جورج غالاوي نموذجا.. كيف يمكن قراءة سياسة بريطانيا الداخلية إزاء غزة؟
فاز السياسي المخضرم جورج غالاوي بنحو 40 بالمئة من الأصوات في الانتخابات الفرعية للبرلمان البريطاني عن مدينة روتشديل، التي هيمنت عليها الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة.
واستهدف غالاوي زعيم حزب العمال البريطاني كير ستارمر في خطاب النصر وقال "كير ستارمر، هذا من أجل غزة"، وأضاف "ستدفعون ثمنا باهظا للدور الذي لعبتموه في تمكين الكارثة وتشجيعها وتغطيتها، التي تحدث حاليا في غزة المحتلة".
وقد أطاح غالاوي، وهو عضو برلماني سابق عن حزب العمال، بحزبه السابق في 3 انتخابات، وسيعود إلى البرلمان للمرة الرابعة خلال 37 عاما.
وقال غالاوي "إن حزب العمال يدرك أنه فقد ثقة الملايين من ناخبيه الذين صوّتوا له بإخلاص جيلا بعد جيل".
وعلى الرغم من الحملة التي هيمنت عليها الأحداث في الشرق الأوسط، قال غالاوي إنه يأمل في تشكيل "تحالف كبير" مع أعضاء مجلس روتشديل للعمل على القضايا المحلية.
ويأتي فوزه بعد واحدة من أكثر الانتخابات الفرعية إثارة للجدل في الذاكرة الحديثة.
وضع مغاير
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة ستار التركية مقالا للكاتب "عمر أركام كيتشيجي" سلطت فيه الضوء على تأثير الحرب في غزة على السياسة البريطانية الداخلية وتناقض الإعلام البريطاني بخصوص إسرائيل.
ولطالما اشتهر غالاوي بموقفه اليساري ضد إسرائيل. فعندما فاز ليفربول بدوري أبطال أوروبا في عام 2019، احتفل بأنه لن يكون هناك علم إسرائيلي على الكأس وتم طرده كمعلق لهذا السبب.
ومن المعروف أنه يدعم اليهود الذين يقولون إنهم معادون للصهيونية بحسابه إكس الذي يستخدمه بشكل مكثف للغاية.
يجب أن نذكر أيضًا رد فعله الشديد على قرار ترامب بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ومن بين سماته الأخرى انحيازه المعادي للرئيس التركي أردوغان وتصويره للعمليات العسكرية العابرة للحدود التركية كمحاولات لتطهير عرقي.
وهذا الخطأ الأخير هو شيء يشترك فيه العديد من السياسيين البريطانيين الآخرين ويجعله يتشابه معهم إلى حد ما. ومع ذلك، فإن الجوانب الأخرى وخاصة الموقف الثابت لسنوات ضد اضطهاد إسرائيل تشكل وضعا مغايرا في البرلمان.
وأشار الكاتب التركي أن إقصاء مرشح حزب العمال "علي أزهر" بشكل قسري كان له تأثير كبير في فوز جورج غالاوي.
حيث كان من المتوقع أن يفوز أزهر بالمقعد وكان يتمتع بثقة كبيرة في هذا الأمر.
ومع ذلك، بعد أن أعرب عن اعتقاده بأن إسرائيل قد سمحت عمدا بحصول هجمات حماس، تعرض لانتقادات حادة وضغوط سياسية وإعلامية كبيرة.
واستغل حزب المحافظين الحاكم هذه الفرصة لتوجيه انتقادات شديدة لحزب العمال وتعزيز فرص غالاوي في الفوز.
وبالفعل، تمت إقالة "علي أزهر" من قبل زعيم حزب العمال كير ستارمر نتيجة للضغوط السياسية والردود السلبية التي تلقاها.
أين حرية التعبير؟
وقال الكاتب التركي إن هذا الحدث بلا شك يشكل دليلاً دامغا على عجز المملكة المتحدة في مجال حرية الفكر والتعبير.
ومرة أخرى تمّ إثبات أن "النظام القائم" في المملكة المتحدة يتبع توجيهات إسرائيل بشكل كامل.
فعندما يتعلق الأمر بادعاءات ونظريات إدانة حماس، تقوم وسائل الإعلام البريطانية بترويجها من خلال الأخبار والمقالات.
ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بنظريات إدانة إسرائيل، يتم قمع هذه الادعاءات بأشد الردود وأكثرها عنفا واستنفارا، كما لو كان هذا الادعاء يمثل أكبر خطر على المملكة المتحدة.
