من خيانة الشيوعية لمشاريع بـ165 مليار دولار.. علاقة الصين بروسيا إلى أين؟
قبل ثلاثة أسابيع من دخول الدبابات الروسية إلى أوكرانيا في 2022، سافر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى بكين لحضور حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي استضافها الرئيس الصيني شي جين بينج، وهو الحدث الذي تجنبه الزعماء الغربيون.
وفي بيان مشترك، من 5300 كلمة، صدر في نفس اليوم، قال شي وبوتين إن صداقتهما "لا حدود لها"، وهو الإعلان الذي أثار موجة من القلق في الغرب.
ومع تصاعد القلق في الغرب حول التعاون الروسي-الصيني، استعرضت "إذاعة آسيا الحرة" (مقرها واشنطن) أبعاد هذا التعاون، والتحديات التي تعترضه.
وأورد تقرير نشرته الإذاعة أن "بكين كانت أول وجهة خارجية لبوتين خارج بلدان الاتحاد السوفيتي السابق، منذ أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا".
وأوضح أنه "في السنوات الأخيرة، تعمقت العلاقات بين الصين وروسيا، حيث يسعى البلدان إلى إنشاء نظام عالمي جديد ضد منافسهما المشترك، الولايات المتحدة".
لكن استدرك قائلا: "مع ذلك، فقد تجنبت الصين تقديم المساعدة العسكرية المباشرة لروسيا منذ بدء الحرب مع أوكرانيا"، مؤكدا أن "العلاقات الثنائية بين القوتين أكثر تعقيدا ودقة مما هو ظاهر".
خيانة الشيوعية
فعلى سبيل المثال، اتسمت العلاقات بين الصين والاتحاد السوفيتي بالاضطرابات، من ستينيات إلى تسعينيات القرن العشرين، بما في ذلك الصراع الحدودي الذي دام سبعة أشهر في عام 1969".
وأدانت الصين في عهد، ماو تسي تونغ، موسكو بتهمة "خيانة الشيوعية"، في حين سحب الاتحاد السوفيتي كل مساعداته الاقتصادية لبكين.
ووفق التقرير، فلم تهدأ العلاقات إلا بعد أن أصبح، ميخائيل غورباتشوف، الأمين العام للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي، وبدأ الإصلاح السياسي والاجتماعي.
وتابع أنه "بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، اعترفت الصين بالاتحاد الروسي كخليفة شرعي له في 24 ديسمبر/كانون الأول 1991".
ووقعت موسكو وبكين "معاهدة حسن الجوار والتعاون الودي" بعد عشر سنوات، مما مهد الطريق لفصل جديد في شراكتهما الخاصة، حسب الموقع.
وتعد الصين أكبر شريك تجاري لروسيا منذ عام 2010، حيث وصلت التجارة البينية إلى 140.7 مليار دولار في عام 2021، و134.1 مليار دولار في الأشهر السبعة الأولى من عام 2023.
وتهدف الدولتان إلى أن يصل هذا الرقم إلى 200 مليار دولار أو أكثر بنهاية عام 2023، حسب إذاعة آسيا الحرة.
وأضاف التقرير أن "روسيا تُعد ثاني أكبر مورد للنفط للصين، بعد السعودية، حيث باعت 86.3 مليون طن في عام 2022، كما اشترت الصين 68.1 مليون طن من الفحم من روسيا عام 2022".
كما أن الصين واحدة من أكبر المستثمرين الأجانب في روسيا، حيث كشف رئيس الحكومة الروسية، ميخائيل ميشوتين، عن أن هناك حاليا 79 مشروعا مشتركا في كلا البلدين، تبلغ قيمتها الإجمالية أكثر من 165 مليار دولار.
ولكن بغض النظر عن المصالح الاقتصادية المتبادلة، فإن "تصورات أنهما يواجهان تهديدا مشتركا" تكمن في جوهر العلاقات الثنائية، وفقا لإيان ستوري، الباحث في معهد يوسف إسحاق في سنغافورة (ISEAS).
وقال ستوري: "تنظر موسكو وبكين إلى الولايات المتحدة على أنها تتعارض مع مصالحهما الوطنية، وأنها تشكل تهديدا لبقاء نظامي الحكم في الصين وروسيا".
وفي رأيه، فإن القيادات الروسية والصينية تعتقد أن الولايات المتحدة تنتهج إستراتيجية احتواء ضدهما، وأنها "مصممة على الإطاحة بأنظمتهما السياسية الاستبدادية من خلال هندسة "الثورات الملونة".
وردا على ذلك، قامت موسكو وبكين بتعزيز تعاونهما العسكري، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كان هذا التعاون يرقى إلى نوع من التحالف العسكري، وفق إذاعة آسيا الحرة.
وفي عام 2020، سُئل بوتين في اجتماع عما إذا كان مثل هذا التحالف ممكنا، ورد بأن روسيا والصين "تعتقدان دائما أن علاقتهما وصلت إلى مستوى كبير من التعاون والثقة".
وأضاف بوتين: "لقد حققنا مستوي عاليا من التعاون في صناعة الدفاع، أنا لا أتحدث فقط عن تبادل أو شراء وبيع المنتجات العسكرية، ولكن تبادل التكنولوجيات، وهو ما قد يكون الأكثر أهمية".
