في ظل العدوان على غزة.. من يفوز بانتخابات مجلس النواب الأردني؟

12

طباعة

مشاركة

يصوت الأردنيون في 10 سبتمبر/أيلول 2024 لاختيار "مجلس النواب" الجديد الذي ينظر إليه كثيرون على أنه “مجرد ديكور” لمؤسسة يتحكم فيها بالدرجة الأولى الملك عبد الله الثاني.

وتكتسب هذه الانتخابات أهمية استثنائية لأنها الأولى التي ستجرى بعد إقرار التعديلات الدستورية عام 2022 وإقرار قوانين انتخابية وتدشين أحزاب سياسية جديدة.

كما أنها تجرى في ظل تحديات كبيرة بفعل العدوان الإسرائيلي على غزة، والذي انعكس على تسخين الساحة السياسية في البلاد خاصة من قبل الإسلاميين، وتوقعات أن تنعكس الحرب على نتائج الانتخابات.

لكن التوقيعات تشير إلى أن الانتخابات قد تسفر عن استمرار هيمنة مرشحي العشائر وأعضاء تيار الوسط، الموالين للسلطة، واستمرار المقاعد القليلة للأحزاب، خاصة حزب العمل الإسلامي، المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين.

على المقاس

وسيختار 5 ملايين مواطن أردني بين قرابة 1600 مرشح للانتخابات، وانتخاب 138 عضوا منهم ليشغلوا مقاعد البرلمان الجديد.

وهذه المقاعد منها 41 للقوائم الحزبية، بخلاف مقاعد أخرى مخصصة للمسيحيين (10) والشيشان والشركس (11 مقعدا) والنساء.

ويتنافس على مقاعد الأحزاب، 38 حزبا بينهم جبهة العمل الإسلامي، الذي يعد أكبر أحزاب المعارضة.

وتجرى الانتخابات وفق قانون جديد أقر في يناير/كانون الثاني 2022، رفع عدد مقاعد مجلس النواب من 130 إلى 138.

وأبقى القانون الجديد على نظام انتخابي يميل بقوة لصالح مناطق العشائر ومناطق ذات كثافة سكانية منخفضة موالية للسلطة غالبا.

وذلك على حساب مدن مكتظة يشكل الأردنيون من أصل فلسطيني الثقل السكاني فيها، وهي مراكز قوة للإسلاميين وبها اهتمام كبير بالسياسة، وفق وكالة "رويترز" البريطانية.

وفيما يبدو تخوفا من تدخل السلطة في تركيبة المجلس، طالب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين مراد العضايلة خلال كلمة في 7 سبتمبر/أيلول الحكومة "بعدم التدخل في نتائج الانتخابات النيابية المقبلة".

وأكد أن الأردن يمر بمرحلة حرجة والمطلوب منا جميعا مواجهة الأخطار المحدقة في الأردن ويجب أن تبقى الدولة عنوانا للاستقرار في الإقليم وعنوان لمشروع تحرير فلسطين من البحر إلى النهر.

ويقول الحزب الإسلامي الذي قدم 38 مرشحا تحت شعار "بالإسلام نحمي الوطن ونبني الأمة"، إنه يخوض الانتخابات في مواجهة قيود الدولة الثقيلة لضمان معارضة صريحة للحكومة الموالية للغرب.

وقال رئيس الهيئة المستقلة للانتخاب “موسى المعايطة” لـ"الجزيرة نت" 5 سبتمبر 2024، إن "عصر التدخلات الرسمية في الانتخابات الأردنية انتهى".

وأكد أن الانتخابات القادمة "ستكون نزيهة دون تدخلات مباشرة أو غير مباشرة من الجانب الرسمي، مبينا أن هيئة الانتخابات "محصنة" من أي تدخل، ولا تقبل أن يفرض أحد وصايته عليها.

