العدوان على غزة.. كيف تحول إلى "الصراع" الأكثر دموية للصحفيين؟
بمعدل أكثر من شخص منهم كل يوم، قُتل 97 صحفيا في قطاع غزة حتى الآن منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وهو ما يجعل العدوان الحالي، الأكثر دموية في العالم الحديث بالنسبة لمهنة الصحافة، حيث تواصل قوات الاحتلال استهداف الصحفيين.
وبحسب موقع "فرانس 24"، فإن العديد من المنظمات غير الحكومية تدين استهداف الصحفيين عمدا وتطالب بمحاسبة جيش الاحتلال الإسرائيلي.
هجمات وانتهاكات
الاتحاد الدولي للصحفيين، الذي ظل يتتبع منذ أوائل التسعينيات أعداد الصحفيين الذين قُتلوا أثناء ممارسة مهمتهم، نشر تقريرا يحمل عدة استنتاجات خطيرة.
وكتب: "إن الحرب في غزة تسببت بالفعل في عدد كبير من القتلى بين الإعلاميين والصحفيين، وهو الأكبر من أي صراع آخر".
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، قتل 97 صحفيا حتى الآن، بالإضافة إلى ثلاثة لبنانيين قُتلوا على يد قوات الاحتلال على حدود لبنان.
وإشارة إلى وجود انتهاكات أخرى، أفادت لجنة حماية الصحفيين أيضا بإصابة واعتقال عدد آخر من الصحفيين.
كما أنها لفتت إلى العديد من التهديدات والهجمات الإلكترونية والاعتداءات على عائلات الصحفيين.
ومنعا لأي تشكيك أو نفي، يلفت الموقع إلى أن العديد من الشهادات ومقاطع الفيديو توثق هذه البيانات.
وآخرها، كما يوضح الموقع، المقطع الذي نُشر في 15 ديسمبر/كانون الأول 2023، والذي يظهر فيه صحفي من وكالة "أنباء الأناضول" الرسمية التركية يتعرض للضرب أثناء محاولته العمل في شرق القدس المحتلة.
ويظهر المشهد، الذي بثته قناة "سي إن إن ترك" على الهواء مباشرة، المصور الصحفي مصطفى الخاروف والمراسل المستقل فايز أبورميلة، وهما يتعرضان للاعتقال والضرب على أيدي عدد من أفراد قوات الاحتلال.
ويشير الموقع إلى أنه خلال هذا الهجوم المصور، هدد أحد أفراد قوات الاحتلال باعتقال الصحفيين، اللذين عرفا عن نفسيهما من خلال إبراز بطاقتيهما.
وفي المقابل، أدان المتحدث باسم المفوضية الأوروبية بيتر ستانو، في 16 ديسمبر، الهجوم على مصور الأناضول.
وتنديدا بالعنف الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي، يقول جوناثان داغر، رئيس مكتب الشرق الأوسط في مراسلون بلا حدود، إن "حقيقة أن ضباط الشرطة هؤلاء هاجموا الصحفيين بمثل هذه الوحشية أمام الكاميرات والشهود، يشي لنا بالكثير عن العنف المنهجي الذي ترتكبه القوات الإسرائيلية ضد" هذه الفئة.
هجمات متعمدة
وخلال ديسمبر، قتل مصور قناة الجزيرة القطرية سامر أبودقة في هجوم بطائرة بدون طيار إسرائيلية في جنوب قطاع غزة.
وبحسب "فرانس 24"، أُصيب المصور بجروح خطيرة، وبقي لساعات في مكان الغارة دون تطبيب، وذلك لأن قوات الاحتلال منعت سيارات الإسعاف من الوصول إلى هناك.
ومن جانبه، زعم الجيش الإسرائيلي أنه وافق على وصول سيارة إسعاف فلسطينية عبر طريق معين، لكنها اختارت سلوك طريق آخر كان مغلقا.
كما ادعى أيضا أنه "لم يستهدف الصحفيين عمدا أبدا"، زاعما أنه يتخذ "جميع الإجراءات الممكنة لحمايتهم ضمن المدنيين".
