علي كريميان.. رجل دين شيعي يدير إعلام إيران الخارجي ويتحكم برئاسات العراق

منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

لا تقتصر وظيفة رجل الدين والإعلامي الإيراني، علي كريميان، على رئاسة "اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية"، فقد بات من الشخصيات النافذة في العراق، التي تلجأ إليها القوى السياسية من أجل كسب دعمهم أو توسيطهم في حسم ملف المناصب العليا بالبلاد.

ويعد "اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية" المتحكم والداعم للأذرع الإعلامية التابعة لإيران في العالم العربي، والتي تديرها قوى ومليشيات موالية لها في بلدان عربية وإسلامية، وتتمثل في العديد من القنوات الفضائية والإذاعات والمواقع الإلكترونية.

تأسس عام 2007 كهيئة تابعة لـ"وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي" الإيرانية، ومقره في طهران، وله مراكز ببلدان أخرى أبرزها (لبنان، العراق، اليمن)، ويضم 130 فضائية و53 إذاعة، و32 مؤسسة إنتاجية وإعلامية، و4 مؤسسات فضاء مجازي و9 وكالات أنباء.

عرّاب المناصب

بحكم توليه رئاسة "اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية"، الذي يشغله منذ تأسيسه وحتى الآن، فإن كريميان، يتمتع بعلاقات وثيقة مع قادة الصف الأول من السياسيين في العراق، ويلتقي العديد منهم بشكل متواصل.

وكان حاضرا في آخر أزمة سياسية شهدها العراق، هي إقالة رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، من منصبه بقرار صادر عن المحكمة الاتحادية العليا (أعلى سلطة بالبلد) في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني  2023، بتهمة تزوير طلب استقالة أحد أعضاء البرلمان، ثم الاستناد عليها وإقالته.

ومع المساعي السياسية لاختيار بديل عن الحلبوسي لشغل أعلى منصب مخصص للسنة في العراق، فإن كريميان يتواصل في جولات مكوكية مع قادة الإطار التنسيقي الشيعي، للتباحث في أي المرشحين الاثنين يتولى رئاسة البرلمان، سالم العيساوي، ومحمود المشهداني.

وفي نوفمبر 2023، رشحت القوى السياسية السنية مجتمعة شخصيتين بشكل رسمي لتوليه، وهما سالم مطر العيساوي، عن تحالف "القيادة"، ومحمود المشهداني عن تحالف "العزم".

وأكدت مصادر سياسية عراقية خاصة لـ"الاستقلال" طالبة عدم الكشف عن هويتها، أن اجتماعا عقد بين كريميان وأحد المرشحين الاثنين (لم يذكر اسمه)، في 27 نوفمبر، وجرى الاتفاق على دعمه لتولي رئاسة البرلمان، وذلك بترشيحه من أكبر عدد من النواب السنة، حتى يضمن تصويت الإطار له.

كريميان تبنى مع بعض قادة الإطار التنسيقي عام 2022، ترشيح الرئيس العراقي السابق، برهم صالح لولاية ثانية، مقابل الرئيس الحالي عبد اللطيف رشيد، لكن ائتلاف دولة القانون بقيادة نوري المالكي، صوت للأخير الذي فاز بأغلبية 166 صوتا مقابل 99 معظمهم من نواب الإطار.

ولم يسبق أن كان كريميان لاعبا أساسيا في الملف العراقي، خصوصا قبل مقتل قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، بطائرة أميركية في 3 يناير 2020، قرب مطار بغداد الدولي، والذي عرف عنه بإحكام سيطرته على قرارات الأحزاب والمليشيات الشيعية في العراق.

مقرب للسوداني

كريميان، يشرف على إدارة قناة على منصة "تليغرام" ناطقة باللغة الفارسية، تابعة إلى رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، والتي انطلقت قبل زيارة الأخير إلى طهران في 28 نوفمبر 2022، وذلك بعد شهر من توليه منصبه رئيسا للحكومة.

وذكرت صحيفة "إيلاف" الإلكترونية المدعومة سعوديا، في 27 نوفمبر 2022، أن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي، استحدث قناة على منصة "تليغرام" وهي الأكثر شعبية في إيران، وبدأ في نشر صور ونشطات المسؤول العراقي باللغة الفارسية.

وبحسب معلومات الصحيفة، فإنه "جرى تكليف الإعلامي الإيراني كريميان الذي يتولى حاليا من طهران منصب الأمين العام لاتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية والمعاقب أميركيا بالإشراف على قناة التليغرام".

