أحمد عوض بن مبارك.. خصم الحوثيين وحليف السعودية رئيسا لحكومة اليمن
تقلد وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك رئاسة الحكومة في اليمن المعترف بها دوليا، حيث يوصف الرجل المدعوم من السعودية بأنه مهندس الحوار اليمني داخل الأروقة الإقليمية والدولية.
وفي تعيين مفاجئ أصبح ابن مبارك رسميا بموجب مرسوم صادر عن المجلس الرئاسي رئيسا للحكومة خلفا لـ معين عبد الملك سعيد الذي عين مستشارا للرئيس، وفق ما أعلنت وكالة "سبأ" الرسمية للأنباء في 5 فبراير/ شباط 2024.
وقضت المادة الثانية من قرار التعيين، باستمرار أعضاء الحكومة في أداء مهامهم وفقا لقرارات تعينهم.
وفي أول حديث عقب تعيينه على حسابه في منصة "إكس" قال ابن مبارك إن حكومته ستعمل بروح الشراكة الإقليمية والدولية والحرص على أن يكون اليمن شريكا في إحلال السلام والأمن.
وأضاف: "سنعمل على تحقيق نتائج ملموسة مدركين ما يمر به الشعب اليمني من معاناة وما قدمه وما زال يقدمه من تضحيات في معركته لإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة وانتصاره لقيم الجمهورية ومبادئها الوطنية الديمقراطية الأصيلة".
وبحسب خبراء فإن هذا التعيين الذي لم تعرف أسبابه، قد يثير غضب مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، كون هذا الرجل يعد خصما لهم وهم الذين خطفوه عام 2015 واحتجزوه لأيام.
ولطالما انتقد ابن مبارك الاسترضاء الدولي لمليشيا الحوثي، وطرح مقابل ذلك تبني مقاربة جديدة لإجبارها على الانصياع للقرارات الدولية لإنهاء الحرب المستمرة في اليمن بعد انقلاب المليشيا على الشرعية في سبتمبر/ أيلول 2014.
ويمر اليمن في الوقت الراهن بظروف عصيبة، حيث يتعرض لضربات شبه يومية من قوات أميركية وبريطانية، ردا على استهداف الحوثيين السفن المرتبطة بإسرائيل "تضامنا مع قطاع غزة".
سيرته الذاتية
ولد أحمد عوض بن مبارك في مدينة عدن في 1968، ويحمل شهادة الدكتوراه والماجستير في إدارة الأعمال من جامعة بغداد، وهو متزوج وأب لثلاثة أطفال.
وقد اغترب ابن مبارك مبكرا عن اليمن بحكم تجارة والده الذي كان من رجال الأعمال اليمنيين المهمين في ستينيات القرن العشرين والذي انتقل إلى جيبوتي في تلك الفترة.
ولحق ابن مبارك وأسرته في مطلع السبعينات من القرن العشرين بوالد المهاجر إلى جيبوتي، حيث درس المراحل الدراسية الأساسية، قبل العودة مجددا إلى اليمن بعد إعلان الوحدة عام 1990.
وتلقى جزءا من التعليم الثانوي ومرحلة الجامعة في العراق، كما حصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة بغداد في إدارة الأعمال.
وقد أسهمت الحركة الحزبية في العراق في تشكيل أولى ملامح الوعي السياسي لابن مبارك، حيث كان عضو شعبة في مكتب اليمن بحزب البعث العربي الاشتراكي، وأحد الوجوه الطلابية اليمنية البارزة في العراق.
حينما عاد ابن مبارك إلى اليمن من العراق، عكف على الجانب الأكاديمي، حيث عمل أستاذا مساعدا في عدد من الجامعات اليمنية، كمدرس لنظم إدارة الجودة والإدارة الاستراتيجية وإدارة الإنتاج والعمليات ونظم المعلومات.
كما ترأس مركز إدارة الأعمال للدراسات العليا بجامعة صنعاء وعمل مستشارا لعدد من المؤسسات الدولية في اليمن وخارجه، ورأس المجموعة الأكاديمية في رابطة الدول المطلة على المحيط الهندي وترأس وشارك في عضوية مجالس إدارات عدد من مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص.
وانتج ابن مبارك في إطار تخصصه، استشارات إدارية ودشن دورات تدريبية لمجموعة من مؤسسات القطاع العام والخاص في البحرين واليمن واثيوبيا وراوندا واثيوبيا ورومانيا وهولندا.
ولم يكن ابن مبارك الذي كان منهمكا في السلك التعليمي لحظة اندلاع الثورة اليمنية عام 2011 ضد نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ليفوت الفرصة على نفسه في الانخراط بها، بل ومشاركته في إدارة فعاليات الاحتجاجات بوصفه ممثلا عن شريحة الأكاديميين.
وفي 2012، تم تعيين ابن مبارك عضوا في اللجنة التحضيرية المكلفة بالإعداد لمؤتمر الحوار الوطني الشامل، كممثل مستقل وانتخب مقررا لها.
