بعد انسحاب بايدن.. هل تحسم غزة موقف الأميركيين السود من دعم هاريس؟
“42 بالمئة من الأميركيين السود مازالوا يعتقدون أن على بايدن الانسحاب”
في وقت صارع فيه الديمقراطيون من أجل انسحاب الرئيس جو بايدن من السباق الرئاسي لعام 2024، ثارت تساؤلات عن موقف الأميركيين من أصل إفريقي وحجم تأثيرهم في الانتخابات القادمة خاصة إذا أصبحت كامالا هاريس هي مرشحة الحزب الديمقراطي.
وترى مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أن هناك “أزمة وجودية في صفوف الناخبين السود”، مشيرة إلى موقفهم المتأخر فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على غزة.
وطالبت الجمعية الوطنية للنهوض بالملونين في الولايات المتحدة (NAACP) بوقف جميع شحنات الأسلحة إلى إسرائيل، وأن تطلق حركة المقاومة الإسلامية حماس سراح الأسرى الإسرائيليين، الذين احتجزتهم في عملية طوفان الأقصى.
وتقول المجلة في مقال كتبه زميل مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، كريستوفر شل، إن "أداء بايدن في المناظرة التي جرت في 27 يونيو/حزيران 2024، أثار قلق الديمقراطيين بشدة، حيث دعا العديد من قادة الحزب إلى انسحابه من السباق".
وفي استطلاع رأي مشترك أجرته، عقب المناظرة، شبكة "سي بي إس" الإخبارية الأميركية وشركة "YouGov" المتخصصة في أبحاث السوق واستطلاعات الرأي العام، فإن “الأميركيين السود كانوا يقولون إن بايدن يجب أن يظل المرشح الرئاسي للحزب الديمقراطي، أكثر من غيرهم من الفئات”.
فمقارنة بـ 32 بالمئة من ذوي البشرة البيضاء، و34 بالمئة من اللاتينيين، فإن 58 بالمئة من الأميركيين من أصل إفريقي كانوا يؤيدون استمرار بايدن مرشحا، لكن أشار الاستطلاع إلى أن “42 بالمئة من الأميركيين السود أكدوا ضرورة انسحابه من السباق”.
استياء كبير
ويدلل هذا بحسب المجلة، على أن هناك توترا نادرا ما يحدث في القاعدة الانتخابية الأكثر ولاء للرئيس.
وقال الكاتب: "في حين أن مجتمع السود كانت لديه ثقة أكبر في بايدن مقارنة بالمجموعات العِرقية الأخرى، لكن كان هناك استياء كبير وصخب من أجل تغيير المرشح، وربما فاقمت المناظرة من هذا الوضع".
ولكن هناك عوامل أخرى تلعب دورا في هذا الأمر، إلى جانب الأداء الضعيف للرئيس في المناظرة.
ويرى أن "ضعف دعم الناخبين السود للديمقراطيين يعزى جزئيا إلى القضايا المحلية، لكنه تفاقم بفعل قرارات إدارة بايدن في السياسة الخارجية التي أثرت على مجتمعهم وسهلت انتهاكات حقوق الإنسان في غزة".
وأوضح أن "الجمعية الوطنية للنهوض بالملونين" كانت غائبة إلى حد كبير عن نقاشات السياسة الخارجية منذ تأسيسها في منتصف القرن العشرين.
ولذلك فإن "قرار هذه المنظمة الحقوقية الرائدة في الولايات المتحدة بالتدخل في قضية الحرب في غزة، يبرز حقيقة أن مجتمع السود -الذي يعد أكثر شرائح وفاء للديمقراطيين- لم يكن قادرا على دعم بايدن بنفس القوة التي دعمه بها عام 2020".
وفي يناير/كانون الثاني 2024، دعا 1000 من الزعماء الدينيين السود إلى وقف إطلاق النار.
كما دعا زعماء "الكنيسة الأسقفية الميثودية الإفريقية" إلى إنهاء المساعدات الأميركية لإسرائيل.