ولكن نقلا عن مراسل الجزيرة في غزة وائل الدحدوح، الذي أصيب في ذراعه في الغارة التي قتلت زميله، فإن "الاحتلال الإسرائيلي لا يريد الصحافة، ولذلك فهم يستهدفونهم عمدا".
وردا على ذلك، أعلنت قناة الجزيرة أنها تحمل "إسرائيل مسؤولية استهداف وقتل صحفيي الجزيرة وعائلاتهم بشكل ممنهج".
كما كتبت القناة على موقع "إكس" أنها "ستحيل جريمة قتل مصورها سامر أبودقة إلى المحكمة الجنائية الدولية".
وبالعودة إلى بداية العدوان، يذكر الموقع الفرنسي أن غارتين للجيش الإسرائيلي أسفرتا عن مقتل مراسل لـ "رويترز" في جنوب لبنان، في 13 أكتوبر.
كما أنها تسببت في إصابة ستة صحفيين آخرين من قناتي الجزيرة ووكالة "فرانس برس" في لبنان.
وفي إدانة منها لجيش الاحتلال، قالت "هيومن رايتس ووتش" إنها تحققت من سبع روايات مباشرة، بما في ذلك روايات ثلاثة صحفيين مصابين.
إضافة إلى أنها حللت 49 مقطع فيديو وعشرات الصور التي تشير إلى أن الصحفيين كانوا بعيدين عن الأعمال العدائية الجارية، مرتدين خوذات "الصحافة" وسترات واقية من الرصاص.
والأهم من كل ذلك، يوضح الموقع الفرنسي أن المنظمة غير الحكومية لم تجد أي دليل على وجود هدف عسكري بالقرب من موقع مجموعة الصحفيين.
دون عقاب
ولكن رغم هذا التقرير، لم ترد سلطات الاحتلال على هذه الاتهامات حتى الآن. ويشير الموقع إلى أن الإدانة للجيش الإسرائيلي لم تقتصر على استهدافه الصحفيين فحسب.
ففي أوائل ديسمبر، أدانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الهجوم المتعمد ضد المدنيين"، والذي تراه "موضوعا للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب".
من جهتها، تقدمت منظمة "مراسلون بلا حدود" بشكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية بشأن "جرائم الحرب المرتكبة ضد الصحفيين الفلسطينيين في غزة وفلسطين المحتلة".
ووفقا لها، فإن 90 بالمئة من الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين تمر "دون عقاب".
في مقال نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية في 14 ديسمبر، طلبت مجموعة من الصحفيين من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التوسط لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أجل "السماح للفلسطينيين العاملين منهم في الصحافة الفرنسية باستخدام معبر رفح الحدودي بين غزة ومصر".
كما دعا الفرع الفرنسي للاتحاد الدولي للصحفيين إلى تنظيم مظاهرات في 17 ديسمبر في باريس، وفق "فرانس 24".
وأعلن الاتحاد أنه "من الملح للغاية ضمان الحماية الفعالة لجميع الصحفيين في قطاع غزة، ولكن أيضا في الضفة الغربية وعلى الحدود مع إسرائيل".
وفي الموكب الذي انطلق من ساحة الجمهورية، يلفت الموقع إلى أن الصحفيين جاءوا لدعم زملائهم في غزة، بينما "تظاهر آخرون بشكل عام ضد الحرب بين إسرائيل وحماس".
ولكن بشكل عام، يؤكد الموقع الفرنسي أن "الجميع شعر بالقلق إزاء قضية الصحفيين الذين قُتلوا في هذا الصراع". وفي الختام، ينوه أنه "كثيرا ما يُستهدف الصحفيين عمدا من قبل الجيش الإسرائيلي".
وهذا يعني -في رأي الموقع- أنهم أشخاص مستهدفون كجزء من مهنتهم، وهو تجاوز للحدود يجب أن يُوضع له حد.
ونتيجة لهذه الانتهاكات غير المحدودة، أعرب عن قلقه إزاء الحق في حرية التعبير والعمل الصحفي، موضحا أن تلك الحرية لم تعد تُحترم على الإطلاق في هذا الصراع.