ليث الدليمي.. كابوس الحلبوسي الذي أطاح به من رئاسة برلمان العراق
تصدر السياسي العراقي السني ليث الدليمي، وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في البلاد، بعد الإطاحة برئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وإنهاء عضويته بقرار من المحكمة الاتحادية العليا (أعلى سلطة قضائية) بتهمة التزوير التي يعدها القانون "مخلة بالشرف".
قرار المحكمة الذي صدر في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، جاء على خلفية دعوى قضائية رفعها ضده البرلماني السابق ليث الدليمي، اتهم فيها الحلبوسي بتحرير طلب استقالة مزور يحمل اسمه، والذي استند الأخير إليه واتخذ قرارا بإقالته من عضوية البرلمان.
خصم عنيد
رغم أن الحلبوسي يعد من أقوى الشخصيات السياسية السنية وصاحب النفوذ والمنصب الأعلى المخصص للمكون السني في البلاد بحكم العرف السياسي، لكن ذلك لم يمنع الدليمي من الدخول معه في معركة إعلامية وقضائية شرسة انتهت بالإطاحة برئيس البرلمان.
تمكن الدليمي خلافا للزعامات السياسية السنية التي عاداها الحلبوسي، طيلة 5 سنوات تولى خلالها رئاسة البرلمان، أن يستمر في معركته القضائية، وعدم سحبها رغم دعم الإطار التنسيقي الشيعي للأخير، والتهديدات التي وصلت إلى فريق محاميه، ورفض نواب الإدلاء بشهادتهم أمام المحكمة.
ففي 3 مارس/ آذار 2023، قال الدليمي خلال مقابلة تلفزيونية: "لدي 4 محامين الذين وكلتهم في قضيتي (ضد الحلبوسي) لم يحضر أي أحد منهم جلسة المحكمة الاتحادية التي عقدت اليوم، وذلك بسبب التهديدات التي وصلت إليهم، وبعضهم طلب الانسحاب وآخرون غادروا العراق".
وأوضح الدليمي في مقابلة تلفزيونية في 18 نوفمبر، أنه "طيلة المدة التي كنت أتابع فيها قضيتي مع القضاء، كان لدى الإطار التنسيقي توجه داعم للحلبوسي، وأن بعض قياداته متمسكة بالأخير وحريصة جدا على عدم استقبالنا لتبيان ما هي مخالفات رئيس البرلمان، وكانوا يصدقون به ولا يستمعون إلينا".
ولفت إلى أن "الكثير من القيادات الشيعية والسنية كانت تحابي الحلبوسي وكانت تستبعد أن يتخذ القضاء العراقي قرارا بهذه القوة والشجاعة، وعندما طلبنا من بعض النواب الشهادة بالمحكمة في قضيتنا، رفضوا توقعوا أنه تغلغل في مفاصل الدولة والقضاء ولا يمكن اتخاذ قرار ضده".
وشدد الدليمي على أن "الحلبوسي أدين بقضية مخلة بالشرف وهي التزوير، إضافة إلى أنه تعاقد مع شركة صهيونية، وكان أس التطبيع مع إسرائيل في العراق، وهناك أدلة على ذلك. ويفترض أن يلقى عليه القبض ويحال إلى المحاكم المختصة لمحاكمته".
تعود قصة الخلاف بين الدليمي والحلبوسي إلى 7 مايو/ أيار 2022، حين أقال الأخير الأول بموجب استقالة مقدمة منه، لكنه طعن في الاستقالة، وتمت تسوية الموضوع بعد ضغوط سياسية من تحالف "السيادة" السني الذي ينتمي إليه الاثنان، ليتم التراجع عن الإقالة.
وعندما حدثت خلافات جديدة بين الشخصيتين في 15 يناير 2023، قام الحلبوسي بإخراج ورقة بيضاء موقعة من الدليمي- كان من المقرر استخدامها لكتابة وصل أمانة مالية عليها-، وطبع عليها استقالة جديدة للأخير.
وجرت هذه العملية بعدما قام رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، بقص 3 إلى 5 سم من أعلى الورقة لأنها معنونة إليه بصفته الشخصية، وطبع عليها الاستقالة الجديدة للدليمي، والتي على إثرها جرى إنهاء عضوية الأخير رسميا من البرلمان العراقي.
وبعدها لجأ الدليمي إلى المحكمة الاتحادية العليا واتهم رئيس البرلمان بأنه زوّر هذه الاستقالة كونها دون تاريخ مكتوب من صاحب الاستقالة، وأن طول الورقة أقصر من الورقة الطبيعية المعروفة.
ونظرت المحكمة بحجج الدليمي، واقتنعت بها وأدانت الحلبوسي بالحنث باليمين والتزوير وأنهت عضويته في البرلمان وفق أحكام الدستور العراقي، لأنه مدان بتهمة مخلة بالشرف، كما أمرت المحكمة الاتحادية العليا بإنهاء عضوية ليث الدليمي على إثر الاستقالة الأولى.
