سيارات تسلا تنتشر قريبا في الصين.. هل تكون بكين طوق نجاة إيلون ماسك؟
هناك عقبات تواجه تسلا في سعيها لتصبح رائدة السيارات ذاتية القيادة
تسود توقعات بقرب انتشار سيارات تسلا الأميركية قريبا في شوارع الصين، وهو ما رفع أسهم الشركة التي يملكها الملياردير الأميركي إيلون ماسك.
وكشف موقع "بي بي سي" البريطاني، بنسخته البرازيلية، في تقرير له عن تفاصيل الزيارة المفاجئة للمدير التنفيذي للشركة إيلون ماسك إلى الدولة الآسيوية، ولقائه بالقائد الثاني في البلاد، رئيس الوزراء لي تشيانغ.
منافسة جديدة
وأوضح الموقع أن الملياردير الأميركي يتفاوض مع السلطات في بكين "بشأن إطلاق وضع القيادة الذاتية لسيارات تسلا على الطرق والشوارع في البلاد".
وعقب تلك التسريبات الصحفية، ارتفعت أسهم تسلا إزاء تقارير تفيد بأن الشركة قد تجاوزت عقبة تنظيمية مهمة في الصين من خلال شراكتها مع عملاق البحث الأول في الصين "بيدو".
ومهمة تسلا ليست سهلة في الصين، فبحسب المحلل في موقع الخدمات المالية الاستثمارية "ويدبوش" الخبير دانيال آيفز، فإن "الاتفاق سيكون مفصليا بالنسبة للشركة".
وأضاف: "الشركة تواجه منافسة هائلة من السيارات الكهربائية المحلية في الصين، جنبا إلى جنب مع طلب أضعف".
ويفيد "بي بي سي" أن العقبة الرئيسة أمام انتشار تسلا في أنحاء الصين، تتمثل في "موافقة السلطات الصينية على استخدام القيادة الذاتية الكاملة (FSD)، وهو النمط المعروف باسم القيادة التلقائية في هذه السيارات".
إذ إن نظام FSD، يتيح للروبوتات تنفيذ مناورات الوقوف للسيارات بالإضافة إلى تغيير مسارها أثناء الرحلات.
وجدير بالذكر أن FSD متاح حاليا فقط في بعض البلدان مثل الولايات المتحدة، ويوجد بشكل جزئي فقط في الصين.
وأشار التقرير إلى أن طموح ماسك لا يقف عند هذا الحد، فهو "يرغب في استخدام البيانات التي تُجمع بواسطة تسلا في الصين لتدريب خوارزمياته في الخارج".
ورغم أن الصين ثاني أكبر سوق لتسلا، تواجه الشركة الأميركية مزيدا من المنافسة الدولية بضغط من الشركات الصينية.
وحاولت شركات صناعة السيارات الأخرى، مثل "إكس بينج"، التي تتخذ من مدينة غوانغتشو الصينية مقرا لها، التنافس مع تسلا من خلال إدماج وظائف مشابهة للقيادة الذاتية في سياراتها. وتعمل حكومة بكين على تقديم الحوافز لشراء السيارات الكهربائية.
وقد يكون شراء سيارة كهربائية أرخص من اقتناء أخرى تعمل بالبنزين في الصين، مما يعني أن السوق الاستهلاكي المحلي الصيني للنوع الأول يتوسع بقوة.
ويوضح موقع بي بي سي أنه "في الآونة الأخيرة، أصبحت الصين سوقا حيوية لأنشطة تسلا، حيث كانت العلاقات بين ماسك وسلطات بكين حاسمة لمساعدة الشركة في مواجهة الأوقات المالية الصعبة".
لكن أيضا "يواجه البلد تحديات للشركة الأميركية متعددة الجنسيات". ويتيح الاتفاق، المعلن عنه أخيرا، مع عملاق البحث "بيدو" لتسلا المضي قدما في تقنيتها للقيادة الذاتية في الصين.
إذ ستساعد خدمات الخرائط والملاحة من "بيدو" تقنية القيادة الذاتية لتسلا، بما في ذلك المساعدة في وقوف السيارات.
"لكن كل ذلك مرهون بأن تحصل تكنولوجيا القيادة الذاتية التامة على الضوء الأخضر من السلطات الصينية".
وأشارت الهيئة البريطانية إلى أن أسهم تسلا تأثرت إيجابيا بتلك الأخبار، إذ ارتفعت "بما يقرب من 12 بالمئة، مما يعني أنها استعادت جزءا من القيمة التي فقدتها منذ بداية عام 2024".