وتصاعد هذا الموقف عندما أدانت وسائل الإعلام الأميركية-الإفريقية، في فبراير/شباط 2024، وفاة 3 من أفراد الخدمة السود على يد المليشيات المدعومة من إيران، وهم أول جنود أميركيين يقتلون بنيران عدائية في الشرق الأوسط منذ بداية حرب غزة.
وقتل العناصر الثلاثة في الجيش الأميركي نهاية يناير/كانون الثاني 2024، وأصيب 35 آخرون في هجوم بطائرة مسيرة استهدفت قاعدة في الأردن قرب الحدود السورية وفقا لبايدن، الذي اتهم فصائل مدعومة من إيران بالضلوع في العملية.
وكشف استطلاع للرأي أجرته "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي"، في مارس/آذار 2024، أن تأييد وقف إطلاق النار (68 بالمئة) واشتراط المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل بضمان استخدامها لأغراض مشروعة (59 بالمئة)، هو “موقف يحظى بشعبية بين الأميركيين السود”.
وقال الكاتب إن "الاستطلاع كشف أن هناك احتمالا أن تؤدي سياسة بايدن في غزة إلى تآكل دعمه بين الديمقراطيين الأكثر إخلاصا للحزب في مجتمع السود".
وكشف الاستطلاع في الوقت نفسه أن سياسات بايدن “تؤثر على فرصه بين المستقلين السود والناخبين الشباب على وجه الخصوص”.
ويؤكد الكاتب أن "الناخبين المستقلين والشباب من مجتمع السود هم شريحة سكانية مهمة كان يحتاج الرئيس بايدن (قبل انسحابه) إلى مغازلتها، في ظل سباق انتخابي محتدم".
إعادة ضبط
وذكر أنه "لم يمض وقت طويل بعد سلسلة الأحداث حتى أعادت إدارة بايدن ضبط سياستها تجاه غزة".
وفي مارس 2024، تحدثت كامالا هاريس، نائبة الرئيس على جسر إدموند بيتوس في مدينة سلما بولاية ألاباما، وهي أرض مقدسة في نضال الأميركيين السود من أجل الحرية وحق التصويت.
وبينما ذكّرت الناخبين بما سيعنيه ظهور الجناح اليميني من جديد بالنسبة لضمانات الحقوق المدنية الأساسية، علقت أيضا على الحرب في غزة.
وقالت: “نظرا لحجم المعاناة الهائل في غزة، يجب أن يكون هناك وقف فوري لإطلاق النار لمدة 6 أسابيع مقبلة على الأقل”، في إشارة إلى هدنة مؤقتة كما تريد إسرائيل بعد استعادة أسراها، وهو ما ترفضه حركة حماس وتطالب بإنهاء دائم للقتال.
وبحسب الكاتب، فإن قرار هاريس يتبني موقفا أكثر تقدما من بايدن -والإعلان عنه في ألاباما- يؤكد اعترافها بأنه “بالنسبة للعديد من الناخبين السود، لا يمكن فصل الحقوق المدنية المحلية بتاتا عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية على المستوى الدولي”.
لكن التصريحات القوية لهاريس لم تمنع الناخبين الأميركيين من أصل إفريقي الشباب من مواصلة انتقادهم لسياسة إدارة بايدن في الشرق الأوسط، وفق الكاتب.
على سبيل المثال، في مايو/أيار 2024، قررت جامعة زايفيير، وهي جامعة تاريخية للسود في ولاية لويزيانا، سحب عرضها لسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس-غرينفيلد، بأن تكون متحدثة في حفل التخرج.
واستشهد الطلاب بسجلها في التصويت ضد القرارات الثلاثة الأولى لوقف إطلاق النار التي قُدّمت إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قبل أن يَصدر قرار بقيادة الولايات المتحدة من أجل الهدنة في غزة، خلال يونيو/حزيران 2024.
وفي جامعة مورهاوس بولاية جورجيا -التي يتوقع أن تلعب دورا رئيسا في الانتخابات الرئاسية وتعد مسقط رأس الجنود الثلاثة الذين قتلوا في الهجوم بالطائرات المسيّرة في يناير - قوبل خطاب بايدن في حفل التخرج بامتعاض كبير من أعضاء الهيئة التدريسية والطلاب والخريجين.
