رؤية لإصلاح مجلس القيادة اليمني رفضتها السعودية.. حقيقة أم أكذوبة؟

"الحديث عن خلافات داخل مجلس القيادة الرئاسي ليس الأول من نوعه"
حديث وسائل إعلام يمنية عن رؤية تقدمت بها الأحزاب المنضوية تحت الشرعية (السلطة المعترف بها دوليا) لإصلاح وهيكلة مجلس القيادة الرئاسي، ورفضها من السعودية، أثار تساؤلات عدة عن صحة هذه المعلومات وتسريبها في الوقت الحالي.
ومطلع أبريل/ نيسان 2022 فوَّض الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي "مجلس القيادة الرئاسي" بكامل صلاحياته، بينما أسندت صلاحيات نائب رئيس الجمهورية إلى سبعة أعضاء يتكون منهم المجلس.
المجلس الذي يضطلع بمهام إدارة الدولة سياسيا وعسكريا وأمنيا طيلة المرحلة الانتقالية، يضم إلى جانب رئيسه كلا من سلطان العرادة، وطارق صالح، وعبد الرحمن أبو زرعة، وعبد الله العليمي، وعثمان مجلي، وعيدروس الزبيدي، وفرج البحسني.
"رؤية للإصلاح"
وفي 26 أغسطس/ آب 2025، نشر العديد من المواقع اليمنية، عن رؤية لإصلاح مجلس القيادة الرئاسي، تقدَّمت بها أطراف سياسية يمنية عدة إلى السعودية بكونها الدولة الراعية للشرعية، لكن الرياض رفضت هذه الرؤية.
ونقل موقع "الخلاصة نت" اليمني في 26 أغسطس، عن مصادر سياسية (لم يسمها) أن "اللجنة السعودية المكلفة بإدارة الملف اليمني، برئاسة وزير الدفاع خالد بن سلمان، رفضت رؤية تقدمت بها الأحزاب اليمنية المنضوية تحت مظلة الشرعية لإعادة هيكلة مجلس القيادة الرئاسي".
وأشار إلى أن الرؤية جرى طرحها على السعودية قبل نحو شهرين، وتضمنت مقترحات لإصلاح المجلس عبر وضع لائحة بالاختصاصات والمهام، في محاولة لمعالجة الانقسام القائم بين أعضائه، والذي حال دون انعقاد اجتماعاته منذ نحو عام كامل".
وبحسب الموقع، فإن "الجانب السعودي رفض الرؤية وطالب الأحزاب الموقعة عليها بإثبات حضورها السياسي والجماهيري في الداخل، وحشد التأييد الشعبي لمقترحاتها". لافتا إلى أنَّ "الوثيقة لم تتطرق إلى مسار العلاقة مع دول التحالف العسكري في اليمن (السعودية والإمارات)".
ورأت المصادر التي نقل عنها الموقع أن "الرؤية التي جاءت في ثلاث صفحات، بأنها لا ترقى إلى مستوى (خارطة طريق)؛ إذ لم تحدد موقفا واضحا من الخلافات داخل المجلس، ولم تربط الإصلاحات المقترحة بالأهداف التي شُكِّل المجلس من أجلها".
وفي التفاصيل، فإن "الرؤية تضمنت خمسة بنود رئيسة، من بينها إصلاح مجلس القيادة، وإصلاحات اقتصادية، وهيكلة المؤسستين الأمنية والعسكرية، وتفعيل دور مجلسي النواب والشورى في العملية السياسية، إضافة إلى إعادة النظر في التمثيل الجنوبي داخل مؤسسات الدولة".
وأبدت الأحزاب مرونة تجاه فكرة تدوير منصب الرئيس داخل المجلس، وأن الأخيرة أجرت خلال الفترة الماضية مشاورات مكثفة في السعودية لدفع مسار إصلاح المجلس، غير أن رئيسه، رشاد العليمي، أبدى تحفظات على هذا التوجه. وفقا للتقرير.
