اتفاقيات أبراهام خارج الشرق الأوسط.. ماذا تريد إسرائيل من أرض الصومال؟

شدوى الصلاح | منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في خطوة استفزازية مرفوضة، تُعدّ تعديا صارخا على مبدأ وحدة الأراضي وسيادة الدول، اعترف الاحتلال الإسرائيلي رسميًا بـ“جمهورية أرض الصومال” (صومالي لاند) دولة مستقلة ذات سيادة، ما أثار موجة تنديد عربي وإقليمي واسع؛ إذ عدّت مصر وتركيا وجيبوتي الخطوة تهديدا مباشرا لوحدة الصومال وسيادته.

وأعلن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، في 26 ديسمبر/كانون الأول 2025، الاعتراف الرسمي بـ"جمهورية أرض الصومال" دولةً مستقلة ذات سيادة، وذلك مقابل تطبيع العلاقات في إطار ما بات يُعرف بـ"اتفاقيات أبراهام".

وتُعد أرض الصومال (صومالي لاند) إقليمًا أعلن استقلاله عن الصومال في 18 مايو/أيار 1991، إلا أنه لم يحظَ بأي اعتراف رسمي من أي دولة عضو في الأمم المتحدة حتى الآن، رغم سيطرة حكومة الإقليم على معظم مناطق شمال غرب الصومال.

ويتعامل إقليم أرض الصومال الذي لا يتمتع باعتراف دولي منذ إعلانه الانفصال، بوصفه كيانا مستقلا إداريا وسياسيا وأمنيا، في ظل عجز الحكومة المركزية الصومالية عن بسط سيطرتها على الإقليم، أو تمكن قيادته من انتزاع اعتراف دولي باستقلاله.

وأوضح مكتب نتنياهو، في بيان رسمي، أن رئيس الوزراء ووزير الخارجية جدعون ساعر وقّعا، إلى جانب رئيس جمهورية أرض الصومال عبد الرحمن محمد عبد الله، إعلانا مشتركا متبادلا. مشيرًا إلى أن الإعلان يأتي "بروح اتفاقيات إبراهيم التي وُقّعت بمبادرة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب".

وأضاف البيان أن نتنياهو هنّأ رئيس أرض الصومال، وأشاد بقيادته والتزامه بتعزيز الاستقرار والسلام، كما دعاه إلى القيام بزيارة رسمية إلى إسرائيل.

من جانبه، عدّ عبد الرحمن محمد عبد الله الإعلان "تاريخيًا"، مقدّمًا شكره لوزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، ورئيس جهاز الموساد دافيد برنيع، وجهاز الموساد، على ما وصفه بـ"مساهمتهم في هذا التطور". مشيرًا إلى أن التعاون بين الطرفين سيبدأ في مجالات الزراعة والصحة والتكنولوجيا والاقتصاد.

في المقابل، قالت القناة الإسرائيلية "14": إن اعتراف الاحتلال الإسرائيلي بجمهورية أرض الصومال جاء مقابل استيعاب سكان من قطاع غزة. مشيرة إلى أن الإعلان الذي صيغ على نهج اتفاقيات إبراهيم، تضمن إقامة علاقات دبلوماسية كاملة وتعاونًا إستراتيجيًا في مختلف المجالات. لافتة إلى أن "أرض الصومال ستضم سكان غزة مقابل هذا الاعتراف".

رفض صومالي

وفي المقابل، أعلنت الحكومة الصومالية رفضها "القاطع" لإعلان إسرائيل اعترافها باستقلال إقليم ما يُعرف بـ"أرض الصومال" الانفصالي شمالي البلاد. مشددة على أن الصومال "دولة واحدة"، وأن الاعتراف الإسرائيلي يُعد "باطلا ولاغيا".

وجاء ذلك في بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري، أكد فيه أن "جمهورية الصومال الفيدرالية تجدّد التزامها المطلق وغير القابل للتفاوض بسيادتها ووحدتها الوطنية وسلامة أراضيها".

وشدد البيان على أن الحكومة الاتحادية "ترفض رفضًا قاطعًا لا لبس فيه الهجوم المتعمد على سيادتها والخطوة غير القانونية التي اتخذتها إسرائيل بزعم الاعتراف بالمنطقة الشمالية من الصومال".

