احتمالات الفقاعة العقارية في مصر

أحمد ماهر | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ازدادت في السنوات الماضية أسعار العقارات في مصر بشكل مبالغ فيه، في الحين الذي اتجه تركيز الدولة ومؤسساتها لقطاع العقارات والاستثمار العقاري والسياحي، بجانب دخول القوات المسلحة بقوة في هذا المجال، فأصبح الاستثمار العقاري والسياحي هو الشغل الشاغل للحكومة المصرية، وكثيرا ما نلاحظ أن الدولة هي التي تضارب في العقارات وتنافس القطاع الخاص بل وأحيانا تزايد عليه في ذلك المجال. بعض التحليلات الاقتصادية تحذر من اقتراب حدوث فقاعة عقارية في مصر، في حين أن الردود الحكومية والمطبوعات الاقتصادية القريبة من دوائر السلطة تنفي حدوث ذلك مطلقا، إضافة إلى التهم الجاهزة لمواجهة أي نقاشات مثل تهمة الأخبار الكاذبة وزعزعة الاستقرار.

ولمحاولة فهم وتحليل ما يحدث في السوق العقاري في مصر يجب أولا التعرض لبعض النقاط، فبداية يجب تعريف ما هي الفقاعة العقارية؟ ولماذا تحدث؟ وكيف تحدث؟ وما هي نتائجها؟ وكيف يمكن تجنبها؟ ويمكن القول هنا بأن الفقاعة العقارية تحدث عندما تزداد أسعار العقارات زيادة مضطردة بناءً على زيادة الطلب ومحدودية العرض، وتحدث كذلك بسبب المضاربات على العقارات أو الاعتماد على القروض بشكل أساسي، وفي أحيان أخرى يكون العرض أقل من الطلب ثم يبدأ العرض في ازدياد ويبدأ المضاربون في رفع الأسعار نتيجة زيادة الطلب، أو تحدث تدخلات جشعة أو غير مدروسة، ثم يبدأ التشبع والاستقرار إلى أن يحدث الهبوط الحاد والمفاجئ في الأسعار.

هناك دراسات عديدة تتحدث عن أسباب الفقاعات العقارية، ولكن أيضا هناك من يقول إنه مع استقرار الاقتصاد وارتفاع معدلات النمو يزداد الطلب على العقارات بشكل تراتبي، ثم تقوم البنوك بتسهيل القروض العقارية فيصبح بعض الأفراد والشركات أكثر ميلا لاتخاذ قرارات غير مدروسة بالاستثمار العقاري والمضاربة عن طريق الاقتراض، ثم إعادة البيع قبل سداد القرض والحصول على مكسب وهمي. وتزداد الأسعار بشكل مبالغ فيه بسبب زيادة الطلب على عقارات جديدة، مما يتسبب في حدوث تلك الفقاعة بعد العجز عن السداد، فيحدث إحجام مرة أخرى عن الشراء، فتنهار الأسواق العقارية ويخسر البعض منازلهم ومدخراتهم.

ويؤثر ذلك على الاقتصاد ككل، نتيجة اتساع دائرة التأثر والتأثير في القطاع العقاري مثل القطاع المصرفي والبورصة وكل المهن المرتبطة بقطاع العقارات. وتكمن المشكلة الرئيسية في صعوبة التنبؤ بالفقاعة قبل حدوثها، ويطلق عليها فقاعة لأنها تنفجر فجأة، ولا يتم اكتشاف وجودها إلا بعد حدوثها بالفعل، وغالبا تكون المؤشرات الاقتصادية تتحدث عن قوة الاقتصاد وصلابة المؤشرات قبل حدوث الفقاعة.

وفي الوقت الحالي يلاحظ زيادة الأسعار رغم زيادة المعروض في نفس الوقت، مما أدى إلى انخفاض الطلب مرة أخرى والبطء في الشراء هذا العام بشكل طفيف، مما دفع المستثمرين إلى تقديم تنازلات أكبر عن طريق تقليل المقدم المطلوب وزيادة فترات السماحية والتقسيط. وبالرغم من ذلك فهناك نفي رسمي وشبه رسمي لإمكانية حدوث فقاعة عقارية في مصر. فسوق العقارات في مصر لا يعتمد بالأساس على القروض البنكية كما كان الحال فى الولايات المتحدة إبان الأزمة الشهيرة عام 2008، إنما يعتمد شراء العقارات في مصر بنسبة أكبر على المدخرات الفردية والعائلية أو التمويل الذاتي وليس القروض البنكية، كما أن نسبة المضاربة ليست بالنسبة التي تذكر. بالإضافة إلى أن زيادة الأسعار في سوق العقارات المصرية بهذا الشكل يرتبط بارتفاع أسعار الأراضي المطروحة وارتفاع أسعار مواد البناء والوقود وارتفاع الرواتب والعمالة، وكذلك كل ما ترتب على تحرير سعر الصرف للدولار في مصر عام 2016، فليس هناك زيادة مبالغ فيها أو ناتجة عن مضاربات وقروض بنكية كما حدث في الولايات المتحدة ودبي، وربما يحدث تباطؤ في حركة إعادة بيع العقارات ولكن ليس هبوطا أو فقاعة كما يتوقع المتشائمون.

