدفاعات الجوية السورية، وتحديد جميع الطائرات الروسية في الأجواء.

أما الخطوة الثالثة، بحسب الكرملين، فهي إطلاق الجيش الروسي تشويشا كهرومغناطيسيا بمناطق البحر المتوسط المحاذية لسواحل سوريا بهدف منع عمل رادارات واتصالات الأقمار الصناعية والطائرات أثناء أي هجوم مستقبلي على سوريا".

وأكد بوتين لنتنياهو بعدها أن "الجانب الروسي ينطلق من أن تصرفات الطيران الإسرائيلي بالذات أصبحت السبب الرئيسي للمأساة"، واصفا توريد منظومة (أس- 300) إلى سوريا بأنها تهدف إلى حماية العسكريين الروس الذين يحاربون "الإرهاب الدولي".

وكان قد أكد وزير الدفاع الروسي، سيرج شويجو، أن موسكو ستسلم منظومة "أس-300" إلى سوريا خلال أسبوعين، وذلك على خلفية حادث إسقاط الطائرة في اللاذقية، مضيفا أن هذه الحادثة أجبرت روسيا على اتخاذ خطوات بهدف تعزيز أمن قواتها في سوريا.

وبالفعل أظهرت مشاهد بثتها قناة روسية رسمية، وصول معدات منظومة صواريخ "أس-300" المضادة للطيران إلى سوريا على متن طائرة خاصة.

وقال شويجو، إن "أس-300" قادرة على اعتراض وسائل الهجوم الجوي على بعد أكثر من 250 كم، كما تتمكن من إصابة عدة أهداف جوية في آن واحد، مشددا على أن تغير وضع "أس-300" لم يكن ذنب روسيا، بل إنها اضطرت إلى اتخاذ الرد المناسب، من أجل حماية قواتها في سوريا.

رصد إسرائيلي

في أحدث تقرير إسرائيلي عن منظومة "أس-300" أعلنت شركة إسرائيلية متخصصة في تحليل صور الأقمار الصناعية، أن روسيا استكملت نصب جميع بطاريات منظومة صواريخ "أس-300" شمال غرب سوريا.

وبحسب تقرير صدر عن موقع "تايمز أوف إسرائيل" في الأول من يوليو/ تموز الجاري، فإن المنطقة التي نصبت فيها روسيا "أس-300"، هي بلدة مصياف السورية المرتفعة.

ونقل الموقع عن الشركة الإسرائيلية أن منظومة "أس-300" في سوريا تبدو أنها تعمل بالكامل، محذرا من أن ذلك يشير إلى وجود تهديد أكبر لقدرة إسرائيل على شن غارات جوية ضد القوات الإيرانية والتشكيلات الموالية لها هناك.

ونشر الموقع لقطات من أقمار صناعية تحمل تاريخ 19 شباط/ فبراير الماضي، تبين أن 3 بطاريات من أصل أربع نصبت بالكامل في قاعدة ببلدة مصياف، الواقعة شمال غرب سوريا.

وأظهرت صور جديدة أن البطارية الرابعة أخذت مكانها هي الأخرى، بعد تسعة أشهر من قيام روسيا بتزويد سوريا بهذا النظام المتطور للدفاع الجوي.

وسبق أن هددت إسرائيل بتدمير منظومة "أس- 300" الروسية، إذا استخدمها نظام الأسد ضد طائراتها المقاتلة، بغض النظر عن رد فعل روسيا المحتمل من ذلك.

وكثّفت إسرائيل في الأعوام الأخيرة وتيرة قصفها في سوريا، مستهدفة مواقع لقوات النظام السوري وأهدافا إيرانية وأخرى لـ"حزب الله"، وهي تُكرّر التأكيد أنها ستواصل تصدّيها لما تصفه بمحاولات إيران الرامية إلى ترسيخ وجودها العسكري في سوريا وإرسال أسلحة متطورة إلى "حزب الله".