"أصدقاء يهودا والسامرة".. ما خطة اللوبي الصهيوني داخل الكونغرس تجاه الضفة؟

داود علي | منذ ٥ أيام

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، برزت مجموعة جديدة موالية لإسرائيل، من المشرعين الجمهوريين داخل مجلس النواب الأميركي “الكونغرس”.

 قامت هذه المجموعة فور تدشينها بتقديم مشروع يستهدف الشعب الفلسطيني، متمثلا في قانون يحظر استخدام مصطلح الضفة الغربية في الوثائق الحكومية الأميركية.

أولئك المشرعون طالبوا في مشروعهم المقدم يوم 31 يناير/ كانون الثاني 2025، باستبدال "الضفة الغربية"، بعبارة "يهودا والسامرة" وهو الاسم التوراتي للمنطقة، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.

وتمثل هدفهم الرئيس في تعزيز ودعم مطالبة إسرائيل بالسيطرة الكاملة على الأراضي التي احتلتها خلال حرب 5 يونيو/ حزيران 1967، على رأسها الضفة الغربية.

ولكن متى تأسست؟ ومن هم أبرز أعضائها؟ ولماذا قدموا المشروع تحديدا في هذا التوقيت الصعب على الشعب الفلسطيني والشرق الأوسط؟ 

أصدقاء يهودا والسامرة

أعلن عن تأسيس "أصدقاء يهودا والسامرة" رسميا في 16 يناير 2025، عندما أطلقت النائبة الجمهورية كلوديا تيني المجموعة داخل الكونغرس.

وأعلنت أن المجموعة شكلت خصيصا لتقديم التشريع الذي يرفض مصطلح "الضفة الغربية" ويعزز العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة.

وقالت خلال حفل استقبال في مبنى "الكابيتول" بحضور زملائها من الأعضاء، ورئيس مجلس السامرة الإقليمي يوسي داجان، إن زيارتها لإسرائيل عام 2019 ألهمتها لاتخاذ ذلك الإجراء التشريعي.

وأضافت "كنت أقف هناك في وسط تلك المنطقة، وفي أحد طرفيها، يمكنك رؤية البحر الميت، وفي الطرف الآخر، مدينة القدس الجميلة"، وتابعت: "أدركت في تلك اللحظة مدى أهمية هذا المكان تاريخيا".

وعلقت النائبة المعروفة بانحيازها الكامل للاحتلال: “لطالما تساءلت لماذا نطلق على هذه المنطقة اسم الضفة الغربية؟ لماذا نمحو اسم يهودا والسامرة؟”

وتعد أسماء الأماكن من بين أكثر القضايا التي تعمل عليها وتخطط لها إسرائيل في حربها الممتدة على الشعب الفلسطيني لمحو هويته.

فبعد إعلان قيام دولة الاحتلال عام 1948، وصف الأردن المنطقة التي سيطرت عليها تل أبيب غرب نهر الأردن، بما في ذلك مدينة القدس، بأنها "الضفة الغربية".

وهو المسمى المعترف به دوليا من قبل الأمم المتحدة، بينما أطلق عليها الاحتلال "يهودا والسامرة". 

أعضاء المجموعة 

وينتمي سائر أعضاء المجموعة الجديدة إلى الحزب الجمهوري، وعددهم 20 عضوا، ومن أبرزهم السيناتور توم كوتون (أركنساس)، وراندي ويبر (تكساس - المنطقة 14)، وآندي أوغلز (تينيسي - المنطقة 5)، وماري ميلر (إلينوي - المنطقة 15)، وباري مور (ألاباما - المنطقة 1). 

وشهد حفل التدشين كلمة للنائب راندي ويبر، الذي كان يرتدي ربطة عنق عليها العلم الإسرائيلي في هذه المناسبة، حيث قال: "إن اتفاقيات التسمية ينبغي أن تكون أكثر وضوحا". 

وتابع: "لقد تأسست الولايات المتحدة على مبادئ يهودية مسيحية"، متسائلا بسخرية: “هل لاحظت أنهم لا يقولون إنها تأسست على مبادئ مسيحية الضفة الغربية؟”

وذلك في إشارة إلى أن مسمى الضفة الغربية يخالف النهج اليهودي المسيحي، وأنه يجب أن يطلق عليها "يهودا والسامرة" بحسب التيار اليميني المتطرف في الولايات المتحدة. 

