"زلزال الفساد".. لماذا يصمت نظام السيسي عن انهيار العقارات الآيلة للسقوط؟
"لنا أن نتخيل إذا وقعت كارثة على غرار زلزال تركيا أو المغرب"
في مشهد مخيف، تشهد مصر خلال الآونة الأخيرة ظاهرة تساقط الأبنية والعقارات بشكل مكثف في مختلف المحافظات، ما خلف عددا من القتلى والمصابين.
وضمن آخر الكوارث، انهيار عقار سكني بمنطقة "شبرا مصر" بمحافظة القاهرة، في 12 سبتمبر/ أيلول 2024، مخلفا 6 قتلى، بينهم طفلة وعروس كانت على وشك الزفاف.
ليلة عصيبة قضاها سكان العقارات المجاورة والحي، وهم ينتشلون جثث الضحايا، لتفتح الواقعة ملف الأبنية المهددة بالانهيار في مصر، وعن أسباب تساقط عدد كبير من العقارات، وتحديدا عام 2024.
آيلة للسقوط
بحسب آخر إحصاءات رسمية صدرت عن الجهاز المركزي المصري للتعبئة والإحصاء (حكومي) عام 2017، كان إجمالي عدد المباني في مصر يصل إلى 13 مليونا و445 ألف مبنى، منها 3 ملايين و233 ألفا تحتاج إلى الترميم بدرجاته، بنسبة تتجاوز 24 بالمئة من إجمالي المباني.
وهناك نحو 428 ألف مبنى يحتاج إلى ترميم كبير، أما المباني غير القابلة للترميم والواجب هدمها يصل إلى 98 ألف مبنى، بنسبة نحو 1 بالمئة من المباني في مصر.
أما إحصاء وزارة التنمية المحلية الصادر عام 2020، يشير إلى أن قرارات الإزالة التي لم يتم تنفيذها بحق العقارات الآيلة للسقوط، بلغت أكثر من 111 ألفا.
ويتركز عدد كبير منها في محافظة الغربية بواقع 21.8 ألف وحدة، تليها القاهرة 19.7 ألف وحدة، والدقهلية بواقع 15.9 ألف وحدة سكنية.
أما دراسة للمركز المصري للحق في السكن (مستقل) الصادرة عام 2023، أكدت وجود نحو 1.4 مليون عقار آيل للسقوط على مستوى البلاد.
وأن محافظة القاهرة بها أعلى نسبة عقارات صدرت لها قرارات إزالة، مع وجود أكثر من 7 ملايين عقار مخالف في مصر.
وأتبعت أن من بين العقارات المخالفة مليونان و184 ألف مخالفة خلال الـ8 سنوات الأخيرة.
وذكرت أن محافظة الإسكندرية تتصدر المحافظات من حيث عدد العقارات الآيلة للسقوط.
تسلسل زمني
وأجرت “الاستقلال” بحثا سريعا بشأن العقارات التي انهارت في مصر في مختلف المحافظات، منذ مطلع العام 2024 وحتى 14 سبتمبر 2024.
فكانت النتيجة انهيار 24 عقارا ووفاة 51 مواطنا.
وكان التسلسل الزمني لسقوط العقارات كالتالي:
أولا: القاهرة
12 سبتمبر: انهيار عقار بشبرا مصر (القاهرة) ومصرع 6 مواطنين.
10 سبتمبر: انهيار عقار بحي الزيتون (القاهرة) ومصرع مواطن.
3 سبتمبر: انهيار عقار بمنطقة النزهة (القاهرة) إصابة 3 مواطنين.
ثانيا: الإسكندرية
8 مارس/ آذار: انهيار عقار بالورديان (الإسكندرية) مصرع 4 مواطنين.
24 مايو/ أيار: انهيار عقار بحي وسط (الإسكندرية) مصرع 4 مواطنين
1 يوليو/ تموز: انهيار عقار بمحطة مصر (الإسكندرية) دون وفيات.
2 يوليو: انهيار عقار بمنطقة الجمارك (الإسكندرية) مصرع سيدة.
19 يوليو: انهيار عقار بالعطارين (الإسكندرية) دون وفيات.
ثالثا: محافظات أخرى
1 يوليو: انهيار عقار بـ (أسيوط) مصرع 14 مواطنا.
6 سبتمبر: انهيار عقار بـ (المنيا) مصرع 3 مواطنين
21 مايو: انهيار عقار بـ (المنيا) مصرع مواطن.
10 يناير/ كانون الثاني: انهيار عقار بـ (المنيا) دون وفيات.
1 سبتمبر: انهيار عقار بـ (الإسماعيلية) دون وفيات.
4 يونيو، حزيران: انهيار عقار بـ (الدقهلية) مصرع 5 موطنين.
