فوبيا رسمية.. لماذا يقف المستبدون العرب ضد المظاهرات الداعمة للفلسطينيين؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

بعد أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وبداية العدوان الإسرائيلي العنيف ضد قطاع غزة، اندلعت احتجاجات وتظاهرات كبيرة داعمة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة في العواصم والمدن العالمية كافة.

وكان لافتا للنظر أن حجم التظاهرات في بعض الدول العربية -رغم اشتهار شعوبها بالدعم الكامل للقضية الفلسطينية- أقل بكثير من نظيرتها في دول أخرى.

وتواردت الأنباء أن بعض الحكومات العربية -النظام المصري على سبيل المثال- ضيقت على المتظاهرين، واعتقلت بعضهم.

ووفقا لموقع "دويتشه فيله" الألماني، أعادت المظاهرات الداعمة لغزة في بعض البلدان العربية إلى الأذهان "موجة احتجاجات الربيع العربي". 

وإزاء ذلك، يلفت الموقع إلى أن بعض الحكومات العربية تخشى من أن يسفر القتال بين حركة المقاومة الإسلامية حماس وإسرائيل عن تغيير الوضع السياسي في داخل حدود بلادها. 

النظام المصري

وضرب مثالا بما حدث في مصر ذات الحدود اللصيقة مع الأراضي الفلسطينية بشكل عام، وقطاع غزة بشكل خاص.

ولفت الموقع إلى أن النظام المصري، الذي وصفته بأنه "يعد التظاهر والاحتجاج في الشوارع من قبيل المحرمات"، سمح بالتظاهر بعد أحداث غزة.

إذ أعطت السلطات المصرية، في نهاية شهر أكتوبر 2023، الضوء الأخضر لتنظيم مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين، كانت "تحت شروط صارمة وفي أماكن معينة".

ورغم ذلك، بحسب ما نقله الموقع عن المحامي الحقوقي خالد علي، ارتفعت حصيلة المعتقلين في مصر على خلفية التظاهرات الداعمة للفلسطينيين إلى 56 شخصا على الأقل.

وبحسب علي، فإن 11 منهم اعتقلوا من منازلهم، وتقرر حبسهم 15 يوما على ذمة التحقيق. كما أشار إلى أن العديد من الصحفيين اعتقلوا أيضا على خلفية تلك الاحتجاجات.

ويوضح بعض المراقبين موجة الاعتقالات هذه قائلين إن "بعض تلك الاحتجاجات كانت برعاية الدولة بشكل واضح، حيث نُقل المتظاهرون على متن حافلات مع ترديد هتافات متضامنة مع غزة ومؤيدة لـ(رئيس النظام) عبد الفتاح السيسي".

واستدرك الموقع: "لكن بعض المظاهرات كانت عفوية وبعيدة عن الترتيبات الحكومية، إذ شهد ميدان التحرير وسط القاهرة، الذي كان بؤرة احتجاجات عام 2011 في موجة الربيع العربي، مظاهرات داعمة لغزة".

لكن المختلف أن هذه التظاهرات رددت شعارات "عيش، حرية، عدالة اجتماعية" الذي يعد أيقونة ثورة يناير/كانون الثاني 2011.

وفي هذا الصدد، يقول جوست هلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "مجموعة الأزمات الدولية": "لطالما نظر قادة المنطقة إلى القضية الفلسطينية كوسيلة يمكن استغلالها لتنفيس الغضب الشعبي". 

لكنه شدد في مقابلته مع "دويتشه فيله" على أن "الأمر يحمل في طياته مخاطر"،موضحا أن "سوء الظروف في بلد ما، قد يساهم في أن تأخذ الاحتجاجات منحى يسلط الضوء على الوضع الداخلي لتنقلب الاحتجاجات ضد النظام الحاكم". 

تونس والبحرين

واصفا إياها بـ "الاحتجاجات الأكبر منذ 12 عاما"، يشير الموقع الألماني إلى سماح البحرين بتنظيم مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في أكتوبر 2023.