وأكد أن "منطقة أرض الصومال تُعد جزءا لا يتجزأ من أراضي جمهورية الصومال الفيدرالية السيادية، ولا يجوز فصلها أو التصرف فيها".

وتابع البيان أن الحكومة الاتحادية تؤكد أن الصومال "دولة واحدة ذات سيادة غير قابلة للتجزئة، وأي اعتراف يسعى إلى تقويض هذه الحقيقة يُعد باطلا ولاغيا".

وحذّرت الحكومة الصومالية من أن "الأعمال غير المشروعة من هذا القبيل تقوّض بشكل خطير السلام والاستقرار الإقليميين، وتفاقم التوترات السياسية والأمنية في القرن الإفريقي والبحر الأحمر وخليج عدن والشرق الأوسط والمنطقة بأسرها".

وشددت على أن هذه الخطوات "تتعارض مع المسؤوليات الجماعية للدول في مكافحة الإرهاب، بما في ذلك حركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية، وتهدد بتهيئة الظروف المواتية للجماعات الإرهابية لاستغلال عدم الاستقرار السياسي وتقويض الجهود المبذولة لتحقيق السلام والأمن".

وأكدت الحكومة الصومالية عزمها "اتخاذ جميع التدابير الدبلوماسية والسياسية والقانونية اللازمة، وفقًا للقانون الدولي، للدفاع عن سيادتها ووحدتها وحدودها المعترف بها دوليًا".

كما دعت جمهورية الصومال "جميع الدول والشركاء الدوليين إلى احترام القانون الدولي، والتمسك بمبادئ عدم التدخل والسلامة الإقليمية، والتصرف بمسؤولية من أجل السلام والاستقرار والأمن في القرن الإفريقي".

إدانات عالمية

وحظي القرار الإسرائيلي بسلسلة إدانات عربية وإفريقية ودولية، فيما قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لصحيفة نيويورك بوست: إنه لن يعترف بأرض الصومال في الوقت الحالي.

وأضاف ترامب: "لن أحذو حذو نتنياهو بالاعتراف السريع باستقلال أرض الصومال". قبل أن يرد على سؤال بشأن عرض الإقليم للولايات المتحدة بإنشاء ميناء عسكري، قائلاً: إن "كل شيء قيد الدراسة".

وبدورها، أكدت مصر إلى جانب 20 دولة أخرى، رفضها القاطع لإعلان إسرائيل اعترافها بإقليم "أرض الصومال" الكائن في جمهورية الصومال الفيدرالية، على ضوء التداعيات الخطيرة لهذا الإجراء غير المسبوق على السلم والأمن في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، وتأثيراته الخطيرة على السلم والأمن الدوليين، وهو ما يعكس كذلك عدم اكتراث إسرائيل الواضح بالقانون الدولي.

وأدان وزراء خارجية مصر، والجزائر، واتحاد جزر القمر، وجيبوتي، وجامبيا، وإيران، والعراق، والأردن، والكويت، وليبيا، والمالديف، ونيجيريا الاتحادية، وسلطنة عُمان، وباكستان، وفلسطين، وقطر، والسعودية، والصومال الفيدرالية، والسودان، وتركيا، واليمن، ومنظمة التعاون الإسلامي، بأشد العبارات هذا الاعتراف.

وأكدوا أن الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال يمثل خرقًا سافرًا لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، الذي ينص على الحفاظ على سيادة الدول ووحدة وسلامة أراضيها، معلنين دعمهم الكامل لسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية.

وأعرب وزراء الخارجية عن رفضهم لأي إجراءات من شأنها الإخلال بوحدة الصومال وسلامته الإقليمية وسيادته على كامل أراضيه.

ومن جانبها، أدانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) اعتراف إسرائيل بـ"أرض الصومال"، واصفة الخطوة بأنها "سابقة خطِرة" ومحاولة لاكتساب شرعية زائفة، محذّرة من استخدام الإقليم الصومالي المنفصل كوجهة لتهجير الفلسطينيين قسرًا من قطاع غزة.

