المؤبد لـ43 إماراتيا بتهمة “الإصلاح”.. لماذا يكره ابن زايد "الإخوان المسلمين"؟

داود علي | 4 months ago

12

طباعة

مشاركة

مازال الرئيس الإماراتي محمد بن زايد يتفنن في اضطهاد مجموعة من أبناء شعبه، جريمتهم الوحيدة المطالبة بالإصلاح ومستقبل أفضل. 

ففي 10 يوليو/ تموز 2024، بدأت أبوظبي فصلا جديدا في كتاب استهداف نظامها الحاكم لجماعة الإخوان المسلمين.

ومن أصل 84 مواطنا إماراتيا يقضون أحكاما متنوعة بالسجن وفق أحكام سابقة على خلفية موقفهم المعارض سياسيا، قضت محكمة أبوظبي الاتحادية، حكما بالسجن المؤبد بحق 43 شخصا منهم.

فما قصة هؤلاء المعارضين؟ ولماذا يعيد نظام ابن زايد استهداف السجناء السياسيين؟ وما جذور الأزمة التي تحرك حكام الإمارات الحاليين للانتقام من المعارضين؟

"العدالة والكرامة" 

عن هذه المحاكمات الأخيرة، ذكرت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية (وام) في 10 يوليو، أن المدانين هم أعضاء في لجنة “العدالة والكرامة”. 

وزعمت الوكالة أن اللجنة إنما هي “تنظيم محلي تابع لجماعة الإخوان المسلمين، التي هي من أقدم الحركات الإسلامية وأكثرها نفوذا في العالم العربي والإسلامي”.

ونقلت عن المحكمة قولها إن "المدانين عملوا على صنع واستنساخ أحداث عنف متشابهة ومتكررة في الدولة لما حدث بدول عربية (ثورات الربيع العربي) من مظاهرات والاصطدام بين الأمن وجموع المتظاهرين وسقوط الضحايا من القتلى و المصابين في الميادين والشوارع وتخريب المنشآت". 

وبينما لم تدل الوكالة بتفاصيل أكثر عن هوياتهم وتهمهم، كشف موقع الحرة الأميركي، نقلا عن حقوقيين تابعوا الجلسات أنها "عقدت في أجواء من الرعب". 

فيما شددت منظمة هيومن رايتس ووتش، على أن الإدانات الصادرة جاءت بعد محاكمة جماعية غير منصفة على الإطلاق، ودعت لإسقاط الأحكام فورا.

وقالت الباحثة في شؤون الإمارات لدى هيومن رايتس ووتش، جوي شيا، في بيان إن "هذه الأحكام الطويلة المبالغ فيها تهزأ بمفهوم العدالة وتدق مسمارا آخر في نعش المجتمع المدني الناشئ في البلاد".

وفي تصريح لإذاعة "مونت كارلو" الفرنسية الدولية، قال خالد إبراهيم مدير مركز الخليج لحقوق الإنسان، إن "المحاكمة ليست جديدة، لقد سبق أن واجهوا نفس التهم، بالانتماء إلى منظمة إرهابية".

وأضاف: "الجديد في هذه المحاكمة أن وجهت لهم تهمة تأسيس وإدارة منظمة إرهابية أخرى تعرف باسم هيئة العدل والكرامة".

واستطرد: "لكني يجب أن أوضح أن هؤلاء جميعا يقبعون في السجن، وبعضهم أكمل محكوميته، بعد أن تمت محاكمتهم في سنة 2012 على نفس التهمة".

وشدد إبراهيم على أنها "محاكمة مزدوجة افتقدت أبسط المعايير الدولية، وشابتها انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان".

وأوضح أن "التهمة الوحيدة التي نعرف أنها وراء كل هذا الاستهداف، أنهم جميعا قد وقعوا بيانا يسمى بيان الإصلاح صدر عام 2011، هذا البيان كل ما فيه يقول أعطوا لمجلس الشورى صلاحيات لكي يقرر ما يفيد المواطنين في شؤونهم اليومية".

واختتم مدير مركز الخليج لحقوق الإنسان بالقول: "لكن العقلية الحاكمة في الإمارات ترفض وتصادر الرأي الآخر، ولا تريد معارضة من أي نوع". 

أصل القصة

وبدأت قصة الصدام بين الإصلاحيين والنظام الإماراتي في مارس/ آذار 2011، عندما وقع 133 شخصا من المثقفين، من بينهم أعضاء في جمعية الإصلاح (تعدها الحكومة الإماراتية ممثل الإخوان المسلمين في البلاد)، عريضة موجهة إلى الرئيس (آنذاك) الشيخ "خليفة بن زايد" والمجلس الأعلى للاتحاد.

جدير بالذكر أن هناك 4 منظمات مهنية وقعت على العريضة هي جمعيات "الفقهاء والمعلمين والعاملين بالتراث وأعضاء هيئة التدريس الجامعيين"، وهذه الجمعيات جميعا كانت معروفة بعلاقاتها مع الإخوان المسلمين. 

ولكن لا يغفل أن الذي أثار قلق حكومة الإمارات، أن هذه كانت المرة الأولى التي تتحد فيها المعارضة الليبرالية والإسلامية في مثل هذا التعهد السياسي العام.

تبعت العريضة حملة حكومية كانت الأعنف على المعارضة السياسية في تاريخ دولة الإمارات.