ومع هذا قال رئيس "المنظمة الأردنية للتغيير" في لندن حسين عبد اللات، إنه سيتم تزوير الانتخابات ولكن بصورة أقل من سابقيها.

وأكد أن المخابرات الأردنية عملت بالفعل على "هندسة" الانتخابات والقوائم وترتيب الأسماء الأولى في القوائم الحزبية والمحلية، و"الأسماء المتوقع فوزها عرضت على مجلس الأمن الوطني الذي يرأسه الملك".

ويقول معارضون أردنيون وتقارير صحفية غربية إنه رغم حالة الصخب التي تواكب الانتخابات، يظل مجلس النواب ديكور شكلي مثل أغلب برلمانات العالم العربي، حيث يجرى هندسة أعضائه وضمان وجود أغلبية تدعم قرارات الملك.

وتقول منظمة العفو الدولية، إن هذا البرلمان أسهم في إصدار قرارات وقوانين عديدة تكمم الأفواه، مثل التعديلات الدستورية وقانون الانتخابات.

وأخيرا قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، الذي صدر في 13 أغسطس 2023 وتسبب في "خنق حرية التعبير وتكميم الأفواه وحبس صحفيين وناشطين".

العفو الدولية أكدت خلال تقرير في 13 أغسطس 2024 أن قانون الجرائم الإلكترونية فرض قيودا "مفرطة" على الحق في حرية التعبير، وتخل بالتزامات الأردن بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.

واتهمت السلطات الأردنية أنها استخدمت هذا القانون كسلاح لمضايقة ومعاقبة وتخويف من يعبرون عن آراء تنتقد السلطات على الإنترنت.

وتطرقت كذلك إلى الاعتداءات على الحق في حرية التعبير، وحرية تكوين الجمعيات أو الانتماءات إليها، وحرية التجمع السلمي"، حيث تم توجيه التهم لمئات الأشخاص بموجب القانون منذ صدوره.

غزة حاضرة

وكان إجراء الانتخابات على وقع المجازر والإبادة الجماعية في غزة، تحديا في حد ذاته، بسبب التهديد الذي يمس وجود وكيان الدولة الأردنية.

إذ إن نسبة كبيرة من سكان الأردن هم من الفلسطينيين، كما أن القوى السياسية خاصة الإخوان عملوا على تسخين الساحة بصورة كبيرة لدعم المقاومة واحراج السلطات المُطبعة مع إسرائيل.

حضرت قضية فلسطين والعدوان على غزة في خطابات الأحزاب كافة، كما كانت الحرب حاضرة بقوة في الدعاية الانتخابية، خاصة من جانب نواب الإخوان.

ومن ذلك تصميم مرشحي حزب العمل الإسلامي دعايتهم في صورة "مثلث" مثل الذي تستخدمه كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس في الإشارة لاستهداف جنود الاحتلال المتوغلين في غزة.

وقالت وكالة "رويترز" البريطانية 6 سبتمبر 2024 إن حرب غزة من المتوقع أن تساعد في تعزيز حظوظ جبهة العمل الإسلامي.

فالجبهة هي المجموعة الوحيدة التي يشارك أنصارها في مسيرات علنا لدعم حركة حماس، التي تجمعها مع الحزب خلفيات واحدة نابعة من الانتماء لفكر جماعة الإخوان المسلمين.

توقع هذا أيضا تقرير لمؤسسة "فريدوم هاوس" البحثية الأميركية في 12 أغسطس/آب 2024، مرجحا أن يكون للعدوان على غزة تأثير كبير على انتخابات 10 سبتمبر.

قالت: "قد يساعد الدعم المحلي الشعبي للقضية الفلسطينية جبهة العمل الإسلامي والمرشحين الإسلاميين الآخرين في مساعيهم الانتخابية، لأن الأردن موطن لأكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين على مستوى العالم".

