صِدام واشنطن وبكين التجاري في دائرة الخطر.. إلى أين يقود العالم؟
يبدو أن الصدام التجاري بين أمريكا والصين، دخل في منعطفات خطرة، بعد التصعيد المتبادل بين الطرفين، وهو ما أثار الشكوك حول تطور هذا الصدام من الاقتصادي والسياسي، إلى العسكري، بما ينذر بنشوب حرب عالمية ثالثة، تأكل في طريقها الأخضر واليابس.
الأزمة التي بدأتها أمريكا برفع التعريفة الجمركية على المنتجات الصينية بقيمة 200 مليار دولار، لم تقف أمامها الصين مكتوفة الأيدي، إذ ردت على القرار الأمريكي بعد ثلاثة أيام فقط بقرار مماثل، تمثل في فرض تعريفة جمركية على 5140 سلعة أمريكية بقيمة 60 مليار دولار بدءا من أول يونيو/ حزيران المقبل.
ورغم أن الرئيس الأمريكي ترامب، استبق القرار الصيني بنداء وجهه للقادة الصينيين بعدم الرد على الإجراء الأمريكي حتى لا تسوء العواقب وتزداد الأوضاع تدهورا، إلا أن الخارجية الصينية خيبت آماله، وأصدرت بيانها بالقرار الذي مثل صدمة لمسؤولي البيت الأبيض، كما مثل تخوفات لدى المراقبين من مستقبل هذا التصعيد، في وقت تشهد فيه الأوضاع بمنطقة الشرق الأوسط تصعيدا آخر يتمثل في الأزمة الأمريكية الإيرانية، وهي الأحداث التي جاءت مجتمعة لتصب فوق رأس اقتصاد دول الخليج العربي، ومن بعدها الاتحاد الأوروبي.
البداية أمريكية
وكان الرئيس الأمريكي ترامب، قد قرر في 10 مايو/ أيار الماضي، رفع التعريفة الجمركية على البضائع الصينية من 10 بالمئة إلى 25 بالمئة، مؤكدا أن المحادثات حول صفقة تجارية بين البلدين تمضي ببطء شديد، وكتب ترامب على حسابه في "تويتر" أن الصين كانت تدفع رسوما للولايات المتحدة الأمريكية لمدة 10 أشهر بنسبة 25 بالمئة على 50 مليار دولار من سلع التكنولوجيا المتقدمة، ورسوما بنسبة 10 بالمئة على 200 مليار دولار من السلع الأخرى.
وأضاف ترامب في سلسلة تغريداته، أنه "ما زال ما قيمته 325 مليار دولار، من البضائع الإضافية التي ترسلها الصين إلينا غير خاضعة للضريبة، ولكن سيتم فرض ضريبة عليها في وقت قريب، بمعدل 25 بالمئة. لم يكن للرسوم المدفوعة للولايات المتحدة الأمريكية تأثير يذكر على تكلفة المنتجات، ومعظمها تتحمله الصين".
ولم تقف الخطوة الأمريكية عند هذا الحد، فقد أطلق ترامب سلسلة من التصريحات التي استفز بها الجانب الصيني، إذ دعا بعد يوم فقط من قراره، الحكومة الصينية لنقل مصانعها من الصين إلى الولايات المتحدة، لكي تتفادي أزمة الجمارك، ثم عاد بعد يومين لتحذير الجانب الصيني من اتخاذ أية خطوات للرد على الإجراءات الأمريكية، مؤكدا أنه في هذه الحالة سوف تزداد الأوضاع سواء، وجدد دعوته للحكومة الصينية بأن يتوصلوا لاتفاق تجاري مع إدارته قبل الولاية الرئاسية الثانية له.