وانخفضت قيمة أسهم تسلا بأكثر من ربعها منذ يناير/كانون الثاني 2024. وتابع الموقع: "يبدو أن ماسك أدرك خطأ توقعاته القديمة. فقبل بضع سنوات، كان يستهزئ بالسيارات الكهربائية المصنوعة في الصين".
ويذكر واقعة حدثت عام 2011، حيث ذكرت إحدى الصحف، خلال مقابلة مع ماسك، شركة "بي واي دي BYD" الصينية التي كانت تنتج سيارات كهربائية أرخص من تسلا، فقاطع الملياردير الأميركي محاوره بالضحك.
وأضاف: "هل رأيت سياراتهم من قبل؟". وتابع: "لا أعتقد أن لديهم منتجا رائعا، أعتقد أن تركيزهم هو -وينبغي أن يكون كذلك فعلا- على ضمان عدم موتهم في الصين".
ولكن بعد ذلك انقلبت آراء ماسك، حيث أفادت الصحيفة بأنه في آخر 3 أشهر من عام 2023، تجاوزت الشركة الصينية "بي واي دي" تسلا من حيث عدد السيارات الكهربائية المباعة.
وفي 28 أبريل/ نيسان 2024، وأثناء وجوده في رحلة إلى الصين، وصف ماسك الشركات المصنعة للسيارات الصينية بأنها الأكثر منافسة في العالم.
وأردفت: "الآن، تكنولوجيا FSD هي الرهان الكبير لنا، وأصبحت الصين واحدة من الأسواق الرئيسة لتسلا حيث تحاول الشركة الفوز على منافسيها".
انتقادات وشكوك
لكن يبدو أن هناك عقبات تواجه تسلا في سعيها لتصبح رائدة السيارات ذاتية القيادة، وفق الموقع.
وأشار إلى أن "السلطات الأميركية بدأت تحقيقا في استدعاء أجرته تسلا في ديسمبر/كانون الأول 2023، لمليوني سيارة، حيث وُجهت اتهامات لها بشأن مسؤوليتها عن عدد من حوادث السير".
وينقل التقرير عن إدارة السلامة الوطنية للمرور على الطرق في الولايات المتحدة (NHTSA) قولها "إنه جرى تسجيل ما لا يقل عن 13 حادثا بسيارات تسلا، بما في ذلك حادث واحد أسفر عن وفاة وإصابات خطيرة، حيث قد تكون القيادة الذاتية هي السبب".
وتريد NHTSA معرفة ما إذا كان استدعاء ديسمبر 2023 قد عالج بنجاح مسائل السلامة المتعلقة بنظام المساعدة للسائق في تسلا.
وتضيف NHTSA: "على الرغم من الاشتراطات التي تفرض على السائقين البقاء منتبهين على الطريق، ومستعدين لتولي السيطرة في أي وقت عند تمكين القيادة الآلية، فإن السائقين الذين أصيبوا في الحوادث لم يكونوا ملتزمين بما يكفي".
ويوضح الموقع أنه "تم إجراء تحليل NHTSA قبل استدعاء تسلا، حيث تعهدت الشركة بحل المشكلة".
ومن المفترض أن "يضمن برنامج تسلا أن يولي السائقون اهتماما وتركيزا بقيادتهم، وأن يتم استخدام الميزة فقط في ظروف مناسبة، مثل الطرق السريعة، وليس في الشوارع الفرعية والداخلية".
ولطالما وعد ماسك بأن تكون تسلا قادرة على العمل كـ "روبوت تاكسي ذاتي القيادة"، لكنه استمر في تأجيل هذا المشروع الطموح.
وقال في عام 2015، إن تسلا ستصل إلى "الاستقلالية الكاملة" بحلول سنة 2018.
ثم في عام 2019، قال إن الشركة ستكون لديها روبوت تاكسي يعمل خلال العام التالي. وفي أبريل 2024، أوضح ماسك أنه سيطلق روبوت تاكسي في أغسطس/آب من نفس العام.
ويواجه ماسك انتقادات بأنه "يمدح باستمرار آفاق القيادة الذاتية الكاملة فقط كوسيلة لدعم سعر أسهم الشركة الذي ينخفض بسبب تحديات متعددة مثل انخفاض الطلب العالمي على السيارات الكهربائية ومنافسة صانعيها من الصينيين". وفي المقابل، ينفي الملياردير تلك الاتهامات.
وحتى تستطيع منافسة الشركات الصينية، خفضت تسلا أسعار سياراتها في الصين وأسواق أخرى لزيادة الطلب.
