بينما تتآمر الإمارات على السودان.. لماذا تواصل الجامعة العربية الصمت؟

"إننا كنا نتندر على الجامعة العربية كثيرا ونطلق عليها لفظ (الهمبول)"
لم يكن السودان عضوا عاديا بالجامعة العربية، بل كان مشاركا مهما وفاعلا في جميع أعمالها منذ عام 1956.
فلا ينسى مؤتمر الخرطوم الشهير في 29 أغسطس/ آب 1967 بعد هزيمة 5 يونيو/ حزيران 1967، وهو المؤتمر المعروف تاريخيا بـ "اللاءات الثلاث: لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض" مع إسرائيل.
ويمر السودان اليوم بواحدة من أكثر التحديات عبر تاريخه، حيث يشهد حربا أهلية طاحنة بين الجيش وقوات الدعم السريع المتمردة، راح ضحيتها آلاف القتلى، وملايين المشردين، بينما يواجه نحو 20 مليون إنسان خطر المجاعة.
وهو ما دفع بتساؤلات عن دور الجامعة العربية، وماذا يجب عليها فعله للحد من الحرب وآثارها؟ ولماذا عجزت المؤسسة الجامعة للعرب عن انتشال السودان من أزمته غير المسبوقة؟
قمة البحرين
في 16 مايو/ أيار 2024، اختتمت أعمال مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في دورته العادية رقم 33، والتي ارتكزت على الحرب في غزة والصراع في السودان والأوضاع في سوريا وليبيا والصومال ولبنان.
واكتفى البيان الختامي لقمة العرب بحض الحكومة السودانية وقوات الدعم السريع على "الانخراط الجاد والفعال مع مبادرات تسوية الأزمة" من أجل "إنهاء الصراع الدائر واستعادة الأمن والاستقرار".
مفوض الدولة السودانية في القمة، وزير الخارجية حسين عوض علي محمد، أفاض خلال كلمته في الحديث عما وصل إليه السودان من حال متدهور.
وقال: "الحرب التي تسببت فيها مليشيا الدعم السريع أفرزت آثارا مدمرة على البلاد والإقليم".
واتهم وزير الخارجية السوداني، الدعم السريع بأنهم يعملون ضمن أجندة ملتوية، لتنفيذ مخططات دول إقليمية.
وطالب محمد الدول التي وصفها بأنها "تدعم المليشيا المتمردة" بالكف عن إمدادها بالدعم السخي بشتى أنواعه الذي من دونه "ما استطاعت المليشيا الإرهابية من الاستمرار في تمردها".
يذكر أنه في 27 أبريل/ نيسان 2024، تقدم السودان بطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي لبحث "عدوان الإمارات على الشعب السوداني"، ومساندتها لقوات الدعم السريع في الحرب التي تخوضها مع الجيش.
وتنص المادة (5) من ميثاق جامعة الدولة العربية أنه إذا نشب خلاف يتعلق باستقلال الدولة أو سيادتها أو سلامة أراضيها، وتم اللجوء إلى مجلس الجامعة لفض هذا الخلاف، كان قراره عندئذ نافذا وملزما.
فيما تنص المادة (2) من بروتوكول مجلس الجامعة العربية، أن المجلس يهتم بمراعاة تنفيذ ما تبرمه الدول الأعضاء فيما بينها من اتفاقيات.
وكذلك عقد اجتماعات دورية لتوثيق الصلات بينها، والتنسيق بين خططها السياسية، تحقيقا للتعاون فيما بينها.
وكذلك صيانة استقلال الدول الأعضاء، وسيادتها من كل اعتداء بالوسائل الممكنة، والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية.
ورغم تلك المواثيق لم تتخذ الجامعة خطوات حاسمة لإنقاذ السودان، وجاءت تصريحات قادتها على غير المرجو.

كيان مشلول
وفي 13 مارس/ آذار 2024، ذكر موقع “بلومبيرغ الشرق”، أن الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط يرى أنه من المهم الاستماع في هذه المرحلة للأطراف السودانية كافة، والشخصيات كافة التي تملك رؤية للواقع الحالي، ولكيفية وقف إطلاق النار وإنهاء الأزمة الحالية.
وأضاف الأمين العام في تصريحه هناك إمكانية ومساحة للجامعة، بثقلها السياسي والمعنوي وتأثيرها وإجماع الأطراف على دورها وحيادها، بأن تتدخل في مثل هذه الأزمات.
وأكد أن الأزمة السودانية تحتل أولوية كبيرة بالنظر إلى فداحة آثارها من الناحية الإنسانية ومن ناحية تدفقات اللاجئين ومعاناة الشعب السوداني، وأيضا على مستقبل الدولة السودانية.
حديث أبو الغيط جعل الجامعة في موقع يبدو وكأنه محايد في ظل أزمة كارثية، وهو ما يذكر بتقرير أصدرته مجلة "إيكونوميست" البريطانية، في مايو/ أيار 2016، عن جامعة الدول العربية.
وقال الموقع: "يبدو أن هذا الكيان ينجرف بشكل أعمق، وأكثر من أي وقت مضى، إلى حالة من الضياع وفقدان الأهمية والمعنى، وأصبح مفهومها للتجديد أن يُستبدل أمينها العام الثمانيني بعجوز سبعيني، في تغيير فارغ بلا قيمة"، وتقصد بذلك وزير الخارجية المصري السابق أحمد أبو الغيط، الذي أصبح أمينا عاما للجامعة.
وأضاف أن: "الجامعة العربية ليست وحدها في صراع مع نهاية عصر الأبطال وتآكل الأيديولوجية الجامعة بعد تنامي المد الوطني، ولكن على عكس الاتحاد الأوروبي، فقد فشلت في إيجاد آلية لإدارة الخلافات، وهي مشلولة أيضا بسبب الخلافات الطائفية والإقليمية"