التدابير الصينية المضادة
وحسب ما نقلته وكالة "رويترز"، فإن الرد الصيني جاء قاسيا، حيث قررت الصين فرض رسوم جمركية على أكثر من 5000 سلعة يتم استيرادها من الولايات المتحدة، بما قيمته 60 مليار دولار، على أن يبدأ ذلك من أول يونيو/ حزيران المقبل، وهو القرار الذي جاء بعد ثلاثة أيام من القرار الأمريكي وأكدت الصين وقتها أن لديها من الأدوات والإجراءات ما يكفي للرد على الولايات المتحدة.
وفي تقرير لها عن الأزمة أكدت مجلة "بوليتيكو" الأمريكية، إلى أن الجزء الأهم في الحرب التجارية الدائرة بين واشنطن وبكين، هو إمكانية لجوء الصين إلى استثماراتها في سندات الخزانة الأمريكية واستخدامها كورقة ضغط ربما تكون رابحة في الضغط على الرئيس الأمريكي الذي أكد علاقته الوثيقة مع الرئيس الصيني، وأنه على استعداد للتفاوض حول الرسوم الأمريكية التي بدأت واشنطن تحصيلها بالفعل.
وتشير بيانات وزارة الخزانة الأمريكية إلى أن الصين مازالت تحتفظ بصدارة دول العالم التي تحوز سندات الخزانة الأمريكية، وعلى الرغم من الحرب التجارية بين البلدين، إلا أن بكين رفعت ملكيتها إلى 1.13 تريليون دولار، تشكل نحو 27 بالمئة من سندات الخزانة الأمريكية الحالية، تليها اليابان بنحو 1.07 تريليون، لتمتلكا سويا حوالي 50 بالمئة من أدوات الدين الحكومية الأمريكية.
ونقلت المجلة عن محللين أكدوا أنه إذا كانت الصين غير راغبة في لعب الكرة بشروط ترامب، فإنها لن تستطيع فقط الانتقام من خلال فرض تعريفات تعويضية خاصة بها كما تفعل الآن، ولكن لديها أيضا مجموعة من الترسانة المالية المتاحة لها لمعاقبة الولايات المتحدة.
وتساءلت "بوليتيكو" عن إمكانية لجوء الصين للتخلص من مقتنياتها الضخمة من ديون الحكومة الأمريكية، خاصة وأن إغراق السوق بالسندات من شأنه أن يدفع أسعارها إلى الانخفاض ويؤدي إلى ارتفاع العوائد، ما يجعل في النهاية الأمر أكثر تكلفة بالنسبة للشركات والمستهلكين في الولايات المتحدة للاقتراض، ما يؤدي بدوره إلى إحباط النمو الاقتصادي في أمريكا.
ويتفق موقع "بيزنس إنسايدر" الأمريكي الشهير، مع ما ذهبت إليه مجلة " بوليتيكو"، في أن بكين قادرة على التأقلم مع الظروف الطارئة أفضل من واشنطن فيما يخصّ التكهّن بشكل قطعي بالطرف المنتصر في الحرب التجارية بين البلدين.
ويشير الموقع إلى أن الاقتصاد الصيني تعرّض لضربات قاسية، خلال الأسابيع الأخيرة، حيث تراجعت مؤشرات التصنيع للمرة الأولى منذ سنتين، وانخفضت مبيعات السيارات لأول مرة في 20 عاما، فضلا عن تراجعات أخرى في قطاعات عدة، إلا أن بكين في ظل هذه الأزمة الخانقة تعمل على استخدام جميع خيارات التحفيز الاقتصادية الممكنة، ومن ضمن ذلك تخفيض الضرائب وخفض قيمة عملتها، فضلا عن إطلاق مشاريع للسكك الحديدية الجديدة تبلغ قيمتها أكثر من 125 مليار دولار، للتصدّي للتباطؤ الذي شهده النمو الاقتصادي.
أبرز الخاسرين
وذهبت العديد من التحليلات إلى أن الصدام التجاري الدائر بين واشنطن وبكين، سوف يكون له تأثيرات على الاقتصاد العالمي بشكل عام، والاقتصادي الخليجي والأوروبي بشكل خاص.