وأشارت إلى أن "هذه هي المرة الأولى في تاريخ رئاسات الحكومات العراقية التي يتم فيها استحداث موقع إلكتروني لرئيس وزراء باللغة الفارسية ليضاف إلى المواقع الإلكترونية الأخرى على منصتي فيسبوك وإكس باللغات العربية والكردية والإنجليزية".

وكانت الخزانة الأميركية قد فرضت عقوبات في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 على اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية الذي يترأسه كريميان لعلاقاته مع الحرس الثوري الإيراني والخضوع لتوجيهاته.

ووصف كريميان العقوبات الأميركية في حينها بأنها "تعدٍّ على حرية الإعلام ومخالفة لكل الأعراف الدولية والقوانين التي أقرت حرية عمل الإعلام وحرية عمل الاتحادات والنقابات في العالم".

ورأى رجل الدين الإيراني أن القرار الأميركي تعبير عن "سياسات القمع والاستبداد وتكميم الأفواه"، مشيرا إلى أن "الاتحاد يعمل كمنظمة مستقلة غير حكومية من دون الانتماء إلى أي دولة".

مصدّر الثورة

علي كريميان، البالغ من العمر نحو 63 عاما، رجل دين يحمل درجة "حجة الإسلام والمسلمين" والتي تسبق "آية الله"، أعلى مرتبة لدى الشيعة تمنحها الحوزة الدينية سواء في مدينة قم الإيرانية أو النجف العراقية، قبل أن تسند إليه مهمة رئاسة أمين عام "الاتحاد" عام 2007.

ولم يعرف أي دور أو منصب آخر سبق أن تولاه كريميان قبل رئاسة "اتحاد الإذاعات"، لكنه يعد من المنتمين إلى معسكر الأصوليين أو المحافظين (المتشددين) الإيراني، الذي ينتمي إليه المرشد الأعلى للبلاد علي خامنئي وقادة الحرس الثوري.

وبحسب تقرير نشره موقع "إيران وير" المعارض في 27 يونيو 2021، فإن مهمة كريميان والاتحاد الذي يرأسه "تصدير الثورة الإيرانية وبث خطابات مرشدها الأعلى، وزعيم حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، من أجل جذب الشيعة في العالم لمصلحة ولاية الفقيه".

وأوضح التقرير أنهم يسعون إلى "الدعاية التي تريد إشعال النار في الدول التي يوجد فيها النفوذ الإيراني، إضافة إلى أن إعلام اتحاد الإذاعات الإسلامية هو جزء من التدخل الإيراني في الأمن القومي العراقي من خلال توظيف إعلاميين في المحطات العراقية يعملون لصالح طهران".

وأشار إلى أن "كل الإذاعات والقنوات العراقية التابعة إلى اتحاد الإذاعات الإسلامية هي ضمن الخط الولائي (موالي لإيران)، وأغلبها تتبع المليشيات المسلحة، فهي تنظيم مرادف للجزء السياسي والعسكري للأخيرة، وتبث خطابا ضد كل من يتظاهر في العراق رفضا لوجود النفوذ الإيراني".

ونقل الموقع عن المحلل السياسي العراقي، هيثم الهيتي، قوله إن المشروع الذي يقوده كريميان "يهدف إلى تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى دول المنطقة وتصديرها يحتاج إلى دعاية تقنع الناس بتمدد إيران، وبالتالي هو جزء من التمدد الأيديولوجي للأخيرة".

ولفت الهيتي إلى أن "كريميان يقود مؤسسة تستهدف الجمهور العراقي والسوري واليمني واللبناني، وتحاول طهران إقناعهم أن التمدد من أجل الدفاع عنهم وحماية طوائفهم ومقدساتهم، وهو بالتأكيد جزء من الأكاذيب الإيرانية".

وفي 21 يونيو 2019، اتهم عضو البرلمان العراقي السابق مشعان الجبوري، خلال مقابلة تلفزيونية عبر قناة "العهد" العراقية التابعة إلى اتحاد الإذاعات، مؤسسات إعلامية عراقية تابعة للأخير، بالحصول على أموال القمر الصناعي ورواتب العاملين فيها من إيران، عبر استثمار "الشركة العربية" التي تهرب النفط الأسود من العراق.

وأكد الجبوري أن "460 مليار دينار عراقي (نحو 350 مليون دولار) تصرف بالسنة على هذه القنوات من أموال يفترض أن تذهب للشعب العراقي"، مؤكدا: "لا أستطيع كشف هذا الملف، لأنه سيؤدي إلى قتلي بعد خروجي من البرنامج الذي أجلس فيه الآن".