خلافة الدالاي لاما.. لماذا تهدد بتفجير العلاقات بين الهند والصين؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

عدت صحيفة إيطالية خلافة "تينزن غياتسو" الزعيم البوذي الروحي للتبت أو "الدالاي لاما" قضية سياسية وثقافية ودينية تهدد بتفجير العلاقات بين بكين ونيودلهي وجميع المناطق المحيطة.

تشرح صحيفة "لينكياستا" بأن التوتر قد يتصاعد خاصة على المناطق الحدودية بين الهند، التي عاش فيها الدالاي لاما لعقود من الزمن مع حكومة التبت في المنفى، والصين التي يطالب فيها الحزب الشيوعي الحاكم بحق اختيار الشخصيات القيادية الدينية.

ومصطلح الدالاي لاما يشير إلى المرجع الديني الأكبر والأقدس في إقليم التبت، ويتبوأ هذا المنصب حاليا "تينزن غياتسو" الراهب البوذي الصيني.

ويقع إقليم التبت الذي يتمتع بحكم ذاتي جنوب غربي الصين، وتقول بكين إنه يعد جزءا من أراضيها منذ عقود، وهو ما يرفضه العديد من سكانه، ويعدون أنفسهم مستقلين عنها.

وبسطت بكين سيطرتها على الإقليم بعد أن غزا الجيش الصيني المنطقة عام 1950، وتعامله كمنطقة حكم ذاتي.

وغادر "الدالاي لاما"، قصره في إقليم التبت بالصين إلى الهند في 1959، بعدما سحقت القوات الصينية محاولة انتفاضة في "التبت".

انفجار جديد

وقالت الصحيفة إنه "رغم تراجع الحديث عن التبت على الساحة الدولية مقارنة بذي قبل، فإن المسألة على وشك الانفجار في المستقبل القريب بسبب قضية خلافة تينزن غياتسو المثيرة للجدل".

وبينت أنه "عندما يتعلق الأمر بشرق آسيا وبصورة خاصة بكين، فإن المسارح الأكثر خطورة هي دائماً مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي. 

إلا أن "المنطقة الحدودية" الوحيدة التي وقعت فيها اشتباكات حقيقية منذ أعوام وشهدت سقوط ضحايا هي مكان آخر، ذلك الواقع بين الصين والهند.

 حدث ذلك في يونيو/حزيران 2020 على إثر انهيار الهدنة الطويلة التي صمدت لبعض الوقت نتيجة اشتباكات أسفرت عن سقوط عشرات القتلى. 

ومنذ ذلك الحين، وقعت اشتباكات طفيفة في عدة مناسبات لكنها حالت حتى الآن دون استقرار الوضع.

في سبتمبر/أيلول 2023، وعشية قمة مجموعة العشرين في نيودلهي والتي لم يحضرها الرئيس الصيني شي جين بينغ، اقترحت حكومة بكين خريطة جديدة لحدود بلادها تشمل مختلف الأراضي المتنازع عليها مع الهند.

 من ناحيته، عد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ذلك بمثابة هجوم تزامن مع انعقاد القمة التي قدمها كحدث رئيس لولايته الثانية.

في الأثناء، جرى إدراج زيارة الدالاي لاما إلى سيكيم إحدى المناطق المتنازع عليها، والواقعة بين نيبال وبوتان التابعة للهند منذ عام 1975 بعد استفتاء.

 وحدد الدالاي لاما موعد الزيارة في الفترة من 17 إلى 18 أكتوبر وهو تاريخ ليس محض صدفة، على حد تعبير الصحيفة الإيطالية.

فهو يتزامن مع المنتدى الثالث لمبادرة الحزام والطريق الذي استقبل فيه الرئيس الصيني نظيره الروسي فلاديمير بوتين في 17 أكتوبر.

وفي النهاية، جرى تأجيل زيارة الزعيم البوذي إلى موعد لاحق بسبب الفيضانات التي ضربت سيكيم في الأيام الأخيرة إلا أن التوتر قد يتصاعد خصوصا وأن مثل هذه الأحداث باتت متكررة، تشير الصحيفة الإيطالية. 

ضد بكين

وتذكر بأن غياتسو حل في صيف عام 2022 بمساعدة الحكومة الهندية في لاداخ بالقرب من الأراضي المتنازع عليها وألقى منها خطابا قويا للغاية ضد الحكومة الصينية.

يبلغ الدالاي لاما الحالي من العمر 87 عاما وسيتعين عليه قريبا تحديد خليفته رسميا. وفي السابق كان أشار إلى أن وريثه سيأتي من الهند أو نيبال أو بوتان أو منغوليا. باختصار، أي من أي بلد تُمارس فيه البوذية التبتية خارج سيطرة الحزب الشيوعي الصيني، تستنتج لينكياستا.

من جانبها، تجادل بكين أن لها الحق في اختيار الدالاي لاما القادم، كجزء من إرث ورثته منذ أيام الإمبراطورية وحافظت عليه منذ استضافة الهند لحكومة التبت في المنفى، أي منذ الانتفاضة الفاشلة ضد مؤسس جمهورية الصين الشعبية ماو تسي تونغ عام 1959.

