هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.. كيف تؤثر سلبا على الاقتصاد العالمي؟
أصبح البحر الأحمر محط اهتمام الرأي العام العالمي في الآونة الأخيرة، بعد الهجمات المتكررة التي تشنها مليشيا الحوثي اليمنية على السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل.
ولم يجبر ذلك العديد من عمالقة الشحن حول العالم على تغيير مساراتهم فحسب، بل أثار أيضا المخاوف بشأن استقرار سلاسل التوريد العالمية.
واستعرض موقع "المصدر" الصيني، في تقرير له، تأثير هجمات الحوثيين على السفن "المرتبطة بإسرائيل" في البحر الأحمر، والخسائر الاقتصادية العالمية الناجمة عن ذلك.
غياب الاستقرار
ويقع البحر الأحمر بين شمال شرق إفريقيا وشبه الجزيرة العربية، ويتصل بالبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس شمالا، وخليج عدن عبر مضيق باب المندب جنوبا، ويُعد شريانا للنقل بين آسيا وإفريقيا وأوروبا.
كما أنه الوسيلة الوحيدة لسفر السفن من وإلى المحيطين الأطلسي والهندي، ويُعرف أيضا بأنه أحد أكثر الممرات المائية ازدحاما، والأكثر أهمية وإثارة للجدل حول العالم.
وأشار الموقع إلى أن "العالم يعيش حاليا أزمة في قطاع النقل البحري" بسبب شن الحوثيين هجمات ردا على استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأفاد بأنه "نتيجة للهجمات المتكررة من قبل مسلحي الحوثي على السفن التجارية العابرة لمضيق باب المندب، أعلنت العديد من شركات الشحن العالمية عن تجنب استخدام البحر الأحمر".
يشمل ذلك ثلاثة منها تصنف على أنها أكبر شركات شحن الحاويات على مستوى العالم، وهي: MSC، وميرسك، وCMA-CGM.
وفي 18 ديسمبر/كانون الأول 2023، أعلنت شركة النفط والغاز العملاقة "بريتش بتروليوم - BP"، أنها أصدرت تعليماتها لإيقاف جميع الشحنات عبر البحر الأحمر.
وأكد الموقع أنه "مع استمرار حالة عدم الاستقرار، من المتوقع أن توقف المزيد من سفن شركات الشحن استخدام البحر الأحمر".
وأوضح أنه "بالنسبة لشركات الشحن الدولية التي أوقفت الإبحار عبر البحر الأحمر، فإن الخيار الأفضل هو التحول إلى الطريق عبر رأس الرجاء الصالح، أقصى الطرف الجنوبي لإفريقيا".
وبحسب شركة "فورتيكسا" (Vortexa) لاستخبارات الطاقة، فإن أوقات الإبحار على الطرق الرئيسة من الشرق الأوسط والهند إلى أوروبا، ستزيد بنسبة تتراوح ما بين 58 إلى 129 بالمئة إذا سعت السفن التجارية إلى طرق بديلة، مثل رأس الرجاء الصالح.
ويظهر أن الارتفاع الأكبر في الوقت اللازم لوصول البضائع إلى وجهتها، هو مسار الشحن من خليج العرب إلى البحر الأبيض المتوسط، حيث يبلغ الارتفاع 129 بالمئة، بزيادة من 17 إلى 39 يوما.
وأشارت شركة "CITIC Futures" إلى أن تغيير مسار السفن سيؤدي إلى زيادة زمن الإبحار من الشرق الأقصى إلى شمال غرب أوروبا بحوالي 9 أيام.
مما يعني زيادة تقديرية في زمن الرحيل لكل رحلة بحوالي 18 يوما، مع تقليل كفاءة دوران السفن بنسبة تقديرية تصل إلى 19 بالمئة.
ازدياد التكاليف
وعند اتخاذ خطوط الالتفاف، تتزايد بشكل كبير المسافة، كما تنخفض كفاءة دوران السفن، وتنقص الطاقة اللوجستية على مسارات الشحن بين آسيا وأوروبا بشكل سريع. وبناء على ذلك، أعلنت الشركات فرض رسوم إضافية.
وذكرت شركات الشحن العالمية مثل "Maersk" و"MSC" و"CMA CGM" و"Hapag-Lloyd" أنها ستفرض رسوما إضافية على السفن التي تغير مساراتها بسبب الهجمات في البحر الأحمر.
وأعلنت شركة "Maersk" أنه من المتوقع أن يتطلب دفع تكلفة إضافية تبلغ 700 دولار أميركي لكل حاوية شحن، بحجم 20 قدما تُرسل من الصين إلى شمال أوروبا.
وستفرض الشركة أيضا تكلفة إضافية قدرها 500 دولار أميركي على كل حاوية شحن، تُرسل إلى السواحل الشرقية لأميركا الشمالية.