وفيما يتعلق بالاقتصاد العالمي نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن خبراء ماليين، أن هذا التوتر يهدد بإحداث شروخ في العالم لا يمكن التنبؤ بها، وبحسب تحليل لـ "أليس إيكمان" المسؤولة عن شؤون الصين في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية "ايفري": فإنه "من الحرب التجارية ومحادثات السلام في واشنطن، يوم السبت، إلى التوترات في بحر الصين، دخلنا في فترة من التنافس القوي والطويل الأمد بين الصين والولايات المتحدة".
بينما أكد براهما تشيلاني، الأستاذ في مركز أبحاث السياسات الهندي للوكالة نفسها، أن "هناك تحولا في السياسة الأمريكية ستكون له انعكاسات كبيرة على أهم علاقات ثنائية في العالم، وأبعد من ذلك، على الأمن العالمي".
ورأى تشيلاني، أن "التغيير الأمريكي عميق وسوف يستمر إلى ما بعد رئاسة ترامب، لأن هناك إجماعا في واشنطن على أن السياسة السابقة المتمثلة في التعامل البناء مثلما أطلق على سياسة الرئيس كلينتون مع الصين فشلت ويجب استبدالها عبر اعتماد نهج أكثر تشددا".
ووفق تحليل رئيس مركز آسيا الفرنسي، جان فرانسوا دي ميجليو، فإن ترامب يرى أن انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001 كان "خطأ مميتا"، مضيفا أن السنوات التي سبقت عام 2001، كانت الإدارة الصينية تلعب لعبة التمثل بالغرب، ما حدا بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى افتراض حسن النية لديهم، وفتح الأبواب ومنحهم وضع الاقتصاد الناشئ في منظمة التجارة العالمية، وهو ما تستغله الصين، وحققت من خلاله فوائض تجارية مفرطة وراكمت احتياطيات للعملة ليس لها مثيل.
وأشار الخبير الفرنسي إلى أن سياسة إذلال الصينيين يعني وضع "حلفاء ترامب" أمام مشكلة كبيرة مع الصين، وهي ليست كوريا الشمالية واليابان وكندا وأوروبا أو المكسيك، فكلها أطراف جيوسياسية أقل ثقلا، من الصين.
تذبذب خليجي
وفي استعراضهم لتأثيرات التصعيد التجاري بين واشنطن وبكين، أكد محللون ماليون عرب لموقع "مباشر"، أن تواصل الأداء المتذبذب لأسواق الخليج، أحد أسبابه الهامة هذه الحرب الدائرة بين العملاقين الاقتصاديين، واستند المحللون لهبوط الأسواق الخليجية بنسب ملحوظة وفي صدارتها بورصتا أبو ظبي ودبي، وتوقع الرئيس التنفيذي لشركة "مايندكرافت" للاستشارات أن يسود الحذر خلال الأيام المقبلة علي الأسواق الخليجية نتيجة الأزمة التجارية العالمية، وهي الأسواق التي شهدت نزوح مليارات الدولارات من أسواق الأسهم العالمية.
وربط مدير إدارة الأصول بشركة مينا كورب طارق قاقيش، بين الضعف الحالي بأسواق الأسهم الخليجية والتأثير السلبي علي نفوس المستثمرين الأجانب خصوصا بالتوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، وهي عوامل دفعتهم للبيع والتخارج والانتظار مؤقتا ومتابعة الأنباء بهذا الشأن، إضافة كذلك للأزمة مع إيران.
هبوط أوروبي
وعلى الصعيد الأوروبي فقد هبطت الأسهم الأوروبية في ختام تعاملات الأسبوع الماضي، مع إقبال المستثمرين على بيع الأسهم وشراء أصول أكثر أمانا، انتظارا لما سوف يسفر عنه الصدام التجاري بين الولايات المتحدة والصين.
