خليل الرحمن حقاني.. سياسي أفغاني جاهد ضد السوفييت والأميركان وقتله تنظيم الدولة
"خليل الرحمن حقاني رجل جهاد حيث حرص على حمل السلاح في كل إطلالاته"
بعد صلاة عصر 11 ديسمبر/ كانون الأول 2024، كان وزير شؤون اللاجئين الأفعاني والإعادة إلى الوطن، خليل الرحمن حقاني، يهم بمغادرة المسجد في العاصمة كابول، قبل أن يقترب منه أحد الأشخاص، ويناديه طالبا المساعدة.
ليقول حقاني لأعوانه "اتركوه واسمحوا له أن يعرض ما لديه"، فلما اقترب منه فجر نفسه وأسفر عن مقتل حقاني و6 أشخاص آخرين.
وهو ما أكده ابن أخيه أنس حقاني، في تصريح لوكالة "رويترز" البريطانية، حيث نعى عمه، قائلا: "فقدنا مجاهدا شجاعا جدا، لن ننسى أبدا تضحياته".
بعدها أعلن “تنظيم الدولة” مسؤوليته عن التفجير الانتحاري الذي أسفر عن مقتل حقاني (58 عاما).
وحملت حركة “طالبان” في بيان، تنظيم الدولة مسؤولية الهجوم الذي وصفته بأنه "دنيء"، مشيدة بتاريخ حقاني، حيث قالت إنه "مجاهد كبير، وقد ارتقى شهيدا".
تاريخ حقاني
اسمه خليل الرحمن حقاني، ولد في 1 يناير/ كانون الثاني 1966، بإقليم بكتيا، جنوب شرقي أفغانستان، وعاصمته مدينة کرديز.
وينتمي إلى قبيلة "زادران" من عرقية البشتون، واحدة من العرقيات الكبيرة المنتشرة في أفغانستان وباكستان.
درس العلوم الشرعية في صغره، وتأثر بعمه الشيخ جلال الدين حقاني، أحد أشهر قادة الجهاد الأفغاني ضد الروس في ثمانينيات القرن الماضي.
وخليل الرحمن هو شقيق جلال الدين، مؤسس شبكة "حقاني" الشهيرة، التي ينسب إليها الهجمات الشرسة وعمليات المقاومة التي شهدتها أفغانستان خلال عقدين من حكم “طالبان”، سواء ضد الاتحاد السوفيتي، وكذلك الاحتلال الأميركي الذي بدأ عام 2001.
وهو أيضا عم وزير الداخلية الحالي سراج الدين حقاني.
ولعب خليل الرحمن دورا خلال الحرب الأفغانية الأميركية، عندما شارك في جمع التبرعات الدولية لصالح طالبان، لدعم عملياتها الميدانية في أفغانستان.
وفي عام 2002، نشر رجالا تحت مسؤوليته لتعزيز تنظيم القاعدة في ولاية بكتيا.
وعام 2009، كان من قادة عملية خطف الجندي الأميركي، بو بيرغدال، الذي احتجز لمدة 5 سنوات في الشريط الحدودي بين أفغانستان وباكستان.
وهو الجندي الذي أفرج عنه في عملية تبادل أسرى بوساطة قطرية، أطلق بموجبها سراح 5 من كبار قيادات “طالبان” من معتقل غوانتنامو عام 2014، في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما.
وفي عام 2010، قدم خليل الرحمن التمويل اللازم لطالبان في ولاية لوغار بأفغانستان، لترسيخ قدمها هناك.
وقد رصدت واشنطن مكافأة مالية تصل إلى خمسة ملايين دولار مقابل الإدلاء بمعلومات عن خليل الرحمن.
ووصفته أنه أحد أبرز قادة "شبكة حقاني" التي صنفتها واشنطن، “منظمة إرهابية”.
وفي فبراير/ شباط 2011، صنفت وزارة الخزانة الأميركية، خليل الرحمن حقاني "إرهابيا عالميا" نظير قيادته الجهاد الأفغاني عبر "شبكة حقاني" ضد قواتها.
شبكة حقاني
ويعود تأسيس "شبكة حقاني" إلى عام 1970 من قبل جلال الدين، وهو الشريك القديم لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.
حيث تم تأسيس المجموعة من أجل القتال و"الجهاد" ضد السوفييت المحتلين آنذاك.
وبعد فترة وجيزة من دخول الولايات المتحدة لأفغانستان عام 2001، ساعد حقاني حركة طالبان في إنشاء جبهة مناهضة للولايات المتحدة.
خلال تلك المرحلة تعهدت شبكة حقاني بالولاء الكامل لمجلس قيادة طالبان، حيث منح لها حق اتخاذ القرارات في الجماعة.
بعد ذلك عمل كبار قادة الشبكة على رأسهم سراج الدين (ابن عم خليل الرحمن) على ترسيخ دورها، ووضع مكانة خاصة لها ضمن الهيكل التنظيمي لطالبان.
وفي عام 2007، نفذت شبكة حقاني أول هجوم (استشهادي) استهدفت فيه القوات الألمانية على الطريق السريع بين كابل ومدينة جلال آباد.