وقالت الحركة: إن لجوء حكومة بنيامين نتنياهو لهذا الاعتراف يعكس عمق الأزمة والعزلة التي يعيشها الكيان الصهيوني نتيجة حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

كما حذّرت وزارة الخارجية الفلسطينية من أن الاحتلال الإسرائيلي يهدف إلى زعزعة الأمن القومي العربي، وكشفت عن مخاوف جدية من استخدام الإقليم كوجهة لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.

بدوره، رفض الاتحاد الإفريقي الاعتراف الإسرائيلي بإقليم "أرض الصومال"، وعد الخطوة "سابقة خطيرة ذات تداعيات بعيدة المدى على السلام والاستقرار في أنحاء القارة".

ونقل البيان عن رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي محمود علي يوسف قوله: "نرفض بشكل قاطع أي إجراء يهدف إلى الاعتراف بإقليم صومالي لاند ككيان مستقل". مؤكدًا أنه جزء لا يتجزأ من جمهورية الصومال الفيدرالية.

وأضاف يوسف أن هذه الخطوة تتعارض مع المبادئ الأساسية للاتحاد الإفريقي، وتنذر بتداعيات وخيمة على السلام والاستقرار في القارة، مجددًا التزام الاتحاد الراسخ بوحدة الصومال وسيادته وسلامة أراضيه.

وأثار الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال موجة غضب واستياء واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، وسط تحذيرات من كونه جزءًا من مشاريع التقسيم في المنطقة، ومرتبطًا بمحاولات تهجير سكان غزة مقابل الاعتراف بالإقليم الانفصالي.

وحذّر ناشطون من أن الاعتراف الإسرائيلي قد يؤثر على أمن باب المندب ويهدد الملاحة في البحر الأحمر، داعين الحكومة الصومالية إلى تعزيز الوحدة الوطنية وتوحيد الجهود لمواجهة المشروع التقسيمي، وحثّوا الدول الإقليمية على تعزيز التعاون لمواجهة التحديات الأمنية والسياسية المتصاعدة في القرن الإفريقي.

انعكاسات الاعتراف

وتحذيرا من انعكاسات الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال على باقي دول المنطقة، أوضح المحلل السياسي أحمد الحيلة، أن وصول إسرائيل إلى القرن الإفريقي عبر علاقات "دبلوماسية" مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، تهديد مباشر لأمن مصر والسعودية ودول البحر الأحمر والخليج العربي.

وأشار إلى أن تموضع إسرائيل في القرن الإفريقي، يعني تحكّمها في أهم معبر مائي دولي تمر عبره القطع العسكرية والتجارة الدولية. مؤكدا أن "إسرائيل" وجدت لتفتيت المنطقة واستنزافها، وهي تأخذ قيمتها في المنظومة الغربية من هذا الدور الشيطاني.

وحذر الحيلة من أن مزيدا من السكوت على رعونة إسرائيل وجرائمها سيُدفّع المنطقة ثمنا باهظا من أمنها واستقرارها، مؤكدا أن هذه فرصة للتحرك عربيا وإسلاميا لمنع هذه العلاقة بين إسرائيل وإقليم أرض الصومال، وإعادة النظر فيما يسمى بالاتفاقيات الإبراهيمية.

وتحدث محمود علام عن خطوة الخطوة الإسرائيلية على الأمن القومي المصري، موضحا أن ما حدث ليس حركة سياسية عابرة، وإنما خطة تشارك فيها إسرائيل مع الإمارات وإثيوبيا، هدفها السيطرة على بوابات البحر الأحمر من الجنوب، وتهديد شريان قناة السويس.

وأكد أن ذلك يعني تهديد مباشر للأمن القومي المصري من ناحية البحر ومن ناحية النيل في نفس الوقت.

وقال علام: "لو فهمت اللي بيحصل دلوقتي في القرن الإفريقي، وربطت الأحداث دي كلها باللي بيحصل في اليمن من صراع على انفصال الجنوب وسيطرة إماراتية على الجزر والموانئ، وباللي بيحصل في السودان على ضفة البحر الأحمر ووادي النيل، هتظهر قدامك لوحة كاملة خطيرة، لبدايات حرب باردة إقليمية بتتشكّل حوالين البحر الأحمر والقرن الإفريقي".

