الأتراك يؤسسون حزبا جديدا في ألمانيا.. ما قيمة أصواتهم السياسية؟
سلطت صحيفة تركية الضوء على تأسيس الأتراك حزبا جديدا في ألمانيا يُدعى "التحالف الديمقراطي من أجل التنوع والنهضة" ويختصر بـ "الدعوة".
ويخطط الحزب للمشاركة في انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو/حزيران 2024. ولكنه يواجه انتقادات من مسؤولين ألمان متهمين إياه بمحاولة "تقسيم المجتمع" و"بناء عالم موازٍ".
ونفى مسؤولو الحزب هذه الاتهامات، مؤكدين أنه مستقل ولا يتلقى تمويلاً من الحكومة التركية، وفق ما تقول صحيفة ستار في مقال للكاتب التركي "يلماز بولوت".
يعد حزب "التحالف الديمقراطي من أجل التنوع والنهضة" أحد الأجندات المهمة لألمانيا. إذ يشهد ازديادًا في أهميته كقوة سياسية وجذبه لعدد متزايد من الناخبين.
وتكمن جاذبية الحزب أيضًا في تزامنه مع الانتخابات الأوروبية، حيث يجري توجيه اهتمام الجمهور نحو هذه الانتخابات والقضايا المتعلقة بها.
ويقول مؤسسو الحزب إن هدفهم هو "أن يكونوا الصوت القوي لأولئك الذين يتم رفضهم إلى حد كبير في القرارات، والذين لا يجري تمثيلهم سياسياً".
وعلق الكاتب: من الواضح أيضاً أنّ اختصار اسم الحزب بـ"الدعوة" ليس مصادفةً؛ ويبدو أنه عازم على أن يكون الناطق بلسان الجماهير المسلمة المحافظة.
لكنّ السيرة الذاتية لمؤسسيه، إلى جانب عوامل أخرى، سهلت على الصحافة الألمانية تصويره على أنه الذراع الطويلة لحزب العدالة والتنمية في تركيا.
ووفقاً لهم، فإن حزب "الدعوة" هو تشكيل محفز كإستراتيجية لكسب النفوذ في المجتمع التركي الألماني للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وفي ضوء هذه التطورات، سيكون من المناسب معالجة مشاكل التمثيل السياسي للكتلة المسلمة المحافظة في ألمانيا.
أحزاب مماثلة
وأردف الكاتب: شهدت ألمانيا محاولات سابقة من قبل الأتراك في ألمانيا لتأسيس حزب سياسي، وكان أحدها "مبادرة اتحاد الديمقراطيين الألمان" الذي اختار المسلمين الأتراك كجمهور مستهدف، لكنها لم تحقق النجاح المرجو.
وأشار إلى أنه على الرغم من أهمية تمثيل الجماهير ووجود أصوات متنوعة في الساحة، إلا أنه يعد من الصعب أن يكون للحزب رأي فعال في صنع السياسة.
فالمشكلة المشتركة بين الأحزاب التركية جميعاً هي أنهم لا يستطيعون تعبئة الناخبين والوصول إلى نسبة كافية من الأصوات.
وبعبارة أخرى، فإن الأحزاب ليست مبنية على وعي سياسي واضح لدى الناخبين.
وحقيقة أن الأحزاب تولد قبل أن يتشكل الوعي السياسي في المجتمع تقودها إلى البحث عن أساليب شعبوية لانتخاباتها.
واستدرك الكاتب: سيمنح دخول قانون الجنسية المزدوجة حيز التنفيذ في أبريل/نيسان 2024 الأشخاص الذين يحصلون على الجنسية الألمانية حق التصويت في الانتخابات. ولهذا فإن حق الحصول على الجنسية يجلب معه فرصة لممارسة السياسة.
ومع ذلك، فإن عدم قدرة الفئات المحافظة المسلمة على التأثير مباشرة في السياسة الألمانية وفقا لمطالبها يشكل فراغًا.
بالإضافة إلى ذلك، فإن حصول المحافظين الأتراك على كلمة في السياسة ليست مهمة سهلة.
إذ يجب بناء نظام يشمل الأتراك كجزء من المجتمع السياسي الألماني بالتعاون مع الألمان والأقليات الأخرى.
