خطة السيسي لبيع أصول الدولة.. لماذا أثارت غضب المصريين؟
دعت أحزاب مصرية للمشاركة في حملة للتصدي لجريمة بيع الأصول
تثير “لجنة تصفية الأصول” المصرية مخاوف كبيرة في الأوساط السياسية والاقتصادية تتعلق بفقدان الدولة إيراداتها وثرواتها.
وبعد أيام قليلة من أدائها اليمين الدستورية، أعلنت الحكومة المصرية برئاسة مصطفى مدبولي في 11 يوليو/ تموز 2024، عن "إنشاء لجنة تصفية الأصول" بهدف تحقيق من 20 إلى 25 مليار جنيه سنويا للخزينة العامة للدولة.
وستتبع اللجنة وزارة المالية برئاسة وزير المالية الجديد أحمد كوجوك، وستعمل على تحقيق مستهدفها من عائدات تخارج الدولة خلال الأعوام المقبلة.
وستسعى لخفض الديون الداخلية والخارجية التي أثقلت ميزانية الدولة، بحسب وثيقة الخطة الحكومية الجديدة خلال الثلاث سنوات المقبلة.
وكان البنك المركزي المصري أعلن في تقريره الصادر خلال يونيو/ حزيران 2024، ارتفاع إجمالي الدين الخارجي إلى 168 مليار دولار.
وأضاف أن 82.5 بالمئة من الدين الخارجي هو طويل الأجل، ويعادل 43 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وهناك تساؤلات حول مدى شفافية وسلامة عمليات بيع الأصول، خاصة مع الاتهامات التي تطال النظام بسوء الإدارة والفساد والانصياع إلى القوى الإقليمية مثل الإمارات والسعودية أو الدولية مثل الصين.
بيانات الرفض
ولم يقف الوضع عند إنشاء اللجنة فحسب حيث تضمن برنامج الحكومة الجديد المعلن في 11 يوليو بعض الخطوات الأخرى لمعالجة ملف الدين.
ويشير البرنامج إلى دراسة الحكومة تنفيذ عدد من البدائل لتخفيف عبء المديونية ودعم الموازنة العامة.
وذلك عبر استمرار وزارة التعاون الدولي بجهودها في تنفيذ برامج مبادلة الديون مع شركاء مصر في التنمية بمشروعات استثمارية مشتركة تخلق المزيد من فرص العمل وتسهم في دعم النمو الاقتصادي، وفق وثيقة برنامج الحكومة الجديد المعروض على مجلس النواب لمناقشته.
وتوالت بيانات الرفض من أقطاب القوى السياسية المتعددة، وغرد عبر "إكس" مؤسس الحركة المدنية الديمقراطية في مصر، يحيى حسين عبد الهادي، قائلا: “خلعت السلطة وريقة التوت التي كانت تداري بها تفريطها في أصول الدولة تحت مسميات كاذبة مخادعة، وأعلنتها صراحة أخيرا”.
وأتبع: "يصبح من العبث مخاطبة البائع الفاقد للأهلية والمصداقية .. ولكن يجب إعلام وإعلان كل من اشترى أو يفكر في أن يشترى أيا من هذه الأصول أننا براء من هذه السلطة وكل بيوعاتها".
وكذلك تحرك التيار الناصري، الذي دعا كل الشخصيات والقوى الوطنية للتضامن مع حملة التصدي لجريمة بيع أصول الدولة والوقوف صفا واحدا ضد من وصفهم بـ "سماسرة الوطن".
وقال في بيان: "إنه في ظل إصرار مريب على البيع والتفريط في مؤسسات وشركات الملكية العامة وأصول الدولة، يعلن التيار الناصري الموحد رفضه التام للسياسات الاقتصادية التي تنتهجها السلطة التي لا تملك أي رؤية اقتصادية وطنية ولا تسلك أي مسار يؤسس إلى استقلال وطني".
مصيدة الديون
ودون خالد علي المحامي والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية عام 2012 تدوينة على حسابه بـ "فيسبوك" ذكر فيها: "الأصول دي (هذه) حقوق الأجيال القادمة.. دور أي نظام انه يعظم هذه الأصول ويزودها مش (لا أن) يتخلص منها أو يصفيها".
