عبد الرحمن يوسف القرضاوي.. حكاية شاعر تحالفت ضده أنظمة مصر ولبنان والإمارات
"هل شاهدتم حفلة إعدام لشاعر تبث على الهواء مباشرة؟"
“الله سطر أن الأرض قادرة.. فهل سيجرؤ علج أن يعاندها؟”
“درس من الله للإنسان عبرته.. أن الفريسة قد تصطاد صائدها”
هكذا تفاعل الشاعر المصري عبد الرحمن يوسف القرضاوي مع انتصار ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 وسقوط حكم الرئيس المصري حسني مبارك، بعد ثلاثة عقود من القمع.
واليوم وبعد مرور 14 عاما على هذه الأبيات، قدر القرضاوي في 8 يناير/ كانون الثاني 2025، أن يكون فريسة للأنظمة القمعية في الشرق الأوسط، للانتقام منه.
حيث اعتقل قسرا في بيروت في طريق عودته من سوريا التي ذهب إليها للاحتفال بنجاح ثورتها، ثم تم ترحيله إلى الإمارات لدعوته ضد الأنظمة العربية القمعية.
فمن هو عبد الرحمن يوسف القرضاوي؟ ولماذا حملت له السلطات في لبنان ومصر والإمارات كل هذا العداء؟
الشاعر في سطور
اسمه عبد الرحمن يوسف عبد الله القرضاوي، ولد في قطر يوم 18 سبتمبر/ أيلول عام 1970 (54 عاما)، وهو نجل العلامة الراحل يوسف القرضاوي.
تلقى عبد الرحمن مراحله التعليمية المختلفة في قطر، إلى أن حصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية من كلية الشريعة بجامعة قطر.
ثم أكمل تعليمه في مصر، وحصل على درجة الماجستير في مقاصد الشريعة الإسلامية من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة.
استعذب عبد الرحمن الشعر مبكرا، وأثقل هوايته بالكتابة والنشر، وفي عام 1992، وهو ابن الثانية والعشرين من عمره، أصدر أول ديوان شعري، بعنوان "نزف الحروف"، ويحتوي هذا الديوان على أربعين قصيدة.
أما أول دواوينه السياسية فكانت عام 2004، حيث تأثر بسقوط العاصمة العراقية بغداد، والغزو الأميركي لها.
وكتب ديوان "في صحة الوطن" ويتكون من 8 قصائد، أطولها قصيدة "في صحة الوطن" التي صورت مواطنا عربيا يسكر، وكلما شرب ازدادت شجونه، وتجاوز الخطوط الحمراء.
ومما يميز هذه القصيدة أنها حملت خيالات شاعر، حيث جعلها عبارة عن عشرين كأسا، كل كأس عبارة عن مقطوعة شعرية موصولة بما قبلها وما بعدها.
وللمفارقة فإن عبد الرحمن يوسف، الذي سلم إلى الإمارات من قبل الحكومة اللبنانية، فإنه ذهب إلى لبنان عام 2008 لإتمام كتابة ديوانه "اكتب تاريخ المستقبل"، الذي تضامن فيه مع لبنان جراء العدوان الإسرائيلي على البلاد عام 2006.
ومما أورده في هذا الديوان: "أمسك دموعك أن ترثي لقتلانا، فالدمع يوقف رد الظلم أحيانا، ألق العصابة عن عينيك تحجبها، عن رؤية النار تشوي وجه لبنانا".
وأتبع: "هي الخيانة.. قد أمست مجسمة، في ذي القيادة خصيانا فخصيانا، أمسك قوافيك أن ترديك تهلكة، تهدي المشانق أشكالا وألوانا".
نشاطه السياسي
وإضافة إلى كونه شاعرا غزير الإنتاج، يعد القرضاوي أيضا ناشطا في المجال السياسي المصري كمعارض خلال عهد الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك.
وشارك عبد الرحمن في مؤتمرات حركة 6 أبريل المعارضة منذ تدشينها عام 2006.
وله قصيدة بعنوان "كفاية"، تضامنا مع الحركة المصرية من أجل التغيير “كفاية”، التي ناهضت حكم مبارك، وتصدت لفكرة توريث الحكم لنجله جمال.
ومن قصائده التي هاجم فيها مبارك قصيدة "الراحلون بلا قبور" وكتبها عام 2007 في الذكرى الأولى لضحايا غرق العبارة المصرية "السلام 98".
وكانت له قصائد أخرى جريئة في هجاء مبارك، منها "مسبحة الرئيس" و"الهاتك بأمر الله"، وقصيدة "ابن وأب كلب وكلب" المناهضة لمحاولة توريث جمال مبارك الحكم.
وله ديوان هجاء سياسي بعنوان "لا شيء عندي أخسره"، كما لقب بشاعر ثورة 25 يناير، الذي كان واحدا ممن دعوا إليها ونظموا فعالياتها، وشاركوا بالكتابة الشعرية والنثرية والعمل السياسي التنظيمي في فعاليتها.
