زلزال سياسي في فيتنام.. ماذا وراء موجة الاستقالات والإقالات؟

7 months ago

12

طباعة

مشاركة

على أثر "انتهاكات وأوجه قصور"، استقال الرئيس الفيتنامي فو فان ثونغ في 20 مارس/آذار 2024، بعد عام واحد من توليه منصبه في خضم حملة مكافحة للفساد أطلقها الأمين العام للحزب الشيوعي الحاكم نغوين فو ترونغ منذ عام 2016.

وجاء في بيان إعلان الاستقالة الصادر عن الحزب الشيوعي الحاكم أن الانتهاكات "أحدثت تأثيرا سيئا لدى الرأي العام، طال سمعة الحزب والدولة وثونغ"، في إشارة إلى تورطه في قضية فساد. 

موجة استقالات

وبذلك يكون ثاني رئيس يستقيل خلال ما يزيد قليلاً عن عام بعد استقالة سلفه نغوين شوان فوك في يناير/كانون الثاني 2023 لأسباب مماثلة.

وشملت موجة الاستقالات والإقالات مسؤولين آخرين رفيعي المستوى من بينهم نائبان لرئيس الوزراء وثلاثة وزراء. 

وعلى الرغم من أن منصب الرئيس في فيتنام يظل شرفيا إلى حد كبير، إلا أنه يشكل إلى جانب الأمين العام للحزب الشيوعي ورئيس الوزراء ورئيس الجمعية الوطنية، أعلى المناصب في الدولة.

لهذا السبب، يرى معهد بحثي إيطالي أن البلاد تعيش على وقع "زلزال سياسي" في وقت تواجه فيه تحديات كبيرة على المستوى الخارجي، فيما تتزايد المخاوف بشأن الاستقرار المؤسسي وفقدان ثقة المستثمرين الأجانب.

وقال "معهد تحليل العلاقات الدولية" إن استقالة ثونغ تشكل أحد أعراض الصراع على السلطة داخل الحزب الشيوعي الفيتنامي قبيل المؤتمر المقبل المقرر عقده عام 2026 والذي سيتم خلاله انتخاب قيادة جديدة للحزب والبلاد. 

وكان الرئيس المستقيل يُعد أحد المرشحين الأوفر حظوظا لخلافة الأمين العام ترونغ، الذي يقضي الآن ولايته الثالثة فيما تثير حالته الصحية القلق.

وعموما، هناك في الوقت الحالي خمسة مرشحين محتملين وهم ترونغ، ورئيس الوزراء فام مينه تشينه، وكذلك رئيس الجمعية الوطنية فونج دينه هيو، بالإضافة إلى السكرتير الدائم في الأمانة العامة ترونغ ثي ماي، ووزير الأمن العام تو لام.

جدير بالذكر أن الجمعية العامة انتخبت النائب فو ثي آنه شوان رئيسا مؤقتا للبلاد ومن المنتظر أن يتم تعيين الرئيس الجديد في مايو/أيار 2024.

ويهدف الحزب الشيوعي إلى اختيار قيادة مستقرة حتى بلوغ الموعد النهائي الطبيعي في عام 2026 لتجنب أن يؤدي الجمود الحالي إلى تفاقم حالة الشلل السياسي التي تهيمن على البلاد.

 ويضيف المعهد الإيطالي أن تباطؤ صدور القرارات بسبب البيروقراطية وغياب قيادة مؤكدة، خاصة في ظل حملة مكافحة الفساد التي نالت صفوف الحزب، عاملان يهددان بزيادة تفاقم الوضع.

أهمية الاستقرار

في هذا السياق، أكد أن "الاستقرار السياسي يعد أمرا بالغ الأهمية لاكتساب المصداقية في أعين المستثمرين الدوليين الذين يعتزمون تركيز استثماراتهم في فيتنام".

وذكر أن البلاد برزت في السنوات الأخيرة بشكل متزايد كبديل عملي للشركات التي تبحث عن خيارات أخرى غير الصين.