وعقب الحزب الشيوعي المصري على تصفية الأصول، وعدها نتيجة منطقية لسقوط الدولة في مصيدة الديون.
وذكر أن الوضع الحالي سببه الأزمة الخانقة للاقتصاد الوطني، وإضعاف قطاعاته الإنتاجية وهيمنة قطاعات الاستيراد والنشاط العقاري والخدمي والمضاربات في الأراضي وسوق المال، وجر مصر لمصيدة الديون.
وأكد الحزب أن أعباء سداد أقساط الديون الخارجية وفوائدها السنوية تلتهم الجانب الأكبر من بنود الإنفاق في الميزانية.
وتؤدي إلى رهن القرار المصري بيد الدول الدائنة وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، وصندوق النقد الدولي.
ولفت إلى أن تحالف أحزاب الحركة المدنية، سبق أن حذر قبل سنوات من مخاطر هذه السياسة، وطرح الرؤى البديلة لإنقاذ الاقتصاد المصري والتحرر من التبعية للخارج ومن الخضوع للدائنين.
وشدد أن السلطة تجاهلت كل الأحزاب والقوى الوطنية وأصرت على التمادي في سياسات تفكيك مفاصل الاقتصاد المصري، وإفقار الشعب، والمزيد من السقوط في مصيدة الديون والتبعية.
بداية الخطة
وبدأ التحرك الفعلي نحو هذه الإستراتيجية، صبيحة 3 سبتمبر/ أيلول 2019، عندما أصدر رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، قرارا نقل بموجبه مجموعة من الأصول العقارية بالغة الأهمية، المملوكة للدولة، إلى ملكية صندوق مصر السيادي.
وأسس السيسي هذا الصندوق عام 2018، بحجة الاستفادة من الأصول غير المستغلة.
وبموجب القرار زالت صفة النفع العام عن عدد من الأراضي والعقارات من أملاك الدولة العامة، لتصبح ملكا للصندوق.
ومن أبرز الأصول المستحوذ عليها آنذاك، أرض ومبنى مجمع التحرير، بميدان التحرير وسط القاهرة.
وأرض ومباني المقر الإداري لوزارة الداخلية (المبنى القديم)، بشارع الشيخ ريحان، المتفرع من ميدان التحرير.
وكذلك أرض ومبنى الحزب الوطني بجوار المتحف المصري في ميدان التحرير الذي احترق إبان ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.
كما شملت العقارات أيضا "أرض ومباني ملحق معهد ناصر على النيل في القاهرة، وأرض ومباني القرية التعليمية الاستكشافية بمدينة السادس من أكتوبر.
وأيضا أرض ومباني القرية الكونية بمدينة السادس من أكتوبر، وأرض حديقة الأندلس (حديقة الحيوان في مدينة طنطا) بمحافظة الغربية.
تلك القرارات جاءت بمثابة الصدمة للشارع المصري، ولعدد من السياسيين والاقتصاديين، خاصة أن الأصول المعلن عنها، من الأماكن التي لها بعد تاريخي وقومي، وليست بمأمن من البيع كما حدث سابقا، مثل جزيرتي تيران وصنافير اللتين فرط فيهما السيسي للسعودية.
خلفيات التحصين
ومن الأسئلة التي جرى طرحها، كيف استطاع النظام والحكومة تنفيذ هذه الإجراءات دون حسيب أو رقيب، وبأي مسوغ قانوني؟
الأمر يعود إلى أبريل/ نيسان 2018، فبأمر من السيسي، أطلقت الحكومة "صندوق مصر السيادي"، بموجب القانون رقم 177 لسنة 2018 لتنقل إليه ملكية الأصول غير المستغلة بالدولة، وبرأس مال يصل إلى 200 مليار جنيه مصري.
ووفقا للمادة السادسة من قانون الصندوق، “لرئيس الجمهورية حق نقل ملكية أي من أصول الدولة غير المستغلة إلى الصندوق أو أي من الصناديق التي يؤسسها، والمملوكة له بالكامل بناء على العرض من رئيس الوزراء والوزير المختص”.
وكذلك الأصول المستغلة تكون كالأصول غير المستغلة بإضافة الاتفاق مع وزير المالية والتنسيق مع الوزير المعني.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ حصن السيسي نفسه من دعاوى الطعن والبطلان، عندما جرى تعديل القانون في يوليو/ تموز 2020، لتحصين قرارات نقل الملكية إلى الصندوق من الدعاوى من طرف ثالث.
