ارتفاع عدد ضحايا الاتجار بالبشر في المغرب.. مشكلة قانون أم سلبية حكومة؟

"قانون مكافحة الاتجار بالبشر يتم توظيفه بالمغرب في استهداف المعارضة والحقوقيين"
رغم الجهود التشريعية المغربية لمواجهة الاتجار بالبشر، إلا أن آخر التقارير الأممية بشأن الموضوع تشير إلى أن نتائج حكومة عزيز أخنوش في هذا المجال ما تزال سلبية.
حيث كشف تقرير جديد صادر عن الأمم المتحدة، ارتفاع عدد ضحايا الاتجار بالبشر المكتشفين في المغرب، من 187 ضحية سنة 2023 إلى 217 ضحية خلال 2024.
النساء والأطفال
ولفت التقرير الذي أعده مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، ونشره موقع “العدالة والتنمية” في 12 ديسمبر/كانون أول 2024، إلى أن تجارة البشر في المغرب تستهدف الفئات الضعيفة.
ونبه إلى أن النساء والفتيات يشكلن الحصة الأكبر من الضحايا الذين تم اكتشافهم في جميع أنحاء العالم، حيث يمثلن 61 بالمئة من إجمالي الضحايا في عام 2022، ولا يزال معظمهن يتعرضن للاتجار لأغراض الاستغلال الجنسي، وهو النمط الذي استمر لسنوات عديدة حتى الآن.
وبالتوازي مع ذلك ارتفع عدد الفتيات اللائي تم اكتشافهن، بنسبة 38 بالمئة، وفي العديد من المناطق، يمثل الأطفال الآن غالبية ضحايا الاتجار الذين تم اكتشافهم.
وبحسب الأمم المتحدة، يعد هذا التقرير العالمي حول "الاتجار بالأشخاص لسنة 2024"، بمثابة دعوة إلى اليقظة والتحرك من أجل الأشخاص الذين يتم الاتجار بهم واستغلالهم في سياق اليوم المتقلب.
ولفت إلى أنه بعد انخفاض ملحوظ في الكشف عن الضحايا خلال جائحة كوفيد-19، ارتفع عدد الضحايا الذين تم الكشف عنهم عالميا في 2022 بشكل حاد مرة أخرى، بل وتجاوز مستويات ما قبل الجائحة، حيث ارتفع بنسبة 25 بالمئة مقارنة بـ2019.

اختلالات قانونية
وتعليقا على هذه الإحصاءات قال محمد النويني، المحامي والباحث في القانون الإنساني الدولي، إن المغرب اعتمد قانون مكافحة الاتجار بالبشر منذ سبتمبر/أيلول 2016، لحماية الأطفال والنساء من الاستغلال جنسيا وجسديا.
واستدرك النويني لـ"الاستقلال"، بالقول لكن "قانون مكافحة الاتجار بالبشر "يتم توظيفه في استهداف المعارضة والمدافعين عن حقوق الإنسان".
وذكر أن "الصيغة التي وُضع بها القانون مفتوحة على كل التأويلات والاحتمالات".
وفي هذا الصدد، تبرز قضية الصحفي توفيق بوعشرين، والذي تمت متابعته بتهمة الاتجار في البشر، والحكم عليه بـ15 سجنا نافذة، قضى منها خمس سنوات.
قبل أن يحصل على عفو من الملك محمد السادس صيف 2024، كما وصفت الأمم المتحدة اعتقال بوعشرين بـ "التعسفي" وطالبت بإطلاق سراحه.
وأوضح النويني أنه إذا كان من شروط الأمن القانوني الدقة والوضوح والمفهومية في صياغة النصوص القانونية تحقيقا للمصالح، فإن العبارات التي جاء بها القانون لتعريف جريمة الاتجار بالبشر عبارات فضفاضة قابلة للتكييف والتأويل.
خاصة عندما يتعلق الأمر باستهداف المزعجين والمعارضين والأصوات الحرة.