معضلات ومخاوف
واستدرك الكاتب: بدأت الأحزاب الألمانية في فتح أبوابها للأتراك والاستماع إلى مشاكلهم. ومع ذلك، لم تكن نسبة الانضمام للحزب من قبل الأتراك عالية، وظلت نسب المشاركة في الانتخابات منخفضة.
وأضاف: يواجه الأتراك الناشطون في السياسة صعوبة في إيجاد جمهور واسع يمثلهم بشكل صحيح.
فعادة ما يتم انتخاب الأتراك بفضل الدعم الخاص من إدارات الأحزاب الألمانية، وعندما يجري اختيارهم فإن الأحزاب المتمرسة عادة ما تختار النوع السياسي الذي يفضلونه ويدعمونه.
وبالتالي، يجد الأتراك أنفسهم مضطرين لتشكيل سياساتهم وفقا لتوقعات الجماهير الألمانية وإدارات الأحزاب التي اختارتهم، بدلاً من التمثيل المباشر لمصالحهم الخاصة.
وبدلاً من التركيز على تعزيز المشاركة السياسية المتساوية والتنوع الثقافي، يجد الأتراك أنفسهم مضطرين لإبراز اختلافهم عن المحافظين المسلمين وعدم قربهم من تركيا.
كما يضطرون للتأكيد على هذه الاختلافات لكسب دعم الجماهير والأحزاب. وتابع الكاتب: في ألمانيا يُنظَرُ إلى الأتراك المسلمين على أنهم كتلة تجلب المشاكل.
فوفقا لاستطلاعات الرأي فإنّ الأتراك لا يعدون مواطنين متساوين من قبل الألمان، حيث يتم إشعال فتيل العنصرية ضد المسلمين وتركيا كل فترة.
بالإضافة إلى أن ابتعاد الألمان عن الجماهير المسلمة المحافظة آخذ في الازدياد، وتضعف رغبتهم في التعاطف تجاههم.
ونتيجة لذلك، يعد الألمان التأثير المباشر للمسلمين على السياسة دون الخضوع لتغيير اجتماعي مصدرَ قلق وخوف.
بعبارة أخرى، هناك علاقة مباشرة بين نسبة زيادة قوة المسلمين وصعود العنصرية واليمين المتطرف.
شعور بالإقصاء
وأردف الكاتب: يشعر معظم الأتراك في ألمانيا بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وحتى الأجيال الجديدة تشعر بعدم القدرة على التماشي مع الألمان مهما فعلوا. ويرى الأتراك أنهم لا يتلقون معاملة متساوية معهم.
ولهذا، تعتقد الجماعات المحافظة أن السياسيين الأتراك الذين يجري ترشيحهم من قبل الأحزاب الألمانية لا يمثلونهم. وفي النهاية يبقى الشعور بالتمثيل السياسي بلا قيمة.
وتابع: إن الحركات اليمينية المتطرفة والعنصرية آخذة في الازدياد. وترى هذه الجماهير أن المسلمين الذين يعيشون في أوروبا يشكلون تهديدا مباشرا للبلاد.
ونتيجة لذلك يرغب المسلمون الأتراك في ألمانيا في التخلص من مشكلة التمييز والإقصاء، ويعد هذا المطلب مشروعا ديمقراطيا مبررا.
ولتحقيق ذلك، يجب بناء مساحات اجتماعية مشتركة مع الألمان والأقليات الأخرى في إطار عادل ومتساوٍ، وفق تقدير الكاتب التركي.
ونظرًا للسياق السياسي والاجتماعي في ألمانيا، فإن تحقيق هذا المطلب سيستغرق وقتًا طويلاً.
ولكن يمكن تحقيق المشاركة والتعبير عن الرأي من خلال الصبر والبناء.
وأشار إلى أنه من المهم عدم المشاركة السياسية بطريقة أنانية ومتسرعة وغير بناءة، حتى لا يتعرقل الانفتاح في ألمانيا ويؤدي إلى تعزيز العنصرية القومية.
لذا، يجب على المسلمين أن يتجنبوا المشاركة السياسية غير البناءة و المتسرعة، وأن يتعاملوا بحذر وتصميم لتحقيق أهدافهم بشكل فعال ومستدام، وفق تقديره.