أما السيناتور توم كوتون فأعلن في كلمته أن "الحقوق القانونية والتاريخية للشعب اليهودي في يهودا والسامرة تعود إلى آلاف السنين، وينبغي للولايات المتحدة أن تتوقف عن استخدام المصطلح المشحون سياسيا (الضفة الغربية) للإشارة إلى قلب إسرائيل التوراتي"، وفق تعبيره.

وتحت عنوان "الضفة الغربية؟ لا، يهودا والسامرة، كما يقول بعض الجمهوريين"، قالت الكاتبة "افرات ليفني" التي تعمل على تغطية ملف العدوان الإسرائيلي على غزة: “لقد شجعت عودة الرئيس دونالد ترامب مؤيدي ضم إسرائيل للأراضي المحتلة”.

وبينت في مقال بصحيفة "واشنطن بوست" في 4 فبراير 2025، أن أولئك "يريدون فرض استخدام لغة تعكس الرؤية" المتعارف عليها. 

واستشهدت الصحفية الأميركية بما يقوله معارضو الضم، من أن "استخدام مصطلح يهودا والسامرة على أراضي الضفة، إنما يعكس أجندة سياسية". 

وتابعت: "لقد عززت عودة ترامب إلى السلطة موقف المشرعين اليمينيين في إسرائيل والولايات المتحدة، الذين يدعمون ضم إسرائيل للضفة الغربية".

وعقبت على تلك الأطروحات قائلة: "ومع ذلك فإن الضفة الغربية هي أرض محتلة ينظر إليها الفلسطينيون والمجتمع الدولي منذ فترة طويلة على أنها جزء من الدولة الفلسطينية النهائية". 

واستشهدت الصحفية بما حدث عندما قدم المشرعون الجمهوريون في مجلسي النواب والشيوخ مشاريع قوانين من شأنها حظر استخدام مصطلح الضفة الغربية في الوثائق والمواد الحكومية الأميركية، واستبدال العبارة بـ"يهودا والسامرة".

وبينت أن “هذا الاقتراح اللغوي يهدف إلى تعزيز ودعم مطالبة إسرائيل التاريخية بالأراضي التي استولت عليها من الأردن في حرب عام 1967 واحتلتها عسكريا منذ ذلك الحين”.

مساع إسرائيلية 

ومع ذلك فإن التشريع الخاص بالضفة قدمته مؤسِّسة المجموعة الجديدة، كلوديا تيني لأول مرة في العام 2024.

لكن هذه المرة أقدمت عليه بشكل مختلف تحت غطاء مجموعة أصدقاء يهودا والسامرة، التي تأسست كـ"لوبي" مخصص لهذه القضية. 

كما أنه يطرح مرة أخرى وسط ديناميكيات متغيرة بشكل جذري في واشنطن؛ حيث أعلن ترامب عن دعمه القوي لإسرائيل. 

وأيضا في ظل سيطرة الجمهوريين الآن على الكونغرس، بأغلبية ضئيلة في مجلس النواب والشيوخ، وهو ما لم يكن قائما خلال حكم الديمقراطيين.

وقد أشار ترامب فور بدء ولايته إلى دعمه للسياسات التوسعية الإسرائيلية، لا سيما أنه في ولايته الأولى اقترح ضم إسرائيل لجزء كبير من الضفة الغربية.

وفي 4 فبراير 2025، التقى ترامب برئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في واشنطن، وهي أول زيارة يجريها زعيم أجنبي للقائه منذ عودته إلى البيت الأبيض.

وعندما سئل ترامب في المؤتمر الصحفي، عما إذا كان يؤيد ضم أجزاء من الضفة الغربية، رفض الرد بشكل مباشر، لكنه لم يرفض الفكرة تماما أيضا.

وقال في إشارة إلى إسرائيل: "إنها بالتأكيد دولة صغيرة من حيث المساحة". 

واستخدم ترامب تشبيها لتوضيح وجهة نظره: "مكتبي هو الشرق الأوسط، وهذا القلم، أعلى القلم، هو إسرائيل، هذا ليس جيدا، أليس كذلك؟ إنه فرق كبير جدا".

ومنذ سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية، استوطن مئات الآلاف من المستوطنين الإسرائيليين هناك بموافقة حكومية ضمنية وصريحة، حيث يعيشون في ظل القانون المدني الإسرائيلي. 

