حال عودته للبيت الأبيض.. لماذا يصر ترامب على "إضعاف" قيمة الدولار ؟

منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

سلطت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية الضوء على خطة الرئيس السابق، دونالد ترامب لإضعاف الدولار إذا عاد إلى البيت الأبيض مرة أخرى بعد الانتخابات المقرر إجراؤها في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.

وقالت المجلة، في تقرير لها، إن ترامب "وعد باتباع سياسات اقتصادية إذا عاد إلى البيت الأبيض في العام 2025، منها فرض زيادات ضريبية هائلة على الواردات، وحرب تجارية عالمية".

لكن من بين هذه السياسات المدمرة -وفق وصف المجلة- يبرز إصرار ترامب على إضعاف الدولار الأميركي.

سياسة غريبة

وأوضحت أن "هذه السياسة تبدو غريبة، بل إنها يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية بشكل واضح".

وقالت: "لعقود من الزمن، ظل ترامب يطالب بإضعاف الدولار، أولا بصفته مطورا عقاريا مثقلا بالديون، ثم كمرشح رئاسي، ثم كرئيس، والآن مرة أخرى كمرشح لإعادة انتخابه".

وأردفت بأن "حملته الرامية إلى خفض قيمة الدولار اكتسبت دعما من شخصيات رئيسة مثل روبرت لايتهايزر، قيصره الاقتصادي السابق، الذي قد يلعب دورا محوريا في إدارة ترامب الثانية".

وذكرت أن "منطقهم مبسّط إلى حد مذهل، فهم يزعمون أن قيمة الدولار مبالغ فيها مقارنة بالعملات التي يستخدمها المنافسون التجاريون مثل الصين واليابان وأوروبا".

وبالتالي "من شأن الدولار الأضعف أن يجعل الواردات أكثر تكلفة بكثير بالنسبة للأميركيين ويجعل الصادرات الأميركية أكثر جاذبية في الأسواق العالمية".

وتؤكد "فورين بوليسي" وجود مشكلات عديدة في هذا الطرح؛ لكن المشكلة التي ستركز عليها المجلة هي أن هذه السياسة من شأنها أن تتعارض مباشرة مع الشيء الوحيد الذي يدعي ترامب أنه يحاربه، والذي يبدو أنه لا يزال يثير قلق الأميركيين أكثر من غيره وهو الأسعار المرتفعة.

في هذا السياق، يقول موريس أوبستفيلد الزميل البارز في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، إنه "من غير المنطقي أن نواجه التضخم المرتفع، ثم ندعو إلى خفض أسعار الفائدة، وزيادة التعريفات الجمركية، وإضعاف الدولار، فكل ذلك من شأنه أن يزيد من التضخم".

ووصف أوبستفيلد وهو كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي (IMF)، السياسة التي يريد ترامب اتباعها بأنها "مفتقرة للمنطق".

وقال: "على الرغم من ذلك، فإن ترامب ورفاقه على حق؛ ذلك أن قيمة الدولار الأميركي مبالغ فيها بعض الشيء مقارنة بالعملات الرئيسة الأخرى، بغض النظر عن الطريقة التي تنظر بها إليه".

بدوره، قدّر صندوق النقد الدولي أن الدولار كان مُقيّما بأكثر من قيمته الحقيقية بنحو 6 إلى 12 بالمئة عندما راجعه آخر مرة عام 2019.

وأشار إلى أن المنافسين الكبار -مثل الرنمينبي (اليوان) الصيني والين الياباني- رخيصون نسبيا مقارنة بالدولار، علما بأن الين يقترب من أدنى مستوياته في 40 عاما مقابل الدولار.

مشكلات كثيرة

لكن ترى "فورين بوليسي" أن المشاكل المرتبطة بسياسة تقليل قيمة الدولار تظل كثيرة، إذا ما افترضنا أن هذه السياسة قابلة للتطبيق بالفعل.

"فبادئ ذي بدء، لن يؤدي ضعف الدولار إلى الحد من الواردات الأميركية ولا إلى زيادة كبيرة في صادرات الولايات المتحدة وهو الهدف المعلن لهذه الإستراتيجية بأكملها".

وأوضح أنه "على المدى القصير جدا، ستؤدي سياسة النقد الرخيص والدولار الضعيف إلى تعزيز النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة، مما سيزيد من دخل المستهلكين، وبالتالي يؤدي ذلك إلى ارتفاع الواردات".

