رغم تمتعهم بالجنسية.. هل ينجح اليمين المتطرف في ترحيل الأتراك من ألمانيا؟
يحاول "حزب البديل من أجل ألمانيا" خلق عداوة وخوف لدى المهاجرين السابقين تجاه اللاجئين الجدد
بوتيرة متصاعدة، يتزايد تأثير اليمين المتطرف في ألمانيا يوما بعد يوم كما هو الحال في العديد من الدول الأوروبية الأخرى، مستغلا في ذلك أكثر الملفات جدلية بالقارة وهي معاداة الإسلام واللاجئين.
وفي هذا السياق، نشرت وكالة الأناضول التركية مقالا للكاتب "كمال إنات"، سلطت فيه الضوء على وضع اليمين المتطرف وموقفه من نحو 4 ملايين تركي يعيشون في ألمانيا، أغلبهم يحملون الجنسية الألمانية.
مستقبل مقلق
وقال الكاتب إن فهم ما يدعو إليه اليمين المتطرف بشكل دقيق يعد أمرا مهما لمستقبل السياسة الألمانية وكذلك من أجل العلاقات التركية الألمانية والأتراك الذين يعيشون في ألمانيا.
وأضاف أن نِسَبَ التصويت التي وصل إليها حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف في الوقت الحالي تستحق الاهتمام.
فعلى الرغم من أن ما يدعو إليه الحزب في بعض القضايا قد يتغير بناء على مواقف الأعضاء والوقت، إلا أن ما يفكرون فيه بشأن الأتراك والمسلمين في ألمانيا معروف إلى حد ما.
وأوضح أن السياسة البراغماتية المعتمدة على المصالح والأيديولوجية المعادية للإسلام هما العاملان الأساسيان اللذان يشكلان سياسة حزب البديل من أجل ألمانيا تجاه الأتراك والمسلمين.
وكما هو الحال في دول أوروبية أخرى، فإن تشكيل مشاعر الخوف من الأجانب بالإضافة إلى قضية معارضة الهجرة يُعدان أمرين مهمّين لكسب جماهير كبيرة من الناخبين في فترة تزايد فيها عدد المهاجرين وموجات اللاجئين في أوروبا.
وقد نجح حزب البديل من أجل ألمانيا في هذه السياسة وزاد من نسب تصويته.
فمنذ فترة طويلة، صنف حزب البديل من أجل ألمانيا الأتراك الذين يعيشون في ألمانيا ضمن فئة "الأجانب" وجعلهم هدفا، حتى إن هناك آراءً تشير إلى إمكانية ترحيل الأتراك الذين يحملون الجنسية الألمانية.
معاداة الإسلام
وبحسب الكاتب التركي، تظهر الأيديولوجية المعادية للإسلام كعامل أساسي في نهج "حزب البديل من أجل ألمانيا" تجاه المسلمين في ألمانيا.
فمن خلال النظر إلى برنامج الحزب وتصريحات الشخصيات البارزة مثل ألكسندر غاولاند يتضح هذا العداء البارز للإسلام.
بالإضافة إلى أنه في برنامج الحزب الذي أعلنه "حزب البديل من أجل ألمانيا" في عام 2021 والذي يتألف من حوالي 210 صفحات تمّ تخصيص 4 صفحات للإسلام.
في هذا الجزء من البرنامج تم ذكر ضرورة حظر ارتداء الحجاب من قبل الموظفين العموميين والطلاب، وحظر ارتداء البرقع والنقاب في الأماكن العامة، ومنع تمويل بناء وتشغيل المساجد في ألمانيا من قبل الدول الإسلامية، ورفض منح المنظمات الإسلامية في البلاد وضع الفاعلين العامين.
كما ذُكِرَ في نفس القسم أن "الحياة اليهودية في ألمانيا مهددة ليس فقط من قبل اليمين المتطرف ولكن أيضا بشكل متزايد من قبل المسلمين المعادين لليهود وإسرائيل" وأنه "يجب منع الهجمات على اليهود بشكل حازم".
وتابع الكاتب: كلّ عام يتم تنفيذ آلاف الهجمات التي تستهدف المسلمين والمساجد في ألمانيا من قبل مؤيدي "حزب البديل من أجل ألمانيا".
وبذلك يمكن تفسير موقف "حزب البديل من أجل ألمانيا" بأنه يظهر حساسية كبيرة تجاه حماية اليهود بينما يستهدف المسلمين لأسباب براغماتية.
ولا شك في أنه إذا كان يسعى للحصول على الأصوات من خلال معاداة الأجانب في أوروبا، فإن اختيار المسلمين الضعفاء كهدف بدلا من اليهود الذين لديهم لوبي قوي يعد أكثر واقعية وأقل تكلفة.
وفي مقابلة مع إحدى الصحف سُئل رئيس "حزب البديل من أجل ألمانيا" السابق ألكسندر غاولاند عن وجود لغة عامة ومهينة تجاه المسلمين في حزبه تشبه تلك التي كانت تستخدم ضد اليهود في ألمانيا النازية.
