بعد القمة الخليجية التركية.. إلى أين تتجه العلاقات بين أنقرة والدوحة؟
تعد العلاقات التركية القطرية مثالا على نموذج تحالف طويل الأمد ومتعدد الأبعاد، رغم الأوضاع غير المستقرة والإشكالية في الشرق الأوسط.
وانعقَد في قطر عام 2023 الاجتماع التاسع للجنة الإستراتيجية العليا التي تعمل على تعزيز العلاقات بين البلدين واستكمال الأبعاد المفقودة.
وخلال زيارته إلى الدوحة في 4 ديسمبر/ كانون الأول 2023، التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني في قصر لوسيل.
وتحوز هذه الزيارة على أهمية كبيرة من عدة نواحٍ، إحداها هي تزامنها مع القمة الـ44 لمجلس التعاون الخليجي والتي عقدت في نفس التواريخ باستضافة من قطر.
وبهذه المناسبة، لم يكتف الرئيس أردوغان بعقد اجتماعات مع أمير قطر فحسب، بل أيضا مع قادة الدول الأعضاء في قمة مجلس التعاون الخليجي، حيث تمت دعوته إليها كضيف شرف وقدم فيها رسائل حول المشاكل الإقليمية.
تعزيز التحالف
وقالت صحيفة "صباح" التركية في مقال للكاتب مصطفى يتيم: "رغم أن التاريخ التركي القطري المشترك يعود إلى وقت أبعد بكثير، إلا أن علاقات الشراكة بين البلدين قد ازدادت قوة في إطار التطورات الدولية مثل سوريا وليبيا واليمن وأوكرانيا وغيرها من القضايا الإقليمية".
وأضاف يتيم: "لم يتردد البلدان في تقديم الدعم الحيوي لبعضهما البعض في التطورات السيئة، كالعزلة الإقليمية لقطر عام 2017، وفي محاولة الانقلاب الفاشلة التي حدثت بتركيا في 15 يوليو/ تموز 2016، وفي الزلزال بداية عام 2023".
وتابع: "من المعروف أيضا أن تركيا لعبت دورا مهما من خلال مبادراتها السياسية والعسكرية في كسر عزلة قطر وتعزيز شروط التحالف أكثر".
ولفت يتيم إلى أن "قطر بعد أن اتخذت خطوات التطبيع مع دول كانت لديها مشاكل معها في السابق مثل السعودية والإمارات والبحرين ومصر، قامت بنفي التعليقات حول توسيع علاقاتها مع تركيا فقط، حيث عزّزت مكانتها المستقلة داخل دول مجلس التعاون الخليجي".
وفي الوقت نفسه عززت تركيا مكانتها كمركز إقليمي بديل في منطقة الخليج، والتي كانت قد شهدت صراعات إقليمية على السلطة بين إيران والسعودية.
وحسبما ذكره الكاتب، فقد تم التوصل إلى "اتفاقيات مهمة في الاجتماع الأخير للجنة الإستراتيجية العليا".
وتهدف هذه الاتفاقيات إلى تعميق التعاون في مجالات الثقافة، والعمل، والمجتمع المدني، والتعليم الوطني، والصناعة والتكنولوجيا، والأمن والسياسة الخارجية، والتعليم العالي، وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، ومكاتب الاستثمار، ووزارات الخزانة والمالية والتجارة والتصدير.
وأشار الكاتب إلى أن هناك مسألتين مهمتين أولهما اتفاقية الإطار العسكري، والتي تشكل العمود الفقري لعلاقات التحالف.
وبهذا الاتفاق المذكور تم التأكيد مرة أخرى على أهمية ودور قاعدة "الريان"، وهي القاعدة العسكرية التركية الوحيدة حاليا في منطقة الخليج، وتُعد تابعة لقيادة القوات المشتركة التركية القطرية، كما أعلن البلدان عن رغبتهما في تعميق وتنويع تحالفهما العسكري.
أما الأمر الثاني، فهو الاتفاق على إقامة مشاورات سياسية حول القضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين.
وأشار الكاتب إلى أن هذا الأمر "يعزز من العمل المشترك في قضايا السياسة الخارجية بين البلدين، حيث تتبع تركيا وقطر بالفعل مواقف إقليمية وعالمية متشابهة إلى حد كبير".
حرب غزة
وحسب قول الكاتب، فقد أظهرت عملية الغزو الإسرائيلية الشاملة ضد غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 "مدى ضرورة التحالف التركي-القطري".
وأجرى البلدان اتصالات دبلوماسية مكثفة منذ بداية الحرب لوقف إطلاق النار وتعزيز مفاوضات تبادل الأسرى ومحاسبة إسرائيل على جرائم الحرب التي ارتكبتها.
ورغم تشديد تركيا لاحقا لموقفها وسياساتها تجاه إسرائيل، وقيام قطر بدور وساطة أكبر بين إسرائيل وحماس، إلا أن الكاتب يرى في ذلك أن إدارتي أنقرة والدوحة اتبعتا سياسات مماثلة إلى حد كبير.
وفي هذا السياق، كان التركيز الرئيس لتركيا وقطر هو إنشاء دولة فلسطينية مستقلة وفعالة وعاصمتها القدس الشرقية ضمن حدود عام 1967 وإجراء المفاوضات في إطار المبادرة العربية لعام 2002، وفق يتيم؟
ومن ناحية أخرى، فقد تعرضت سياسة التحالف التركي القطري وعلاقاته مع حركة حماس لانتقادات شديدة من قبل إسرائيل.
كما زعم الجانب الإسرائيلي أنه سيقوم بتنظيم محاولات اغتيال ضد أعضاء ومسؤولين في حماس في دول من بينها تركيا وقطر.
وقال الكاتب إن "تركيا وقطر قد أكّدا كشريكين على تعاونهما العسكري ومبادرات التشاور السياسي بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك في القمة الأخيرة".
بالإضافة إلى ذلك فقد وجهت إدارتا أنقرة والدوحة رسالة مفادها أنهما "ضد السياسة الإسرائيلية المضللة والاحتلالية في السياق الإقليمي وأنهم ضد هذا التهديد العدواني".
كما أعلنت قطر وتركيا ثباتهما تجاه قضية فلسطين على الصعيد الإقليمي والدولي.
ونتيجة لذلك، قال يتيم إن "الزيارة الأخيرة للرئيس أردوغان إلى قطر جرت في بيئة تعطلت فيها عمليات التطبيع الإقليمي مع إسرائيل، وأدى المناخ العدواني المتمركز حول الاحتلال الإسرائيلي إلى خلق توترات في المنطقة مرة أخرى".
وتابع: "كما حدث في الأزمات الإقليمية الأخرى في الماضي، فإن التحالف التركي القطري قد استجاب لهذه التطورات من خلال تعزيز علاقات الشراكة بينهما".