وأكدت أن جبهة العمل الإسلامي كانت لاعبا محوريا في تنظيم احتجاجات شوارع ضخمة مؤيدة للفلسطينيين في جميع أنحاء الأردن.

ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 الشهر الذي بدأ فيه العدوان على غزة، اتخذت الحكومة الأردنية موقفا عدائيا بشكل متزايد تجاه هذه الاحتجاجات.

وخصص العضايلة 5 أهداف من أصل ترتبط بغزة، في حديثه عن أسباب مشاركتهم في الانتخابات.

وكان من بينها محاربة المشروع الصهيوني والتطبيع مع إسرائيل، ودعم المقاومة في غزة.

ودعا العضايلة، الحكومة، في كلمة له في المهرجان الختامي لقائمة حزب جبهة العمل الإسلامي في الزرقاء يوم 6 سبتمبر 2024 للتوحد مع القوى المختلفة ضد المشروع الصهيوني.

قال: “يتربص بنا الأعداء، فرئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو يعرض خارطة فلسطين دون أن تحوي الضفة الغربية ولا حتى اسم الأردن على الخارطة، ما يعني أنه يهدد وجودنا".

وأضاف العضايلة أن “وزير الخارجية الصهيوني (يسرائيل كاتس) يريد نقل ما يقرب من مليون فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية إلى الأردن”.

ورأى أن "الرد عليه وعلى غيره يكون بتمتين الجبهة الداخلية وتقديم الرجال الذين لا يخذلون الأردن، ولا فلسطين، ولا المقدسات في المجلس النيابي القادم".

وخلال المهرجان الذي أقامته جماعة الإخوان المسلمون في الأردن في محافظة الكرك 21 يونيو/حزيران 2024 بعنوان: "لن نترك غزة وحدها"، توعد المراقب العام مراد عضايلة، دولة إسرائيل بـ "معركة كرامة ثانية".

وذلك في اشارة لمعركة الكرامة الأولى عام 1968 حين هزم الجيش الاردني وفصائل المقاومة الفلسطينية جيش الاحتلال خلال محاولته احتلال جزء من أرض الأردن.

قال: "في الأردن جيش وشعب تواقان لمعركة التحرير.. سنقطع أيديكم إذا فكرتم بالمساس بأمننا واستقرارنا".

ورأى أن الأردن اليوم عليه أن يواجه هذا المخطط على أعلى المستويات، عبر تأسيس جيش شعبي رديف يكون مساندا للحكومة والجيش في وقت الأزمات والحرب.

وكان وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي حذر 5 سبتمبر 2024 من أن بلاده ستعد أي محاولة إسرائيلية لتهجير فلسطينيين إلينا "إعلان حرب" والتعامل معها وفق ذلك.

ويرى العضايلة أن المنطقة أمام تحول إستراتيجي في ظل انجراف دولي واسع لإسناد "إسرائيل" وإدارة المعركة من قبل الولايات المتحدة على الأرض، مضيفا أن هناك محاولات لتعديلات إقليمية وإستراتيجية تتضمن خطة تهجير واسعة النطاق للفلسطينيين إلى سيناء والأردن. 

توقعات متشائمة

وأشار تقرير لـ "معهد واشنطن" 6 سبتمبر 2024 إلى أن حرب غزة ستزيد بشكل كبير من شعبية حزب العمل الإسلامي، بعدما أصبح أكثر وضوحا وجرأة بسبب الحرب.

لكنه رجح أن "ينذر الأداء القوي للإسلاميين بتوترات مستقبلية مع السلطة، مما يشير ليس فقط إلى زيادة الدعم الشعبي لجبهة العمل الإسلامي، ولكن أيضا إلى قرار الحزب بإظهار عضلاته.

أما لو حدث العكس، وجاء أداء الحزب الإسلامي متواضعا، فقد يشير ذلك، إما إلى أن حرب غزة لم تغير الخريطة السياسية في الأردن، أو أن جبهة العمل الإسلامي اختار عدم مواجهة المؤسسة الحاكمة.

