الاحتلال يظهر أبو صفية مكبلا.. وناشطون: سيبقى أيقونة لصمود غزة

جيش الاحتلال الإسرائيلي اعتقل أبو صفية من شمال قطاع غزة
في أول ظهور له منذ اعتقاله في ديسمبر/كانون الأول 2024، بدا مدير مستشفى كمال عدوان الأسير الدكتور حسام أبو صفية، في أحد سجون الاحتلال الإسرائيلي مكبل اليدين والقدمين، ومحاطًا بالجنود، وأمامه طاقم تصوير القناة 13 العبرية ومراسلها.
وبثّت وسائل إعلام عبرية، في 19 فبراير/شباط 2025 مقطع فيديو يُظهر أبو صفية، في حالة من الإرهاق والضعف، أثناء اقتياده من قِبل حراس السجن.
وأفادت بأنه من بين الأسرى الفلسطينيين المقرر إطلاق سراحهم في الثاني والعشرين من نفس الشهر ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار.
ونشر مراسل القناة 13 العبرية يوسي إيلي، فيديو أبي صفية عبر حسابه على منصة إكس، والذي ظهر فيه لأول مرة من "سجن عوفر" المُقام على أراضي بلدة بيتونيا، غرب مدينة رام الله، وسط الضفة الغربية المحتلة.
وزعم إيلي، أن أبو صفية لم يتعرَّض للتعذيب، قائلا: "التقينا به في سجن عوفر، وهو في حالة ممتازة"، مضيفا أن الطبيب الأسير أبلغه أنه كان هناك أسرى إسرائيليون في المستشفى التي كان يشرف عليها "وكان يعتني بهم".
وكانت وزارة الصحة في قطاع غزة قد أعلنت في 28 ديسمبر 2024، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي اعتقل أبو صفية، بمحافظة الشمال.
وقبلها بيوم واحد، اقتحم الجيش الإسرائيلي مستشفى "كمال عدوان" وأضرم النار فيه وأخرجه من الخدمة، واعتقل أكثر من 350 شخصا كانوا داخله، بينهم أبو صفية، الذي لقيت صورته بِرِدائه الطبيّ الأبيض وحيدا وسط الدمار موجة استنكار عربية ودولية.
ومع اشتداد الإبادة الإسرائيلية، دفع أبو صفية ثمنا شخصيا باهظا عندما فقد نجله إبراهيم، في اقتحام الجيش المستشفى في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، ودفنه في ساحة المستشفى بسبب الحصار الذي فُرِض على المنطقة.
وفي 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، تعرض أبو صفية لإصابة في الفخذ وتمزق في الأوردة، نتيجة قصف إسرائيلي بقنبلة استهدفت المستشفى، لكنّه رفض مغادرة مكانه رغم تردّي حالته الصحية، وواصل علاج المرضى والجرحى نتيجة العدوان.
واستمر أبو صفية في تقديم الرّعاية الطبية المتوفرة حتى أطبق الاحتلال الإسرائيلي حصاره على المستشفى، وخرج منها يشقّ طريقه وسط الركام والأنقاض نحو مدرعات الجيش، في مشهد ختامي لعملية عسكرية أطلقها ضد مستشفى كمال عدوان.
وحسام إدريس أبو صفية، هو استشاري طب أطفال، من مواليد مخيم جباليا شمال قطاع غزة، لعائلة من أعلام عائلات شمال القطاع، هُجّرت خلال نكبة عام 1948 من بلدة حمامة قضاء غزة.
عمل أبو صفية ضمن طواقم وزارة الصحة الفلسطينية، وتولى رئاسة قسم الأطفال في مستشفى كمال عدوان، ثم إدارة المشفى كاملا، وهو إلى جانب كفاءته المهنية يحمل درجة الماجستير في طب الأطفال، ودرجة البورد الفلسطيني في التخصّص ذاته.
الحرية لـ"أبو صفية"
واستنكر ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي تعمد الاحتلال تصوير أبو صفية مكبل اليدين والقدمين بالأصفاد، وتحدثوا عن الرسائل والمغزى الذي يحاول إيصاله من هذه المشاهد.
وعبر تغريداتهم وتدويناتهم على حساباتهم الشخصية على منصتي "إكس"، "فيسبوك" ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #حسام_أبوصفية، #الحرية_للدكتور_حسام_أبو_صفية، #أنقذوا_الأسرى، وغيرها، أكدوا أن هذا الطبيب الفلسطيني سيظل أيقونة صمود أمام المحتل.