وأشارت تصريحات لمحلل الأسواق في "سي إم سي ماركتس" ديفيد مادن، إلى أن أسواق الأسهم الأوروبية في اضطراب نتيجة الحرب الدائرة بين واشنطن وبكين، مضيفا أن "أوروبا سوف تتضرر من النيران المتقاطرة لأنه عندما ينخرط أكبر اقتصادين في العالم في حرب تجارية فإن هذا نذير شؤم للجميع".
التصعيد العسكري
ويبقى السؤال الأهم، وهو مستقبل هذا الصدام بين الدولتين الكبيرتين في مجال الاقتصاد والسياسة والتسليح، وهل يمكن أن يكون الاقتصاد هو البوابة للصدام العسكري، وحسب تقرير نشرته مجلة " ناشيونال إنترست" الأمريكية تحت عنوان "الولايات المتحدة بالفعل في حالة حرب مع الصين"، فإنه منذ وصول ترامب للحكم، بدأ تداول مصطلح "الحرب التجارية" بشكل كبير في أروقة البيت الأبيض وفي الشارع الأمريكي، حيث يعتبر كبار المسؤولين في الإدارة والبنتاغون بأن الصين تمثل الخطر الأبرز على الهيمنة الأمريكية.
فنمو الاقتصاد الصيني وتنوعه بالإضافة لتنامي قوة الصين التكنولوجية بصورة متسارعة ومشروع "الحزام والطريق" الدولي الذي تبنيه شركاتها وقواتها العسكرية التي تزداد وتصبح أكثر حداثة بصورة مذهلة، كل هذه عناصر قد تمكن الصين من مضاهاة أو التفوق على الولايات المتحدة كقوة عالمية مسيطرة، وهذا ما لن تسمح به واشنطن، وهنا بالتحديد مكمن الخطر في أن تتحول الحرب التجارية إلى مواجهة مسلحة.
وفي مقابل الرأي السابق، أكدت تحليلات لموقع "سبوتنيك" الروسي، أنه على الرغم من التوترات المتزايدة بين البلدين، إلا أن المواجهة العسكرية لن تحدث، وذلك بسبب الظروف الداخلية لدى كل منهما، فالصين سوف تتجنب أي حرب عسكرية مع الولايات المتحدة، لأن عصب سياستها الحالية قائم على الحفاظ على الاستقرار الداخلي، والأمر نفسه ينطبق على الجانب الأمريكي، حيث إن العنصر الحاسم في الانتخابات الرئاسية منذ عقود هو الاقتصاد، وبالتالي فإن هدف ترامب الحفاظ على قوة الاقتصاد الأمريكي الحالية، وبالتأكيد الدخول في حرب مع الصين لن يفيد.
المصادر
- حرب تجارية بين واشنطن وبكين.. الصين تلعب أوراقها الأخيرة لتقليم أظافر ترامب
- الولايات المتحدة بالفعل في حالة حرب مع الصين
- ترمب يشجّع الصين على إبرام اتفاق تجاري قبل ولايته الثانية
- الصين تفرض تعريفات على السلع الأمريكية قيمتها 60 مليار دولار
- خبراء: تصاعد حرب التجارة بين أمريكا والصين يهدد الاقتصاد العالمي
- نيكى ينخفض والتوترات التجارية بين أمريكا والصين تضر بالمعنويات
- بيزنس إنسايدر: الصين قادرة على كسب الحرب التجارية مع أمريكا
- "الحرب التجارية"... هل تتحول إلى مواجهة مسلحة بين أمريكا والصين
- الأسهم الأوروبية تهبط تحت ضغط التوترات التجارية بين أمريكا والصين
- بعد تصاعد الحرب التجارية.. كيف يرى المحللون مسار أسواق الخليج؟
- 3 نقاط «خلافية» في المفاوضات التجارية بين بكين وواشنطن