وفي عام 1995، جرى اختيار صبي يبلغ من العمر ستة أعوام ليكون "البانتشن لاما" الجديد، ثاني أهم شخصية في الديانة إلا أن السلطات الصينية اعتقلته بعد ثلاثة أيام واستبدلت به بمرشحا آخر. وفي عام 2016، تلقت منغوليا شكاوى قوية من بكين بشأن زيارة الدالاي لاما.

وفي مارس 2023،جرى  ترشيح طفل يبلغ من العمر ثماني سنوات وهو في الأصل من منغوليا، كعاشر خالخا جيتسون دامبا، ثالث أهم منصب في البوذية التبتية. 

إلا أن الصين لم تعترف بالترشيح وعدته استفزازيا بالنظر إلى أن الطفل ولد في الولايات المتحدة وهو ما يورط واشنطن بشكل مباشر، التي كانت عازمة على الاعتراف بجميع خيارات الدالاي لاما الذي تعده بكين "انفصاليا".

تأمل منغوليا ألا تعاني من أي تداعيات لا سيما أن البلاد تعد مركزا رئيسا لبكين، كما أنه من المقرر أن يعبرها خط أنابيب الغاز "قوة سيبيريا 2" الرابط بين روسيا والصين. 

وهناك أيضاً بعد داخلي، تضيف الصحيفة، في إشارة إلى خشية الحكومة الصينية من اندلاع بعض التوترات في منطقة التبت المتمتعة بالحكم الذاتي، خصوصا في ظل فرضية أن لا يقبل البعض الزعيم الديني الذي قد ترشحه السلطات المركزية الصينية.

تدخل أميركي

في نفس السياق، تأتي دعوة وزير الخارجية الصيني وانغ يي في أوائل أكتوبر خلال منتدى في التبت بالقول "علينا أن نلتزم بالاحترام والثقة المتبادلين، ونحافظ بشكل مشترك على الوحدة الإقليمية ونحترم سيادة الطرف الآخر وسلامته الإقليمية".

كما تحدث وانغ عن "أكاذيب اختلقتها بعض القوى الغربية" استنادا إلى "تحيزات أيديولوجية" في إشارة إلى قرار الولايات المتحدة، في أغسطس/آب 2023، فرض عقوبات على مسؤولين صينيين بسبب ضلوعهم في سياسة “الاستيعاب القسري” للأطفال في التبت.

من جانبها، تحاول بكين الرد من خلال نشر البيانات المتعلقة بالتنمية في التبت لا سيما وأنه خلال سبعين عاماً، جرى استثمار ما يقرب من 255 مليار دولار في البنية التحتية والخطط الاقتصادية.

فيما استقبلت المنطقة بين عامي 2016 و2020، أي في السنوات الأربع التي سبقت تفشي جائحة كوفيد-19، مائة وستين مليون سائح معظمهم محليون. 

إلى ذلك، نما اقتصاد المنطقة إلى 216.5 مليار يوان (31 مليار دولار أميركي) في العام 2022، وهو ما يتوافق مع معدل النمو الوطني الصيني البالغ 3 بالمئة.

 وفي الخطة الخماسية الرابعة عشرة (2021-2025)، خُصص للتبت نحو ثلاثين مليارا خاصة للمشاريع المرتبطة بقطاع النقل. 

كما يجرى العمل حاليا على ما يسمى بـ "مشروع القرن"، وهو خط سكة حديد جديد سيربط عند اكتماله (المتوقع في عام 2030) لاسا بسيتشوان - تشنغدو في 21 ساعة فقط أي ثلث الوقت الذي يُستغرق حاليا لقطع هذه المسافة عن طريق البر.

قبل بضعة أشهر، أرسل الرئيس الصيني رسالة نادرة إلى منتدى التنمية في التبت، دعا فيها إلى بناء "تبت اشتراكية جديدة" تكون "مزدهرة ومتناغمة ومبنية على الوحدة والحضارة".

 وقال أيضا إنه يتعين على المنطقة تكثيف الجهود لتعزيز التنمية عالية الجودة لإنهاء قرون من الفقر المدقع.

وهي إشارة أكثر وضوحا، من تلك التي جاءت عام 2021، موعد الزيارة الأولى لرئيس صيني إلى لاسا بعد ثلاثة عقود، وفق الصحيفة. 

وفي تلك المناسبة، دعا إلى احترام المعتقدات الدينية للسكان المحليين، لكنه شدد أيضا على الحاجة إلى إدارة الشؤون الدينية وفقا للقانون وتوجيه البوذية التبتية للتكيف مع المجتمع الاشتراكي.

لكن مسألة خلافة الدالاي لاما قد تعيد القضية برمتها إلى دائرة الضوء الدولية، مما يؤدي إلى تأجيج التوترات مع الهند على الحدود المتنازع عليها والمهمة بالنظر إلى موقعها الجغرافي ومواردها المائية العديدة، تختم الصحيفة. 

الكلمات المفتاحية