معتقل سابق
ليث مصطفى حمود جزاع الدليمي من مواليد بغداد عام 1976، سياسي سني حاصل على شهادتي بكالوريوس من جامعات عراقية، واحدة في الإدارة والاقتصاد، والثانية في مجال الإعلام، وبدأ العمل السياسي عام 2009، بمشاركته في انتخابات مجالس المحافظات.
فاز الدليمي بعضوية مجلس محافظة بغداد، واستمر في عمله لمدة ثلاث سنوات حتى اعتقل عام 2012، بتهمة الإرهاب، وذكرت دوائر التحقيق أنه اعترف لهم بانتمائه إلى تنظيم القاعدة منذ عام 2005.
وحين عُرض مع متهمين آخرين في مؤتمر صحفي أمني مباشر على الهواء، كسر الدليمي قيده واستصرخ بقائد شرطة بغداد السابق عادل دحام، وقال له إن اعترافه كان بالإكراه وأنه يستغيث به خشية القتل من ضابط التحقيق الذي كان حاضرا بجانبه وهددهم بالتعذيب في حال تحدثوا بشيء.
واختلف الإعلام العراقي في التعليق على هذا المشهد، فقالت قنوات أحزاب شيعية إنها تمثيلية، فيما ذمّت قنوات سنية ما حدث للدليمي منتقدةً الحكومة للسماح بالتعذيب من أجل تحقيق مكاسب سياسية.
أما القائمة العراقية التي كان ينتمي إليها الدليمي فقد طالبت حينئذٍ الرئاسات الثلاث بالتدخل الفوري لإنقاذ حياة الدليمي، وأبدت الكتلة في بيان لها في مايو/ أيار 2012، أسفها لما جرى من استنجاد الدليمي وطلبه الحماية والأمن أثناء التحقيق على أيدي ضباط.
وعلى إثر ذلك، أُعيد التحقيق في قضيته بعد أن لبث في السجن 5 سنوات، وأُفرج عنه سنة 2017 بعد تبرئته لعدم كفاية الأدلة.
وفي مقابلة تلفزيونية في 22 ديسمبر 2017، قال الدليمي إن قضيته كانت استهدافا سياسيا من برلمانية تدعى عتاب الدوري، والتي هي من ذات المكون السني الذي ينتمي إليه، وذلك بسبب التنافس وتقديمي خدمة للمناطق التي أنتمي إليها في شمال بغداد.
وأشار الدليمي إلى أنه قرر مسامحة الدوري لكونها امرأة، وبالتالي هو لا يستطيع الدخول في خلاف معها، والتحرك ضدها لهذا السبب فقط، رغم أنها تسببت في إيذائه طيلة 5 سنوات قضاها في السجن.
وأكد الدليمي في وقتها أن الآلاف من أمثاله أبرياء ومازالوا يقبعون خلف القضبان، ورأيناهم بأعيننا، وأن الأجهزة الأمنية المسؤولة عن التحقيقات هي من ضللت الحكومة وأرسلت لهم تحقيقات مفبركة، وتسببت في ضياع أعداد كبيرة من الشباب في السجون.
نائب بالبرلمان
عاد الدليمي إلى العمل السياسي، وشارك في الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2018، ضمن تحالف المحور الوطني السني، الذي كان غريمه اللاحق محمد الحلبوسي زميلا له في ذات التحالف كأحد نوابه، وتسلم رئاسة البرلمان لولايته الأولى عن طريقه.
وفاز الدليمي في هذه الانتخابات بأعلى أصوات تحالفه عن محافظة بغداد بعد حصوله على (6965) صوتا، وأصبح عضوا في لجنة النزاهة البرلمانية للمدة من 2018 وحتى إجراء الانتخابات البرلمانية في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.
وشارك الدليمي في انتخابات عام 2021 ضمن تحالف "تقدم" بزعامة محمد الحلبوسي، وفاز بمقعد برلماني عن محافظة بغداد بعدما حقق أعلى الأصوات من بين جميع المرشحين السنة في عموم العاصمة العراقية، وذلك بحصوله على 17.830 صوتا.
وكُلف الدليمي في وقتها بإدارة تنظيمات شمال بغداد لحزب تقدم بزعامة الحلبوسي، حتى يوم 22 أبريل 2022، حين أعلن الأخير في بيان عن فصله من تنظيمات الحزب، بسبب عدم التزامه بسياقات وتوجيهات القيادة ومخالفته الضوابط الحاكمة في النظام الداخلي.
لكن الدليمي ظهر في مقابلة تلفزيونية عام 2022، وأكد أن فصله من حزب تقدم كان بسبب الزيارة التي أجراها إلى علي الحاتم السليمان أمير قبيلة دليم التي ينتمي إليها، وذلك لأن الحلبوسي علاقته سيئة مع الأخير.
وأوضح الدليمي أن الحلبوسي اتصل بي وتهجم عليّ لأنني زرت الشيخ الحاتم، و"هددني بكسر ظهري كما كسر ظهر جمال الكربولي (زعيم حزب الحل)، وظهر الحزب الإسلامي العراقي".