فمثلا، انخفض سعر تكنولوجيا FSD من 15 ألف دولار عام 2023، إلى 8 آلاف دولار في أبريل 2024.
وقد شهدت تسلا أخيرا انخفاضا بنسبة 13 بالمئة في مبيعات السيارات، لتصل إلى 17.3 مليار دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024.
أما عالميا، فقد تراجعت مبيعات تسلا بنسبة 9 بالمئة، في حين انخفضت أرباحها بشكل كبير إلى 1.13 مليار دولار، مقارنة بـ 2.51 مليار دولار في نفس الفترة من عام 2023.
ويبدو أن عام 2024 لا يشهد حتى الآن اختلافا كبيرا عن الأعوام الماضية، فقد تراجع سعر أسهم الشركة بنسبة 32 بالمئة.
تحديات وعقبات
ومنذ 4 سنوات، يعمل نظام FSD الخاص بتسلا في الصين بطريقة الاشتراك، ولكن يتوفر فقط جزء محدود من الميزات في البلاد، مما يقيد النظام ويصعب العملية على السائقين.
فما زال يتعين على شركة تسلا، الحصول على موافقة الصين لاستخدام البيانات التي تُجمع لتدريب خوارزميات القيادة الذاتية.
من جهته، يسعى ماسك الحصول على موافقة رسمية لنقل البيانات المجمعة في البلاد إلى الخارج.
ونهاية أبريل 2024، عقد ماسك اجتماعا مع رئيس الوزراء الصيني، لي تشيانغ، فيما نقلت وسائل الإعلام الرسمية عن الملياردير قوله إن تسلا كانت مستعدة للتعاون بشكل عميق مع الصين لتحقيق نتائج إيجابية للجميع.
وصرح ماسك وفقا لتقارير صحفية قائلا إن "السوق الصينية ستظل دائما مفتوحة أمام الشركات ذات التمويل الأجنبي".
وعمل ماسك على خطوات لتطمين السلطات الصينية بشأن تنفيذ FSD في البلاد، بما في ذلك إنشاء مركز بيانات في شنغهاي لمعالجة بيانات المستهلكين الصينيين وفقا للقوانين المحلية.
وسيسمح تنفيذ نظام القيادة الذاتية بالكامل (FSD) في الصين لشركة تسلا بالمنافسة مع الشركات المحلية في أكبر سوق للسيارات في العالم.
وعن حجم مبيعات تسلا داخل الصين، قال موقع "بي بي سي" إن الشركة باعت "أكثر من 1.7 مليون سيارة في الصين منذ دخولها السوق قبل عقد، ومصنعها في شنغهاي هو أكبر مصنع للسيارات في العالم".
ويرى الموقع أن "الصين أساسية في إستراتيجية تسلا لمواجهة مشاكلها المالية". فقد انخفضت تسليمات مركبات الشركة في الربع الأول للمرة الأولى منذ ما يقرب من أربع سنوات.
كما أعلنت الشركة عن فصل أكثر من 10 بالمئة من قوتها العاملة العالمية، وخفضت أسعار المركبات في الأسواق الرئيسة، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين وأوروبا.
وبحسب تقرير "بي بي سي"، فإن الصين كان لها دور في ارتفاع مبيعات تسلا في الآونة الأخيرة.
وتابع: “فخلال العقد الماضي، اعتمدت الحكومة الصينية معيارا مستوحى من قانون ولاية كاليفورنيا لتشجيع بيع المركبات الخالية من انبعاثات الغازات الضارة بالبيئة”.
وتهدف هذه التغييرات إلى تحسين البيئة في مواجهة المخاوف من التلوث البيئي في المدن الصينية.
وقد دفعت هذه التغييرات تسلا إلى بناء مصنعها في شنغهاي، الذي يعد اليوم أكبر مصدر للتصدير للشركة في العالم.
وبالرغم من ذلك، فإن الصين قد تشكل خطرا على صناعات تسلا المستقبلية، وفق هيئة الإذاعة البريطانية.
ففي ختام التقرير، نقل موقع "بي بي سي" عن محللين رأيهم بأن "الصين قد تكون سببا في انخفاض مبيعات تسلا في المستقبل".
وتابع: "ساهم وصول تسلا إلى الصين في تطوير شبكة من مصنعي السيارات الكهربائية المحليين الذين يهددون اليوم هيمنة الشركة الأميركية عبر عمليات إنتاج أرخص واستثمارات ضخمة في تكنولوجيا جديدة".