وأكد ناشطون أن صورة تكبيل أقدام أبو صفية لن تقلل منه ولن تكسره ولكنها تظهر وجه الاحتلال الحقيقي، مستنكرين على المجتمع الدولي بأطيافه كافة الصمت على الجرائم الإسرائيلية، وتجاهل هذه المشاهد المهينة للقامات والرموز الوطنية والإنسانية والطبية.
ودعوا المقاومة الفلسطينية لتسليم الأسرى الإسرائيليين المقرر الإفراج عنهم ضمن اتفاق وقف إطلاق النار مكبلي اليدين والقدمين بالأصفاد في مشهد مشابه لما أظهر الاحتلال عليه مدير مستشفى كمال عدوان.
وبدوره، جدد مدير عام وزارة الصحة بغزة منير البرش، المطالبة بالإفراج عن مدير مستشفى كمال عدوان، والذي يعاني من ظروف صحية صعبة؛ حيث تُظهر اللقطات الأخيرة بوضوح الوضع الإنساني القاسي الذي يعيشه.
وطالب الصحفي الفلسطيني أنس الشريف، بالحرية للدكتور أبو صفية، عارضا صورتين: الأولى له وهو مكبل بين جنود الاحتلال، والثانية أثناء سيره على ركام مستشفى كمال عدوان بعدما هدمه الجيش.
تحليلات وقراءات
وفي تحليل للمشاهد الجديدة، قال رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة سلامة معروف، إن الاحتلال يظن واهما أنه بنشر مقطع الفيديو لأبو صفية مكبلا بالأصفاد، فإنه يكسر عزيمته ويقلل من قيمته ورمزيته.
وأضاف: "ما علم أنه بذلك زاده رفعة وشرفا، وازداد حبا وقدرا في عيون كل حر شريف، في حين أثبت الاحتلال مجددا مقدار خِسّته وإجرامه ولا إنسانيته".
وقال الكاتب إبراهيم حمامي: إنها محاولة بائسة ووضيعة لهز صورة د. حسام أبو صفية ولتثبيت روايتهم الكاذبة، واصفا فعلة الاحتلال بأنها “قذارة بلا حدود”.
وأوضح حمامي، أن المقطع المصوّر لـ"أبو صفية" كان عند إخراجه من الزنزانة لإجراء لقاء مع القناة 13 العبرية، تَعْرِضُه الليلةَ، وقد أجبر على أقوال أسموها اعترافات، انتُزِعت تحت الضغط والتعذيب والإرهاب، حول وجود أسرى ومسلحين في المستشفى.
وأكد أنها "أكاذيب جديدة يحاول مجرمو الاحتلال ترويجها لتبرير جرائمهم".
وأكد أحمد حسام، أن الاحتلال يعمد إلى تصدير صورة مهينة للطبيب الصامد أبو صفية؛ وذلك في محاولة يائسة لإيقاع الأذى النفسي في صدورنا. مشيرا إلى أن الطبيب تحوّل إلى رمزٍ للثبات والإنسانية خلال اجتياح جباليا الأخير.
وأوضح أن الصورة التي صدرها الاحتلال بالأمس يريد من خلالها تسديد ضربة في معركة الصورة، وذلك استنادا للمثل الشعبي (اتغدى فيه قبل لا يتعشى فيك).
وطالب الباحث في الشأن السياسي والإستراتيجي سعيد زياد، المقاومة بمعاملة أسرى الاحتلال بالمثل بقوله: "لا أقلّ من أن يخرج أسرى العدو يوم السبت مكبّلين مقيّدين بهذه الطريقة".
إهانة للطب
وتأكيدا على أن ما حدث مع أبو صفية إهانة لمهنة الطب والأطباء ورسالتهم، عدَّ الباحث في العلاقات الدولية علي أبو رزق، الفيديو الذي نشره الاحتلال له رسالة ردع وتخويف وترهيب ليس للدكتور الأيقونة فقط، بل للطبيب الفلسطيني ككل.
وأوضح أن الرسالة مفادها أن كل من يقرر الالتصاق بهذه الأرض ويختار البقاء عن الهجرة الطوعية أو القسرية سيواجه هذا المصير، مؤكدا أن المقطع مقصود في تَوْقِيته ورسالته وسياقه، ولا يوجد شيء بلا تخطيط وبدون سيناريو.