وتابع: "لذلك يتزايد العجز التجاري الأميركي عندما تكون الأوضاع الاقتصادية جيدة في الولايات المتحدة؛ لأن المستهلكين لديهم فائض من الأموال".

"ولكن الأكثر أهمية من ذلك بالنسبة لحالة ترامب ولايتهايزر، هو أن ضعف الدولار لن يفعل الكثير لتعزيز الصادرات الأميركية".

وأضافت المجلة أن "هناك مجموعة من العوامل، إلى جانب القيمة الهامشية للدولار، تعيق دخول السلع الأميركية إلى الأسواق الخارجية، بدءا من الحواجز غير الجمركية والقواعد التنظيمية، وصولا إلى تفضيلات المستهلكين".

لكن السبب الأكبر هو أنه في العالم الحديث لسلاسل التوريد العالمية، فإن تأثير قيمة عملة أي دولة على مستوى الصادرات محدود للغاية.

إذ تُصنع المنتجات بمواد قادمة من دول أجنبية، وتباع إلى بلدان أخرى، وغالبا ما يُعاد استيرادها وتعديلها مرة أخرى وتصديرها ثانية إلى مكان آخر.

"والنتيجة هي أنه في عالم تحكمه العولمة، فإن اختلاط سلسلة التوريد يقلل من أهمية قيمة عملة التصدير".

والمشكلة الأخرى التي أوردتها المجلة هي أن أسهل طريقة لإجبار الدولار على الانخفاض هي خفض أسعار الفائدة الأميركية، وهو أحد هواجس ترامب الطويلة الأمد.

وأوضح أن "الشيء الوحيد الذي يتبع بشكل بديهي انخفاض أسعار الفائدة -ما لم تكن في اليابان- يتمثل بارتفاع التضخم، وهو بالضبط ما يهاجم ترامب ومعاونوه الرئيس الأميركي جو بايدن، بسببه منذ سنوات.

القواعد العسكرية

وأشارت المجلة إلى عنصر الأمن القومي أيضا، حيث تحتفظ الولايات المتحدة بحوالي 800 قاعدة عسكرية خارجية في أكثر من 70 دولة، مما يعزز النفوذ الأميركي على مستوى العالم.

"وتستمر هذه القواعد في العمل يوما بعد يوم من خلال إنفاق الدولارات على الوقود والطاقة والإمدادات ومليون شيء آخر".

ولذلك، أكدت "فورين بوليسي" أنه "كلما كان الدولار أضعف، زادت تكلفة الحفاظ على التزامات البلاد المترامية الأطراف في الخارج، وهو ما يتعارض تماما مع خطط مستشاري ترامب لتحقيق السلام من خلال القوة".

وشككت المجلة في خطط ترامب لإضعاف الدولار، قائلة إنه "سيكون من الصعب تحقيقها على أي حال، وهو ما يجعل الأمر برمته محيرا".

وقالت: "لنأخذ على سبيل المثال العملة الصينية، التي، على الرغم من سنوات الانتقادات من جانب المسؤولين الأميركيين قبل وأثناء وبعد ترامب،  تستمر في الانخفاض من حيث القيمة النسبية".

وأردفت أن "الرنمينبي مرتبط جزئيا بالدولار، فإذا انخفضت قيمة الدولار، فإنه سوف يتبعه إلى الأسفل". 

وتابعت أن "بوسع الدول الأخرى أن تنحني شيئا ما وتسمح لعملاتها بالانخفاض قليلا لتعويض تحرك الدولار، وبهذا سيعود كل شيء إلى المربع الأول".

وتطرقت إلى التعريفة الجمركية، حيث تعهد ترامب بالفعل بفرض تعريفات على كل دولة في العالم، خاصة على الصين. وفي المرة الأخيرة التي فعل فيها ذلك، ردت بكين وأوروبا بالمثل.

 ولذلك فمن شأن التعريفات الجمركية الأجنبية أن تمحو على الإطلاق أي ميزة ضئيلة يكتسبها الدولار الأرخص.

وأوضحت المجلة أن "ترامب سعى لعقود من الزمن وراء إضعاف قيمة الدولار ولم يتمكن من الوصول إلى ذلك خلال فترة ولايته الفوضوية".

وانطلاقا من الأسباب السابق ذكرها، رأت أن ترامب "قد لا يصل إلى بغيته أيضا حتى لو وصل إلى البيت الأبيض مرة أخرى".