 وقال إنها "تمكنت من خلال عملية التصنيع السريعة وتكوين القوى العاملة، إلى جانب انخفاض تكاليف العمالة، من فرض نفسها كمركز تصنيع عالمي مهم".

لذلك شدد المعهد على أهمية أن تحافظ الدولة الآسيوية على ثقة المستثمرين "الذين يقدرون منذ فترة طويلة الاستقرار السياسي النسبي للبلاد مقارنة بدول جنوب شرق آسيا المجاورة الأخرى".

 وعلى العكس من ذلك، يرى أن ضبابية المشهد السياسي الفيتنامي قد تدفع المستثمرين إلى تفسير مثل هذا التطور على أنه إشارة سلبية ويختارون وجهات أخرى أكثر أمانًا.

ويلعب تدفق الاستثمارات من الخارج دورا حيويا في النمو الاقتصادي في فيتنام، والذي من المتوقع أن يبلغ نحو 6 إلى 6.5 بالمئة وفقا لتوقعات العام 2024.

كما نوه المعهد البحثي الإيطالي إلى حقيقة أن النمو الاقتصادي في حد ذاته ضروري لتعزيز شرعية النظام الفيتنامي.

وشدد أيضا على أهمية الاستقرار الداخلي كضرورة أساسية للحفاظ على موقف دولي قوي خاصة في مرحلة تنخرط فيها البلاد في المنافسة المتنامية بين الصين والولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهادئ الهندي وخارجها. 

السياسة الخارجية

وتمكنت هانوي حتى الآن من الحفاظ بصعوبة على سياسة عدم الاصطفاف المستمرة لعقود من الزمن والتي سمحت لها بتطوير علاقات إيجابية مع القوتين الكبريين.

وهو ما يؤكده حقيقة أنها كانت الدولة الوحيدة في العالم التي استضافت في عام 2023 كلا من الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الأميركي جو بايدن. 

ومع الجانب الصيني، جرى التأكيد على التقارب الأيديولوجي والعلاقات التاريخية بين الحزبين الشيوعيين في البلدين، فضلا عن ازدهار المبادلات الثنائية.

 بينما أُعلن خلال زيارة بايدن عن رفع العلاقات بين الولايات المتحدة وفيتنام إلى مستوى "الشراكة الإستراتيجية الشاملة" وهو الهدف الذي كان من الصعب تخيله.

وبالتزامن مع هذا التوازن، تواصل هانوي تنويع علاقاتها الخارجية لتعزز في الآونة الأخيرة علاقاتها مع أعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا التي تعد طرفا فيها، مثل الفلبين، خاصة في مجال التعاون البحري في ظل تزايد نفوذ بكين في بحر الصين الجنوبي. 

علاوة على ذلك، رفعت فيتنام مستوى شراكاتها مع اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وكذلك مع روسيا التي تعود العلاقات التقليدية معها إلى زمن الاتحاد السوفيتي.

وبذلك يستنتج المعهد أن تعزيز هذه العلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة وروسيا، التي تعد بدورها قريبة من الصين، يوضح مدى إعطاء هانوي الأولوية المطلقة لتنويع سياستها الخارجية في سياق عالمي متعدد الأقطاب. 

وبهذه الطريقة، تكتسب البلاد مساحة أكبر للمناورة في التوازن المعقد بين واشنطن وبكين وتقديم مساهمتها في نظام دولي أكثر توازناً.

إلا أن الصراعات على السلطة تهدد بأن تطغى على المشهد السياسي في المدى القصير إلى حين موعد انعقاد مؤتمر عام 2026، يتوقع المعهد الإيطالي.

وأما على المدى الطويل، فأكد على ضرورة ألا تخسر البلاد آفاقها وتضع في حسبانها الأهداف الأساسية على غرار الاستغلال الكامل للإمكانات الاقتصادية لمواصلة شق طريق النمو.

ولفت إلى ضرورة أن تحافظ على موقعها الإستراتيجي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وعلى المستوى العالمي في سياق التنافس بين القوى العظمى، وأن تدرك أن عيون العالم والمستثمرين الأجانب والشركاء الدوليين ستتابع باهتمام شديد خطواتها التالية.