وفي تجمع لمؤيدي طالبان في قندهار، قال خليل الرحمن " جهزت خلال 20 سنة أكثر من ألف مجاهد للقيام بعمليات ضد القوات الأميركية والأجنبية في أفغانستان".
وتابع: "الحصول على الاستقلال ليس أمرا سهلا، لو لم تكن هناك تضحيات".
وفي عام 2011 نشرت مجلة "نيوزويك" الأميركية تقريرا عن الكتاب الذي أصدرته "شبكة حقاني" في نفس العام ويحمل اسمها.
وقالت إن İالكتاب مكون من 144 صفحة وطبع منه نحو 10 آلاف نسخة وتم تصويره وتوزيعه في الإقليم ما بين أفغانستان وباكستان".
وتابعت: "صدر الكتاب بلغة الباشتو (اللغة الأكثر انتشارا في المنطقة) ويدعو السكان المحليين للانخراط في الشبكة ويدعوهم للمقاومة".
وعقبت أن نشر الكتاب له دلالات على نجاح إستراتيجية التيار "السلفي-الجهادي" في تحويل الجهاد إلى ظاهرة محلية، ملمحة أن لخليل الرحمن حقاني دورا في كتابة ونشر هذا الكتاب على نطاق واسع.
الوزير حقاني
ظلت الصورة السائدة عن خليل الرحمن حقاني أنه رجل قتال وجهاد، حيث حرص على حمل السلاح في كل إطلالاته الميدانية والإعلامية.
وفي عام 2021 بعد انسحاب القوات الأميركية والأجنبية من أفغانستان، وسيطرة حركة طالبان مرة أخرى على الحكم.
أصبح خليل الرحمن وزيرا لشؤون اللاجئين في حكومة طالبان المؤقتة، وهي الحكومة التي تشهد سيطرة "شبكة حقاني" على المؤسسات الأمنية الرئيسة بداخلها، بما في ذلك وزارتي الداخلية والاستخبارات وعدد من الوزارات الأخرى.
وعبر عدد من قيادات بعض المؤسسات الدينية البارزة على المستوى الدولي، عن حزنهم لاغتيال الوزير الأفغاني.
وأدان رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، علي القرة داغي، الهجوم، وقال في بيان: "بمزيج من الحزن والرضا، نتقدم بالتعازي للأمة الإسلامية وأشقائنا في أفغانستان في وفاة الشيخ خليل الرحمن حقاني رحمه الله".
وأكد أن "الشيخ خليل كان رمزا للعمل المخلص لخدمة دينه وشعبه، وقد تولى وزارة شؤون اللاجئين والمهاجرين، حيث كان يعمل على تخفيف معاناة المستضعفين وإعادة بناء أفغانستان في ظل التحديات، وترك إرثا من الحكمة والصدق في العمل، وسيظل نموذجا في خدمة الأمة".
كذلك استنكر رئيس “الهيئة العالمية لأنصار النبي صلى الله عليه وسلم”، محمد الصغير، عملية الاغتيال التي وصفها بـ"الغادرة".
وقال في تغريدة عبر “إكس” إن "الشيخ خليل كان من قدامى المجاهدين، وشقيق العلامة جلال الدين حقاني، والد وزير الداخلية الحالي خليفة سراج الدين حقاني، تغمده الله بواسع رحمته، ورفع درجته وأخلف الأمة خيرا، وخالص العزاء والدعاء لأسرة حقاني، وعموم الشعب الأفغاني".
ردود الفعل
وفور إعلان اغتيال حقاني في العملية الإرهابية، أصدرت مجموعة من الدول، بيانات شجب وإدانة.
وقال وزير خارجية باكستان إسحاق دار، إنه "صدم بسبب الهجوم الذي أسفر عن مصرع وزير اللاجئين في أفغانستان".
وأضاف "باكستان تستنكر بوضوح جميع أشكال الإرهاب ومظاهره".
كما أكدت خارجية قطر رفضها لجميع أشكال العنف والإرهاب والاغتيالات السياسية، مشددة على أهمية تحقيق الاستقرار في أفغانستان.
وفي السياق ذاته، أدانت إيران الواقعة، وأعربت عن تعاطفها مع أسر الضحايا.
كما استنكرت السعودية الهجوم، معربة عن تعازي المملكة ودعمها للشعب الأفغاني في مواجهة العنف.
كما وصفت تركيا الهجوم بأنه “إرهابي”، مؤكدة تضامنها الكامل مع أفغانستان.
ورأت منظمة التعاون الإسلامي أن الهجوم عمل إرهابي يتنافى مع القيم الإنسانية.
كذلك أدانت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس" التفجير.
وجاء في بيان نشرته الحركة: "ندين الهجوم الإرهابي الذي أدى إلى اغتيال خليل الرحمن حقاني وزير اللاجئين في حكومة تصريف الأعمال الأفغانية وعدد من مرافقيه في العاصمة كابول".
وأضافت: "نعبر عن تضامننا الكامل مع الشعب الأفغاني الشقيق ونتقدم بخالص التعازي والمواساة لحكومة تصريف الأعمال وعائلات الضحايا ولذويهم جميل الصبر والاحتساب".