إذ وافق البرلمان المصري الذي يتحكم به السيسي على "ألا ترفع الدعاوى ببطلان العقود التي يبرمها الصندوق أو التصرفات التي يتخذها لتحقيق أهدافه، أو الإجراءات التي اتخذت استنادا لتلك العقود أو التصرفات إلا من أطراف التعاقد، دون غيرهم".
وبموجب القانون، لا يخضع الصندوق لرقابة البرلمان المصري، حيث تنص المادة 11 على أن "يتولى مراجعة حساباته مراقبا حسابات، أحدهما من الجهاز المركزي للمحاسبات، وآخر من المراقبين المقيدين لدى البنك المركزي أو الهيئة العامة للرقابة المالية".
وهو ما يعطي للسيسي ونظامه سعة في التصرف بأصول الدولة بأريحية كاملة، وبسرعة فائقة دون العودة لهيئات أخرى.
ودون الوقوع في قيد البيروقراطية الحكومية، مثلما حدث تماما في قرارات السيسي الأخيرة الخاصة بأراضي ومباني وسط البلد (القاهرة) والمناطق المجاورة لها، التي تطمع الإمارات على سبيل المثال في الاستحواذ عليها، كما استحوذت على العديد من الأصول.
احتلال اقتصادي
الصحفي الاقتصادي، أحمد محيي الدين، يرى أن فخ القروض وبيع أصول الدولة ليس جديدا أو وليد اللحظة أو خاصا بمصر فقط، مع وجود اختلاف جوهري.
وتابع لـ"الاستقلال": "سبق أن فعلته الصين مثلا مع عدة دول في التسعينيات، ومع إندونيسيا وماليزيا، وسيطرت على عصب اقتصاد تلك البلدان بصفتها مناطق نفوذ طبيعية لبكين واستطاعت امتلاك أصولها".
وأضاف: "هناك أمثلة أيضا في إفريقيا حيث تجتاح عمليات شراء أصول الدول، أنغولا وجيبوتي وإثيوبيا وكينيا وزامبيا، وتنشط دول كبرى في ذلك على رأسها فرنسا والولايات المتحدة وروسيا والصين".
ثم عقب: “أما في مصر نمثل حالة مختلفة لأننا أمام نظام على استعداد لرهن البلاد بأكملها لتجاوز أزمته الاقتصادية”.
وذكر أن "مصر فيها فجوة تمويلية تصل إلى 40 مليار دولار للعام، وتحتاج على الأقل لـ 20 مليار دولار لسد عجز الموازنة، وحل أزمة التضخم المتفاقمة والديون المتراكمة وفوائدها".
واستطرد: "لذلك فإن الدول التي تخطط للاستحواذ على أصول مصر، تريد أخذ نصيب من الكعكة لرجل العالم العربي المريض".
وشدد: “نحن أمام حالة خطيرة سيتم فيها بيع وتصفية أصول الدولة بوتيرة متسارعة غير مسبوقة”.
ويعتقد أن “هذه مرحلة أشبه ما تكون بفترة الخديوي إسماعيل (المؤسس الثاني لمصر الحديثة)، الذي أضاع البلد وتسبب في احتلالها فيما بعد بسبب الديون”.
ويقول محيي الدين: "نحن بالفعل أمام احتلال ولكن من نوع جديد، حيث سيكون المصريون مستقبلا شعبا بلا موارد أو أصول حقيقية باقية".
المصادر
- مصر: لجنة لتصفية أصول الدولة… والتيار الناصري يدعو للتصدي لـ«سماسرة الوطن»
- ماذا وراء قرار إنشاء لجنة تصفية الأصول في مصر؟.. مخاوف واسعة
- مصر تسدد ديونا داخلية وخارجية بقيمة 25 مليار دولار
- مصر تخطط لإنشاء لجنة تصفية الأصول لجمع 25 مليار جنيه سنويا
- هل أنشأت مصر صندوقها السيادي لبيع أصول الدولة؟
- بعد تحصين صندوق مصر السيادي.. هكذا يخطط السيسي لبيع أصول مصر لسداد الديون