بريت ماكغورك.. مهندس سياسات أميركا وعراب بايدن الذي قاد صفقة تبادل الأسرى

a year ago

12

طباعة

مشاركة

اسمه ظهر بقوة على الساحة السياسية الدولية عقب عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023, بريت ماكغورك، كبير مستشاري الرئيس الأميركي جو بايدن، ومنسق البيت الأبيض لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وقام ماكغورك بمهام ووساطات ما بين القوى الإقليمية مثل قطر والسعودية ومصر من جهة وإسرائيل من جهة أخرى.

ماكغورك (50 عاما) هو وجه معروف في الأوساط السياسية الأميركية، وشارك مع مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، في جهود إطلاق سراح الأسرى ما بين "حماس" والاحتلال الإسرائيلي.

مهندس المفاوضات 

وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، أن ماكغورك كان موجودا مع فريق الأمن القومي في كل مكالمة أجراها الرئيس بايدن مع المسؤولين الإسرائيليين والمصريين والقطريين.

طبيعة الدور الذي لعبه ماكغورك في تفاصيل المفاوضات بين إسرائيل وحماس والولايات المتحدة وقطر لتحرير الرهائن، نشرته شبكة "سي إن إن" الأميركية، في تقرير أصدرته في 22 نوفمبر 2023. 

وذكرت فيه أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمسك بذراع ماكغورك وهو يخرج من اجتماع متوتر لمجلس الوزراء الإسرائيلي حول تأمين إطلاق سراح الرهائن الذين كانت "حماس" تحتجزهم في غزة.

ووفقا لمصادر مطلعة على الحوار، قال نتنياهو لمنسق الشرق الأوسط بالبيت الأبيض، في تل أبيب، "نحن بحاجة إلى هذه الصفقة".

أضافت أن نتنياهو وبايدن، توافقا قبلها عبر الهاتف على أنهما مستعدان لقبول الملامح العامة لصفقة لإطلاق سراح خمسين امرأة وطفلا كانوا محتجزين كرهائن.

هنا جاء دور ماكغورك الذي التقى شخصيا مع أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، في الدوحة لتدقيق نص الاتفاقية النهائية التي كانت في ذلك الوقت مكونة من نحو ست صفحات.

وكذلك الحوافز لحماس للإفراج عن المزيد من الرهائن بعد ذلك، وتم الاتصال بمدير وكالة الاستخبارات المركزية بيل بيرنز خلال الاجتماع عبر الهاتف.

وفي الفترة التي أعقبت تلك الاجتماعات، استغرق الأمر أياما من الضغط من واشنطن، تحديدا مجموعة الدبلوماسيين الذين يديرون خلية الأزمة وفي القلب منهم ماكغورك، حتى تتمكن الحكومة الإسرائيلية من فرض "فترات توقف تكتيكية" والاعتراف بها.

ووصفت "سي إن إن" المحادثات أنها في بعض الأحيان كانت تتحرك ببطء شديد، حيث كانت كل خطوة من الاتصالات التي يقوم بها ماكغورك وفريقه، تنتقل من الدوحة أو القاهرة إلى حماس في غزة، ثم تعود مرة أخرى، قبل أن يتم نقلها إلى إسرائيل والولايات المتحدة.

وقال أحد المسؤولين في ذلك الوقت للشبكة الأميركية: "كل خطوة من هذا تشبه خلع الأسنان"، وقد لعب فيها ماكغورك دورا كبيرا ومستمرا.

وُلِد بريت ماكغورك، في 20 أبريل/ نيسان 1973 بمدينة بيتسبرغ في ولاية بنسلفانيا الأميركية.

والده باري ماكغورك، أستاذ اللغة الإنجليزية، ووالدته كارول آن كابوبيانكو، كانت تعمل كمدرسة للفنون. 

أكمل "ماكغورك" حياته التعليمية والشبابية في مدينة هارتفورد الغربية بولاية كونيتيكت، التي انتقلت إليها عائلته وهو ما يزال صغيرا، حيث التحق بمدرسة كونارد وحصل منها على الشهادة الثانوية عام 1991.

بعدها التحق بجامعة كونيتيكت، وفي عام 1996 حصل على شهادة البكالوريوس في الفنون مع مرتبة الشرف. 

في عام 1999 حصل ماكغورك على دكتوراه في القانون من كلية الحقوق بجامعة كولومبيا، وأثناء وجوده هناك عمل كمحرر أول لمجلة "كولومبيا" للقانون.

