مرونة الملك عبدالله لم تقنعه.. لماذا يعزز الأسد قواته على حدود الأردن؟

مصعب المجبل | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

رغم ما أبداه الملك الأردني عبدالله بن الحسين من مواقف مرنة أخيرا مع رأس النظام السوري بشار الأسد، إلا أن الأخير يصر على وضع قوات مدعومة إيرانيا على الحدود بين البلدين.

النظام السوري يسعى لاستعادة كامل محافظة "درعا" المحاذية للحدود الأردنية وإخضاعها لنفوذه، وإن كان بدعم إيراني يفضي ضمن خطة مرسومة سلفا لتموضع مليشيات طهران على حدود الأردن.

قوات الأسد، أطلقت حملة عسكرية للسيطرة على حي "درعا البلد"، الذي لم تدخله منذ اتفاق التسوية مع روسيا عام 2018.

ولذا فرض النظام حصارا خانقا على الحي منذ 24 يونيو/ حزيران 2021 بعد رفض الأهالي تسليم السلاح الذي احتفظوا به بموجب الاتفاق. 

حي "درعا البلد" الذي تحاول قوات الأسد اقتحامه من ثلاثة محاور، يقطنه عشرات المقاتلين ممن كانوا سابقا ضمن صفوف تشكيلات المعارضة، إضافة للمنشقين عن قوات الأسد والمطلوبين للأجهزة الأمنية.

وكان لافتا تبعية القوات العسكرية البرية المتقدمة نحو درعا للمظلة والدعم الإيراني، ما يؤشر على نسف اتفاق "التسوية الروسي" الذي منع وجود مليشيا إيران في الأحياء المطلة على الأردن.

تصعيد الأسد على "درعا البلد" بالقصف المدفعي وقذائف الهاون والدبابات والمضادات الأرضية؛ دفع عشرات العوائل للنزوح خوفا من تقدم مليشيا "الفرقة الرابعة" الموالية لإيران.

وعلى الجانب الآخر؛ أطلق ثوار حوران ما أسموه بـ"معركة الكرامة" للتصدي لحملة الأسد العسكرية.

النظام رفض مقترح تهدئة قدمته اللجان المركزية بمحافظة درعا التابعة للأهالي عبر فصيل "اللواء الثامن"، وهو تجمع لمقاتلين وفصائل معارضة دخلت درعا في يوليو/ تموز 2018 بتسوية مع روسيا.

المقترح ضم نشر ثلاثة نقاط عسكرية في أحياء "درعا البلد" على أن يوجد بها عناصر "اللواء الثامن" من أبناء المحافظة فقط.

ونبهت اللجان إلى أن رفض النظام السوري للمقترح يعني تهجير جميع الأهالي من مناطق درعا البلد وطريق السد والمخيمات والبالغ عددهم نحو 50 ألف نسمة.

اللجان بينت أنهم سيجدون أنفسهم أمام ما سموه "خيار الحرب".

غطاء إيراني

التطورات الجديدة في درعا تؤشر أن النظام السوري يحمل مخططا تقف خلفه إيران "بتواطؤ روسي" لكون الأخيرة سمحت بشن حملة عسكرية على درعا.

الصحفي السوري المختص بشؤون المنطقة الجنوبية باسل الغزاوي، يؤكد أن هدف الحملة "السيطرة على منطقة درعا البلد الحدودية مع الأردن، وتصبح الحدود كاملة لصالح مليشيا الفرقة الرابعة الموالية لإيران".

ويجزم لـ"الاستقلال" بأن "المليشيا تريد السيطرة على معبر (درعا البلد – الرمثا) الأردني القديم والمهم لنظام الأسد، وعلى طريق الأردن درعا القديم المار بمنتصف أحياء درعا البلد".

الغزاوي، يضيف: "لذا المليشيات بحاجة للسيطرة على درعا البلد بشكل كامل حتى يكون لها طريق عبور من الأردن باتجاه أتوستراد (درعا - دمشق الدولي) و (عمان – دمشق)".

ويبين أن "التعزيزات العسكرية التي وصلت درعا محسوبة على النظام، لكنها غطاء لنفوذ إيراني بالمنطقة للفرقة الرابعة والتاسعة والـ15 واللواء الـ42، وجميعها تعمل مع إيران وقادتها موالون لطهران".

الغزاوي، يلمح للمساعي الإيرانية للسيطرة على الجنوب السوري الذي يشكل مثلثا حدوديا ذا أهمية إستراتيجية بهدف امتلاك أوراق ضغط تفاوضية مع الأردن أو إسرائيل.

وينوه المختص بشؤون المنطقة الجنوبية إلى أن "اتفاق التسوية في درعا عام 2018، ينص على منع وجود المليشيات الإيرانية قرب الحدود الأردنية وأن تبتعد عنها لمسافة 80 كم".

ويقول: إن "نظام الأسد أوجد مخرجا لتمدد إيران عبر الحدود الأردنية بالزج بفرق عسكرية ضمن تشكيلات قواته، ومحسوبة على إيران خاصة الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد شقيق بشار".

قلق حدودي

للأردن مخاوف كبيرة من تمدد مليشيات إيران على حدودها الشمالية، لا سيما أن الملك عبدالله الثاني، أكد تعرض الأردن لهجوم من قبل طائرات مسيرة إيرانية الصنع.

تأكيد عبدالله الثاني يأتي ردا على سؤال بشأن تأثير خروج إيران من الاتفاق النووي على استقرار الشرق الأوسط، خلال مقابلته مع شبكة "CNN" الأميركية في 25 يوليو/ تموز 2021.

ملك الأردن قال: إن "ما يطلق على إسرائيل من سوريا ولبنان ولا يصيبها يسقط أحيانا في الأردن، لذلك لدينا مباعث القلق هذه".