4 أغسطس/ آب: انهيار عقار بـ (المنوفية) مصرع 3 مواطنين.
4 يوليو: انهيار عقار بـ (المنوفية) دون وفيات.
20 يوليو: انهيار عقار بـ طنطا (الغربية) دون وفيات.
27 يوليو: انهيار عقار بـ زفتى (الغربية) مصرع 4 مواطنين.
5 فبراير/ شباط: انهيار عقار بـ إسنا (الأقصر) دون وفيات.
7 سبتمبر: انهيار جدار منزل بـ (أسوان) مصرع شخصين.
9 أغسطس: انهيار منزل بـ كوم أمبو (أسوان) دون وفيات.
29 يونيو: انهيار عقار بـ (بورسعيد) دون وفيات.
23 أغسطس: انهيار عقار بـ (الجيزة) دون وفيات.
25 يناير: انهيار عقار بـ أسمنت (قنا) مصرع شخصين.
المدينة المائلة
ومن الرصد السريع نجد أن الإسكندرية التي تعد العاصمة الثانية للدولة، هي أكثر المدن التي شهدت تساقط للعقارات بـ5 حوادث.
وفي تقرير لموقع "برلماني" المصري الحكومي، في 24 يونيو 2023، أطلق على الإسكندرية لقب "مدينة العقارات المائلة".
وانتشرت هناك ظاهرة الأبراج السكنية المخالفة والآيلة للسقوط، التي كانت سببا في تربعها على عرش قائمة أكثر المحافظات فى البناء المخالف دون منافس، بحسب "برلماني".
وهو ما دعا مجلس النواب لمناقشة هذا الملف الطارئ، حيث تقدم النائب أحمد مهنى، بطلب إحاطة لمناقشته أمام لجنة الإدارة المحلية.
وطالب مهني بتشكيل لجنة لحصر العقارات الآيلة للسقوط بالمحافظة، والتي صدر لها قرارات ترميم أو إزالة.
من جانبها، كشفت لجنة الإدارة المحلية بالمجلس، أن الظاهرة تتفاقم وتزداد يوما عن يوم فى ظل غياب الرقابة وعوامل المناخ تجاه هذه العقارات المتهالكة.
وذكرت أن الإسكندرية تواجه هذا الخطر الداهم في حوالي 10 مناطق بالأحياء القديمة والتي تحتوي على منازل يعود عمر البعض منها إلى أكثر من 100 عام، مثل منطقة اللبان.
وقالت اللجنة أنه وفق إحصائيات رسمية خاصة بها، هناك أكثر من 7 آلاف عقار آيل للسقوط معظمها مأهول بالسكان، تهدد أرواح قاطنيها والمارة في نفس الوقت.
يذكر أنه بحسب تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء للعام 2024، فإن عدد سكان الإسكندرية يصل إلى نحو 5 ملايين و577 ألف نسمة.
بناء غير مخطط
السؤال الذي يطرح نفسه أمام هذه الحالة، لماذا وصلت العقارات في مصر والإسكندرية تحديدا إلى هذه الدرجة من السوء ومن المسؤول عن بنائها.
وأجاب رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عن هذه الحالة، عبر مؤتمر صحفي عقده في 9 سبتمبر 2020، عندما تحدث عن ظاهرة البناء العشوائي وغير المخطط، التي تسببت في تداعي العقارات بكثير من المحافظات.
وقال مدبولي إن "هذا البناء غير المخطط يمثل 50 بالمئة من الكتلة العمرانية لكل المدن والقرى المصرية".
وأضاف أن "هذا النمو العشوائي مثل أكثر من 70 بالمئة من حجم البناء خلال الفترة من الثمانينيات وحتى عام 2015".
وفي 21 مايو 2020، صدر بيان عن وزارة التنمية المحلية، ورد فيه أن الإسكندرية شهدت 132 ألف حالة بناء مخالف خلال 10 سنوات.
وذلك من يناير 2011 وحتى ديسمبر 2019، ولم يتوقف ذلك البناء المخالف، حتى بعدما تنامى إلى علم السلطات المسؤولة عن ضبط المعمار، فشهد النصف الأول من عام 2020 وحده 1773 مخالفة بناء.
ووفقا للبيان تنوعت المخالفات بين بناء بدون ترخيص وتجاوز في ارتفاع المباني دون ترخيص، إلى جانب البناء على أراض غير مخصصة للبناء.
وزاد من حدة الأمر تعقيدا، أنه نتيجة لكونها مخالفات، يتم البناء سريعا ومن دون مراعاة لمعايير الجودة والسلامة أو الاستعانة بمهندس للإشراف على المبنى حتى لا تلتقطه عين الأجهزة الحكومية قبل الانتهاء منه.
