شرق القدس.. معركة جديدة في وجه حكومة نتنياهو ومستوطنيه
حماس: المخططات الإسرائيلية تأتي في إطار الحرب الشاملة على الشعب الفلسطيني
بعدما أدى دونالد ترامب، اليمين رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، في 19 يناير/ كانون الثاني 2025، تتفاقم حالة القلق المتعلقة بملفات حساسة على طاولة القضية الفلسطينية وتطوراتها، منها وضع مدينة القدس المحتلة.
إذ تفتح عودة ترامب إلى السلطة شهية اليمين الصهيوني المتطرف لالتهام ما تبقى من القدس بعد أن اعترف الرئيس الأميركي في ولايته الأولى بها عاصمة مزعومة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها.
ولطالما شهدت القدس صراعا طويلا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، الذين لا يملون من محاولة توسيع البؤر الاستيطانية، وإحلال المستوطنين مكان السكان الأصليين، وتغيير البقية الباقية من وجه المدينة العربي.
آخر المحاولات والمخططات التي كشفت، ما أوردته صحيفة "هآرتس" العبرية في 23 يناير 2025، بأن حكومة الاحتلال، بدأت في بحث ثلاث خطط لإقامة آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة في شرق القدس المحتلة.
فما طبيعة هذه الخطط؟ وكيف سيتم تنفيذها؟ وما هي منطقة شرق القدس وأهميتها الجغرافية والتاريخية في إطار الصراع العربي الإسرائيلي؟
بؤر استيطانية
الصحيفة العبرية ذكرت أن حكومة إسرائيل، وضعت عبر لجنة "التخطيط والبناء اللوائية" مخططات لبناء سلسلة من البؤر الاستيطانية في شرق القدس.
وشملت الخطة الأولية إقامة مدرسة دينية لطائفة الحريديم في حي الشيخ جراح شرق القدس، وهي تيار يهودي أرثوذكسي متشدد، تعود أصوله إلى هنغاريا بأوروبا الشرقية.
وأوردت "هآرتس" أن خطة الاستيطان الجديدة تشمل بناء 9 آلاف وحدة سكنية في منطقة "عطروت" عند جدار الفصل، وقرب قرية كفر عقب الفلسطينية، التي يعيش بها 10 آلاف فلسطيني.
وعطروت هي موقع مطار "القدس الدولي في قلنديا"، الذي تأسس عام 1920 وأغلقته سلطات الاحتلال نهائيا، بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت عام 2000.
كذلك تضع المخططات إقامة حي يضم 1100 وحدة سكنية للمستوطنين قرب قرية شرفات الفلسطينية جنوبي شرق القدس، التي أحرق المستوطنون مسجدها في 24 يناير 2020.
وقد كتبوا شعارات عنصرية ضد العرب والمسلمين على جدران المسجد احتجاجا على إخلاء بؤرة كومي أوري الاستيطانية قرب مستوطنة يتسهار شمال الضفة الغربية.
وشرفات جرى احتلالها عام 1967، وتبعد عن مدينة القدس بحوالي 5 كيلو مترات، ويمر خط الهدنة العربي الإسرائيلي "حدود عام 1948"، على بعد 300 متر فقط من القرية.
وشهدت تلك القرية مجزرة ارتكبها الجيش الإسرائيلي عام 1951، ووقعت في بيت عائلة مشعل بـ "شرفات"، وقد أودت بحياة 11 فلسطينيا، معظمهم من النساء والأطفال.
واحتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي الضفة الغربية، بما فيها شرق القدس عام 1967، بعد يومين فقط من نكسة الخامس من يونيو/حزيران التي هزمت فيها الجيوش العربية.
هدف المخطط
وكشفت وكالة "الأناضول" التركية نقلا عن خبراء فلسطينيين أن الهدف من إقامة هذه المستوطنات، يكمن في عزل شرق القدس تماما من ناحيتها الشمالية، أي بقية أراضي الضفة الغربية المحتلة.
وأضافوا أن مستوطنة "جفعات شكيد"، ومعها مستوطنات "غيلو" و"هار حوماه" و"جفعات هماتوس" جنوب شرقي القدس تهدف إلى عزل المدينة عن جنوب الضفة.
فيما تتمسك السلطة الفلسطينية بشرق القدس عاصمة للدولة المنشودة، استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية التي لا تعترف باحتلال إسرائيل للمدينة عام 1967 ولا بضمها إليها في عام 1981.
وفي 23 يناير 2025، بعد وقت قليل من الكشف عن المخطط الإسرائيلي، أصدرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بيانا قالت فيه إن "بناء وحدات استيطانية بالقدس يأتي في إطار الحرب الشاملة على الشعب الفلسطيني".
