لماذا غاب ملف الانسحاب الأميركي عن لقاءات رئيس وزراء العراق في واشنطن؟

يوسف العلي | 7 months ago

12

طباعة

مشاركة

رغم مطالبات الإطار التنسيقي الشيعي في العراق، بضرورة انسحاب القوات الأميركية من البلاد، لكن زيارة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني- الذي جاء من الكيان السياسي ذاته- إلى الولايات المتحدة لم تتطرق إلى هذه الملف، بل ذهبت إلى تعزيز التعاون العسكري بصفقات ضخمة.

زيارة السوداني التي استمرت من 14 إلى 19 أبريل/ نيسان 2024، هي الأولى له منذ توليه منصبه في أكتوبر 2022، التقى فيها الرئيس الأميركي جو بايدن، ووزير الدفاع لويد أوستن، وكبار المسؤولين الأميركيين، ورؤساء شركات كبرى، لا سيما المختصة بالطاقة.

تغييب الملف 

في علامة واضحة تشير إلى عدم بحث ملف الانسحاب الأميركي من العراق، كان غياب المسؤولين والقادة الأمنيين عن الوفد الذي رافق السوداني إلى الولايات المتحدة، واقتصاره على وزراء التخطيط والمالية والنفط، إضافة إلى شخصيات اقتصادية وسياسية.

لم يجر الحديث منذ بداية الزيارة عن "انسحاب أميركي"، وإنما وضع جدول زمني لإنهاء مهمة التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة بقيادة الولايات المتحدة، والانتقال إلى علاقات ثنائية مع الدول المشاركة بالتحالف، حسبما أكد السوداني أثناء مغادرته العراق متوجها إلى واشنطن في 14 أبريل.

وعقب اللقاء بين بايدن والسوداني، صدر بيان مشترك للطرفين في 15 أبريل،  أكد فيه الطرفان مواصلة البحث بشأن إنهاء مهمة قوات التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة.

وأكد بيان مشترك للرئاسة الأميركية ورئاسة الوزراء العراقية، أن بايدن والسوداني ناقشا التطور الطبيعي للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة في ضوء التقدم الكبير الذي تم إحرازه خلال 10 سنوات.

وأبرز الجانبان، الحاجة إلى أخذ عوامل عدة في الحسبان منها التهديد المستمر لتنظيم الدولة، ودعم الحكومة العراقية وتعزيز قدرات قوات الأمن العراقية. وأكدا أنها سيراجعان هذه العوامل لتحديد متى وكيف ستنتهي مهمة التحالف الدولي في العراق، والانتقال بطريقة منظمة إلى شراكات أمنية ثنائية.

خلال لقاء عقده بالعاصمة الأميركية واشنطن في 18 أبريل، مع عدد من ممثلي ومراسلي وسائل الإعلام الأميركية والغربية والشبكات الإخبارية، قال السوداني إن المرحلة تشهد منعطفاً مهماً في علاقة العراق بالولايات المتحدة، التي ركزت، لأعوام، على التعاون الأمني والعسكري.

وأكد السوداني أن هذه الزيارة شهدت وضع الأسس الصحيحة للانتقال إلى علاقات شاملة في كل القطاعات والجوانب الاقتصادية والسياسية والثقافية، فضلا عن الجوانب الأمنية ضمن إطار التعاون الثنائي. 

وأشار إلى أن التزام العراق بمخرجات اللجنة العسكرية العليا المعنية بإنهاء مهمة التحالف الدولي فيه بعد 10سنوات من تشكيله، فالعراق اليوم يختلف عمّا كان عليه في عام 2014، وأن تنظيم الدولة لم يعد يمثل تهديدا للبلد.

وتنشر الولايات المتحدة الأميركية نحو 900 جندي في سوريا و2500 جندي في العراق في إطار التحالف الدولي الذي أنشأه الأميركيون في العام 2014 لمكافحة تنظيم الدولة.

واستؤنفت المباحثات بهذا الشأن في فبراير/ شباط 2024، بعد تعليقها في الشهر الذي سبقه إثر مقتل 3 جنود أميركيين في ضربة بطائرة مسيرة استهدفت موقعا لهم في الأردن، واتهمت واشنطن فصائل عراقية موالية لإيران بالمسؤولية عن الضربة.

انتقاد إطاري

في الوقت الذي لم يصدر فيه أي موقف رسمي من قيادات الإطار التنسيقي القريب من إيران بشأن ملف الانسحاب الأميركي في زيارة السوداني إلى واشطن، لكن محللين سياسيين مرتبطين بهم اتهموا الأخير بالتغاضي وعدم الجدية في طرح الموضوع مع المسؤولين الأميركيين.

وقال المحلل السياسي العراقي القريب من الإطار التنسيقي، عباس العرداوي، إن  الحكومة غير جادة في طرح مواضيع إنهاء الوجود الأميركي اعتمادا على أوراق الضغط التي تمارسها أميركا في هذا الملف. 

وأوضح العرداوي بتصريح لوكالة "المعلومة" العراقية في 16 أبريل، أنه "لم نسمع حديث عن إخراج القوات الأميركية من العراق خلال زيارة السوداني، وأننا شهدنا على أحاديث تخص تسليح الجيش والشراكات بين البلدين وتوقيع بعض العقود للشركات الكبرى الأميركية". 