تفاوت في القدرات
لكن يرى محللون أن التفاوت في القدرات بينهما قد يحول دون تشكيل تحالف.
وكتب الخبير الروسي في مركز كارنيغي للأبحاث، ألكسندر غابويف، أنه "إذا أصبحت الصين، في ظل العقوبات التي يفرضها الغرب، شريكا متزايد الأهمية، سيكون من الصعب على روسيا استبداله بعد ذلك".
لكنه أردف أنه بالنسبة لبكين، "يمكن بسهولة أن يحل طرف آخر محل موسكو، لأن معظم ما تزود به روسيا الصين يمكن شراؤه من مكان آخر".
وقال الخبير الروسي: "بالإضافة إلى ذلك، فإن العقوبات الأميركية والاتحاد الأوروبي تجعل روسيا تعتمد تدريجيا على الصين في التكنولوجيا المدنية ذات الأهمية الإستراتيجية، مثل أنظمة الجيل الخامس"، في إشارة إلى نوع من شبكات الإنترنت عالي السرعة.
وتابع غابويف: "تدرك موسكو وبكين جيدا أن مصالحهما لا تتطابق دائما، ولا يرغب أي من الطرفين في المخاطرة بالانجرار إلى صراع كبير للدفاع عن مصالح شريكه".
ومع ذلك، جاء في بيان مشترك بشأن معاهدة حسن الجوار والتعاون الودي في عام 2021، أنه "على الرغم من أن العلاقات الروسية الصينية ليست تحالفا عسكريا وسياسيا، كتلك التي تشكلت خلال الحرب الباردة، إلا أنها تتجاوز هذا الشكل من التفاعل بين الدول".
وأوضحت إذاعة آسيا الحرة أنه "حتى من دون تحالف رسمي، فقد تعزز التعاون العسكري والعسكري الفني بين البلدين في السنوات الأخيرة، على الرغم من أن حدود هذا التعاون أصبحت أكثر وضوحا منذ الغزو الروسي لأوكرانيا".
وخلال السنوات العشر الماضية، التقى بوتين وشي 42 مرة، كما زار بوتين الصين 22 مرة، وهو عدد أكبر من أي زعيم عالمي آخر زار الصين، ومن جانبه، زار شي روسيا 9 مرات، أي أكثر من أي دولة أخرى زارها، حسب التقرير.
ورغم ذلك، أشار التقرير إلى أن "الصين لم تقدم أي دعم مادي تقريبا للحملة العسكرية الروسية، منذ أن بدأت الحرب الأوكرانية في فبراير/شباط 2022".
لكن دعمت بكين موسكو على مستوى الخطاب الدبلوماسي، وكررت وصفها للغزو بأنه "عملية عسكرية خاصة"، تسبب فيها توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، كما امتنعت الصين عن التصويت على قرار للأمم المتحدة يدين تصرفات روسيا.
تأثير الحرب الأوكرانية
وقال الخبير الروسي في شؤون الجيش الصيني، فاسيلي كاشين، إنه لا توجد مؤشرات على أن الصين تريد تغيير موقفها القائم منذ فترة طويلة بعدم تسليح روسيا خلال حرب أوكرانيا.
والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة حذرت الصين من فرض عقوبات صارمة عليها، إذا زودت روسيا بالسلاح.
وأضاف كاشين: "إذا رأت الصين أنها ستخسر أكثر مما تكسب من بعض الإجراءات لدعم روسيا، فلن تتخذ مثل هذه الإجراءات أبدا".
وأوضح: "لهذا السبب امتنعت الصين عن بيع أسلحة لروسيا، على الرغم من حقيقة أن الأسلحة الصينية من المرجح أن تغير قواعد اللعبة بالكامل في ساحة المعركة في أوكرانيا".
وأردف أنه "بينما تقف بكين على الحياد بشأن الحرب، يبدو أنها في وضع فريد للاستفادة من الفجوة في سوق الأسلحة العالمية التي خلفتها روسيا، لأنه يتعين على موسكو تحويل إنتاج الأسلحة إلى ساحة المعركة".
وحسب ستوري، فإنه "منذ غزو الكرملين لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، أصبح عدد أقل من الدول مهتم بشراء المعدات الروسية".
وبحسب قائمة أعدها موقع "Defense News"، الذي يركز على صناعة الدفاع، فإن 6 من أكبر 15 شركة دفاع في العالم الآن هي شركات صينية.
بدوره، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة سنغافورة الوطنية، إيان تشونغ، أن هناك جدلا حول الحسابات الإستراتيجية للصين.
"إذ يزعم البعض أن بكين تريد من روسيا أن تكون بمثابة شريك أصغر، يمكنه صرف انتباه الولايات المتحدة وحلفائها مع توفير الطاقة والمعادن الأساسية"، حسب تشونغ.
واستدرك: "لكن في المقابل، يرى آخرون أن روسيا الضعيفة تشكل عائقا محتملا أمام الصين".
وختمت إذاعة آسيا الحرة بالقول: "وأيا كان الادعاء الذي ستثبت صحته، فيبدو أن الأدوار في لقاء موسكو وبكين قد انعكست الآن"، في إشارة إلى أن بكين صارت لها اليد العليا في العلاقات بين الطرفين، بعد أن كانت لموسكو تاريخيا.