عبد اللطيف وهبي.. وزير مغربي أثار الجدل بـ"قانون الأسرة" وامتحان المحاماة
“وهبي ظل دائما متناقضا في تصريحاته”
عبد اللطيف وهبي، وزير العدل المغربي، شخصية مثيرة للجدل منذ توليه منصبه، فتح العديد من الملفات الحساسة التي تتعلق بالقضايا الاجتماعية، وهو ما أثار غضبا واسعا في الشارع.
من بين أبرز وآخر القرارات المثيرة للجدل التي اتخذها كان "قانون الأسرة"، الذي طالما كان موضوعا حساسا في المجتمع، إضافة إلى التعديلات على “القانون الجنائي” التي عدها البعض قاسية في بعض جوانبها.
من جهة أخرى، أثار غضبا كبيرا من خلال تنظيم مباراة امتحان المحاماة، والتي شابها العديد من الاتهامات بالتلاعب وعدم الشفافية.
وما فجر غضب الشارع أكثر كان إرساله عددا من الصحفيين إلى السجن وتوجيه غرامات ثقيلة ضدهم بسبب دعاوى قضائية مرفوعة من طرفه، ما عد بمثابة تقييد لحرية الإعلام وحق التعبير.
ملفات مستفزة
ونهاية ديسمبر/ كانون الأول 2024، ومع إعلان الحكومة المغربية عن تعديلات مقترحة على مدونة (قانون) الأسرة، من بينها رفع سن الزواج إلى 18 عاما وتقييد تعدد الزوجات فتحت نقاشا وجدلا كبيرا في المملكة.
وقال وهبي خلال مؤتمر صحفي: "تأسيسا على مقترحات هيئة مراجعة المدونة (قانون الأسرة) والرأي الشرعي للمجلس العلمي الأعلى (أعلى هيئة دينية بالبلاد)، حددنا أهلية الزواج بالنسبة للفتى والفتاة في 18 سنة كاملة".
وزاد: "وضعنا استثناء للقاعدة المذكورة، يُحدد فيها سن القاصر في 17 سنة، مع شروط تضمن بقاءه عند التطبيق في دائرة الاستثناء"، دون إيضاحات.
وحاليا، يتيح القانون الزواج للذكور والإناث في سن 18 عاما، لكن أيضا يمكن تزويج الإناث بين 15 و18 عاما بشرط الحصول على إذن من القاضي، فيما يُمنع على الذكور الزواج قبل 18 عاما.
وبخصوص تعدد الزوجات، قال وهبي: "اعتمدنا إجبارية استطلاع رأي الزوجة أثناء توثيق عقد الزواج، حول اشتراطها عدم التزوج عليها من عدمه، والتنصيص على ذلك في العقد، وحال اشتراط عدم التزوج عليها، لا يحق للزوج التعدد وفاء منه بالشرط".
وغيرها من التعديلات التي أثارت تعليقات رافضة لتلك البنود في المغرب، مما دفع الحكومة في 6 يناير 2025 لتأجيل اجتماع برلماني مخصص لمناقشة التعديلات المقترحة على "مدونة الأسرة".
ملفات مستفزة أخرى كان وراءها وهبي، وفجرت موجة غضب واسعة عليه في 3 يناير 2022، بصفته الوزارية والحزبية كأمين عام لحزب الأصالة والمعاصرة، تتعلق بامتحان الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة.
وأظهرت نتائج الامتحان الكتابي لمزاولة مهنة المحاماة، أن عددا من الناجحين يحملون ألقابا تنتمي إلى عائلات نافذة ومرموقة لمسؤولين سياسيين وقضاة ومحامين، من بينها عائلة الوزير وهبي.
وورد اسم نجل وهبي بين الناجحين، لتوجه له اتهامات بالفساد والمحسوبية وغياب الشفافية في نتائج الامتحان الذي سجل نجاح 2081 شخصا من بين حوالي 70 ألفا.
وعادت مخاوف حقوقيي المغرب بشأن "تكميم الأفواه" بعد تهديدات وهبي، بتوجيه مشروع "القانون الجنائي" المرتقب نحو مزيد من التشدد بهدف "مكافحة التشهير" على منصات التواصل الاجتماعي.