وفي 18 يناير /كانون الثاني 2013، أصدر الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي، قرارا بتسمية ابن مبارك أمينا عاما لمؤتمر الحوار الوطني الشامل وهي الفعالية السياسية التي راهن عليها العالم لصنع انتقال آمن وسلس في اليمن بعد المبادرة الخليجية.
وفي 11 يونيو/ حزيران 2014، تم تعيين ابن مبارك مديرا لمكتب رئاسة الجمهورية.
وتم تكليفه برئاسة الوزراء للحكومة الانتقالية الجديدة، في أكتوبر/ 2014، لكنه اعتذر عن قبول المنصب بعد معارضة الحوثيين.
وفي يوليو/تموز 2015، تم تعيين ابن مبارك سفيرا ومفوضا فوق العادة في واشنطن، وسفيرا غير مقيم في المكسيك والبرازيل والأرجنتين.
كما شغل منصب رئيس المكتب الرئاسي قبل أن يعين مبعوثا لليمن لدى الأمم المتحدة عام 2018.
وفي 7 أبريل/ نيسان 2022، تم تشكيل مجلس قيادي رئاسي في اليمن برئاسة رشاد العليمي، ليحل محل الرئيس آنذاك عبد ربه منصور هادي.
وحينها أشاد ابن مبارك بتشكيل المجلس بقرار من هادي معتبرا أنه "مثّل نقطة تحول هامة في مواجهة المليشيات الحوثية كونه استوعب كافة الأطراف الممثلة لمختلف أطياف المجتمع اليمني".
وشغل ابن مبارك منصب وزير الخارجية في حكومة عبدالملك منذ ديسمبر/كانون الأول 2020.
مهندس الحوار
وقادت تقلبات الأيام في اليمن ابن مبارك لدخول عالم السياسة كشخصية لها ثقلها في المشهد اليمني، إلى أن وصل سدة رئاسة الحكومة وهو بعمر 56 عاما في هذا البلد العربي المنهك بالحروب والأزمات.
ويرى الكاتب اليمني صالح البيضاني، أن مؤتمر الحوار الوطني عام 2012 كان نقطة تحول فاصلة في مسيرة ابن مبارك السياسية.
إذ جعلته في قلب المشهد السياسي اليمني، وعلى تماس مباشر بالأمم المتحدة والمجتمع الدولي من جهة والرئاسة اليمنية وصناع القرار وقادة العمل السياسي والحزبي من جهة أخرى.
وفي حين شكلت فترة الحوار نقطة مفصلية في حياة ابن مبارك مثلت كذلك نقطة تحول في مسار التحولات السياسية اليمنية، حيث كان الرئيس هادي يخوض صراعا غير معلن مع سلفه صالح وسطوته على مؤسسات الدولة.
وهو الأمر الذي جعل ابن مبارك خيارا مناسبا للرئيس الجديد الذي كان يبحث عن حلفاء جدد يخوض بهم معركته في مواجهة الإرث السياسي والحزبي والعسكري للرئيس السابق، وفق البيضاني.
وفي 25 مارس/ آذار 2015 وبطلب من الرئيس اليمني آنذاك عبد ربه منصور هادي بدأ تحالف عسكري عربي بقيادة السعودية في دعم السلطة الشرعية في اليمن ومواجهة الانقلاب الحوثي.
وقد كان ابن مبارك من المتحمسين لهذا التحالف وخطواته في اليمن، لدرجة أنه لم يفوت فرصة في مدحه واعتباره نقطة تحول رئيسية لما بعد انقلاب الحوثيين على الشرعية.
فقد قال ابن مبارك في مقابلة مع الأناضول عام 2022 إنه "لولا التحالف وتلبيته الكريمة لنداء الشعب اليمني ودعمه المتواصل في مختلف المجالات، لكنا اليوم نرى اليمن بكامله مرتعا للمليشيات الإيرانية ومركزا لتهريب السلاح والمخدرات ومصدرا دائما لزعزعة أمن المنطقة واستقرارها".
وشدد ابن مبارك على أن "مواجهة المليشيات الحوثية وداعميها وخلاياها في المناطق المحررة، تتطلب إجراءات استثنائية يجري التنسيق والاتفاق عليها".
وضمن هذا السياق، يقول محمد الباشا، الخبير في الشؤون اليمنية لمجموعة نافانتي البحثية ومقرها في الولايات المتحدة إن رئيس الوزراء الجديد هو أحد "مهندسي التحالف الذي تقوده السعودية".
وأضاف الباشا أن هذا التعيين "قد يفاقم التواترات" بين المعسكرين المتحاربين.
إذ لا يزال ابن مبارك ينظر بعين حمراء إلى جماعة الحوثي، ويرى فيها أنها "مجرد أداه بيد مموليها في طهران".
فابن مبارك لم يسلم من أذى الحوثيين شخصيا، ففي 17 يناير/كانون الثاني 2015، تم اختطافه من قبلهم، أثناء توجهه لتسليم مسودة الدستور اليمني الجديد باعتباره أمين عام لجنة صياغة الدستور.
وقد استمر اختطافه لمدة 13يوما، ما أدى إلى سلسلة من الأحداث، ابتدأت بمحاصرة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء اللذين أعلنا استقالتهما، ثم الإعلان الدستوري للحوثيين واجتياح الجنوب، وما تلاها من أحداث مستمرة إلى الآن.