وأفادت بعض التقارير بأن "بعض المتظاهرين حملوا لافتات عليها صورة عاهل البلاد، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وهو يصافح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو ما أدى إلى استدعاء شرطة مكافحة الشغب لتفريق الاحتجاجات".

وعلى غرار ما حدث في مصر والبحرين، شهدت تونس كذلك احتجاجات مؤيدة للشعب الفلسطيني.

ومن الواضح -كما يعتقد الموقع- أن "الرئيس التونسي الاستبدادي بشكل متزايد، قيس سعيد، يسير على خط رفيع بشأن هذه القضية".

وتقصد بذلك أنه "يستخدم تعاطف السكان المحليين مع الفلسطينيين لمصلحته الخاصة".

وكتب خبراء مجموعة الأزمات الدولية في تعليق في وقت سابق من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2023: "قد يكون دافع سعيد لاتخاذ موقف متشدد وإثارة الغضب الشعبي هو صرف الانتباه عن الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد".

وهنا يستحضر الموقع الموقف المتغير للرئيس التونسي بشأن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، ففي البداية أيد سعيد مشروع قانون "يجعل تطبيع العلاقات مع إسرائيل جريمة جنائية". 

لكنه تراجع في الآونة الأخيرة قائلا إن "مثل هذا القانون سيضر بآفاق تونس الاقتصادية والدبلوماسية المستقبلية". 

استياء شعبي

وفي مقابلة له مع "دويتشه فيله"، قال حسام الحملاوي، الناشط المصري المتخصص في العلوم السياسية والمقيم في ألمانيا، إن الوضع "يكشف مدى ضعف الأنظمة العربية -بما فيها مصر-".

كما يكشف عن فشل تلك الأنظمة "في التأثير على مجريات الأحداث في غزة، خاصة حماية الفلسطينيين أو التوصل إلى وقف لإطلاق النار".

وأضاف: "هذا الأمر يثير استياء شعبيا واسع النطاق، وهو ما يمكن رصده جليا في منصات التواصل الاجتماعي، حيث يشارك كثيرون بحماسة آخر مستجدات الصراع، لكنهم ينشرون أيضا صورا ورسوما كاريكاتورية ونكات ساخرة من السيسي وغيره من الحكام العرب".

وأشار الحملاوي كذلك إلى أن "الأمر لا يعني بالضرورة أن تفضي الاحتجاجات الحالية المؤيدة للفلسطينيين إلى موجة احتجاجية جديدة مؤيدة للديمقراطية، على الأقل بشكل مباشر".

وعزا ذلك إلى "الفرق الكبير بين المعارضين في الوقت الراهن من جهة، وبين معارضي عام 2011 من جهة أخرى".

ولكن في الوقت نفسه، يرى الحملاوي أنه "إذا طال أمد الحرب في غزة، إلى جانب قمع السيسي الدائم للأصوات المعارضة كافة، من المحتمل أن يتسبب ذلك في حدوث شيء ما".

وفي النهاية، يلفت الموقع الألماني الأنظار إلى أن "دول الشرق الأوسط -التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل أو لا تزال في طور التطبيع- تسعى إلى تحقيق توازن بين التصريحات العلنية الغاضبة إزاء الأحداث في غزة، وبين السياسة الواقعية التي تدور خلف الكواليس والأبواب المغلقة".

وفي غضون ذلك، نقلا عن مجلة "الإيكونوميست" البريطانية، أنه "في محادثات غير رسمية، تحدث بعض المسؤولين العرب عن حماس وغزة بنبرة يُتوقع أن تصدر من اليمين الإسرائيلي فقط". 

واختتم الموقع الألماني: "إنهم لا يتعاطفون مع جماعة إسلامية تدعمها إيران، لكنهم لا يجرؤون على التصريح بذلك علنا".