بينما كان الدافع المباشر للعريضة هو اقتراح تقديم تشريع يوسع من سلطات المجلس الوطني الاتحادي ويحسن من طريقة انتخابه. 

وقتها شنت السلطات الإماراتية في يوليو 2012، حملة اعتقالات ضد شخصيات أكاديمية وعامة، وناشطين في المجتمع المدني، واحتجزتهم في أماكن سرية لأكثر من 8 أشهر.

بعدها أعلن النائب العام (آنذاك) علي سالم الطنيجي، أن البلاد تحت تهديد أمني من هذه المجموعة التي تربطها علاقات مع منظمات أجنبية وتحمل أجندات خارجية.

وتم اتهامهم بارتكاب جرائم ضد أمن الدولة ومخالفة للنظام الحاكم، دون تقديم دليل واضح لهذه الاتهامات.

وفي مطلع مارس 2013، أحيل المعتقلون إلى المحكمة الاتحادية العليا، واتهموا بالتخطيط للانقلاب على الأسرة الحاكمة.

ثم صدرت أحكام جماعية بسجن 69 متهما، لفترات تراوحت بين 7 سنوات و15 سنة، وكان من بين المحكومين 8 إماراتيين صدر ضدهم الحكم غيابيا.

عدو الإسلاميين 

ولا يمكن فصل الأحكام السابقة والأخيرة من موقف محمد بن زايد إزاء الإخوان المسلمين خصوصا والإسلاميين عموما، حيث يعد أشد أعدائهم وألد خصومهم.

وهو ما ذكرته مجلة "فورين آفيرز" الأميركية في 15 فبراير/ شباط 2016، عندما قالت: "تعد الحملة القاسية لحكومة دولة الإمارات ضد الإخوان الإماراتيين أمرا محيرا، حيث لا يبدو أن الجماعة تشكل تهديدا سياسيا كبيرا فضلا عن كونها تمثل خطرا وجوديا".

وأضافت: "بفحص الوثائق الداخلية يكشف عن أن جمعية الإصلاح لم تكن تمتلك إلا تطلعات سياسية محدودة تتركز في تعزيز المشاركة الشعبية في الحكومة". 

وعلقت على ذلك: "يبدو أن ولي عهد أبوظبي الشيخ (آنذاك) محمد بن زايد آل نهيان، على قناعة بأن الإخوان تشكل تهديدا سياسيا كبيرا له ولحكام البلاد".

واستشهدت المجلة الأميركية بما حدث عام 2004، عندما أكدت ورقة دبلوماسية لوزارة الخارجية الأميركية، أن الإمارات حصرت 700 من أعضاء جماعة الإخوان، وادعت أن مديرية أمن الدولة حصرت ما بين 50-60 شخصا من أعضاء جماعة الإخوان الإماراتيين ضمن صفوف الجيش. 

وأوردت أن محمد بن زايد قدر في وقت سابق أن 50-80 بالمئة من أعضاء القوات المسلحة الإماراتية البالغ عددهم 60 ألفا يمكن أن يستجيبوا بسهولة إلى دعوة مقدسة يطلقها رجل دين من مكة المكرمة، وذهب إلى القول إنه قد يرجم من قبل مواطنيه إذا قرر مناقشة بعض الأمور بشكل أكثر انفتاحا.

إخوان الإمارات 

وفي 13 فبراير 2020، كتب الباحث الأميركي "جوناثان فنتون هارفي" مقالة لمجلة "إنسايد أرابيا" الإماراتية متحدثا عن انعدام ثقة ابن زايد في الإخوان وقناعته بهيمنتهم في قطاعات مهمة من الحياة السياسية في دولته.

 وقال الباحث الأميركي إن "الحكومة المركزية ومقرها أبوظبي، استخدمت عريضة الإصلاح كذريعة لزيادة قبضة الأمن، ومن خلالها عمدت إلى تعزيز سيطرتها في جميع أنحاء البلاد".

وأضاف: "تم حل جمعية الإصلاح وصنفت على أنها مجموعة إرهابية، وتواصل المنظمة، في المقام الأول من الخارج، نشاطها عبر موقعها الإلكتروني في المطالبة بالإفراج عن أعضائها المعتقلين ومحاكمة المسؤولين الحكوميين المتورطين في تعذيب المعتقلين من أجل انتزاع اعترافات كاذبة منهم". 

وأكمل: "أما المتعاطفون مع الإخوان داخل الإمارات فقد صاروا بدورهم أكثر حذرا وهدوءا وليس هناك أي دليل على تأثيرهم على السياسة".

ثم عقب: "رغم ذلك لا تزال الحكومة تتصرف بعصبية بعد أن رأت جاذبية أيديولوجية الإخوان المسلمين وقدرة أعضائها على التأثير على الوزارات الحكومية".

ومضى جوناثان يقول إنه "على الرغم من توقف العمل تنظيميا، يحتفظ الإخوان الإماراتيون بتلك الهيمنة الإيديولوجية على قطاعات من السكان، إلا أنه من غير المؤكد مدى ضخامة هذه الهيمنة".

وفي محاولتها لمحاصرة ذلك، وفق الباحث، فإن حكومة ابن زايد تقوم بتعزيز القبضة الأمنية، وتزيد من القومية العلمانية، حتى إنها تحد من طول اللحى لدى أفراد القوات المسلحة" 

وختم بالقول: "وفوق ذلك يعمل محمد بن زايد على سحق الإخوان المسلمين في كل مكان".