ولهذا لم تتغير نبرة خطاب ابن مبارك من الحوثيين، إذ اعتبر في مقابلة مع الأناضول أن "سياسة استرضاء الحوثيين من قبل المجتمع الدولي لغرض تحقيق اختراق في عقيدتها المتطرفة وجلبها إلى طاولة التفاوض والقبول بالمشاركة الوطنية المتساوية بدت غير مجدية".
وراح يقول: "اتضح جليا للجميع أننا إزاء جماعة إرهابية أبعد ما تكون عن إمكانية ومتطلبات التعايش وأنها مجرد أداه بيد مموليها في طهران، ومن هنا نلاحظ تغير الخطاب الدولي وإداناته المتصاعدة لممارساتها الإرهابية، ونسعى لأن يتحول ذلك إلى دعم حقيقي للحكومة الشرعية في مواجهة هذه الميليشيات المنفلتة".
ولإجبار الحوثيين على تنفيذ القرارات الدولية بشأن اليمن، قال ابن مبارك إن "الحكومة الشرعية تعمل بتنسيق وتعاون ودعم على كافة المستويات مع دول التحالف، وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وتتعامل بكل إيجابية مع الجهود الدولية".
وأردف قائلا: "وفي هذا الصدد يجب ألا يفوتنا أننا أمام مليشيات إرهابية منفلتة يتم تحريكها وتمويلها وتسليحها من قبل النظام الإيراني، وهو مُن يملك التحكم بقراراتها وفقا لمصالحه وأجنداته".
حليف السعودية
واستدعاء ابن مبارك للمشاركة في الحكومة المنبثقة عن اتفاق الرياض كوزير للخارجية والمغتربين عام 2020، مكنه من طرح مطالب اليمنيين أمام المجتمع الدولي.
وقد اسهمت هذه الفترة القصيرة لابن مبارك في منصب وزارة الخارجية، من جمع بنود الملف اليمني في سلة واحدة بشكل تراكمي والتي شكلت بيضة القبان في دفعه لتقلد هذا المنصب الحساس.
فقد سبق أن أكد ابن مبارك، خلال لقائه مع وزير الدولة البريطاني لشؤون 'الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، جيمس كليفرلي، في مايو 2021 على أهمية التنفيذ الكامل لاتفاق الرياض، وتوحيد المؤسستين الأمنية والعسكرية في المناطق المحررة.
وشدد ابن مبارك، على ضرورة تثبيت الأمن والاستقرار وتوحيد الجهود لتحقيق المصالحة الوطنية، كما أشار إلى أهمية دعم وتعزيز عمل البنك المركزي، بما يساعد على تحقيق الاستقرار في العُملة الوطنية، وتحسين الأوضاع المعيشية، مؤكدا حرص الحكومة على التخفيف من معاناة المواطنين، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتحقيق ذلك.
ودعا إلى ممارسة الضغوط على مليشيا الحوثي، لاتخاذ مواقف إيجابية تجاه عملية السلام بعد عرقلتها المتكررة للجهود الأممية.
ويشهد اليمن حربا متواصلة بين قوات الحكومة الشرعية مدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده الجارة السعودية، والحوثيين المدعومين من إيران والمسيطرين على محافظات بينها العاصمة صنعاء (شمال) منذ سبتمبر/ أيلول 2014.
ومنذ أبريل/ نيسان 2022 ، تشهد جبهات اليمن تهدئة من الحرب بموجب هدنة انتهت بعد ستة أشهر.
وأدت الحرب إلى خسارة اقتصاد اليمن 126 مليار دولار، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم، حيث يعتمد معظم السكان البالغ عددهم نحو 32 مليونا على المساعدات.
وأودت الحرب الدائر في اليمن منذ اندلاعها بحياة 377 ألف شخص، 40 بالمئة منهم سقطوا بشكل مباشر، حسب تقرير للأمم المتحدة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.
وسبق أن استبعد ابن مبارك، حدوث تقدم سياسي في أي مفاوضات دون تغيير قواعد اللعبة على الأرض، مؤكدا أن التقدم العسكري وإسقاط فرضية الحوثي سيساعد في الوصول إلى حل.
وأوضح في حوار مع صحيفة "اندبندنت - عربية" مطلع عام 2022، أن الدور الإيراني يعقد المشكلة، ويعمل على إبقاء الملف اليمني رهينة للابتزاز في المشاورات الدولية.
وبخصوص تنفيذ الشق الأمني والعسكري من اتفاق الرياض، أقر ابن مبارك بفشل توحيد التشكيلات العسكرية بالمعنى الحرفي، إلا أنه تحدث عن توحيد الهدف.
وأكد أن مسألة توحيد كل الوحدات الأمنية والعسكرية تحت راية الدولة هدف إستراتيجي ضامن لأي انحراف مستقبلي، موضحا أن ما نشهده اليوم من اختلاف هو نتاج لتشوهات سابقة في الممارسات السياسية، نتج منها تهتك في النسيج الاجتماعي وعوامل عدم ثقة بين أطراف كثيرة.