وفي الأسابيع التي سبقت خطاب بايدن، وزع خريجو جامعة مورهاوس رسالة يحاججون فيها بأن اللحظة الحالية تشبه النشاط المناهض للحرب الذي قاده أشهر خريجي الجامعة، مارتن لوثر كينغ جونيور، في أواخر الستينيات.
وجاء في إحدى فقرات الخطاب أن "دعوة الرئيس بايدن إلى الحرم الجامعي تعني دعم هذا المعيار المجحف الذي يعد التواطؤ في الإبادة الجماعية أمرا لا يستحق العقاب من المؤسسة التي أخرجت أحد أعظم المدافعين عن اللاعنف".
وانتقد الخطاب ما عده "استغلالا لشباب جامعة مورهاوس كوسيلة لتحقيق الطموحات السياسية للرئيس".
وجرى خطاب بايدن دون وقوع حوادث كبيرة، حيث أدار العديد من الخريجين ظهورهم له أثناء حديثه.
ووضع بعضهم الأعلام الفلسطينية على قبعات التخرج الخاصة بهم، ووقف أحد أعضاء هيئة التدريس موجها ظهره لبايدن وممسكا بقبضته في الهواء.
موقف هاريس
وبينما تبنى بايدن وقف إطلاق النار خلال خطابه في 19 مايو 2024، لم تكن هناك محاولة لتفسير استمرار تدفق المساعدات العسكرية إلى الجيش الإسرائيلي المدجج بالسلاح، وهي السياسة التي كانت السبب الجذري لاستياء الطلاب وأعضاء هيئة التدريس.
وقال الكاتب: "على هذه الخلفية السياسية دخل بايدن المناظرة الرئاسية، وكما كان متوقعا، ظهرت تماما أهمية تصويت السود في الانتخابات الرئاسية لهذا العام".
وسُئل بايدن بعد مرور ساعة من المناظرة عما سيقوله للناخبين السود الذين يتهمونه بعدم الوفاء بوعوده لهم.
بطبيعة الحال، استعرض بايدن إنجازاته المحلية تجاه مجتمع السود، وهو تكتيك استخدمه خلال جولاته التي استهدفتهم خلال الأشهر الأخيرة.
وفي المقابل، رد منافسه الجمهوري دونالد ترامب، الذي لا يزال يحظى بشعبية كبيرة بين العديد من أولئك الناخبين، بأن المهاجرين غير الشرعيين يشغلون "وظائف السود".
ومن المعروف بحسب الكاتب أن مجتمع السود يتحفظ كثيرا على الإفراط في استخدام القوة العسكرية الأميركية في الخارج.
ويعود ذلك إلى أسباب تتعلق بالتكاليف البشرية للحرب والمفاضلة بين تخصيص أموال الضرائب للحروب الخارجية أو لتلبية الاحتياجات المحلية الملحة.
ويرى الكاتب أن "السخط الصادر من مجتمع السود بشأن غزة ليس مجرد إثارة للجدل حول التورط العسكري الأخير للبلاد".
وبدلا من ذلك يشير إلى أن هذا السخط ينبع من "تقليد طويل من المخاوف بشأن قوة الولايات المتحدة في العالم وتأثيراتها الضارة على مجتمع السود".
بداية من التمثيل الزائد للأشخاص السود في القوات المسلحة، ومرورا بسلامتهم ورفاهيتهم بعد الخدمة العسكرية.
وليس انتهاء باستنزاف أموال الضرائب لتمويل الحروب التي كان من الممكن إنفاقها بشكل أفضل على الاحتياجات المحلية الملحة.
وأوضح الكاتب أنه "ليس من المستغرب أن تكشف استطلاعات الرأي أن هاريس حصلت على أصوات أفضل بين الناخبين السود من بايدن".
ويعتقد أنه "إذا أصبحت هاريس المرشحة، فإن تصريحاتها بشأن إسرائيل وغزة يمكن أن تطمأن البعض بأنه قد تكون هناك محاولة صادقة للاستماع إلى وجهات نظر السياسة الخارجية للناخبين السود".