سيناريو كارثي
هناك مثل مصري دارج يقول "إذا عرف السبب بطل العجب"، لكن الأعجب أن المسؤولين وعلى رأسهم رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، يعلمون سبب سقوط العقارات المتكرر في البلاد.
ففي مداخلة تلفزيونية قام بها السيسي في 7 فبراير 2021، مع قناة "إم بي سي" مصر، خلال برنامج الإعلامي عمرو أديب، قال: "نصف المباني السكنية في مصر عشوائية، وتحتاج إلى 4 تريليونات جنيه (نحو 250 مليار دولار آنذاك) لهدمها".
ثم تحدث بشكل واضح عن سبب المشكلة بأن غياب الدولة لسنوات طويلة، مع الفساد الإداري والتنظيمي، وحجم الطلب على المساكن الذي يصل إلى مليون وحدة سنويا، ساهم في تفاقم الأزمة.
وشدد السيسي على أنه لا يستطيع هدم المباني المخالفة، لأن توفير البديل يحتاج في مدينة مثل الإسكندرية فقط، إلى مليون وحدة سكنية تصل تكلفتها إلى 400 مليار جنيه (25.5 مليار دولار آنذاك).
لكنه أغفل أنه مع وجود هذا العدد الكبير من المنازل الآيلة للسقوط فوق رؤوس قاطنيها لأسباب تتعلق بسلامة العقار، بات هؤلاء المواطنون معرضين للموت في أي لحظة مع تعليق التنفيذ، خاصة في ظل غياب البدائل أمام الكثيرين للنجاة بأنفسهم وأسرهم، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية.
وقال الباحث المصري عامر حسن، إن "أزمة العقارات المخالفة والبناء العشوائي عرفته مصر منذ السبعينيات، وتفاقم في عصر الانفتاح خلال عهد الرئيس السابق أنور السادات".
وأوضح حسن لـ"الاستقلال" أن “ظاهرة المقاول (الجاهل) الذي يأتي ويبدأ في البناء دون ضابط أو رابط قد انتشرت، ومع التسعينيات كانت هناك مجتمعات كاملة قد أسست على هذا النسق تحديدا في القاهرة والإسكندرية”.
ولفت إلى أن “هذه الظاهرة أخذت منعطفا خطيرا بعد ثورة 25 يناير مع ضعف الدولة وتراخي الأجهزة الأمنية وحل الإدارة المحلية، لتشهد مصر عقد البناء العشوائي بجدارة، فارتفعت الأبنية وتحملت فوق طاقتها، وحدث تغول على الأراضي الزراعية”.
وأضاف الباحث أننا “في الماضي كنا نشكو من فساد المحليات، حتى إن هناك جملة شهيرة قالها زكريا عزمي (رئيس ديوان الرئيس المخلوع حسني مبارك) عندما سئل عن المحليات فقال: الفساد فيها للركب (دلالة على استفحاله)”.
واستدرك: “لكن مصر حاليا لها أكثر من 13 عاما بلا إدارة أو مجالس محلية، فلنا أن نتخيل أن انتخابات المحليات ينتج عنه 54 ألف عضو مجلس محلي، فهذا العدد غائب، إضافة إلى الفساد والسماح بالمخالفات وهو ما أوصلنا إلى هذا الوضع”.
وتساءل حسن: “ماذا لو حدث زلزال في مصر؟ مجيبا في الآن ذاته “إذا كانت الانهيارات بهذا الشكل دون وجود حدث طارئ، ما بالنا لا قدر الله إذا وقعت كارثة على غرار زلزال تركيا أو المغرب، بلا شك السيناريو سيكون كارثيا ومخيفا، فالفساد والإهمال يقتل أضعاف ما تخلفه الكوارث والحروب”.
المصادر
- استمرار عمليات رفع أنقاض عقار شبرا المنهار ومصرع 6 أشخاص بينهم عروس وقرار رسمي بشأن مالك العقار
- نحو 100 ألف مبنى مهدد.. لهذه الأسباب يستمر انهيار العقارات في مصر
- الاسكندرية وتداعي الأبنية: انهيار 22 عقاراً و300 ألف “في الانتظار”
- مصر: 1.4 مليون عقار آيل للسقوط على مستوى البلاد والمحافظة الساحلية تتصدر القائمة بـ 300 ألف
- "مدينة العقارات المائلة".. أكثر من 7000 مبنى آيل للسقوط بالإسكندرية تهدد أرواح المواطنين..
- وقائع انهيار بنايات في القاهرة تُثير تساؤلات
- مدبولي: البناء غير المخطط أصبح يمثل 50% من الكتلة العمرانية بمصر