واسترسل: "لذلك نجد العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان بالمغرب متابعين بهذا القانون، ومنهم صحفيون، ومنهم أيضا معارضون لسياسات الدولة".
وأضاف النويني: "كذلك يمس هذا القانون بحقوق النساء، حيث يستغللن أثناء تسطير هاته المتابعات من خلال التشهير بهن والمس بسمعتهن".
ورأى أن "هذا القانون يهدد حقوق وحريات أغلبية أفراد المجتمع المتشبع بثقافة التكافل والتعاون والتآزر ويجعل جميع المغارية مشاريع متهمين إلى حين".
وأشار إلى أن القانون "يعصف بأمهات المبادئ الأساسية للعدالة والقواعد الفقهية المشهورة من قبيل "قرينة البراءة"، و"لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص"، و"عدم التوسع في تفسير النص الجنائي"، و"الشك يفسر لفائدة المتهم".
وذكر المتحدث ذاته، أن الأصل في سن قانون الاتجار بالبشر وفق فلسفة الاتفاقيات الدولية هو حماية الفئات الهشة من الأطفال والنساء والمهاجرين وغيرهم ممن يتعرضون للاستغلال المنظم.
ورأى أن "هذا يقتضي مساءلة السياسات العمومية المتبعة التي تنتج الفقر والهشاشة، وتفرض على الناس وضعيات صعبة تدفعهم ليكونوا ضحايا لهذه الجريمة المنظمة، لذلك على السلطات أن تراجع حساباتها وإستراتيجياتها بدل الانتقام من معارضيها باستغلال وتوظيف هذا القانون".
وأفاد النويني الباحث في القانون الإنساني الدولي بأن جريمة الاتجار بالبشر هي جريمة عابرة للحدود وقد تكون وطنية تمارس من قبل عصابات إجرامية متخصصة في الجريمة عبر استعمالها لوسائل غير مشروعة بغاية تحقيق الربح، ويرى "أنها جريمة تفترض تعدد الفاعلين ووجود سلسلة منهم".
وأوضح أن الأفعال المادية المجسدة للركن المادي للجريمة محصورة في الفقرة الأولى من المادة 448-1 وهي تجنيد شخص، أو استدراجه، أو نقله، أو تنقيله، أو إيواؤه، أو استقباله، أو المشاركة في ذلك.
مبرزا أنها تتصف بكونها جريمة مركبة يستعمل فيها التهديد أو الاختطاف أو الاحتيال مع استعمال السلطة لارتكاب أفعال أخرى، وبعد اقتران كل هذه الأفعال نكون أمام جريمة الاتجار بالبشر.
وأردف النويني "إنها من الجرائم المستمرة في الزمن بمعنى أنها تحتاج إلى فترة من الزمن لتكتمل الأركان المشكلة لها، وأنها من الجرائم العمدية ينبغي أن يتوفر فيها القصد الجرمي"، مشددا أن العنصر المهم والحاسم في هذه الجريمة هو الاستغلال بمفهوم الفقرة الثالثة من المادة 448-1.
وتفاعلا مع المشكلة، صادقت اللجنة الحكومية المكلفة بتنسيق تدابير مكافحة إجراءات الاتجار بالبشر في مارس/آذار 2023 على خطة وطنية لمكافحة الاتجار بالبشر لعام 2023-2030.
ومن الناحية العملية، افتتحت السلطات مركز استقبال ضحايا الاتجار بالبشر بجهة فاس-مكناس، إلى جانب توقيع اتفاقية إطار للشراكة تتعلق بتفعيل مركز إيواء مستعجل ومؤقت لضحايا الاتجار بالبشر.
جرس إنذار
من جانبه، قال عادل تشيكيطو رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، إن الارتفاع الملحوظ في عدد ضحايا الاتجار بالبشر المكتشفين في المغرب، هو بمثابة جرس إنذار يستدعي تدخلا عاجلا لمعالجة هذه الظاهرة المقلقة.
وأبرز تشيكيطو لموقع "صوت المغرب"، في 13 ديسمبر 2024، أن "انتقال العدد من 187 ضحية العام الماضي إلى 217 ضحية سنة 2024، يعني وجود تحديات عميقة تتطلب تحليلا دقيقا لأسبابها".