ولفت المحلل السياسي إلى أن "تغاضي الحكومة عن إنهاء الوجود الأميركي يتعارض مع الشارع العراقي وبعض الجهات السياسية، التي نددت كثيرا بوجودهم". 

وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي نجاح محمد علي القريب من "الإطار التنسيقي"، إنه "قبل ذهاب السوداني إلى الولايات المتحدة لا يوجد شيء مطروح بالمفاوضات بين بغداد وواشنطن اسمه انسحاب القوات الأميركية، فالأميركيون قبل الزيارة وأثناءها وبعدها، لم نسمع منهم حديث يتناول هذه العبارة".

وشدد نجاح خلال مقابلة تلفزيونية في 17 أبريل، على أنه "لا يوجد حديث عن انسحاب القوات الأميركية، وإنما هناك تلاعب بالألفاظ، لأنهم يتحدثون (الجانب الأميركي) عن تغيير المهام الدولية في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، وتكون العلاقات منفردة بين العراق وكل دولة في التحالف.

ولفت المحلل السياسي إلى أن "تحالف الناتو أيضا موجود في العراق، وهذا لا تتحدث عنه قوى الإطار التنسيقي، لذلك فإن موضوع الانسحاب الأميركي من العراق أمر مستحيل بالنسبة للأميركيين، وحتى لدى حكومة محمد شياع السوداني".

وهذه ليست المرة الأولى التي يتنصل الإطار التنسيقي عن الملف ذاته، فرغم إعلانها- قبل يومين من موعد انعقاد جلسة البرلمان المقرر في 10 فبراير 2024- فإنهم جمعوا تواقيع أكثر من 100 نائب من أجل تشريع قانون في البرلمان يُخرج القوات الأميركية من البلاد، لكنه لم يحضر منهم إلى الجلسة سوى 77 نائبا، من أصل 183 نائبا.

ورغم عدم حضور غالبية نوابهم إلى الجلسة، لم يمتنع "الإطار التنسيقي" الشيعي من مهاجمة القوى الكردية والسنية، وتعليق فشل عقد الجلسة عليهم، والتوعد بعدم بتسمية رئيس جديد للبرلمان، والذي يُعد من حق المكوّن السني بعد إقالة رئيسه السابق محمد الحلبوسي في نوفمبر 2023.

وكان البرلمان قد صوّت في 5 يناير/ كانون الثاني عام 2020، على قرار بإخراج القوات الأجنبية من البلاد، بعد يومين من إقدام واشنطن على اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس بضربة جوية قرب مطار بغداد، لكن لم تلتزم الحكومات بتنفيذه.

تمسّك بالسلطة

وبخصوص حقيقة مطالب "الإطار" وحكومته بالانسحاب الأميركي، قال المحلل السياسي العراقي، سلام الحسيني، إن "زيارة السوداني إلى البيت الأبيض لم تتطرق بكلمة لملف الانسحاب، والذي يعد الأزمة الأكبر التي تواجه حكومته، بل ورّط العراق بقرض مالي جديد بلغت قيمته 500 مليون دولار".

ولفت الحسيني خلال مقابلة تلفزيونية في 17 أبريل، إلى أن "بندقية مقاومة الإطار (المليشيات الموالية لإيران) أثبتت أنها بندقية مؤجرة خاضعة للقرار الخارجي، ولا علاقة لها بالعراق ومصالحه، وأن من أوقف مناوشاتها مع القوات الأميركية الجنرال إسماعيل قاآني (قائد فيلق القدس الإيراني) وليس السوداني".

وأكد المحلل العراقي أن "زيارة السوداني إلى واشنطن  كشفت الوجه الحقيقي للإطار التنسيقي، وهو أنه مستعد لقبول جميع شروط -الحليف الأميركي حاليًا الاحتلال سابقًا- مقابل البقاء بالسلطة". 

وبحسب الحسيني، فإن "أسوأ نموذج للمكون الشيعي هو ما يسمى الإطار التنسيقي، حيث ينظر للمكون على أنه مجرد مكاتب اقتصادية واستثمارات، ولا علاقة له بقيمته المعنوية والرمزية الشيعية القائمة على عدالة علي ابن أبي طالب (الصحابي والخليفة الرابع للمسلمين)".

وفي 16 أبريل، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) خلال بيان لها، التوقيع على بروتوكول عمل مشترك مع العراق بشأن صفقة عسكرية مزمعة بقيمة نحو 550 مليون دولار.

وأضافت أن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بحثا الجهود الجارية بين العراق والولايات المتحدة لتأمين مواقع في أنحاء العراق بما في ذلك إقليم كردستان في مواجهة التهديدات الجوية.

كما ناقش الجانبان التعاون الأمني الحالي بين الولايات المتحدة والعراق والجهود المشتركة لمعالجة التهديدات الأمنية التي يتعرض لها البلدان ومستقبل التحالف الدولي لهزيمة تنظيم الدولة في العراق.

وفي السياق ذاته، كشف رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن حجم التبادل بين العراق والولايات المتحدة لا يتجاوز 10 مليارات دولار، في حين أعلن مكتبه الإعلامي عن توقيع 18 مذكرة تفاهم مع شركات أميركية في قطاعات مختلفة معظمها في مجال الطاقة (كهرباء، نفط، غاز).