ولا تتردد وسائل الإعلام البريطانية والسياسيون أنفسهم في اتهام تركيا بقمع حرية الفكر والصحافة عندما يتم اعتقال أولئك الذين يدعمون منظمات إرهابية بنسبة 100 بالمئة بناءً على أدلة قوية.
وهذه التناقضات الواضحة تشكل بلا شك خداعا كبيرا بالنسبة للمملكة المتحدة.
فالنظام القائم في المملكة المتحدة يواجه احتجاجات متزايدة، حتى من بين الشباب.
بالإضافة إلى أن حزب المحافظين البريطاني يشهد أيضا احتجاجات من قبل أولئك الذين يعارضون جرائم إسرائيل وينتقدون التاريخ الاستعماري والعنصرية وتجارة الرقيق.
والعديد من الكتاب المحافظين يعترفون بأنهم يفقدون تأييد الشباب تدريجيًا.
وظهر هذا الصراع بشكل واضح أيضا في استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، حيث أظهر الشباب بشكل عام تأييدهم للبقاء في الاتحاد الأوروبي.
تحول مجتمعي
وذكر الكاتب التركي أنه في عام 1967، تعرض طفل يبلغ من العمر 8 سنوات للضرب من قبل إدارة المدرسة بسبب تعبيره عن عدم إعجابه بالملكة.
وحتى نهاية الستينيات، لم تسمح الملكة حتى للأقليات العرقية بالعمل كخدم في القصر.
وعلى الرغم من أنّه كان هناك تمجيد وتفاخر بالتاريخ البريطاني والشخصيات البارزة فيه، إلا أنّ الأكاديميين والمؤرخين يقدمون وجهات نظر متنوعة ومتعددة حول هذه الفترة التاريخية.
وعندما ننظر إلى الأيام التي نعيشها الآن بعد نصف قرن تقريبًا، فإنه من الواضح أن هناك تحولا اجتماعيا جوهريا وأن له تأثيرا لا مفر منه على القرارات السياسية..
فمن خلال الأحداث التي تجري، يمكن التوقع أن تؤدي الإبادة الجماعية التي تحدث في غزة وتأثيرها على الناس في المدى الطويل إلى تطورات مختلفة.
فعلى سبيل المثال، تم نشر مقالات مختلفة في وسائل الإعلام الرئيسة المؤيدة للإبادة الجماعية في المملكة المتحدة، بحيث تحذر حكومة إسرائيل من أنها تواجه خسارة لا يمكن تصحيحها في السمعة وتدهور الصورة حتى لو كانت تعد أفعالها مبررة.
وذكر الكاتب التركي أنه على الرغم من أن هؤلاء الكتاب لا يعبرون عن ذلك بوضوح، إلا أن هذا التدهور في السمعة والصورة ينطبق عليهم أيضًا كداعمين لأفعال إسرائيل.
فكلما فُقِدَت الثقة الشعبية فيهم، وكلما أصبحوا غير قادرين على التواصل مع عدد أكبر من الأشخاص على أرضية مشتركة، زادت المشاكل والتحديات التي يواجهونها كحكومة. وبالمثل، كلما اتسع الانقسام بين الناس زادت مشاكل البلد.
وأشار الكاتب إلى أن المملكة المتحدة بمواجهة احتمالين حتميين: إما أن تستمر العقلية القائمة في السيطرة على الأمور، ولكن بفقدان أكبر للسمعة والثقة وتصاعد التطرف والانقسام في المجتمع.
أو أن يصل التحول العقلي الذي يظهر في الأجيال الشابة إلى مستويات أكثر جدية ويؤدي إلى تحولات أخرى داخل البلاد. ويبدو الاحتمال الثاني أكثر احتمالية.
وقد تكون عودة غالاوي، الذي كان في وقت سابق مهمشا ومنبوذا، إلى البرلمان هي مقدمة لمزيد من التطورات.
وقد نشهد أيضًا في المستقبل المتوقع عودة جيريمي كوربين، والذي تم إيقافه عن قيادة الحزب بسبب قضية معاداة السامية، أو صعود شخص مشابه له.
في الواقع، يتم التركيز في المقالات التي تثير القلق في وسائل الإعلام الإسرائيلية على زيادة الانتقادات الموجهة لإسرائيل بين الأجيال الشابة، وحتى الشباب الإنجيليون الأمريكيون يبتعدون عن دعم إسرائيل.
وبالتالي قد نشهد في السنوات القليلة المقبلة، وليس في المستقبل القريب، نموًا لأفكار وآراء جديدة تمامًا في هذه الحدائق التي زُرعت بذورها في هذه الأيام.