وله قصيدة عيني عليك باردة قصيدة عامية، إهداء لمصابين الثورة خصوصا هؤلاء الذين فقدوا عيونهم، وعلى رأسهم الناشط السياسي أحمد حرارة، الذي فقد عينا خلال ثورة يناير، وعينا أخرى خلال أحداث محمد محمود ضد المجلس العسكري.
بعد الثورة
وخلال المرحلة الانتقالية عقب الثورة، عمل عبد الرحمن كمنسق لحملة البرادعي رئيسا لمصر (التي دشنت لأجل ترشيح محمد البرادعي كرئيس للجمهورية).
وخلال الانتخابات الرئاسية عام 2012، عمل في حملة ترشيح الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح للرئاسة.
وكان عبد الرحمن يوسف مناهضا للانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، الأمر الذي دفعه للهجرة خارج مصر إلى تركيا.
وله قصيدة هجاء ضد السيسي بعنوان "غلام إسرائيل" ينتقد فيها رئيس النظام المصري بسبب تواطؤه مع الكيان، ومساعدته في حصار غزة، وله قصيدة هجاء أيضا ضد السيسي وابن زايد بعنوان "القارعة".
ومثل كثير من معارضي السيسي حكم عليه بالسجن (غيابيا)، في 14 نوفمبر 2016، عندما حكمت محكمة جنح الدقي عليه، بالسجن لمدة 3 سنوات نافذة بتهمة نشر أخبار كاذبة.
الهوية القطرية
ولـ "عبد الرحمن" حادثة شهيرة مع الإعلامي المصري المجنس سعوديا عمرو أديب، عام 2011، عندما قال أديب إن عبد الرحمن مواطن قطري، لينفعل الأخير، ويؤكد على هويته المصرية.
وكان عبد الرحمن قد تنازل عن الجنسية القطرية عام 2003، وكتب بيان قال فيه: "ولدت في قطر، وعشت فيها عقدين من الزمن، وحملت الجنسية القطرية في فترة من فترات حياتي، وهذه مشيئة الله وفعل المقادير، شأني في ذلك شأن كثير من المصريين، الذين دفعتهم ظروف أهلهم المادية أو السياسية للعمل بالخارج".
وأكمل: "لا يحق لأحد أن يحاسبني على هذه الظروف، وأؤكد أنني مثل كل مصري حقيقي لا أتنكر لبلد عشت فيه عزيزا مكرما، فأنا أعتز بقطر وبأهلها وبذكرياتي فيها، وبدراستي وتعليمي في مدارسها وجامعتها. ولي فيها أصدقاء هم أهلي وأصدقاء عمري، ولكنني مصري أعتز بمصريتي ولا أحمل إلا الجنسية المصرية".
وتابع: "لقد تنازلت - مختارا - عن الجنسية القطرية، وذلك احتراما لنفسي أولا
واحتراما لشعب عظيم منح كلماتي ثقته وتشجيعه ثانيا، فما كان يليق بي أن أهجو رئيس الدولة السابق مع وجود شبهة احتمائي بجنسية أخرى".
القبض على عبد الرحمن
وجرى توقيف عبد الرحمن فور وصوله إلى لبنان عن طريق معبر المصنع الحدودي عائدا من سوريا في 29 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وأعلن محاميه محمد صبلوح، أن المدعي العام التمييزي اللبناني أبلغه بوجود حكم غيابي ضد موكله في مصر.
إضافة إلى طلب توقيف من الإمارات بسبب فيديو صوره في ساحة المسجد الأموي بدمشق، يهاجم فيه طغاة العرب وبينهم رئيس الدولة محمد بن زايد.
كما أعلنت منظمة العفو الدولية "آمنستي" احتمال تعرض القرضاوي، الذي يحمل الجنسية التركية، للاختفاء القسري والتعذيب والمحاكمة الجائرة إذا تم تسليمه.
وصفت المنظمة القضية بأنها "اختبار حاسم" للسلطات اللبنانية.
وكتب السياسي المصري أيمن نور: "في أسرع وأحقر عملية ترحيل في التاريخ طيار خاصة بكبار الشخصيات في دولة الامارات تصل مطار رفيق الحريري لتسلم الشاعر عبدالرحمن يوسف القرضاوي".
وأضاف عبر إكس: "الطائرة تستعد للإقلاع المحامي في بيروت يؤكد أنه، قدم الطعن أمام القضاء لكن نجيب ميقاتي (رئيس الوزراء اللبناني) قرر أن يتمم الصفقة ضاربا عرض الحائط بالقانون".
فيما غرد السياسي الفلسطيني بلال نزار ريان، "هل شاهدتم حفلة إعدام لشاعر تبث على الهواء مباشرة؟ إذا لم تشاهدوها من قبل، فها نحن نشاهدها الآن!".
وتابع: "استغاث بكم عبد الرحمن عشرة أيام لإنقاذ حياته، وها هو يخسرها أمام أعينكم، قرار لبنان بترحيل عبدالرحمن يوسف القرضاوي إلى الإمارات ليست عملية اعتقال عادية، بل هي حكم بالإعدام".