من جهته، رأى موقع "أخبار اليمن اليوم" في 27 أغسطس، أن رفض السعودية للرؤية إلى جانب استمرار الانقسامات الداخلية، ينذر بمزيد من الجمود السياسي، ويهدد بتعميق الفراغ داخل مؤسسات الشرعية، في وقت تتزايد فيه الضغوط الإقليمية والدولية لإيجاد تسوية شاملة للصراع اليمني.
"تصفية حسابات"
وبخصوص حقيقة ما تناقلته وسائل الإعلام من معلومات، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، نبيل البكيري: إن "هذه التسريبات غير صحيحة، وبحسب تواصلي مع قيادات في الأحزاب اليمنية أكدوا لي أنه غير صحيح ما جاءت به هذه التقارير".
ويرى البكيري لـ"الاستقلال" أن "من يقف وراء هذه الشائعات هي بعض الأطراف المحسوبة على الشرعية وعلى المعارضة في الوقت نفسه (لم يسمها), وبالتالي بعض وسائل الإعلام التابعة لها والشخصيات التي على خلاف مع الشرعية".
ورأى أن "هذه الأطراف من خلال بث مثل هذه الشائعات في الوقت الحالي تريد أن توقع الصدام بين قوى الشرعية اليمنية، وبالتالي الهدف من وراء إطلاق هذه التسريبات هي تصفية حسابات داخلية، وليس لها علاقة بالخارج".
من جهته، قال مدير تحرير موقع "يمن فيوتشر" اليمني، الصحفي نشوان العثماني: إن "الكثير من الشائعات تُستغل للمناكفات السياسية أكثر مما تخدم العمل الإعلامي المهني، وبحسب معلوماتنا المتطابقة، لا وجود لأي رؤية مقدمة من هذا النوع".
ونقل موقع "بلقيس نت" عن العثماني في 28 أغسطس، قوله: إنه “لم يلتقِ قادة الأحزاب أو التكتل الوطني مع الجانب السعودي، بل التقوا الرئيس رشاد العليمي ثلاث مرات تقريبا خلال الأشهر الماضية، فكيف يمكن تقديم رؤية لطرف خارجي دون الرجوع إلى القيادة الشرعية أولا؟”
ولفت إلى أن "المنظومة داخل الصف الوطني أو الجمهوري –والتي يمثلها مجلس القيادة الرئاسي– تشهد تباينات واختلافات، وهذا أمر لا شك فيه، لكنها لن تصل إلى اتخاذ مواقف تمس وحدة الصف في هذه المرحلة الدقيقة".
وأكّد العثماني أن "النقد مهم، لكن تغذية الخلافات والترويج الإعلامي المبالغ فيه لا يخدم اليمنيين ولا الصف الجمهوري، ومن الطبيعي أن تكون هناك رؤى متباينة، بل وحتى تحفظات، لكن يجب عدم تحويل ذلك إلى أزمة تُدار عبر الإعلام".
وبحسب الصحفي اليمني، فإنه "الآن، هناك إصلاحات أنعشت الآمال، وقد وجهنا نقدا سابقا للمجلس الرئاسي حين كانت الأمور تتدهور، لكن مع المستجدات الأخيرة، من المهم الإشارة إلى التحسن، والتشجيع على الاستمرار، بدلا من التشويش والتشكيك".
وكان الكاتب والمحلل السياسي اليمني، عبد الباقي شمسان، أكَّد في حديث سابق لـ"الاستقلال" نشر في 24 يونيو، أن "المجلس تأسس منذ البداية على توافقات إقليمية، وبالتالي فإن مكوناته تعبر عن هذه التوازنات على حساب الوحدة الوطنية".
وأضاف شمسان أن "الوطن يتطلب تنوعا متوحدا يعبر عن الحالة الوطنية اليمنية، وأن التنوع المتوحد يكون من أجل هدف وطني، لكن عندما يصبح استجابة لمطالب إقليمية فإنه يفضي إلى تضارب في المصالح، وهذا ما يحصل في الوقت الحالي".