وذكرت أن "إعلان سلطات الاحتلال الصهيوني مخططات لبناء مزيد من البؤر والوحدات الاستيطانية في القدس المحتلة تتضمن بناء مدرسة دينية للمتطرفين الصهاينة في حي الشيخ جراح، هو انتهاك جديد في إطار الحرب الشاملة التي تشنها حكومة مجرم الحرب بنيامين نتنياهو على شعبنا".
وتابعت: "تلك المخططات تهدف إلى تثبيت وقائع جديدة على الأرض، في محاولة لفرض سيادتها المزعومة على الضفة المحتلة والقدس".
وأطلقت الحركة تحذيرها في البيان من تداعيات هذه الخطوات الخطيرة، ودعت “إلى توحيد الصف الفلسطيني لمواجهة هذا التغول الصهيوني على أرضنا وحقوقنا، والانخراط في برنامج وطني شامل لمواجهة المخططات الاستيطانية الخبيثة”.
وتغطي شرق القدس اليوم، مساحة تصل 70 كيلو متر مربع. وبحسب تقرير "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية"، للعام 2023، فإنه يقيم فيها 320 ألف مواطن فلسطيني.
فيما يستوطنها 212 ألف مستوطن إسرائيلي، يقيمون في المستوطنات التي أقيمت وتوسعت منذ عام 1967، على نحو يخالف القانون الدولي.
كما تحظر سلطات الاحتلال الإسرائيلي، على 4.5 ملايين فلسطيني، الإقامة في شرق القدس.
وليس بوسع هؤلاء دخول المدينة دون الحصول على تصاريح إسرائيلية، معقدة الإجراءات.
محاولات مستمرة
وصعدت السلطات الإسرائيلية ممارستها القمعية ضد الفلسطينيين بشرق القدس، منذ يناير 2024، عندما هدمت عشرات المنازل والمنشآت هناك.
وأعلنت مؤسسات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية ودولية أن حكومة نتنياهو (اليمينية المتطرفة) تتعمد تقييد منح رخص البناء للفلسطينيين في شرق القدس في محاولة للحد من عدد السكان الفلسطينيين.
وفي 16 ديسمبر/ كانون الأول 2024، هدمت سلطات الاحتلال، 9 شقق سكنية وموقفا للمركبات ومخزن في حي البستان ببلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى، بداعي "البناء غير المرخص".
كما داهمت الجرافات الإسرائيلية ترافقها قوات من الشرطة، حي البستان قبل الشروع في تنفيذ عملية الهدم.
حينها جرى هدم 5 شقق سكنية مملوكة لعائلة شافع و2 لعائلة أبو ذياب وواحدة لعائلة جلاجل وأخرى لعائلة بشير.
وكان نحو 31 فلسطينيا، بينهم أطفال، يعيشون في هذه الشقق السكنية قبل هدمها. ويضم حي البستان 116 منزلا فلسطينيا يعيش فيها 1550 فلسطينيا.
حظر الأونروا
ومن الخطوات التي تستعد دولة الاحتلال لإنفاذها، دخول الحظر الوشيك لعمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” حيز التنفيذ، وإيقاف خدماتها الأساسية في الأراضي المحتلة.
وبحسب ما ذكرته صحيفة "هآرتس" العبرية في 22 يناير 2025، فإن تلك الخطوة تهدد استمرارية الأونروا، وتمهد لضم شرق القدس.
وكشفت أنه “من المقرر أن يدخل مشروع قانون حظر الأونروا حيز التنفيذ بعد أقل من أسبوعين (30 يناير)”.
وهو ما سيجعل أنشطة الأونروا في الأراضي المحتلة التي تسيطر عليها إسرائيل، بما في ذلك غزة والضفة الغربية وشرق القدس غير قانوني".
وبحسب تقرير الصحيفة الإسرائيلية، تخطط تل أبيب لتحل محل الأونروا في القطاعين الصحي والتعليمي والاستيلاء على 10 مدارس تابعة للوكالة ومركز تدريب مهني و3 مراكز صحية تخدم 63 ألفا و500 لاجئ في شرق القدس.
وبينت أن الأونروا تشرف حاليا على تعليم 370 ألف طالب فلسطيني، وقد يجرى نقل هؤلاء الأطفال إلى مدارس إسرائيلية بعد الحظر.
وعدت "هآرتس" تحويل الإشراف على المدارس والمراكز الصحية التابعة للأونروا في شرق القدس إلى السلطات إسرائيلية "ضما فعليا" للمنطقة، وذلك بهدف إبعادها عن أي حل تفاوضي وسلبها من أي شرعية دولية مستقبلا.
المصادر
- الحكومة الإسرائيلية تُخطط لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة في مدينة القدس المحتلة ومحيطها
- هآرتس: حظر الأونروا.. مخطط إسرائيلي لضم القدس الشرقية
- إسرائيل تهدم 9 شقق سكنية بحي البستان في القدس الشرقية
- القدس الشرقية: المخاوف الإنسانية الرئيسية
- 50 عاماً على احتلال القدس الشرقية: سياسات القضم والإبعاد والتهويد تتواصل