وحذر الإعلامي محمد علي خير، من أن اعتراف "إسرائيل" هو تهديد صريح للأمن المصري والسعودي، وإثيوبيا أيضا هناك، قائلا: "نحن بحاجة إلى تكتل ثلاثي قوي يضم مصر والسعودية وتركيا وتنسيق سياسي وعسكري على مستوى عال".

وأضاف: "هذا أكبر تهديد صريح للأمن المصري.. ننتظر ردود فعل القاهرة والرياض وأنقرة".

تدخلات سافرة

وعن أسباب اعتراف نتنياهو باستقلال أرض الصومال والتداعيات المحتملة للخطوة، قال المحلل السياسي ياسين التميمي، إن لا غرابة أن يسدي نتنياهو خدمةً لأبوظبي، ويحررها من عزلة شبه وشيكة تواجهها، ويعلن اعترافه باستقلال أرض الصومال.

وأضاف أن نتنياهو يدرك أن أبو ظبي بدأت تعاني من ارتدادات تدخلاتها السافرة في الدول العربية والتأثير على أمنها واستقرارها ووحدتها. لافتا إلى أن الخبر بثته النسخة العربية التابعة لأبوظبي من قناة سكاي نيوز البريطانية التابعة للملياردير اليهودي الأسترالي روبرت مردوخ.

وأوضح التميمي، أن هذه الخطوة يسعى من خلالها نتنياهو إلى تهيئة المنطقة لخطوة مماثلة، وهي الاعتراف بانفصال جنوب اليمن، وربما أراد من خلالها أيضا، ممارسة المزيد من الضغوط على المملكة العربية السعودية للدخول في علاقات تحالف معه وفقاً لنموذج علاقة تل أبيب مع أبو ظبي، وضمن ما بات يعرف ب #الديانة_الإبراهيمية_الجديدة.

وذكر بأن الإمارات أكبر مستثمر في تشجيع المشروع الانفصالي لأرض الصومال، لافتا إلى أن ميناء بربره كان مدخلاً مهما لهذا العبث الجيوسياسي الذي يختبر قوة النفوذ المالي للإمارات في إعادة صياغة خارطة المنطقة، لتتحول الإمارات من أكبر مركز للترفيه في الوطن العربي، إلى مركز لصناعة القرار السياسي بتأثير المال والجنس والاستخبارات.

وأكد التميمي، أن هناك مصلحة لإثيوبيا التي يقيم رئيس وزرائها  علاقات جيدة مع أبوظبي في تشجيع انفصال أرض الصومال للوصول إلى البحر دون أن يضطر لخوض حرب مع إريتريا من أجل الحصول على ميناء والتحرر من وضعية الدولة الحبيسة.

وأوضح أن ذلك يعني بوضوح أن ثمة دائرة من الأعداء المحتملين تتشكل حول شبه الجزيرة العربية وأكبر دولها (السعودية)، وهو طرح بات حاضرا في التناولات السياسية والإعلامية لشؤون منطقتنا وأحداثها وتطوراتها.

وأوضح حسين الوعدي، أن هناك عوامل كثيرة تقف وراء إعلان إسرائيل الاعتراف بجمهورية أرض الصومال كدولة مستقلة! وهو إعلان غريب، خاصة أنه لا وجود دوليا حقيقيا لهذه الدولة ضمن أي إطار إقليمي أو أممي.

وأشار إلى أن العامل الأكثر وضوحًا هو حاجة إسرائيل إلى قاعدة انطلاق عسكرية مطلّة على بحر العرب وقريبة من باب المندب، من أجل إدارة معركة مؤجَّلة لكنها حتمية مع المليشيا الحوثية.

ولفت الوعدي إلى أن العامل الثاني، وإن كان المسؤولون في أرض الصومال قد رفضوه، فهو أنها كانت مشروعا مقترحا لإيجاد أرض بديلة لسكان غزة إذا ما أصبح ترحيلهم ممكنًا يومًا ما، قائلا: إن رغم استحالة هذا المسعى حاليًا، إلا أن جنون حكومة المتطرفين الإسرائيلية لا يريد التخلي عنه حتى على المستوى النظري.