وخلص إلى أن "هذا التنوع ضمن مجلس القيادة لا يعبر عن تطلعات الشعب، وإنما يعبر عن مصالح دول الإقليم في أنها تضمن مصالحها باليمن، وهذا ما يجعل هذه الصراعات في سياقها الطبيعي".
أزمات سابقة
لم يكن الحديث عن خلافات داخل مجلس القيادة الرئاسي هو الأول من نوعه، فقد برزت أزمة سابقة بعد بيان أصدره المكتب السياسي لـ"المقاومة الوطنية اليمنية" التابع لعضو المجلس طارق صالح، شن فيه هجوما لاذعا على رئيسه رشاد العليمي، واتهمه بـ"الإقصاء والتمييز".
واتهم البيان الصادر في 24 يونيو، العليمي بتجاوز الإطار الدستوري والقانوني من خلال الاجتماعات التي يجريها، وطالب بتصويبها، لافتا إلى أن الأخير يجري نقاشات تمسّ حياة المواطن دون حضور المؤسسات المعنية.
وشدَّد على أن ما يقوم به العليمي يُعد تجاوزا للمسؤوليات الدستورية ومصدرا لإضعاف هيكل الدولة، مبديا رفضه لاجتماع الأخير مع قيادات من هيئة التشاور وعدد من الشخصيات الحزبية.
وفي الوقت الذي وصف فيه البيان سياسة العليمي في دعوة المكونات السياسية بـ"الانتقائية"، شدد على أن هذا النهج لا يقدّم حلولا حقيقية بقدر ما يعمق الانقسام ويضعف المؤسسات الرسمية.
ودعا البيان إلى مراجعة السياسات الحالية لضمان مشاركة جميع شركاء العمل الوطني دون تمييز أو إقصاء، وبما يحافظ على التوافق الوطني، مشيرا إلى أن استمرار هذا النهج يهدد بإضعاف مؤسسات الدولة، ويكرّس ممارسات من شأنها تقويض مبدأ الشراكة الوطنية.
في المقابل، أقرّ العليمي بوجود تباينات وخلافات بين أعضاء مجلس القيادة، في ظلّ أزمة خانقة ووضع معيشي سيئ تعيشه البلاد، مع انعدام وجود لأي حلول لمعالجة تدهور العملة وانهيار الخدمات في المناطق المحررة.
وقال العليمي خلال لقاء بقيادات "المجلس الأعلى للتكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية" في 30 يونيو: إن "هناك بعض المكاسب المهمة ذات الصلة بمهام المجلس المشمولة بإعلان نقل السلطة التي من أبرزها وحدة المجلس وتماسكه حول هدف مشترك وعدو مشترك".
ونقلت وكالة "سبأ" اليمنية الرسمية عن العليمي قوله أيضا: "صحيح هناك بعض التباينات" (لم يذكرها)، لكن "مكونات المجلس تتنافس من أجل صدارة المعركة ضد جماعة الحوثي".
وتابع العليمي قائلا: "نحن أمام واحدة من أعقد المراحل التي عرفتها الدولة اليمنية في تاريخها المعاصر، ولم يكن ممكنا القدرة على مواجهتها، لولا صبر الشعب اليمني، ودعم أشقائنا في تحالف دعم الشرعية".
ولفت إلى “حرص المجلس والحكومة على بقاء جسور التواصل مفتوحة مع جميع القوى السياسية”. مبينا أن "الدولة لا تتعامل مع الأحزاب بصفتها جمهورا للاستعراض، بل شريكا يراقب ويشارك في حمل العبء".
ومطلع مايو/ أيار 2022 حصلت خلافات بين العليمي وعيدروس الزبيدي، بسبب إعطاء الأخير توجيهات لتغيير قادة ألوية عسكرية تابعة للشرعية في محافظة أبين دون الرجوع إلى رئيس المجلس الرئاسي، قبل أن يتم توقيف القرار.