وبعد حصوله على الدكتوراه، سلك "ماكغورك" وظائف داخل المسار القضائي، حيث عمل كمساعد قضائي لمدة 3 سنوات، وتدرج بعدها في عمل القضاء الاتحادي الأميركي. 

انتقل بعد ذلك للعمل في القطاع الخاص مع مؤسسة "كيركلاند أند إليس" لدعاوى الاستئناف، وكذلك عمل أستاذا مساعدا في كلية الحقوق بجامعة فيرجينيا، قبل أن يدخل إلى سلك الدبلوماسية الخارجية.

رجل بايدن 

وبالعودة إلى التاريخ القريب حين كان بايدن يرتب رقعة الشطرنج عقب نجاحه في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2020، بدأ أولى خطواته تجاه الشرق الأوسط الملتهب، بإعلانه إعادة الدبلوماسي ماكغورك إلى منصب "كبير مديري مجلس الأمن القومي" لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

القرار الذي صدر في 8 يناير/كانون الثاني 2021، أظهر توجهات الإدارة الجديدة (آنذاك)، خاصة أن ماكغورك لعب على مدار سنوات دورا محوريا في التجاذبات والنزاعات المستعرة بالمنطقة، بداية من الاتفاق النووي الإيراني خلال عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، وصولا إلى الحرب ضد "تنظيم الدولة" في سوريا والعراق.

وكان آخر عهد ماكغورك بالمنطقة، عندما قدم استقالته للرئيس السابق دونالد ترامب، احتجاجا على سحب القوات الأميركية من سوريا عام 2018.

ومع عودة ماكغورك إلى الشرق الأوسط، تثار جدليات وتكهنات عن طبيعة المرحلة المقبلة، والتي ظهرت بوضوح في العدوان الأخير على غزة، والدور الأميركي المنحاز ضد الفلسطينيين، الذي أعطى الضوء الأخضر للعدوان الإسرائيلي، لارتكاب المجازر المروعة التي راح ضحيتها آلاف المدنيين معظمهم من الأطفال والنساء. 

وفي 1 ديسمبر/ كانون الأول 2023، نشر موقع "هافينغتون بوست" الأميركي تقريره عن ماكغورك ومدى نفوذه في دائرة صنع القرار في البيت الأبيض.

وذكر بأن أربعة أشخاص في واشنطن يشكلون سياسة أميركا في الشرق الأوسط، ثلاثة منهم واضحون وهم الرئيس بايدن، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان. 

وأضاف أن الرابع هو ماكغورك، الأقل شهرة من الثلاثة السابقين، رغم نفوذه الهائل عليهم، وتصميمه على "الاستمرار في مناصرة السياسات التي يرى كثيرون أنها تغذي شلالات الدماء في غزة وخارجها". 

وأشار الموقع الأميركي إلى أن ماكغورك هو الذي يحدد صياغة الخيارات التي يدرسها بايدن بشأن قضايا بالغة الأهمية والحساسية. 

تتراوح من المفاوضات مع إسرائيل وحماية أمنها القومي، وصولا إلى مبيعات الأسلحة للمملكة العربية السعودية. 

كما أنه يتحكم في ما إذا كان خبراء الشؤون العالمية داخل الحكومة (بما في ذلك الموظفون الأكثر خبرة في البنتاغون ووزارة الخارجية) يمكن أن يكون لهم أي تأثير أو دور في الملفات المختلفة. 

وهو أيضا الذي يقرر أي الأصوات الخارجية يمكنها الوصول إلى محادثات صنع القرار في البيت الأبيض من عدمه. 

وأورد موقع "هافينغتون بوست" أن موهبة ماكغورك في زيادة نفوذه، تثير حسد الآخرين، كما أن لديه رؤية واضحة حول الكيفية التي يعتقد بها أنه ينبغي تعزيز المصالح الأميركية، فيما يتعلق بالمخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان، إذ إنه يعدها ثانوية في أحسن الأحوال. 

ثم اختتم أن ماكغورك "يفكر بعقلية تشبه إلى حد كبير عقلية إدارة جورج بوش".

وعقب: "إنها عقلية لم تتغير على مدار الأعوام الخمسة والعشرين الماضية.. لقد اكتسب ماكغورك مكانة بارزة لأول مرة في سلطة الاحتلال الأميركية في العراق بعد غزو عام 2003". 