وفي كلمة أمام البرلمان المغربي، في 26 ديسمبر 2022، قال وهبي، إن "مشروع القانون الجنائي الذي ستحيله الحكومة على البرلمان، نص على مجموعة من العقوبات المشددة".
وأضاف أنها تستهدف "مروجي الصور عبر التطبيقات ومنصات التواصل ومن ينتحلون صفة الصحافة عبر إنشاء جرائد إلكترونية أو قنوات يوتيوب دون أن تربطهم أي صلة بالصحافة، إضافة إلى أولئك الذين يمسون بحرية الناس".
هذه التعديلات المنتظرة عدها حقوقيون أنها تستهدف حرية التعبير والرأي.
أخطاء متعمّدة
وفي جلسة برلمانية عام 2023، أشار وهبي إلى أنه طلب من رئيس الحكومة تخصيص موازنة لاقتناء سيارات فاخرة لفائدة المسؤولين القضائيين، لأنهم، حسب قوله، يركبون سيارات لا تليق بهم.
ووعد بالاهتمام بأبنية المحاكم، وتخصيص أماكن لراحة القضاة والمحامين، ومطاعم، قائلا: “لا يعقل ألا يجد القضاة والمحامون أماكن لأخذ قسط من الراحة”.
وفي ديسمبر 2021، أسهم وهبي في اقتحام كلمة "جوارب" القاموس السياسي المغربي.
وتعود فصول "أزمة الجوارب" إلى زيارة أجراها الوزير لمسقط رأسه، حيث خاطب المدير الإقليمي لوزارة الثقافة هناك بنبرة صارمة قائلا: "أنا وزير العدل وكل المؤسسات تشتغل معي.. أنا أعرف عنك كل شيء وأعرف حتى لون الجوارب التي تلبسها".
وعلى فترات، أحال وزير العدل مواقع إخبارية وصحفيين إلى القضاء بتهمة "التشهير" وحكم على البعض بسنوات وغرامات مالية ضخمة.
وأبرز ملف قضائي أثار الجدل والغضب في الوسط الإعلامي وعدد من التنظيمات الحقوقية، بعد إدانة الصحفي مدير موقع “بديل” حميد المهداوي بالسجن النافذ لمدة سنة ونصف السنة، وتعويض مدني لفائدة وزير العدل قدره 150 ألف دولار، بعدما طلب مليون دولار.
وتعود تفاصيل القضية إلى شكاية تقدم بها وهبي إلى القضاء ضد الصحفي المهداوي، متهما إياه ببث وتوزيع ادعاءات ووقائع كاذبة بهدف التشهير، بالإضافة إلى القذف والسب العلني.
وذلك على خلفية نشر الصحفي المذكور لتسجيل مصور تحدث فيه عن حصول الوزير على سيارة فاخرة بثمن باهظ كأتعاب منحت له من طرف سيدة كان ينوب عنها ومنحته “الشيك” الذي دفع به ثمن المركبة “الفخمة” لإحدى الوكالات، كما ألمح إلى اتهام الوزير بتهربه من أداء الضرائب.
وفي وقت سابق، كان وهبي تابع “اليوتيوبر” محمد رضا الطاوجني قضائيا، حيث اتهمه بـ”التشهير”، وذلك على خلفية “استغلاله” ملف اعتقال تاجر دولي في المخدرات اشتهر بلقب “إسكوبار الصحراء” للهجوم على شخصه وحزبه “الأصالة والمعاصرة”.
وأصدرت محكمة الاستئناف في حق الطاوجني حكماً بالسجن النافد أربع سنوات، قبل أن يستفيد من عفو ملكي شمل صحفيين ومدونين.
ومع مطلع يناير 2025 أعلن الصحفي المغربي هشام العمراني، مدير نشر موقع "آشكاين" (ماذا يقع)، عن تلقّيه استدعاء للمثول أمام المحكمة الابتدائية في العاصمة الرباط.
ووفق تدوينة مرفقة بصورة عن الاستدعاء، قال العمراني إنه تلقّى "هدية السنة الجديدة"، وهي عبارة عن "دعوى قضائية جديدة من طرف عبد اللطيف وهبي، وهذه المرة بصفته وزيرا للعدل، وذلك بعد دعوى سابقة، مازالت رائجة بالمحكمة، بصفته أمينا عاما لحزب الأصالة والمعاصرة".