فأجاب غاولاند على هذا السؤال قائلاً إن اليهود في الفترة النازية تعرضوا للاضطهاد ليس بسبب دينهم ولكن بسبب عرقهم، وأنه لا يدافع عن عقيدة النقاء العرقي.
وزعم أن الإسلام يمثل مشكلة ثقافية في ألمانيا وفي كل مكان في أوروبا، مما يظهر بوضوح مدى عداء "حزب البديل من أجل ألمانيا للإسلام".
ولفت الكاتب النظر إلى أنه عند دمج تصريحات غاولاند التي تعني "تطرفنا ليس عنصرياً مثل هتلر بل يعتمد على الهوية الدينية" مع حقيقة أن كلا من غاولاند وزملائه في الحزب يدافعون بحماس عن الصهاينة الذين يرتكبون إبادة جماعية في غزة، يتضح أن المشكلة الحقيقية لحزب البديل من أجل ألمانيا هي مع المسلمين.
ولا يقتصر حزب البديل من أجل ألمانيا على معارضة المسلمين في ألمانيا فقط، بل يدعم أيضاً التوجّه الذي يدعم تعرض المسلمين للإبادة الجماعية في مناطق أخرى من العالم.
الأتراك غير المتدينين
في نفس المقابلة، قال غاولاند إن الأتراك المقيمين في ألمانيا الذين صوتوا في الاستفتاء الدستوري الذي أجري في تركيا عام 2017 لصالح الرئيس رجب طيب أردوغان، أي الذين صوتوا بـ "نعم" على اقتراح التعديل الدستوري، "أثبتوا فشل الاندماج" و"يجب أن يغادروا ألمانيا.
كما لم يذكر غاولاند الأتراك الذين صوتوا بـ "لا" في الاستفتاء ضمن الذين يجب أن يغادروا، مما قد يُعد دليلاً على أنه لا يريد مغادرة جميع الأتراك من ألمانيا على الأقل في الوقت الحالي.
في هذه النقطة، يجب الإشارة إلى جهود "حزب البديل من أجل ألمانيا" الأخيرة لتوسيع قاعدة الناخبين، حيث يمكن أن يحصل الحزب على أصواتٍ إضافية من خلال الانفتاح على الفئات ذات الخلفية المهاجرة بمن في ذلك الأتراك، ويجب الإشارة أيضاً إلى استجابة بعض الأتراك لهذه الجهود بشكل إيجابي.
ويمكن القول إن "حزب البديل من أجل ألمانيا" قد اكتشف أن المهاجرين القادمين من الدول الإسلامية الذين لا يهتمون بالهوية الإسلامية يجدون العداء للإسلام في "حزب البديل من أجل ألمانيا" قريبا من أيديولوجيتهم.
ففي الانتخابات الأوروبية التي أجريت هذا العام أشار المرشح الأول للحزب البديل من أجل ألمانيا ماكسيميليان كراه إلى أن "الأتراك في ألمانيا يجب أن يصوتوا لحزب البديل من أجل ألمانيا .
وقال رئيس الحزب تينو تشروبالا: "الأشخاص من أصول مهاجرة ينتمون أيضاً إلى ألمانيا. إنهم ينتمون أيضاً إلى حزبنا. يمكننا الفوز بالانتخابات فقط معاً".
وتظهر هذه التصريحات أن سياسة "حزب البديل من أجل ألمانيا" قد وصلت إلى مستوى مختلف.
حيث يدرك أنه لا يمكنه الوصول إلى السلطة في ألمانيا التي يعيش فيها أكثر من سبعة ملايين ناخب من أصول مهاجرة دون الوصول إلى جزء من هذه الفئة على الأقل.
لأن هذا الحزب يرى أن قاعدة الناخبين التي يمكنه الوصول إليها من خلال معاداة الأجانب ومعاداة الإسلام محدودة.
وإن عدم استعداد الأحزاب الأخرى لقبوله كشريك في الائتلاف يجبر "حزب البديل من أجل ألمانيا" على الانفتاح.
ولفت الكاتب التركي النظر إلى أن "حزب البديل من أجل ألمانيا" يستخدم "سياسة التخويف" أثناء محاولته الوصول إلى أصوات الناخبين ذوي الأصول المهاجرة.
فبعد قول ماكسيميليان كراه "يجب أن يصوت الأتراك لحزب البديل من أجل ألمانيا"، أضاف "يجب أن تصوتوا لحزب يمنع المزيد من الهجرة. لأن القادمين الآن يسرقون المنازل والوظائف منكم".
وفي الختام، قال الكاتب: بهذه العبارات، يحاول "حزب البديل من أجل ألمانيا" خلق عداوة وخوف لدى المهاجرين السابقين تجاه اللاجئين الجدد.
ومن المعروف أن جزءا من الأتراك والأجانب من الجيل الثاني والثالث في ألمانيا يعارضون بشدة اللاجئين الذين وصلوا في السنوات الأخيرة، خاصة السوريين والأفغان.