ومما يحدد خطورة وضع "ماكغورك" كرجل نافذ، وأحد واضعي السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، ما ذكره الرئيس الأسبق جورج بوش (الابن) في كتابه "نقاط القرار"، وقال عنه إنه "جزء من فرقة المحاربين الشخصية للرئيس والتي أدت إلى إحداث إستراتيجية جديدة وإعادة الحرب إلى مسارها في العراق".

وما يدل على ثقل ماكغورك، أنه ظل على وضعه حتى بعد رحيل بوش، ومجيء أوباما، حيث تولى منصب مستشار الرئيس الأميركي ومستشار سفير الولايات المتحدة في العراق.



تاريخ ماكغورك 

في عام 2003 برز اسم "بريت ماكغورك" في السلك الدبلوماسي الأميركي، وبدأت علاقته بالشرق الأوسط، عندما تم تعيينه مستشارا قانونيا للسفير الأميركي في العراق.

في تلك الفترة ساهم في صياغة مسودة الدستور العراقي المؤقت، والقانون الإداري الانتقالي، كما أشرف على الإجراءات القانونية لانتقال الحكم من سلطة الائتلاف المؤقتة إلى الحكومة العراقية المؤقتة (آنذاك) برئاسة "إياد علاوي".

بعدها أصبح "ماكغورك"، مديرا لشؤون العراق في مجلس الأمن القومي الأميركي، ثم شغل منصب المستشار الخاص للرئيس الأميركي ومدير شؤون العراق وأفغانستان.

كان لـ"ماكغورك" رؤية خاصة تجاه الوضع في الشرق الأوسط، والنزاعات الأميركية خارج الحدود، وكان أول من دعا بقوة إلى إحداث تغير جذري في السياسة الأميركية تجاه العراق.

وهو الذي روج لفكرة زيادة عدد القوات الأميركية بالعراق، الأمر الذي اعتمدته الإدارة الأميركية في يناير 2007، وبالفعل تمت زيادة القوات هناك.

وفي عام 2009، ترك "ماكغورك" منصبه الحكومي، وشغل منصب زميل مقيم في معهد "هارفارد" للسياسات، إذ أشرف على مجموعة دراسية تعنى ببحث المواضيع المتعلقة بدراسة أعلى مستويات الخطورة في المداولات المالية.



وفي عام 2012، منح جائزة الخدمة المتميزة، وجائزة ثناء الخدمات المشتركة، من قبل مجلس الأمن القومي الأميركي، لجهوده في العراق.

ثم مع تأزم وتطور الأوضاع في الشرق الأوسط، وازدياد نشاط تنظيم الدولة، عاد ماكغورك مرة أخرى بتعيينه في أغسطس/آب 2013، نائبا لمساعد وزير الخارجية، لشؤون العراق وإيران، في مكتب شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأميركية.

عرف ماكغورك أيضا بسياسة الدبلوماسية الخفية وبناء علاقات ظل مع التنظيمات المسلحة، حتى ولو كانت إرهابية، طالما ذلك يخدم المصالح الأميركية. 

وماكغورك على علاقة وثيقة بحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، ووحدات حماية الشعب (YPG)، وكلاهما مصنف كمنظمات إرهابية لدى "أنقرة" التي خاضت ضدهما عمليات مسلحة متعددة، ومنعتهما من السيطرة على مناطق إستراتيجية على حدودها المتوترة.

لذلك استقبلت وسائل الإعلام التركية، تعيين "بريت ماكغورك"، كمبعوث خاص إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشيء من الاستياء وعدم الترحيب.

وهو ما أعلن عنه بوضوح الكاتب التركي "آيتونوتش إيركن" في مقاله بصحيفة "سوزجو" المحلية في 9 يناير 2021، تحت عنوان: "ماكغورك.. الذي يسلح وحدات حماية الشعب ، يصبح مستشارا لبايدن".

"إيركن" قال: "ماكغورك هو الاسم الذي شكل سياسة الإدارة الأميركية تجاه سوريا على الأرض، ولعب دورًا نشطًا في إنشاء وتسليح قوات سوريا الديمقراطية التي تضم الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب، الإرهابيتين".

الكاتب التركي في مقالته، ذكر تصريحات وزير الخارجية "مولود تشاووش أوغلو"، خلال عام 2015، ضد الدبلوماسي الأميركي، عندما قال: "بريت ماكغورك يدعم بوضوح حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب"، وعقب "إركين" على ذلك مضيفا: "الرئيس الأميركي الجديد بايدن أخرج سيفا"، في إشارة واضحة على الرؤية السلبية لأنقرة تجاه المبعوث الجديد (آنذاك)