رغم العقوبات.. كيف يؤشر الوضع الحالي لمستقبل أفضل في أفغانستان؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

بالرغم من العقوبات المفروضة على طالبان، والتي انعكست بدورها على الدولة بأكملها بعد سيطرة الحركة عليها، فإن الوضع الحالي يبشر بمستقبل أفضل.

ويأتي ذلك خاصة بعد التزام طالبان بوعودها فيما يخص محاربة الفساد الذي كان مستشريا في ظل حكم النظام القديم، وفق ما تقول صحيفة"فرانكفورتر ألمانيه تسايتونغ".

وفي 15 أغسطس/آب 2021، سيطرت حركة "طالبان" على أفغانستان، بموازاة آخر مرحلة من الانسحاب العسكري الأميركي اكتملت نهاية الشهر ذاته.

وطالبان هي حركة قومية-إسلامية سنية مسلحة تأسست عام 1994، ويقول قادتها إنهم يطبقون الشريعة الإسلامية.

الكهرباء لا تصل

وحاورت الصحيفة الألمانية رئيس شركة الكهرباء الأفغانية (برشنا)، سيف الله أحمدزاي، الذي تقول إنه رفض مغادرة أفغانستان بعد سيطرة طالبان على الحكم.

فبعد تولي طالبان الحكم، سرعان ما رن هاتف أحمدزاي، وكان المتصل أحد قادة طالبان، ليعطيهم رئيس شركة الكهرباء الأفغانية كل المعلومات التي تساءلوا عنها.

وفي صباح اليوم التالي، توجه إلى مقر عمله كالمعتاد، ووجد رجالا مسلحين ذوي لحى طويلة عند جميع مداخل المقر الرئيس للشركة.

ووفقا لما نقلته الصحيفة عن أحمدزاي: "كنت أعلم أنهم لن يؤذونا، فهم يحتاجون إلينا، حيث إننا الوحيدون القادرون على استمرار النظام".

وبناء على ذلك، بقي أحمدزاي جالسا حتى اليوم في منصبه دون تغيير. وتعقب الصحيفة: "الكهرباء ليست أمرا سياسيا، لكن يمكنك تعلم الكثير عن سياسة بلد ما منها".

وتتحدث الصحيفة الألمانية -التي تعرف اختصارا باسم "فاز"- عن أنه بالرغم من مرور 20 عاما من الالتزامات الدولية والمليارات من المساعدات التنموية، فإن 40 بالمئة فقط من السكان الأفغان لديهم توصيلات كهربائية. 

وأشارت إلى أن 80 بالمئة من هذه النسبة تُستورد من الخارج. وهو ما يعني -وفقا لأحمدزاي- أنهم "لا يستطيعون إنتاج الكهرباء بأنفسهم إلا لـ 8 بالمئة من الأفغان".

ولفتت إلى أن رئيس شركة الكهرباء يحاول تغيير هذا الواقع بالرغم من الحكام الجدد والعقوبات المفروضة حاليا.

وتعيد التأكيد على أن "أحمدزاي رفض الهرب عندما سقطت كابول في أيدي طالبان، وذلك بالرغم من أنه كان بإمكانه ذلك، حيث كانت لديه اتصالات في كل مكان، ولغته الإنجليزية جيدة".

وفي هذا الإطار، يقول: "عندما جاءت طالبان، اتصل بي أصدقاء أميركيون وقالوا إن بإمكانهم اصطحابي ووضعي على متن رحلة إجلاء، لكن هل يجب أن أعمل كسائق سيارة أجرة في نيويورك؟". 

وقد سأله بعض الموظفين عن أوراق تساعدهم على إخلائه، لكن أحمدزاي ظل ثابتا على موقفه، وفقا للصحيفة. كما أكد لهم: "لا يمكننا المغادرة، البلاد بحاجة إلينا".

التأثر بالعقوبات

وفي سياق آخر، تقول الصحيفة إن "طالبان كانت مدرجة في قوائم العقوبات الدولية كمجموعة إرهابية، ولذلك تأثرت البلاد بأكملها فجأة عبر الإجراءات العقابية عندما سيطرت الحركة على الدولة".

وتابعت: "ولأن العقوبات المفروضة على انتهاك هذه العقوبات كانت صارمة، لم ترغب أي شركة دولية في المجازفة بالتعامل مع أفغانستان تحت حكم طالبان، بالرغم من أن الحركة وحدها هي المفروض عليها العقوبات".

وأضافت أن هذه العقوبات شملت كذلك البنوك، ونتيجة لذلك، انقطعت البلاد عن معاملات الدفع الدولية بين عشية وضحاها. ومن ثم هددت الدول المجاورة بوقف إمدادات الكهرباء بسبب عدم دفع الفواتير، تقول الصحيفة.

وهنا يقول أحمدزاي: "أخبرتهم أنني سأضمن دفع الفواتير". وفي النهاية، كانت خيارات الدفع الوحيدة عن طريق الشاحنات المليئة بالنقود أو نظام الحوالة التقليدي. 