وأجبر الخوف من استمرار وتزايد شعبية الإسلاميين، النظام الأردني على تغيير قانون الانتخابات عام 2021 من نظام الأصوات المتعددة، بدعوى فوز الإسلاميين به، إلى الصوت الفردي، بحسب موقع "المونيتور" الأميركية.

ثم أمر الملك بتعديلات دستورية إضافية عام 2022 للتضييق على الأحزاب خاصة الحزب الإسلامي وزيادة صلاحيته الملكية.

وفي يناير 2022 أقر البرلمان الأردني حزمة واسعة من التعديلات الدستورية أحالتها إليه حكومة الملك، هدفها تغيير هيكل الحكم في المملكة وزيادة صلاحيات عبد الله الثاني.

التعديلات، التي جرت الموافقة عليها، تضمنت نصوص جديدة أغلبها يمنح الملك صلاحيات إضافية، بتعيين وإقالة كبار السياسيين والقضاة ورجال الأمن.

وكان هدفها تحجيم وتغيير قاعدة سيطرة الاسلاميين، وجماعة الاخوان خصوصا، على المعارضة في الأردن، حسبما قال معارضون ومحللون أردنيون.

إذ لا يزال جبهة العمل الإسلامي هو أقوى الأحزاب، بعد أكثر من 30 عاما من استئناف الحياة السياسية في المملكة، رغم وجود أكثر من 50 حزبا سياسيا.

ورغم تقلص نتائج حزب العمل الإسلامي في انتخابات 2020 إلى 10 مقاعد مقابل 16 في انتخابات 2016 (من 130 مقعدا) بسبب قانون الانتخابات الجديد وانقسامات داخلية، لم يفز أي من مرشحي الأحزاب القومية أو اليسارية الأردنية بأي مقعد.

وسبق أن وصف مراد العضايلة، التعديلات الدستورية بأنها "صدمة كبيرة تؤسس لانقلاب على الدستور"، وتؤشر على انغلاق الأفق في الإصلاح السياسي.

‏أكد لقناة "اليرموك" 23 ديسمبر/كانون أول 2021 أن التعديلات الدستورية "قلبت شكل النظام السياسي لنظام الملكية المطلقة".

وضمن القيود على جماعة الإخوان في الانتخابات، داهمت السلطات الأمنية الأردنية في 7 مايو/أيار 2024 وأغلقت "قناة اليرموك" وصادرت معداتها، بحجة عدم امتلاكها التراخيص الرسمية.

وتردد أن الأمر له علاقة بالانتخابات ورغبة السلطات في تقييد إعلام الجماعة وحرمانها من منبر إعلامي مهم، وبدور القناة في تسخين الشارع ضد العدوان الإسرائيلي على غزة.

والحشد الشعبي ضد العدوان على غزة، ورد الفعل العنيف للشعب الأردني بمحاصرة سفارة إسرائيل، بصورة عدتها السلطات تحريضا على الخروج على النظام الذي يُطبع العلاقات مع دولة الاحتلال.

وتعد فضائية اليرموك هي الشاشة الوحيدة التي تدار وتمول وتنطق باسم التيار الإسلامي الأردني، وترعاها الجماعة، وتزامن غلقها مع اقتراب الانتخابات البرلمانية.

ولا يصنف الأردن كبلد ينعم بالحرية وفق تقييم الحريات المدنية والحقوق السياسية لمؤسسة "فريدوم هاوس" الأميركية 12 أغسطس 2024.

وهو مصنف على أنه "غير حر" في تقرير الحرية لعالم 2024، بدرجة 33 من 100 فيما يتعلق بالحقوق السياسية والحريات المدنية.

كما أنه مصنف حر جزئيًا في "تقرير الحرية" على الإنترنت 2023، بدرجة 47 من 100 فيما يتعلق بحرية الإنترنت.