بينما يخضع الفلسطينيون هناك للقانون العسكري ويتمتعون بحقوق أقل، وقد أدى تزايد عدد المستوطنات وحجمها إلى تآكل الأراضي المتاحة لهم بشكل مطرد. 

خاصة أن تعزيز قبضة إسرائيل على الضفة الغربية هو هدف معلن للعديد من المشرعين في الائتلاف الحاكم اليميني المتطرف الذي يتزعمه نتنياهو.

ويأمل العديد من المستوطنين أن يدعم ترامب المشروع، في حين يرى المجتمع الدولي إلى حد كبير أن المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية.

ولطالما أعلن الفلسطينيون بمختلف ممثليهم بداية من المقاومة، وصولا إلى السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، أن إسرائيل تزحف بشكل متسارع نحو الضم عبر قضم الأراضي وبناء المستوطنات، مما يحول الأراضي اللازمة لإقامة دولة مستقلة إلى خليط غير قابل للإدارة.

قالب جديد 

لكن خطورة مجموعة "أصدقاء يهودا والسامرة" أنها تطرح قضية جدلية في أروقة السياسة الأميركية، في قالب جديد، ومنظم بهدف الضغط المستمر على حكام البيت الأبيض سواء الحاليون أو في المستقبل.

ومما يظهر حجم التباين في الرؤى بين الإدارات الأميركية، أنه في عام 2019، أعلنت إدارة ترامب السابقة أن الولايات المتحدة لا تعد المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية غير قانونية.

وهو على عكس السياسة القديمة في عهد الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، حيث أنهى ترامب ما كان ينظر إليه على أنه عائق مهم أمام الضم. 

وفي العام 2024، أعلن وزير الخارجية آنذاك أنتوني بلينكن، أن المستوطنات الإسرائيلية تتعارض مع القانون الدولي وأن إدارة الرئيس جو بايدن تعارضها.

وفي نفس العام وقع بايدن، بصفته رئيسا، أمرا تنفيذيا يسمح للولايات المتحدة بفرض عقوبات على الأشخاص الذين يخلون بالسلام في الضفة الغربية، مشيرا إلى تصاعد عنف المستوطنين.

وبعد أن جاء ترامب، ألغى كل هذه العقوبات في أول يوم له في منصبه، وهو ما أثار احتفاء إسرائيليا.

وفي مقال نشر أخيرا على موقع "Just Security" وهو منتدى قانوني على الإنترنت، قال براد بروكس روبين، المستشار الأول السابق في مكتب تنسيق العقوبات التابع لوزارة الخارجية، أن إلغاء إدارة ترامب لقرار بايدن "يوفر انتصارا نفسيا وخطابيا" لحركة الاستيطان وحلفائها، خاصة في الولايات المتحدة"، ومن ضمنهم حاليا "مجموعة أصدقاء يهودا والسامرة" في الكونغرس.

كما شجعت هذه الخطوة المشرعين الإسرائيليين التوسعيين، فقد رحب وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، وهو مستوطن ومعارض صريح للدولة الفلسطينية، بتراجع ترامب عن قراره بصفته تعبيرا عن "الارتباط العميق للرئيس بالشعب اليهودي وحقنا التاريخي في أرضنا". 

وبينما كان نتنياهو متوجها إلى واشنطن، وصف سموتريتش ترامب بأنه "عاشق لإسرائيل" على وسائل التواصل الاجتماعي وقال: "يتعين علينا تعزيز قبضتنا وسيادتنا على الوطن في يهودا والسامرة".

ومع ذلك، فإن الدعم الجمهوري لحركة الاستيطان والتغييرات في لغة المناقشة المحيطة بجهودهم، وإطلاق مجموعة مثل “أصدقاء يهودا والسامرة”، جعلت حتى بعض جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في واشنطن، تشعر بالقلق إزاء آفاق تل أبيب على المدى الطويل فيما يتصل بالسلام.

فمثلا قال جيريمي بن عامي، رئيس منظمة “جيه ستريت” اليهودية المؤيدة للسلام، تعليقا على دعوة المجموعة الجديدة لتغيير اسم الضفة الغربية: "الخطير في هذا الاقتراح ليس ما يريدون تسميته بالأرض، بل الاقتراح بتأكيد السيادة الإسرائيلية عليها".

وتابع: "هذا ما يسمى بالضم، وهو ليس غير قانوني بموجب القانون الدولي فحسب، بل إنه ناقوس الموت لأي أمل في تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية والعالم العربي السني".