وأضاف: "بما أن أرض الصومال دولة غير معترف بها، ولن يتم الاعتراف بها على الأرجح ما دامت هناك حكومة صومالية شرعية يتعامل معها العالم، فإنّ هذا العامل يصب في صالح إسرائيل، فهي تحتاج إلى كيان وظيفي مستعد لتقديم أي خدمات عسكرية أو لوجستية مقابل بعض الانفتاح والتسويق المشترك".

وقال عبدالله دوبلة: إن رمي المحور الإسرائيلي الإماراتي بورقة الاعتراف بصومال لاند في هذا التوقيت من الاشتباك مع المحور السعودي المصري التركي في السودان واليمن دليل ضعف المحور الإماراتي لا قوته، وهذه الورقة الإسرائيلية هي آخر أوراقه التي كان يظن أنها قوية.  

وأكد أن جيبوتي تستطيع مع السعودية وبإسناد مصري تركي إبطال مفعول هذه الورقة من داخل منظومة الحكم في صومال لاند نفسها، أو حتى الإطاحة بها إن تطلبت الأمور، قائلا: إن النفوذ السعودي الجبوتي في صومال لاند لا يستهان به.

التقسيم والفوضى

وتحت عنوان "الهلال الصهيوني وإعادة هندسة الفوضى"، قال المفكر العربي تاج السر عثمان، عن ما يجرى في جنوب اليمن والقرن الإفريقي، صومال لاند والسودان، لا يمكن قراءته كأحداث منفصلة، بل كجزء من مخطط إقليمي متكامل تتكشف ملامحه تدريجيا.

وأشار إلى أن المخطط يقوم على توظيف الفوضى ودعم المليشيات وشرعنة الكيانات الانفصالية بهدف إحكام السيطرة على أكثر المناطق حساسية في الجغرافيا السياسية للمنطقة.

وقال عثمان: إن من القرن الإفريقي مرورا بدعم مليشيات حميدتي دقلو، وصولا إلى تغذية ميليشيات عيدروس دقلو يتشكل هلال نفوذ صهيوني يسعى للتمدد عبر الوكلاء والأدوات غير المباشرة مستهدفة تطويق الدول العربية والإسلامية الكبرى والسيطرة على الممرات البحرية الإستراتيجية في البحر الأحمر وخليج عدن.

وأكد أن في هذا السياق يأتي الدفع باتجاه تكريس كيان صومال لاند الانفصالي، واعتراف الكيان الصهيوني به كحلقة خطيرة في هذا المخطط تهدف إلى إنشاء موطئ قدم دائم على الضفة الإفريقية للبحر الأحمر، خارج إطار الدولة الوطنية وبعيدا عن أي شرعية إقليمية أو دولية حقيقية.

وقال المفكر العربي: إن هذا الاعتراف لا يمكن فصله عن مشروع أوسع لإعادة هندسة المنطقة عبر تفتيت الدول، وإنتاج كيانات هشة تؤدي أدوارا وظيفية تخدم أجندات خارجية.

وأوضح أن هذا المسار المنهجي من دعم المليشيات إلى تشجيع الانفصال، إلى عسكرة السواحل والموانئ ليس وليد الصدفة، بل يعكس استراتيجية صهيونية طويلة الأمد تقوم على نشر الفوضى المنظمة عبر دويلة وظيفية مطبعة تؤدي أدوار الوسيط والمموّل والمسهّل تحت عناوين براقة تخفي جوهر المشروع الحقيقي وضرب العمق الإستراتيجي للأمن العربي والإسلامي وفرض وقائع جديدة بالقوة الناعمة والخشنة معا.

وحذر عثمان من أن خطورة هذه التطورات تفرض على الدول المعنية الانتقال العاجل من منطق رد الفعل إلى تحرك استباقي منسق سياسيا وأمنيا ودبلوماسيا، لإجهاض هذا المشروع قبل اكتمال حلقاته وقبل أن يتحول إلى واقع جيوسياسي مفروض يصعب تفكيكه.

وأضاف أن أمن القرن الإفريقي والبحر الأحمر وجنوب الجزيرة العربية وحدة إستراتيجية واحدة لا تقبل التجزئة، وأي تهاون في مواجهة هذا الهلال المعادي ستكون كلفته باهظة على استقرار المنطقة ومستقبلها.