أما الفريق المتخوف من إمكانية حدوث الفقاعة فينقسم إلى عدة آراء ودرجات في التخوف أو التحفظات، فهناك فريق يرى أن ما يحدث منذ سنوات من اعتماد الاقتصاد المصري على الاستثمار العقاري والسياحي بشكل أساسي سيقود حتما إلى حالة من الهبوط الحاد والانهيار الاقتصادي بعد وصول السوق لدرجة التشبع وزيادة العرض عن الطلب، وهو ما سيؤدي بدوره إلى الخسارة على عدة مستويات، فهناك شركات المقاولات التي سوف تفلس وتغلق أبوابها بسبب العجز في دفع القروض البنكية، كما سيتم تسريح مئات الآلاف من العمال والفنيين والمهندسين العاملين في مجالات التشييد والبناء، بالاضافة لخسارة العديد من الأفراد والأسر لاستثماراتهم الصغيرة في مجالات العقارات بعد الانخفاض الحاد في أسعار العقارات بعد الانفجار المفاجئ للفقاعة.

وهناك آراء أقل تشاؤما؛ أن مصر مقدمة علي فقاعة عقارية ولكنها تختلف عن الذي حدث في الولايات المتحدة ودبي عامي ٢٠٠٧ و ٢٠٠٨، فقطاع الإنشاءات والعقارات في مصر يعتمد على التمويل الذاتي وليس القروض البنكية في المقام الأول، ولا يعتمد بنسبة كبيرة على المضاربة في البورصة ولذلك فزيادة أسعار العقارات له ما يبرره بسبب ارتفاع أسعار الخامات والوقود والأراضي المطروحة، ولكن بسبب ارتفاع الأسعار والمبالغة بسبب ارتفاع العرض عن الطلب، وبسبب التوسع في إقامة المدن الجديدة وزيادة المطروح نتيجة لذلك، فستكون هناك نقطة من التشبع يتبعها تباطؤ وصعوبة في إعادة البيع، مع استقرار في الأسعار أو هبوط بشكل طفيف وليس حادا. وقد يتبع ذلك خسارة طفيفة للمستثمرين الصغار والعائلات والأفراد العاملين في قطاع الاستثمار العقاري، بسبب صعوبة إعادة البيع وتشبع السوق لعدة سنوات، فقطاع العقارات يعتبر هو الوسيلة أو الوعاء الأكثر أمانا للاستثمار والادخار والمحافظة على قيمة المدخرات، في ظل تذبذب الأسواق وفي ظل تذبذب أسعار الذهب وتدني الفائدة على الادخار في البنوك التي تتراوح ما بين ٦٪‏ و١٠ ٪‏ ولكن بشكل عام لا يرى هذا الفريق أن تكون الخسارة المُحتملة كخسارة ضخمة أو واسعة إن حدث ذلك الكساد أو انفجرت الفقاعة.

والجدير بالذكر في هذا السياق كذلك الحديث عن تلك الأخبار التي تواترت في بداية العام الحالي وتم نشرها في بعض الصحف المصرية، حول بداية تحفظ البنوك المصرية على قرارات إعطاء القروض للشركات العقارية خاصة “للكومباوندات”، خوفا من التعثر في السداد في حالة حدوث تباطؤ للسوق، ففي بداية عام 2018 تم فرض شروط أكثر من شروط عام 2008، خاصة بعد زيادة التسهيلات والقروض الممنوحة لشركات التنمية العقارية منذ عام 2013 حتى نهاية 2017، كما لوحظ أيضا التشدد في شروط منح القروض للأفراد لتمويل شراء وحدات سكنية لنفس الأسباب، وهو ما اعتبره البعض إجراءات احترازية تعكس وجود بعض القلق لدى المسؤولين عن السياسات الاقتصادية من إمكانية حدوث فقاعة عقارية إن تم التوسع في إقراض الشركات الاستثمارية الكبرى التي تعمل في مجالات الإنشاءات والاستثمار العقاري.

ولكن بشكل عام سيظل الاستثمار العقاري هو الشكل الأكثر قبولا والأكثر أمانا للاستثمار، بالنسبة للأسرة المصرية وكذلك بالنسبة للمصريين بالخارج بهدف حماية أموالهم من آثار التضخم وتآكل المدخرات، وهناك كذلك إقبال ملحوظ للاستثمارات الخليجية للعمل في المجال العقاري والسياحي في مصر، ولكن إن كان هذا من دواعي الطمأنينة والتفاؤل من قبل السلطة وواضعي السياسيات الاقتصادية في مصر، فإنه في المقابل مقلق للكثير من خبراء الاقتصاد لأسباب لها وجاهتها، فخطر الفقاعة العقارية قائم لنفس الأسباب التي تسوقها السلطة للتفاؤل، ولكن الابتعاد عن الخطر يتطلب وجود بدائل أخرى، مثل إشراك القطاع الخاص في المشروعات الموجهة للإسكان المتوسط وإسكان محدودي الدخل، بجانب أن تكون الدولة هي الضابط للسوق وليس المضارب كما هو الحال الآن.

وتبقى النقطة الأهم من وجهة نظري، هي أن الاستثمار العقاري والسياحي قد يدعم النمو الاقتصادي ويساعد على تدفق رؤوس الأموال وتوفير نسبة من فرص العمالة المرتبطة بتلك المشروعات، ولكن الانهيار سيكون مؤلما لقطاعات عديدة، خصوصا في ظل عدم وجود بدائل أخرى في مصر، كما أن  النمو الاقتصادي –إن تحقق رغم كل هذا الاحتكار والفساد والفشل الإداري– لا يعني التنمية والنهضة، فهذا له متطلبات أخرى لتحقيق ذلك مثل تنمية الفرد والاهتمام بالتعليم والبحث العلمي، والاهتمام بالإنتاج والتصنيع والزراعة، وقبل ذلك كله تحقيق العدل، فالتنمية والنهضة لا يتحققان بالتوسع في بناء تلك الغابات الإسمنتية القبيحة.