وأمام هذه المعطيات، قال المدون ياسين آدم الإدريسي: "بلُغة كرةِ القدم، توقّعوا إقالة وزير العدل وهبي قبل إغلاق سوق الانتقالات في الميركاتو الشتوي، للإشارة، لقد بدأ الميركاتو الشتوي في الأول من يناير 2025، وسينتهي يوم 3 فبراير/ شباط 2025”.
وأضاف الإدريسي عبر فيسبوك في 4 يناير 2025 أن “هذا الرّجل كثُرت أخطاؤه المهنية ومنها الأخطاء المُتعمّدة، مع تقليل احترامه لشخص الحَكم الرّئيس الذي يقود مُباراة التنمية التي يخوضونها جميع المغاربة”.
وأضاف "لذلك أتوقّعُ أن يجتمعَ الملك قريبا مع حكّام VAR (مُستشاريه المقربين) ليخلصوا إلى إشهار البطاقة الحمراء في وجه أسوأ وزير عدلٍ مرّ في تاريخ حكومات المملكة المغربية".
من جهته، كتب الصحفي بوشعيب حمراوي عبر فيسبوك في 7 يناير 2025: “عبد اللطيف وهبي ارحل... هذا الرجل أصبح خطرا على العدل والقضاء والقيم …”.
سيرة وانفتحت
ولد وهبي في 28 يوليو/ تموز 1961 بمدينة تارودانت، وفي مسقط رأسه بدأ مساره التعليمي من كتاب قرآني بدرب آقا عام 1965، ليلتحق بعد ذلك بالمدرسة الابتدائية الوفاق في تارودانت سنة 1967.
وسنة 1977 بدأ وهبي تعليمه الإعدادي بمؤسسة الحسن الأول، ثم ثانوية سليمان الروداني، التي غادرها ومعها تارودانت في اتجاه عاصمة المملكة الرباط لدراسة القانون بكلية الحقوق في جامعة محمد الخامس ويحصل على شهادة الإجازة.
ولأنه كان مهووسا بمهنة المحاماة، بدأ تدريبه في مكتب المحامي الراحل أحمد بنجلون، أحد قيادات حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي (حزب انشق عن الاتحاد الاشتراكي في عقد الثمانينيات).
بيد أن ميول عبد اللطيف اليسارية كانت بادية عليه قبل تجربة المحاماة ولقائه بنجلون، وانخرط مبكرا في شبيبة حزب الاتحاد الاشتراكي.
وعام 1989 انضم للجمعية المغربية لحقوق الإنسان (يسارية)، كان يتابع أنشطتها منذ كان تلميذا في تارودانت، كما انخرط لاحقا في حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي اليساري.
عام 1996 غادر وهبي حزب الطليعة، وتوقف عن ممارسة العمل الحزبي لسنوات، وبقي على هذه الحال إلى أن انخرط في حزب "الأصالة والمعاصرة" عام 2010.
عام 2011 ترشح للانتخابات البرلمانية، بيد أن التحول الكبير في مساره سجله حين قاد في 2019 حركة تصحيحية لتغيير مسار الحزب وتبوء قيادة “الأصالة والمعاصرة” عام 2020.
وإبان الحملات الانتخابية الممهدة لانتخابات 8 سبتمبر/ أيلول 2021، كان وهبي يردد بثقة بأن حزبه يتجه للحصول على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية.
وحين كان يُسأل "هل أنت مستعد لتكون وزيرا في حكومة يرأسها حزب التجمع الوطني للأحرار؟"، يرد قائلا: “إما أن أتصدر النتائج وأكون رئيسا للحكومة، وإلا فلن أكون وزيرا في حكومة يرأسها حزب آخر”.
وبرر ذلك بأنه أمين عام حزب سياسي، ولا يمكن لأمين عام حزب آخر أن يرأسه في الحكومة، وكرر وهبي هذا التصريح أكثر من مرة.
وحين ظهرت نتائج الانتخابات التي أسفرت عن فوز "الأحرار"، وُجه إليه السؤال ذاته، فكرر جوابه السابق، لكن اجتماعا للمجلس الوطني لحزبه (أعلى هيئة تقريرية)، أعلن قرار المشاركة في الحكومة، وطلب من وهبي شخصيا المشاركة فيها، ليتبين أن للسياسة إكراهاتها، وأن وهبي ظل دائما متناقضا في تصريحاته.