وأضاف رئيس شركة الكهرباء الأفغانية: "اليوم، ما زلنا نتحدث مع الأمم المتحدة حول طرق أفضل لسداد المدفوعات. وبالنسبة لنا، الكهرباء هي مساعدة إنسانية، فبدونها لا شيء يعمل".

ولفتت الصحيفة إلى أن معاملات الدفع مجرد واحدة من العديد من المشكلات التي واجهت البلاد.

وأوضحت: "فعندما وصلت طالبان إلى السلطة، غادرت البلاد تقريبا جميع الشركات الدولية التي كانت مسؤولة سابقا عن صيانة وإصلاح المرافق، وحتى قطع الغيار لم تعد تصل. وقد أدى ذلك إلى احتراق بعض الدوائر بالفعل في محطتين فرعيتين". 

وأشارت إلى أن أحمدزاي اتصل بشركة سيمنز في دبي وباكستان، لكنه أفاد بأن "الجميع يعتذرون ويقولون إنهم للأسف لا يستطيعون التعامل معنا". ولذا، كان على الفنيين لديه أن يرتجلوا ويحاولوا إصلاح المعدات بطريقة أو بأخرى.

ووفقا لما أفاد به المسؤول الأفغاني، "قبل وصول طالبان للحكم، فقدت الشركة 34 بالمئة من الكهرباء، وجزء كبير من ذلك كان بسبب استيلاء أمراء الحرب الأقوياء والسياسيين الفاسدين على الطاقة دون دفع ثمنها".

وأوضح أن "الحكومة المركزية كانت عاجزة أمام الأمراء المحليين، أو لم ترغب في فعل أي شيء لإصلاح الأمر". لكنه أكد أن هذا الوضع تغير في ظل حكم طالبان.

وشدد على أن طالبان "التزمت بوعدها بوضع حد للفساد الذي كان مستشريا في الجمهورية القديمة"، وأن "الحكومة الحالية تهدد بمصادرة ممتلكات من لا يدفع فواتيره".

ويذكر أحمدزاي أن "هذه السياسة نجحت إلى حد كبير، وبات الوضع المالي الآن مستقرا إلى الحد الذي جعل أفغانستان قادرة مرة أخرى على سداد فواتير الكهرباء في الخارج بانتظام".

تفاؤل كبير

ومع ذلك، يشير إلى أن "مجرد الحفاظ على الشبكة والموارد المالية ليس كافيا، حيث إن الناس يعانون من نقص الكهرباء، ويتعين علينا توسيع قدراتنا".

وفي هذا الإطار، ذكرت الصحيفة الألمانية أنه "حتى وصول طالبان إلى السلطة، مُولت جميع المشاريع تقريبا من قبل منظمات التنمية الدولية مثل GIZ أو الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أو البنك الدولي"، لافتة إلى أن هذه المنظمات "لم تعد موجودة حاليا".

لكن أحمدزاي والمسؤولين الأفغان اكتشفوا أن ذلك له أيضا جانبه الجيد. فعندما كان المانحون يمولون مشروعا ما، كان لا بد من تنفيذ كل شيء وفقا لمعاييرهم، التي كان الالتزام بها معقدا ومكلفا.

ولذا كانت المشاريع تُنفذ غالبا من قبل الشركات العالمية الكبيرة، التي كانت تستجلب فنييها ومهندسيها من الخارج، ويقيمون في فنادق باهظة الثمن، وهو ما كان يرفع التكاليف بشكل كبير.

"ولأن الأفغان حاليا بمفردهم، ويتعين عليهم حل مشاكلهم، فقد فعلوا ذلك بأنفسهم، وفقا للمعايير والأسعار الأفغانية"، بحسب الصحيفة الألمانية.

وأشارت إلى أن أحمدزاي يستطيع تسمية عدد من المشاريع التي تنفذ الآن بسرعة كبيرة. 

فعلى سبيل المثال، استغرق التخطيط لربط مدينة قندهار الكبيرة بشبكة الكهرباء سنوات عديدة، وكلف مبالغ ضخمة من المال. 

لكن شركة الكهرباء أكملت الجزء الأخير من الطريق في وقت قصير جدا، ومقابل 3.5 مليون دولار بدلا من تقديرات سابقة وصلت إلى 20 مليونا. 

وبالرغم من التقدم الحادث حاليا في المشاريع، أفادت الصحيفة بأن أحمدزاي يأمل أن تنتهي العقوبات، وتأتي الشركات الدولية إلى أفغانستان وتستثمر وتقيم المشاريع.

وقد شدد رئيس شركة الكهرباء على أن أفغانستان بإمكانها إنتاج الكثير من الطاقة، موضحا أن "البلاد لديها الطاقة الشمسية والكهرومائية وطاقة الرياح والمواد الخام". 

وأكد على أمله قائلا: "في مرحلة ما سنصدر الكهرباء"، موضحا أن "الأمور تسير بشكل أفضل منذ انتهاء الحرب".

وشدد على أن "التفاؤل ينتشر في البلاد حاليا، مدفوعا بالاستقرار الجديد، وكذلك لأن حركة طالبان اتخذت حتى الآن إجراءات ضد الفساد الذي كان سائدا في النظام القديم".