وتابع الموقع الصيني أن "أسعار الشحن للعديد من الطرق الأوروبية وطرق البحر الأبيض المتوسط ستتضاعف في أوائل يناير/كانون الثاني 2024، مقارنة بنهاية ديسمبر 2023".
بالإضافة إلى ذلك، يجب على السفن التي تستمر في المرور عبر البحر الأحمر شراء تأمين أكثر تكلفة.
ووفقا للتقديرات، فقد ارتفعت أسعار التأمين ضد الحروب من 0.07 إلى نطاق يتراوح بين 0.1 و0.2 بالمئة.
ومع الزيادة في تكاليف الوقت والوقود والتأمين وغيرها من الأمور، يتوقع أن يتسبب ذلك في زيادة التكلفة الإجمالية للشحن، حسب الموقع الصيني.
وقال شيا هاوفي، مؤسس شركة جيان يون، إن نتيجة الاتصالات الأولية بين شركات الخطوط الملاحية المنتظمة هي أن سعر الشحن على خطوط أوروبا سيرتفع من 1500 إلى 3500 دولار أميركي للحاوية في منتصف يناير 2024.
كما أعلنت "MSC" أكبر شركة ملاحية منتظمة في العالم، أنها ستزيد سعر الشحن على طريق البحر الأبيض المتوسط إلى 5 آلاف دولار أميركي لكل حاوية بدءا من 1 يناير 2024.
ويعتقد المطلعون على المجال أن هذا يدل على أن السوق لديها توقعات قوية لارتفاع تكاليف الشحن.
حتى إن بعض المحللين يعتقدون أن أسعار الشحن على الطريق بين آسيا وأوروبا قد ترتفع بنسبة 100 بالمئة. وهنا يعتقد الموقع الصيني أن ذلك سيؤدي لارتفاع أسعار الطاقة كذلك.
أسعار السلع
وأفاد بأن "البحر الأحمر يُعد أحد الممرات الملاحية المهمة التي تربط آسيا بأوروبا، ويجرى عبر هذا الممر المائي نقل العديد من السلع مثل النفط والغاز الطبيعي والمنتجات الكيماوية والخامات المعدنية والحبوب وغيرها".
ولذلك، فإن الحوادث التي تعترض سلامة الشحن في البحر الأحمر سيكون لها أيضا تأثير على نقل وأسعار بعض السلع الاستهلاكية، وفق الموقع.
وبأخذ صناعة نقل السيارات الكهربائية كمثال، ذكرت بعض وسائل الإعلام أنه في ظل التوترات المتزايدة في البحر الأحمر، اختارت سيارات "تسلا" الكهربائية طريقا بديلا للنقل البحري من الصين إلى أوروبا.
ويتمثل هذا البديل في اتباع طريق رأس الرجاء الصالح، ومن المتوقع أن ترتفع تكلفة نقل السيارات الكهربائية بنسبة تقدر بحوالي 20 بالمئة جراء ذلك.
وقال شيا هاوفي، مؤسس شركة جيان يون إن "جزءا كبيرا من صادرات الصين إلى أوروبا عبارة عن منتجات إلكترونية وملابس وألعاب وسلع أخرى.
وحيث إن القيمة المضافة لهذه السلع ليست عالية، فإن هناك احتمالا كبيرا أنهم سيختارون طريقا بديلا للبحر الأحمر.
ونقل الموقع الصيني عن تقارير إعلامية أنه إذا لم يتحسن الوضع في البحر الأحمر، فقد تفكر الهند في طريق بديل على طول إفريقيا لنقل الأرز طويل الحبة، المعروف بـ"الأرز البسمتي"، مما قد يزيد الأسعار بنحو 15 إلى 20 بالمئة.
وذكر أن هذا الطريق قد يؤثر أيضا على صادرات الهند من الأرز البسمتي إلى مصر وأوروبا.
وأوضح أن "تغيرات الأسعار المذكورة أعلاه ستنعكس على تكاليف الغذاء والملابس، في وقت تعاني فيه دول العالم أزمة تضخم".
وأشار إلى أن "التعطيل المفاجئ لسلاسل التوريد العالمية يؤدي إلى خلق حالة من عدم اليقين، حيث تفكر البنوك المركزية الكبرى بالعالم في العودة إلى تطبيع السياسة النقدية".
وقال بعض المعلقين إنه "إذا كان انقطاع الشحن قصير الأجل، فقد لا يشعر المستهلكون به بشكل كبير، باستثناء زيادة طفيفة في أسعار البنزين".
"لكن إذا استمر هذا الوضع لفترة أطول، فقد يرتفع التضخم مرة أخرى في الشهر الأول من عام 2024"، حسب الموقع.