وقال الباحث السياسي محمود علوش: إن اعتراف "إسرائيل" بإقليم أرض الصومال كدولة مستقلة يُخرج مشروعها التقسيمي في المنطقة العربية إلى العلن بشكل أكثر وضوحاً اليوم وهو مُصمم لهدف السيطرة على المنطقة وحصار الدول الوازنة فيها بواقع جيوسياسي جديد. 

ورأى أن كل ما يتعين على دول المنطقة فعله لا سيما الوازنة منها والمُستهدفة في هذا المشروع كالسعودية وتركيا ومصر أن تُوجّه علاقاتها وسياساتها الإقليمية بدرجة أساسية للتعامل مع هذا التحدي الخطير.

وأكد عبدالعزيز بن عثمان التويجري، أن التطوّرات الخطيرة في جنوب اليمن والقرن الإفريقي لم تأت صدفة، بل هي نتاج تحالف خبيث يهدف إلى التحكّم في مناطق حيوية للإضرار بالدول الإسلامية الكبرى في المنطقة، في سياق عملية التقسيم ونشر الفوضى.

ورأى أن من الضروري التحرّك المنسّق من قبل هذه الدول لوأد الخطر قبل استفحاله.

خبث ترامب

وفي قراءة لموقف الرئيس الأميركي من إعلان الاحتلال الاعتراف بـ"أرض الصومال" دولة مستقلة مقابل التطبيع، أكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عصام عبدالشافي، أن قرار الكيان الصهيوني تم بتنسيق كامل مع إدارة ترامب.

وأضاف أن الكيان هو الولاية 51 ضمن الولايات الأميركية وأي حديث عن أن ترامب له مواقف مختلفة عن سياسات الكيان هو نوع من الغباء السياسي، وكل من يراهن عليه شريك في التضليل والخيانة.

وقال الصحفي سمير العركي: إن تصريحات ترامب أمس بشأن عدم اعترافه في الوقت الحالي بصوماليالاند يراد منها امتصاص غضب ورفض حلفائه في المنطقة، لكن واشنطن قد تعترف بها في أي لحظة.

وأضاف: "يبدو أننا على أعتاب مرحلة جديدة يعمل عليها الأميركان تتجاوز عهد "سايكس-بيكو" الذي أنجزه البريطانيون والفرنسيون في أعقاب الحرب العالمية الأولى.

وأشار العركي إلى أن الولايات المتحدة لديها خرائط لإعادة ترتيب المنطقة، والصومال مجرد بداية، في موازاة ما يحدث في اليمن، والمحاولات الدؤوب التي تجرى في سوريا.

وحذر من أن ما يحدث تطور جد خطير؛ إذ عمل النظام العالمي الذي تأسس في أعقاب الحرب العالمية الثانية على الحفاظ على الحدود القائمة وعدم تغييرها خاصة في منطقتنا إلا في حالات نادرة (توحيد اليمن- تقسيم السودان).

وأوضح العركي، أن المطلوب الآن بناء موقف مشترك بين تركيا ومصر والسعودية لإفشال المخطط والتصدي، فالولايات المتحدة ليس لديها استعداد لخسارة هذه الدول. داعيا للقضاء على الحركات الانفصالية، خاصة قوات قسد في شمال شرق سوريا.

وأكد أن التطورات الحاصلة ليست سهلة على المستوى الجيوإستراتيجي ومواجهتها لا ينبغي أن يقتصر على مجرد البيانات بل بالفعل المضاد من جانب الدول الثلاث مصر والسعودية وتركيا، خاصة في ظل النفوذ الكبير الذي تتمتع به تركيا في الصومال وفي إثيوبيا أيضا.

ووصف خبير إدارة الأزمات مراد علي تصريح ترامب بأنه “في منتهى الخبث”. مشيرا إلى أنه لن يعترف "الآن" بتقسيم الصومال وانفصال الجنوب، أي أنه مع المبدأ لكن يرى الوقت غير مناسب نتيجة لغضب مصر والسعودية وتركيا وكل الدول العربية، عدا دولة واحدة.

وقال: إن مع محاولة تقسيم اليمن وانفصال جنوبه، فإن ما يجرى تسليم مفاتيح البحر الأحمر، ومن ثمّ الأمن القومي المصري والسعودي إلى إسرائيل.

الكلمات المفتاحية