وقال الخبير في الإدارة الإستراتيجية مراد علي: إن من يظهر في الفيديو مكبلا في محاولة إذلاله، ليس إرهابيا ولا حتى مقاتلا مقاوما، لكنه طبيب كل جريمته أنه أصرَّ أن يستمر في علاج الأطفال والنساء في غزة رغم قصف إسرائيل.
وأضاف: "إنه الدكتور حسام أبو صفية مدير مستشفى كمال عدوان، وهذه إسرائيل الإرهابية".
وقال الطبيب زيد السلمان: إن المشهد الذي ظهر عليه أبو صفية يُجسد القمع والإذلال الممنهج الذي يُمارس بحق الأسرى، حتى عندما يكونون أطباء كرَّسوا حياتهم لإنقاذ الأرواح.
تواطؤ وخذلان
واستنكارا للخذلان الدولي، نعت المغرد تامر، العالم بـ"الظالم"، مشيرا إلى أن أبو صفية "البطل" وقع عليه ظلم هائل؛ فقد ذاق عذاب فقدان عائلته، وتحمَّل مسؤولية آلاف النازحين والمرضى، ودمِّر مكانُ عمله.
ولفت إلى أن أبو صفية تعرّض لِوَيْلات التعذيب في السجون الإسرائيلية، والتهمة: طبيب ومدير مستشفى في قطاع غزة.
وعد مدير المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إسماعيل الثوابتة، ما حدث مع أبو صفية "جريمة جديدة تُضاف إلى سجل الاحتلال الأسود!، ومشهدا صادما يكشف وحشيته".
واستنكر ظهور أبو صفية مكبلا بعد تعذيب وحشي في سجون الاحتلال، لافتا إلى أنه اعتُقل ظلما، وتعرّض لأبشع أنواع التعذيب دون أي تهمة حقيقية، فقط لأنه طبيب يخدم شعبه!
وأكد الثوابتة أن الاحتلال لم يستطع توجيه أي اتهام له، لكنه يواصل احتجازه كورقة مساومة رخيصة، في انتهاك صارخ لكل القوانين والمواثيق الدولية، موضحا أن هذه ليست مجرد جريمة فردية، بل سياسة ممنهجة لاستهداف الكوادر الطبية الفلسطينية ومحاولة كسر إرادة شعبنا.
وتساءل: “أين العالم من هذه الجريمة؟ أين المؤسسات الحقوقية؟” مؤكدا أن الصمت لم يعد مقبولا أمام هذه الفظائع!
ووصف الكاتب أدهم شرقاوي، أبو صفية، بأنه “بطلٌ يسيرُ نحو أقزام! بطلٌ خذلته أمَّتُه قبل أن يعتقله عدوُّه!”.
وأشار الكاتب العراقي علاء اللامي إلى أن الطبيب أبو صفية أسير مكبل بالأصفاد بين حشد من عساكر العدو، وهو أعزل من أي سلاح سوى إيمانه بعدالة قضية شعبه، وإخلاصه لمهنته الإنسانية!
وتساءل: “أين ضمير العالم المعاصر، وفي أي مستنقع عميق سقط؟ أين المؤسسات الدولية والإنسانية والطبية والمناهضة للقمع والإرهاب؟ هل يبقى هذا الكيان الخرافي الظلامي العنصري الفتاك مدللا وفوق القوانين الدولية والإنسانية القديمة والحديثة؟”
وواصل اللامي تساؤلاته: "لماذا يدفع العرب الفلسطينيون ثمن جرائم ألمانيا النازية واضطهاد الغربيين العنصريين لغيرهم؟"، قائلا: "الطبيب الفلسطيني الأعزل أبو صفية يقاد مكبلا بالأصفاد بين حشد من العسكر فيَا لفضيحة العالم المعاصر!".
وتابع: "يا لعار الأنظمة العربية والإسلامية المعترفة وغير المعترفة بالكيان الدموي والتي تتفرج على هذه المآسي والكوارث التي يُنْزِلها الصهاينة بشعب فلسطين الباسل المضحّي!".
قارع الاحتلال
وخصص ناشطون تغريداتهم للتذكير بالمعاناة التي تعرض لها أبو صفية طوال أيام الحرب وكيف واجه الاحتلال بصمود وثبات وتخطى أزماته بصبر وعزيمة؛ لاستكمال رسالته الإنسانية والمهنية، ونقل صورة معاناة الجرحى والمرضى وتقصير المجتمع الدولي.