مسارات عكسية
ومع ذلك فإن جزءا من تعطيل دور الجامعة، هو دور القوى الإقليمية المتباين في السودان، خاصة أن تأثير اللاعبين الخارجيين وصل إلى مرحلة يتترس كل طرف فيها حول موقفه، وجزءا من القوى المختلفة أعضاء أقوياء ومؤثرون في الجامعة، وصعب الانحياز لأي طرف فيهم، ولو على حساب أمن السودان وشعبه.
فهناك مصر أهم داعم للجيش السوداني والتي تشترك في حدود طويلة مع السودان، ويعد الجار الجنوبي جزءا أصيلا من أمنها القومي.
كما طرق قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، باب إيران أخيرا، ورغم أن إيران ليست عضوة في الجامعة العربية. لكنها أسهمت في تحولات متعددة في دائرة الصراع، خاصة على المستوى العسكري، عندما أمدته بالمسيرات التي حسم من خلالها كثير من المعارك تحديدا في "أم درمان".
على الجانب الآخر تعد الإمارات هي الداعم الأكبر والأهم لحميدتي، قائد مليشيا الدعم السريع، ووصل الأمر في ديسمبر 2023، أن طلب السودان من 15 دبلوماسيا إماراتيا مغادرة البلاد بعدما اتهم قائد بارز في الجيش أبوظبي بمساندة قوات الدعم السريع.
وتزامن ذلك مع خروج تظاهرات في مدينة بورتسودان (شرق) تطالب بطرد السفير الإماراتي.
وفي أغسطس 2023، قالت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، نقلا عن مسؤولين أوغنديين، إنه تم العثور على أسلحة في طائرة شحن إماراتية كان يفترض أن تنقل مساعدات إنسانية للاجئين سودانيين في تشاد، لكنه كانت غطاء لمد الدعم السريع بالسلاح، الذي يقتل به الجيش والمدنيين في آن واحد.
وفي جميع تلك المشاهد الصعبة كانت جامعة الدول العربية غائبة بقراراتها أو مواقفها لإيقاف نزيف الدم في السودان.

الهمبول
وتعليقا على المشهد، قال السياسي السوداني الدكتور عمر الخضر: "إننا كنا نتندر على الجامعة العربية كثيرا ونطلق عليها لفظ (الهمبول) أي خيال المآتة (كلمة شعبية مدلولاتها أنها مؤسسة بلا أهمية أو فاعلية)، وذلك لأدوارها المخزية في جميع محافل العرب وليس السودان وحده".
وأضاف الخضر، وهو عضو حزب المؤتمر الوطني سابقا": "فلننظر إلى حرب الخليج الأولى والثانية وما فعل بالعراق، ولننظر إلى القضية الفلسطينية على مدار تاريخها ماذا قدمت جامعة الدول العربية؟".
وتابع: "السودان نفسه مر بمراحل قاسية مختلفة بدءا بالحرب بانقسام الجنوب والقصف الأميركي وحرب دارفور وصولا إلى الحرب الأهلية الحالية التي تهدد الدولة نفسها بالضياع، فماذا فعل العرب؟ غير المؤامرات واللعب على المصالح الضيقة للأنظمة سواء في أبوظبي أو القاهرة أو الرياض".
وأضاف السياسي السوداني: "أن كل كيان مرهون بفاعليته وسبب وجوده، فمثلا قديما كانت توجد عصبة الأمم (أسست عام 1919) التي دشنت عقب الحرب العالمية الأولى، بغرض منع حرب مدمرة كالتي وقعت، لكن عندما فشلت واندلعت الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) تم حل المنظمة وقامت على أنقاضها الأمم المتحدة".
واستطرد: "لم أعد أتعجب ونحن نرى حال السودان وما وصل إليه، مطالبة بعض السياسيين السودانيين المخضرمين مثل مصدق الصاوي (كاتب يساري سوداني) بخروج السودان من جامعة الدول العربية، اعتقادا منه أن وجود السودان، وسط تلك المجموعة أسهم فيما وصل إليه من سقوط وفشل".
وعلق: "خاصة أن هناك عواصم عربية مثل أبوظبي، تآمرت على الخرطوم، وساعدت في وصول الصراع إلى تلك الحالة، فعندما يتم دعم مليشيات بالعتاد والأموال والرجال والدعم الاستخباراتي واللوجيستي، فأنت تشعل حربا وقودها أهل السودان وشعبه".
واختتم: "كل هذا كان يتم على مرأى ومسمع من الجامعة العربية التي كالعادة اكتفت بالمشاهدة وبيانات الشجب والتوصية التي لم تقدم أو تؤخر شيئا".
المصادر
- الجامعة العربية: أزمة السودان أولوية.. ومستعدون لاستضافة حوار يضم الفرقاء
- 16 مايو/ أيار 2024القمة العربية 2024: مندوب السودان يتهم الدعم السريع "بالإرهاب" ويشدد على ضرورة وقف إطلاق النار في غزة
- بعد رسالة أبوظبي.. السودان يتوجه إلى مجلس الأمن بسبب "عدوان الإمارات"
- القمة العربية.. توافقات سياسية على أولوية وقف حرب غزة وإنهاء نزاع السودان
- جامعة الدول العربية: لمحة تاريخية