وأشار إلى أن شبكات الاتجار بالبشر تستغل أوضاع الفئات الهشة- خاصة النساء والفتيات- الذين يعانون من ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة.
واسترسل: "وذلك يجعلهم أكثر عرضة للاتجار بالبشر، حيث يعد الفقر والبطالة والهجرة غير النظامية من العوامل الرئيسة التي تزيد من تعرض هذه الفئات للاستغلال".
وأوضح تشيكيطو أن ضعف التوعية المجتمعية بمخاطر الاتجار بالبشر وغياب سبل الوقاية منه يسهم في تفاقم المشكلة، منبها إلى أن عددا من الضحايا يتم استدراجهم عبر وعود زائفة بفرص عمل أو حياة أفضل، دون إدراكهم للمخاطر الكامنة.
وشدد على أن دافع الاستغلال الجنسي يبقى الدافع الرئيس للاتجار، مبرزا أنه "نمط متكرر يعكس غياب تشريعات فعّالة تجرّم هذا النوع من الجرائم وتضمن معاقبة الجناة بشكل صارم".
ورأى تشيكيطو أن المغرب في حاجة إلى تعزيز التعاون بين الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني وتكثيف الجهود التوعوية والقانونية لمواجهة هذه الجرائم وحماية الضحايا.

من جانبه، ذكر الحقوقي محمد النويني، أن التشريع لمواجهة الاتجار بالبشر، يهدف إلى التصدي لتنامي ظاهرة الشبكات الإجرامية المنظمة والعابرة للحدود، التي تستهدف فئات هشة على رأسها النساء والأطفال والمهاجرين غير النظاميين.
وأضاف لـ"الاستقلال"، تلك الشبكات التي تنشط بالمغرب مستغلة كونه منطقة عبور واستقرار للعديد من الحالمين بالهجرة نحو أوروبا، فضلا عن اتساع الفوارق بين العالم الحضري والقروي وما يترتب عنها من حالات هجرة داخلية.
وأردف "كما أن عددا من المواطنين المغاربة يقعون بدورهم ضحايا هذه الشبكات بالخارج، وقد تم رصد صور كثيرة للاتجار بالبشر، منها مثلا استغلال الأطفال في العمل المنزلي، والتسول والدعارة، خاصة ما يتم في بعض المدن السياحية".
واسترسل: "كما سُجلت حالات استغلال الفتيان في أعمال السخرة من خلال تجنيدهم كممتهنين في محلات الأعمال الحرفية والصناعة التقليدية والميكانيك".
وأضاف "وأيضا إجبار النساء المغربيات أو الأجنبيات خاصة المهاجرات غير النظاميات من بلدان جنوب الصحراء على الدعارة والتسول، وتشغيل النساء في العمل المنزلي وإجبارهن على تحمل الاستغلال من خلال مصادرة جوازات سفرهن وعدم دفع الأجر والإيذاء الجسدي؛ وبيع الأعضاء والأنسجة البشرية".
ورغم هذا المشهد، تم الإعلان في يونيو/حزيران 2024 عن انتخاب المغرب للرئاسة المشتركة للدورة الرابعة عشرة لاجتماع مجموعة العمل حول الاتجار بالبشر، المنعقدة بمقر الأمم المتحدة بفيينا يومي 8 و9 يوليو 2024، إلى جانب مملكة الأراضي المنخفضة.
المصادر
- تقرير دولي يرصد ارتفاع الاتجار بالبشر في المغرب والنساء أكبر ضحاياه
- تقرير أممي يكشف ارتفاع عدد ضحايا الاتجار بالبشر في المغرب وحقوقيون: هذا جرس إنذار
- وزير العدل ووالي جهة فاس مكناس يفتتحان مركزا لضحايا الاتجار في البشر
- المغرب يطور التصدي للاتجار بالبشر
- المصادقة على الخطة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه برسم 2023-2030