رئيس الحكومة الأردنية الأسبق فايز الطراونة، سبق وأكد أن إيران حاولت تصدير ثورتها إلى الأردن، عبر محاولات لاختراق الصف الأردني.

في مقابلة مع قناة "العربية" مطلع إبريل/ نيسان 2021، قال: إنه "تم العثور على دولارات ومنشورات عن ولاية الفقيه، مع أشخاص تم ضبطهم".

وبين أن "من ضبط معهم الدولارات كانوا يريدون تجنيد أردنيين، كونه لا يوجد شيعة في الأردن".

سيناريو محتمل

ولعل الأردن أطلق تحذيرات مبكرة من الوجود الإيراني على حدوده بتمرير ومساعدة من نظام الأسد، واعتبر نفسه أمام اختبار صعب قد يفرض عليه التعامل مع سيناريو جديد قرب الحدود السورية.

لم يشفع للأردن وقوفه على مسافة قريبة جدا من نظام الأسد، وخاصة بعد تصريحات الملك عبدالله الأخيرة مع قناة "CNN" الأميركية، بأن رأس النظام بشار الأسد ونظامه سيبقيان في سوريا لأمد طويل.

كما لم تشفع دعوة عبدالله إلى حوار مع بشار الأسد عندما قال: "علينا أن نكون ناضجين، هل نبحث عن تغيير النظام في سوريا أم تغيير سلوكه؟".

وقرئت تصريحات ملك الأردن في سياق تراجع واضح في موقفه السياسي من شخص بشار الأسد، لا سيما بعد إرجاع الذاكرة إلى نصيحته له بالتنحي بعد 8 أشهر من قمعه ثورة الشعب السوري.

حينها قال عبدالله لشبكة "BBC" البريطانية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، مخاطبا الأسد بشكل مباشر: "أعتقد أنني لو كنت مكانه لتنحيت، وعليه أن يهيئ الأجواء لمرحلة سياسية جديدة".

تحرك النظام السوري ضد أهالي درعا اليوم يمثل "خرقا واضحا" لاتفاق التسوية الموقع عام 2018، والذي بموجبه سيطر النظام عليها، لكنه لم ينفذ بعد أيا من بنود الاتفاق.

وهي، وقف الهجمات العسكرية على المحافظة وتسوية أوضاع المطلوبين للأفرع الأمنية وأوضاع المنشقين عن النظام، وإطلاق سراح المعتقلين وإعادة الموظفين إلى وظائفهم.

سيطرة تدريجية

الباحث في "المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام"، رشيد حوراني، يتفق مع الكثيرين بأن هدف الحملة العسكرية على درعا "السيطرة على الحدود مع الأردن".

ويؤكد "الاستقلال"، "الهدف أن يقود النظام السوري منها عملياته الانتقامية ضد الأردن رغم مرونة الموقف الأردني من النظام مؤخرا".

ويحدد حوراني، الهدف الثاني من الحملة على درعا مبينا أنه يتمحور حول "تمكين مليشيات الأسد وإيران من السيطرة على المنطقة لكسب ورقة في وجه الروس في ظل تنافس على النفوذ بين روسيا وإيران".

وحال تمركزت مليشيات إيران بحدود الأردن تكون بذلك خرقت مضمون "الاجتماع الأمني الأميركي الإسرائيلي الروسي الذي جرى عام 2019 وقضى بانسحاب مليشيات إيران عن حدود إسرائيل 80 كم.

الشارع السوري الثائر حتى الآن يسمع صدى الصرخة الأولى بوجه نظام الأسد التي صدحت من درعا في 18 مارس/ آذار 2011، لتعم المحافظات السورية المطالبة بإسقاط الأسد.

لذا فإن الرمزية الباقية بعد 10 سنوات على اندلاع الثورة، يضعها الباحث في المؤسسة السورية للدراسات، ضمن مخطط النظام الرامي لتحطيمها "والسيطرة بالتدريج على المدن والبلدات في درعا لإظهار قدرته".

"واشنطن بوست" كشفت طرح الملك الأردني على الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته واشنطن في 19 يوليو/ تموز 2021، عن خارطة طريق يكون الأسد طرفا فيها، وليس خارجها كما تريد المعارضة.

خارطة عبدالله اعتبرت خطة إنقاذ شاملة لسوريا من عمان ذات هدفين، الأول تعويم نظام الأسد وإعادته للحضن العربي بجهود أردنية يقودها الملك.

والثاني يتعلق بالأردن وهو ذو شقين؛ اقتصادي وأمني مرتبط بتخفيف التأثير الإيراني عليها وإن كان بجهود روسية.

الأردن يحتضن 1.3 مليون سوري نصفهم يحملون صفة لاجئ ممن فروا من بطش وقصف نظام الأسد على مدنهم وبلداتهم، فيما تتعالى الأصوات خشية موجة نزوح جديدة لعوائل درعا نحو الأردن مع الصلات العشائرية.

وينظر مراقبون إلى أن النظام السوري بالحملة العسكرية على درعا يحاول الضغط أكثر على الأردن عبر الوجود الإيراني على حدودها.

وأكدوا مخاوف الأردن من إفراغ مناطق درعا الحدودية من سكانها، وتحويلها لبؤر استيطانية لمليشيات إيران كما حدث مع مدينة البوكمال الحدودية مع العراق المعقل الأبرز للوجود الإيراني بسوريا، اليوم.

وبذلك تكون ملامح مسألة التغيير الديموغرافي قريبة من الاكتمال جنوب سوريا، وخاصة عقب سيطرة مليشيا إيران أو الموالية لها على المناطق الواقعة على حدود الأردن.