حكومة أخنوش بالمغرب "تحتقر" المعارضة وتدفعها للانسحاب من البرلمان.. ماذا حدث؟
" الحكومات القوية، لا تخيفها الرقابة ولا تتملص من مشمولاتها"
عبرت أحزاب المعارضة بمجلس النواب المغربي عن رفضها لما وصفته بـ"تغول" حكومة عزيز أخنوش، و"تهميشها" للبرلمان، و"احتقارها" للدستور، على خلفية “أزمة طلبة الطب والصيدلة”.
وفي 8 يوليو/تموز 2024، أعلنت أحزاب المعارضة انسحابها الجماعي من جلسة مساءلة بالبرلمان بعد رفض عبد اللطيف ميراوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي الحضور لإحاطة المجلس بما تفعله الحكومة لحل أزمة طلبة كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة.
مخالفات مركبة
وعن تفاصيل الواقعة، كشف رئيس الجلسة بالبرلمان محمد صباري، أن مكتب المجلس، بعد التأكد من أن موضوع الاحتقان في كليات الطب والصيدلة عام وطارئ وله راهنيته، قرر إحالته على الحكومة، لكنها عبرت عن عدم استعدادها للتفاعل مع الطلب.
ومنذ ديسمبر/كانون أول 2023، ويقاطع طلبة كليات الطب العامة الدروس، كما قاطعوا الامتحانات التي أجريت في يونيو/حزيران 2024، رفضا لبعض القرارات التي أعلنت عنها الحكومة لـ"إصلاح القطاع"، وخاصة حذف السنة السابعة من التعليم.
وتعد هذه هي المرة الأولى التي تنسحب فيها المعارضة من جلسة برلمانية في ظل دستور 2011 بسبب عدم تفعيل المادة 152 من النظام الداخلي لمجلس النواب.
حيث ترفض حكومة عزيز أخنوش الاستجابة للمجلس في إطارها، بخلاف مرحلة 2011-2021، والتي كان يتم تفعيلها في جميع الجلسات البرلمانية.
وتنص هذه المادة على طلب تناول الكلمة في موضوع "عام وطارئ"، عقب الانتهاء من جلسة الأسئلة الشفهية الأسبوعية، على أن ترد عليها الحكومة.
وإن عبرت الحكومة عن عدم استعدادها للرد، يتم تأجيل طرح الموضوع للجلسة الموالية، ويتم طرح القضية بصرف النظر عن استعداد الحكومة للجواب من عدمه.
وأكدت المعارضة بمجلس النواب، المكونة من الفريق الاشتراكي، والفريق الحركي، وفريق التقدم والاشتراكية، وفريق العدالة والتنمية، أن انسحابها من الجلسة جاء نتيجة رفض الحكومة التفاعل مع طلبات التحدث في موضوع طارئ وعام يتعلق بمستجدات امتحانات كليات الطب والصيدلة.
وشددت في بيان مشترك صدر في اليوم نفسه، أن "قرارها بالانسحاب من الجلسة، أملته مواقفها المبدئية بشأن المكانة التي يجب أن تحظى بها المؤسسة التشريعية، وجعلها فضاء للنقاش العمومي البناء والمسؤول، بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية".
وأوضحت أنها "سبق أن تقدمت في مناسبات كثيرة، بطلبات للتحدث في مواضيع عامة وطارئة، رأت المعارضة أهمية وفائدة في تسليط الضوء عليها وإخبار الرأي العام بشأنها، لكنها كانت تواجَه برفض مكتب المجلس إحالتها على الحكومة".
أحزاب المعارضة قالت أيضا إن مكونات المعارضة تفاجأت برد الحكومة، الذي تلاه رئيس الجلسة الذي عبرت فيه عن أنها "غير مستعدة" للتفاعل مع طلبات فرق الأغلبية والمعارضة.
وأكدت "رفضها للعبث بالمقتضيات الدستورية، ومقتضيات النظام الداخلي، التي تحكم العلاقة بين البرلمان، وخاصة المعارضة، وبين الحكومة، في مجال الرقابة على وجه التحديد، كما هو عليه الحال، في تطبيق مقتضيات المادة 152 من النظام الداخلي لمجلس النواب".
وشددت "على ضرورة تمكينها من حقوقها في ممارسة الأدوار السياسية والمؤسساتية المنوطة بها"، داعية "الحكومة إلى الالتزام بالمقتضيات الدستورية، والتعامل مع البرلمان، بما يرفع من ثقة المواطنين فيه وفي الحياة السياسية بشكل عام".
معاناة طويلة
وفي هذا الصدد، قال البرلماني والباحث في القانون الدستوري عبد الصمد حيكر، إن "مكونات المعارضة وجدت نفسها مضطرة للانسحاب من الجلسة بعد معاناة طويلة تجاوزت أكثر من نصف الولاية البرلمانية الحالية، المتعلقة بالمادة 152".
وذكر حيكر لـ "الاستقلال"، أن "هذا الموضوع فيه مخالفات مركبة سببها تغول الأغلبية، حيث مَنح رئيس المجلس لنفسه سلطة التحقق من أن الموضوع عام وطارئ، في مخالفة صريحة للنظام الداخلي".
واسترسل النائب البرلماني، "كما أن ما يقع هو على خلاف الولايتين السابقتين، حيث كانت لا تُختم أي جلسة إلا بطلبات تناول الكلمة في إطار المادة 152".
وتابع: اليوم عبرت الحكومة عن رفضها وعدم استعدادها للحديث في موضوع ساخن، يشغل بال آلاف الأسر وعموم المغاربة، وهو موضوع طلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان، مما يستوجب تحميل الحكومة كامل المسؤولية في الوضع الحالي.
وأردف حيكر، ولذلك وجدت المعارضة نفسها أمام عملية ممنهجة لمصادرة حقوقها القانونية والدستورية والسياسية، من لدن حكومة عاجزة عن التواصل مع الرأي العام والبرلمان.
ورأى عضو مجلس النواب أن "هذا ليس غريبا عن الأغلبية ورئيس الحكومة، الموغل في تبخيس البرلمان والرأي العام"، داعيا إلى "الكف عن العبث بالدستور وبقواعد العمل الصريحة والمباشرة".
“ظروف خاصة”
حاولت مكونات الأغلبية الدفاع عن الحكومة خلال الجلسة في المقابل، فدعت رئيس الجلسة إلى رفعها لأجل التشاور.
وفي هذا الصدد، قال عمر احجيرة، رئيس فريق حزب الاستقلال (ضمن ائتلاف الحكومة) بمجلس النواب، إن تخلف وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عبد اللطيف ميراوي، عن الحضور إلى البرلمان أملته ظروف خاصة.
وأوضح احجيرة، في تصريحات إعلامية عقب رفع الجلسة، أن "الوزير ميراوي أبدى استعداده للتفاعل مع طلبات تناول الكلمة بخصوص موضوع طلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان، في أي وقت تتم فيه برمجته".
وأضاف أن المعارضة بُلّغت بجواب الوزير ميراوي، غير أنها لم تتجاوب وفضلت الانسحاب على العودة إلى القاعة متمسكة بمطلب حضور المعني الأول بالموضوع، وهو ما لا يمكنه أن يتحقق اليوم، وفق إفادته.
ومضى يقول: "نتأسف لانسحاب مكونات المعارضة، لكن لا يمكننا أن نوقف جلسة دستورية ونحن نعرف أن الوزير لم يحضر إلى البرلمان بسبب ظروف خاصة".
بدوره، أكد محمد شوكي، رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار (حزب أخنوش)، أن "توحيد المواقف لدى فرق المعارضة لا يأتي في الإصلاحات والنصوص التشريعية والتعديلات، وإنما يحدث في أمور لا تساهم في الحل".
وأضاف شوكي، في تصريح لموقع "هسبريس"، في 10 يوليو، أن "فرق المعارضة لا تصوت مع بعضها، وكل مكون منها يسير في اتجاه معين"، مشيرا إلى أن “الاتفاق يحدث في أمور لا تساهم في إنجاح العمل التشريعي وتجويده”.
واستدرك رئيس فريق التجمع الوطني قائلا: "نتفهم تقديرهم بخصوص تجاوب الحكومة مع البرلمان الذي يمكن ألا يتفقوا معه، لكننا نعد تجاوب الحكومة محمودا".
تباين في الآراء
عدد من الباحثين والسياسيين تفاعلوا مع المستجد البرلماني، حيث انقسمت آراؤهم حول تقييم خطوة المعارضة بمجلس النواب.
حيث أوضح الباحث في العلوم السياسية، محمد شقير، أن الدستور المغربي يضمن للمعارضة مجموعة من الحقوق الضرورية لضمان توازن العملية الديمقراطية، من بينها حق المساءلة من خلال الأسئلة الشفوية والكتابية، وصلاحيات الرقابة على عمل الحكومة.
ورأى شقير في تصريح لموقع “العمق المغربي”، أن "هذه الحقوق أساسية لضمان الشفافية والمساءلة في العمل الحكومي"، مشيرا إلى أن "المعارضة تلعب دورا مهما في مراقبة الأداء الحكومي وضمان التوازن بين السلطات".
ولفت إلى أن "المعارضة تواجه تحديات كبيرة بسبب ما تصفه بـ "تغول الأغلبية الحكومية"، مما جعلها تشعر بضعفها العددي وتأخذ مواقف متطرفة في بعض الأحيان".
وتجلى ذلك، وفق شقير، في إصرار المعارضة على حضور وزير التعليم العالي لمناقشة إضراب الطلبة، رغم اعتذار الوزير عن المثول أمام المؤسسة التشريعية لدواعٍ خاصة، مقترحا الحضور في وقت لاحق.
وأشار إلى أن رفع جلسة الأسئلة الشفهية الأسبوعية بمجلس النواب، بعد انسحاب المعارضة، يعكس تأثير هذه الأزمة على العمل البرلماني، مؤكدا أن البرلمان يجب أن يكون ساحة للنقاش والتفاعل بين مختلف القوى السياسية، وليس ساحة للصراعات والتشنجات.
أما عبد العالي بنلياس، أستاذ القانون البرلماني والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس، فيرى أن "التشنجات المستمرة بين الحكومة والمعارضة البرلمانية نتيجة التفاف حكومي على حقوق المعارضة، ونتيجة العلاقة غير السليمة بين المعارضة والأغلبية وبين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية".
وأشار بنلياس في تصريح لموقع “آشكاين” المحلي إلى أن "العلاقة غير السليمة تدفع بالمعارضة إلى اختيارات أخرى كالذي شهدناه عندما انسحبت المعارضة من الجلسة العمومية الأخيرة".
وفي هذا الصدد تساءل حول "مدى استقامة الوظيفة الرقابية والتشريعية للبرلمان في غياب المعارضة؟ وهل يمكن أن يستمر التوازن داخل البرلمان دون معارضة؟".
وأضاف بنلياس أن "المعارضة تطرح ملاحظات دستورية، وتحاول الظهور بالطرف المنتقد بشراسة للاختيارات الحكومية، والمنبه للاختلالات الاجتماعية والاقتصادية بسبب فشل ومحدودية السياسات العمومية، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات ما يجعلها تحاول جاهدة لربح بعض النقط في مواجهة الأحزاب التي تشكل الأغلبية الحكومية وأن تقدم نفسها كبديل لها".
ويرى أن "المعارضة تعمل على الدفاع واستغلال كل المساحات القانونية في الدستور، والتي منحت حقوقا للمعارضة في المراقبة وتقييم السياسات العمومية خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا تثير اهتمام الرأي العام كموضوع مقاطعة طلبة كلية الطب والصيدلة وطب الأسنان للدراسة لأزيد من ستة أشهر".
ورأى بنلياس أن "الحكومة مطالبة بإعطاء إجابات عن موضوع طلبة الطب، فعدم التجاوب وتقديم توضيحات ومعطيات وبيانات حول القضايا الطارئة التي على الحكومة الإدلاء بها حسب المادة 152 من النظام الداخلي لمجلس النواب، هو التفاف من قبل الحكومة على حق المعارضة في التحدث في موضوع طارئ وعام يستلزم تنوير الرأي العام".
أما البرلماني السابق والكاتب الصحفي محمد عصام، فقال إن "انسحاب فرق ومجموعة المعارضة من الجلسة العامة المخصصة للأسئلة الشفهية، هو بسبب تغول الأغلبية وتلكؤها في تنزيل المادة 152 من النظام الداخلي المتعلقة بتناول الكلمة في موضوع راهن وعام".
وشدد عصام في مقال لموقع "العدالة والتنمية"، على أن موقف المعارضة هو تعبير عن رفض تبخيس العمل البرلماني من لدن الحكومة، مشيرا إلى أنه حصل ارتباك داخل الأغلبية ذاتها والتي طالبت رئيس الجلسة لرفعها من أجل التشاور.
ونبه إلى أن عذر وتبرير الحكومة عن سبب عدم حضورها للإجابة عن أسئلة البرلمان هو "تضليل" و"كذب" لا يمكن أن ينطلي على أحد، وأن الدفع به فيه "استحمار" بسبق الإصرار لذكاء ونباهة المغاربة.
وذكر الكاتب أن "الجواب الذي تلاه رئيس الجلسة أقر برفض الحكومة التجاوب بكل وضوح"، موضحا أن "الدفع بوجود ظرف طارئ لدى الوزير، لا ينهض لأن يكون مبررا مقبولا البتة".
وأبرز أن "تعامل الحكومة يكشف بوضوح تضايقها وضيق صدرها من الرقابة البرلمانية، واستعمالها المتسم بالشطط لمنطق التفوق العددي في التحكم والهيمنة على المؤسسة، ومحاولة مصادرة الآليات الرقابية التي يضمنها الدستور والنظام الداخلي للنائبات والنواب".
وشدد عصام أن "هذا النزوع الهيمني يجد أصوله في الهوية والسلوك السياسيين لمكونات الأغلبية"، مؤكدا أن "الحكومة وأغلبيتها تسيء لسمعة البلد ولديمقراطيته بهذه المسلكيات الموغلة في التحكم والتغول".
وفي الختام قال: "كما أن الحكومات القوية، لا تخيفها الرقابة ولا تتملص من مشمولاتها، بل تجعل نفسها رهن إشارة كل المبادرات الرقابية، لما في ذلك من تقوية للنقاش العمومي، وتمحيص للسياسات العمومية وتجويدها، ارتقاء بالمواطنين والخدمات المقدمة لهم".
المصادر
- بلاغ فرق ومجموعة المعارضة بمجلس النواب 08 يوليوز 2024
- محمد عصام يكتب: المادة 152 بين استهتار الحكومة وتواطؤ الأغلبية!!
- انسحاب فرق المعارضة .. تنسيق مسبق أم تفاعل عفوي مع غياب الوزير ميراوي؟
- مجلس النواب..حيثيات انسحاب المعارضة من جلسة مساءلة الوزير ميراوي
- جدل قانوني يرافق الإنسحاب من جلسات البرلمان.. شقير: مواقف المعارضة متطرفة